بعض أحوال السلف في رمضــان، وكيف كانت همّتهم وعزيمتهم وجدّهم في العبــادة لنلحق بذلك الركــب ونكون من عرف حقّ هذا الشهــر فعمل له وشمّــر.
أولاً: حالهم مع قراءة القرآن
قال ابن رجب: " وفي حديث فاطمة رضي الله عنها عن أبيها صلى الله عليه وسلم أنّه أخبرها : «أنّ جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرةً وأنّه عارضه في عام وفاته مرتين» ، وفي حديث ابن عباس «أنّ المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً» .
فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً فإنّ الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} ، وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ". (لطائف المعارف ص315).
ولهذا حرص السلف رحمهم الله على الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان بين ذلك في سير أعلام النبلاء فمن ذلك.
كان الأسود بن يزيد يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليالٍ.
كان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسه أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن.
كان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.
كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصحف وجمع إليه أصحابه.
كان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمه.
قال أبي عوانة : " شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان ".
كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلةٍ.
وقال الربيع بن سليمان: " كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة وفي كل شهر ثلاثين ختمة ".
كان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر.
كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة.
وقال القاسم بن علي يصف أباه ابن عساكر صاحب (تاريخ دمشق): " وكان مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة أو يختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية ".
فائدة :
قال ابن رجب الحنبلي : " وإنّما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأمّا في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنام للزمان والمكان وهذا قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأمة وعليه يدل عمل غيرهم ". (لطائف المعارف).
ثانياً: حالهم في قيام الليل
فإن قيام الليل هو دأب الصالحين وتجارة المؤمنين وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم فيشكون إليه أحوالهم ويسألونه من فضله فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات وتقتبس من أنوار تلك القربات وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
قال الحسن البصري: " لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ".
وقال أبو عثمان النهدي: " تضيّفت أبا هريرة سبعاً فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً يصلي هذا ثم يوقظ هذا ".
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنّه حبة على مقلى ثم يقول: " اللّهم إن جهنم لا تدعني أنام فيقوم إلى مصلاه ".
وكان طاوس يثب من على فراشه ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول : " طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين ".
عن السائب بن يزيد قال : " أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبَي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان، فكان القاريء يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلاَّ في فروع الفجر ". .
وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: " سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر ". .
وعن أبي عثمان النهدي قال: " أمر عمر بثلاثة قراء يقرؤون في رمضان، فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية، وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين، وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين ". .
وعن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هُرْمز قال: " كان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم ". .
وقال نافع: " كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان، فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح ". .
وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: " سمعت ابن أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها، وما يبلغني أنّ أحداً يسثقل ذلك "..
وعن عمران بن حُدير قال: " كان أبو مجلز يقوم بالحي في رمضان يختم في كل سبع ". .
وعن عبد الصمد قال حدثنا أبو الأشهب قال: " كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام ".
وعن يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد قال: " كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمائتين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام ". .
طبقات السلف في قيام الليل
قال ابن الجوزي: " واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات:
الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء.
الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل.
الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : «أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سُدسه» .
الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه.
الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام فإذا انتبه قام.
الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين.
الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين ويُعسِّـلون في السحر فيجمعون بين الطرفين، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه وذلك كل ليلة» ".
الأسباب الميسِّرة لقيام الليل
ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل.
فأمّا الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
الأول: ألّا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألّا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألّا يترك القيلولة بالنهار فإنّها تعين على القيام.
الرابع: ألّا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.
وأمّا الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن البدع وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله وقوة الإيمان بأنّه في قيامه لا يتكلم بحرف إلذا وهو مناج ربذه.
ثالثاً: حالهم في الجود والكرم إذا أقبل شهر رمضان
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة» .
قال المهلب: " وفيه بركة أعمال الخير، وأنّ بعضها يفتح بعضاً ويعين على بعض ألا ترى أنّ بركة الصيام ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي صلى الله عليه وسلم وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة ".
وقال الزين بن المنير: " أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم ".
وقال ابن رجب: " قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة النّاس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مكاسبهم ".
2- كان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلَّا مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجِفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
3- يقول يونس بن يزيد: " كان ابن شهاب إذا دخل رمضان فإنّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام ".
4- كان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمس مائة إنسان، وإنّه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم.
رابعاً: التقليل من الطعام
1- قال إبراهيم بن أبي أيوب: " كان محمد بن عمرو الغزي يأكل في شهر رمضان أكلتين ".
2- وقال أبو العباس هاشم بن القاسم: " كنت عند المهتدي عشيَّةً في رمضان فقمت لأنصرف فقال: اجلس، فجلست، فصلى بنا، ودعا بالطعام فأحضر طبقَ خِلافٍ عليه أرغفةٌ وآنية فيها ملحٌ وزيتٌ وخلٌّ فدعاني إلى الأكل فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ فقال: ألم تكن صائماًً؟ قلت: بلى، قال: فكل واستوفِ فليس هنا غير ما ترى! ".
خامساً: حفظ اللسان وقلة الكلام وتوقي الكذب
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه» .
قال المهلب: " وفيه دليل أن حُكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور كما يمسك عن الطعام والشراب وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقَّص صيامه وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه ".
2- قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائمٌ إنّي صائمٌ» .
قال المازري في قوله: « إنّي صائمٌ » " يحتمل أن يكون المراد بذلك أن يخاطب نفسه على جهة الزجر لها عن السباب والمشاتمة ".
3- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ليس الصيام من الطعام والشراب وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف ". .
4-وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب ولكن من الكذب والباطل واللغو ". .
5- وعن طلق بن قيس قال: " قال أبو ذر رضي الله عنه: إذا صمت فتحفظ ما استطعت ".
وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلّا لصلاة . .
6- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء ". .
7- وعن عطاء قال: " سمعت أبا هريرة يقول: إذا كنت صائماً فلا تجهل ولا تساب وإن جُهِل عليك فقل: إنّي صائم ". .
8- وعن مجاهد قال: " خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب ". .
9- وعن أبي العالية قال: .
أحوال السلف مع الوقت
قال الحسن البصري : " يا ابن آدم! إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك ".
وقال : " يا ابن آدم! نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك ".
وقال : " الدنيا ثلاثة أيام : أما الأمس فقد ذهب بما فيه وأما غداً فلعلّك لا تدركه وأما اليوم فلك فاعمل فيه ".
وقال ابن مسعود : " ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي ".
وقال ابن القيم : " إضاعة الوقت أشد من الموت لأنّ إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها ".
وقال السري بن المفلس : " إن اغتممت بما ينقص من مالك فابكِ على ما ينقص من عمرك ".
خاتمة
نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتقبل الله أعمالنا وصيامنا وقيامنا ويعتقنا من النّار .. اللهم أمين ..
وآخر دعوان أن الحمدلله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
من إعداد/ سلسلة العلامتين
رتاج1 @rtag1
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ارجوااانا
•
جزاك الله خير ,,, وبارك الله فيك وعسى الله يبلغنا رمضان ويتقبل منا
نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتقبل الله أعمالنا وصيامنا وقيامنا ويعتقنا من النّار .. اللهم أمين ..
الله ينور قلبك ويشرح صدرك أختي على الموضوع
الله ينور قلبك ويشرح صدرك أختي على الموضوع
عاشقة الغروب... :نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتقبل الله أعمالنا وصيامنا وقيامنا ويعتقنا من النّار .. اللهم أمين .. الله ينور قلبك ويشرح صدرك أختي على الموضوعنسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتقبل الله أعمالنا وصيامنا وقيامنا ويعتقنا من النّار .. اللهم أمين...
نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يتقبل الله أعمالنا وصيامنا وقيامنا ويعتقنا من النّار
بوركتِ أخيتي الحبيبة نفع الله بكِ وأجزل لكِ المثوبة
بوركتِ أخيتي الحبيبة نفع الله بكِ وأجزل لكِ المثوبة
الصفحة الأخيرة