إن كل إنسان منا يشعر بالألم من حين لآخر، والألم من أهم وسائل الدفاع في الجسم وبالتالي فهو من أهم نعم الله على عباده. ويخطئ بعض الناس ويظنون أن الألم أو الإصابة أو أية خسارة جسيمة تقع عليهم إنما هي عذاب من الله وانتقام، وهذا خطأ جسيم لأنه يوقع الإنسان فريسة للمرض النفسي. والله سبحانه وتعالى يقول حاكيا عن لقمان:
.. ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (إن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا).
والأمر ليس كما يظن الناس... فكل ألم يحدث للإنسان هو إنذار مفيد، وكل مفيد نعمة يجب أن يشكر الإنسان ربه عليها، ومن أجل ذلك ينبغي على الإنسان الذي يشعر بالألم أو المرض ألا يتذمر ولا يضيق ذرعا بل يتذكر نعمة الله عليه فيتجه إليه بالحمد والشكر، وهذا رضا يصاحبه جرعة كبيرة من الإيمان هي في طبيعتها علاج نفسي يؤدي إلى الشفاء.
وعلى الإنسان أن يستنفذ أسباب البشر من طب وعلاج وغيره وبعد ذلك يتجه إلى الله صابرا راضيا وشاكرا.
وقد أعطتنا السنة النبوية الهداية في ذلك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأشرف الخلق وأحب خلق الله إلى الله ومع ذلك كان أكثر الناس إصابة بالألم. ولو لم يكن الألم نعمة من الله على عباده ما أحدثه لأحب الناس إليه. والذي لا يتبع هدى رسول الله حينما يحدث له ألم ينفعل ويتوتر وينزعج ويصاب بآلام الأمراض النفسية والبدنية.
وفي الحديث عن السيدة عائشة قالت ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله. وفي الحديث أيضا عن ابن مسعود قال (دخلت على رسول الله وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا قال أجل إنني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت ذلك أن لك أجران قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ذلك كذلك، ما من مسلم يصبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها عن سيئاته كما تحط الشجرة ورقها).
وما كان الله يريد لأحب الناس إليه ألما وعذابا وما كان الألم غضبا من الله على رسوله ، ولكن ليجعله أسوة لأمته في الشدة والرخاء والصحة والمرض. ولا شك أن الآلام النفسية هي أشد إيلاما من الآلام البدنية، والمؤمن يبتلى في الحياة بالمرض والألم تارة أو بالظلم والبغي عليه تارة أخرى أو بالهم والغم تارة ثالثة. وكل ذلك يسبب له مرضا نفسيا (توترا واكتئابا.. الخ). وما ينبغي لأحد من المؤمنين أن يظن أن ذلك عذاب من الله وانتقام. فقد روى عن رسول الله أنه قال (إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط).
وفي الحديث أيضا (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل). وفي الحديث كذلك (يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في ابتلائه).
إن أية مصيبة تحدث للمؤمن غير المصيبة في الدين ينبغي أن يشكر الله عليها لأن ذلك يحط من خطاياه ويرفعه عند الله درجات وهو في نفس الوقت من الناحية النفسية علاج عظيم.
وقد مرض نبي الله أيوب لمدة 18 عاما وأخذ الله منه المال وحرمه من الأولاد والصحة فكان يناجي ربه ويقول (أحمدك يا رب الأرباب، أخذت مني المال والصحة والولد ،وفرغت قلبي من كل ذلك، فلم يعد يحول بيني وبينك شيء، لو علم عدو الله إبليس بما حباني الله به لحسدني).
وقد أثبت العلم الحديث أن الصبر على الألم بنفس راضية ليس عبادة لله فحسب بل فائدة للجسم والنفس. فالذي يحمد الله على الألم يشعر بدرجة واحدة من الألم، أما الذي يتوتر وينفعل ولا يصبر فإنه يشعر بنفس الألم عشر درجات. لأن التوتر العصبي يزيد الشعور بالألم، بينما الهدوء النفسي والصبر يقللان من ذلك كثيرا.
وصدق رسول الله القائل (الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله). وقال أيضا (من يتصبر يصبره الله، ومن يستعن يعنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر).
أحدث علاج نفسي للغضب والتوتر الانفعالي مأخوذ من السنة
وعن علاج التوتر والغضب في السنة النبوية قال د. أحمد شوقي إبراهيم إن الإنسان العادي يتعرض كل يوم للكثير من المشكلات التي تسبب له ضيقا وتوترا وانزعاجا وغضبا. والغضب يضر بصحة الإنسان، فإذا غضب الإنسان ازداد نشاط العصب السمبثاوي (عصب التحفر) وأفرز الأدرنالين والكورتيزون وغيرهما، وهذا يؤدي إلى تحفز الجسم، فيتسارع ضغط الدم، ويرتفع نبض القلب، ويكون الإنسان معرضا لأمراض السكر وضغط الدم المرتفع والذبحة الصدرية وغيرها.
ولم تكن الأضرار الصحية للغضب وما يصاحبه معروفة قبل العصر الحديث، وأفضل نصيحة طبية تقول لهذا الإنسان المنفعل الغضبان "لا تغضب".
إلا إن السنة النبوية قالت هذا الكلام منذ زمن بعيد ففي الحديث الصحيح (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغضب).
وفي الحديث الصحيح أيضا (علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت وإذا غضب أحدكم فليسكت وإذا غضب أحدكم فليسكت).
وهكذا أوصى رسول الله بالسكوت عند الغضب ثلاثا لأن الإنسان حينما يغضب يكون في حالة من ثلاثة: إما يتكلم فليسكت، وإما يعمل فليسكت، وإما يكتب فليسكت. إن أي كلام أو كتابة أو عمل أثناء الغضب لا يمكن أن يوافق الإنسان نفسه عليه إذا سكت عنه الغضب. ولهذا جاء في الحديث الصحيح ( لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان).
وتجنب الغضب كرد فعل للأحداث اليومية ليس أمرا سهلا ولكنه يحتاج إلى قوة وشدة في السيطرة على الأعصاب، وإلى إيمان قوي بالله يهدئ ثورة القلب .. ولذلك جاء الحديث الشريف (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
هذا هو العلاج، أما تناول المهدئات فإنها تحدث آثارا جانبية إذا تكرر استعمالها وتدخل صاحبها في حلقة مفرغة من المتاعب الصحية ومتعاطيها كالمستجير من الرمضاء بالنار.
كما أن السنة النبوية أوصت الغضبان أن يغير من وضعه (فإذا كان واقفا فليجلس وإذا كان جالسا فيلضطجع). وللغرابة أن ذلك هو أحدث الأساليب العلمية في العلاج النفسي، وهو تقليل الحساسية الانفعالية والاسترخاء العضلي والنفسي... وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
« ادعيه لِتَفْرِيجِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ بِإِذْنِ اللهِ »
رَوَاهُ الأَصْبَهَانِيُّ مِنْ حَدِيِثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلفْظُهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا عَلِيُّ أَلا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً إِذَا أَصَابَكَ غَمٌّ أَوْ هَمٌّ تَدْعُو بِهِ رَبَّكَ فَيسْتَجَابُ لَكَ بِإِذْنِ اللهِ وَيُفَرَّجُ عَنْكَ : تَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ، وَاحْمَدِ اللهَ وَاَثْنِ عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلى نَبِيِّكَ وَاسْتَغْفِرْ لِنَفْسِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ، ثُمَّ قُلْ : « اللَّهُمَّ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيم سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ السَّمَواتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ ، اللَّهُمَّ كَاشِفَ الْغَمِّ مُفَرِّجَ الْهَمِّ ، مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضطَرِّينَ إِذَا دَعَوْكَ ، رَحْمنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا فَارْحَمْني في حَاجَتي هذِهِ بِقَضَائِهَا وَنَجَاحِهَا رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ » .
وَعَنْ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « جَاءَني جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِدَعْوَاتٍ ، فَقَالَ : إِذَا نَزَلَ بِكَ أَمْرٌ مِنُ أَمْرِ دُنْيَاكَ فَقَدِّمْهُنَّ ، ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ ، يَا بَدِيعَ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ، يَاذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ، يَا صَرِيخَ المُسْتَصْرِخِينَ (1) ، يَا غِيَاثَ المُسْتَغِيثِينَ ، يَا كَاشِفَ السُّوءِ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ ، يَا إِلهَ الْعَالَمِينَ ، بِكَ أُنْزِلُ حَاجَتي ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهَا فَاقْضِهَا » .
أخرجه الأصبهاني وله شواهد كثيرة
(1) يا صريخ المستصرخين : يريد يا مجيب من دعاك .
"اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضِ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي"
-"لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم"
اللهم صلي على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
لـــــــــمــــار @lmar_85
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
~noonee~
•
جزاك الله خير
أشكرك أختي على كلماتك الجميلة، لا حرمتِ الأجر.
للتنبيه..
الحديثين الأخيرين اللذان رواهما الأصبهاني ذكرها الشيخ الألباني -رحمه الله- في سلسلة الأحاديث الضعيفة.
الأول قال عنه : ( منكر ).
و الثاني: قال عنه : (موضوع)
و أولى منهما دعاء الهم و الحزن المشهور:
ما أصاب عبداُ هم و لا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي " . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً) رواه الامام احمد، و صححه الالباني.
وقال صلى الله عليه وسلم (دعاء المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً ) صحيح، سنن ابن ماجه.
وفقني الله و إياك لما يحبه و يرضاه.
للتنبيه..
الحديثين الأخيرين اللذان رواهما الأصبهاني ذكرها الشيخ الألباني -رحمه الله- في سلسلة الأحاديث الضعيفة.
الأول قال عنه : ( منكر ).
و الثاني: قال عنه : (موضوع)
و أولى منهما دعاء الهم و الحزن المشهور:
ما أصاب عبداُ هم و لا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي " . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً) رواه الامام احمد، و صححه الالباني.
وقال صلى الله عليه وسلم (دعاء المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً ) صحيح، سنن ابن ماجه.
وفقني الله و إياك لما يحبه و يرضاه.
الصفحة الأخيرة