أمـانة الحضرمي يشهد بها احد قضـاة المحكمة الكبرى بالرياض

الملتقى العام

حدث في المحكمة
أمانة «الحضرمي»
يرويها فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح الخضيري ( * )


دخل صاحب السبعين خريفاً على القاضي يقبض بيمينه شاباً صغيراً وتقدمهم حضرمي كريم امين فقال هذا الصبي الباكي الحزين: ردُّوا علي جدتي ولا أريد شيئاً، وقال جده لابيه: ان حفيدي هذا كان عند أم أمه، وكان يرعاها ويعولها ويخدمها حين مرضت في المستشفى، ولان ام هذا الطفل زوجة ولدي وولدي على اختلاف شديد فقد فارقها ولدي ثم تزوجت برجل آخر وهي عاقة لأمها ظالمة لها وابني ايضاً ضائع وتائه لا كرامة عندي له ولهذا فإن هذا الحفيد سيكون في قبضتي والله يعينني عليه ولكن جدته خلفت عقاراً لا تملك سواه وقد وهبته في حياتها لهذا الحفيد ولايزال قاصراً وخشيت إن أعطته اوراق الدار او نحوها أن تخون أمُّه الأمانة فتسرق منه الاوراق وتزوِّرها او تأخذ البيت منه قصراً ولا يستطيع لهانصرا ولا منها انتصارا فولَّت وجهة هذا الحضرمي الكريم الامين واعطته هذه الاوراق التي لا ندري ما فيها وجاءت بنتها كشيطان تلبس لباس امرأة تزمجر وتولول وتسب وتسخط وتشتم في امها ورائحة العقوق تفوح كريهة مؤذية وبالفعل تقدم الحضرمي بخطوات واثقة وقال للقاضي: ايها الشيخ الجليل هذه المرأة في حال عافيتها قبل سنين اتت الي في بقالتي وهي تسكن قريباً منها وقالت: اني استودعك هذه الامانة بسرارها ووكائها وانشدك الله ان لا تطلع عليها وعلى ما فيها وان لا تسلمها لكائن مَنْ كان من اقاربي وان تعطيها القاضي بيده وتأمره ان يحافظ على ابني وعليها فاذا وصلت الى القاضي فقد وصلت الى الامان وانت في حل مني وسعة لاني اثق ان القاضي سيحمي ابني بعد الله - عز وجل - وسيكون له الاب الرحيم وستكون المحكمة نعم المدافع عن حقه والقضاء النزيه عندنا يثلج الصَّدر ويريح الخاطر فاذا كنت في قبري ووسِّدتُ التراب وعلمت ان ابني سُلِّم هو واوراقه للقضاء الشرعي فاني اعلم يقيناً انه قد وصل الى بر الامان والاطمئنان ، لاني لا اثق باولادي ولا اثق بابنتي ولا باقاربي ولم يكن لها غير ابنتها يومئذ وبني عم هم أبعد الناس عنها واشدهم غضباً عليها، فأخذ القاضي تلك الاوراق بوكائها وعفاصها وفكها وفلها ورأى الحرص الشديد من تلك العجوز فاذا فيها كلام يسيل الدموع الجارحة كلام تهتز له القلوب المؤمنة تقول فيها: أيها القاضي سلام الله عليك.. اما بعد: فان ابنتي بجرة مؤذية لم تعرفني منذ عشر سنين وقد فارقها زوجها بعد ان انجبت له هذا الطفل الذي القوه في داري طفلاً صغيراً فربيته واكرمته وعلمته التوحيد وامور الدين وحسن الاخلاق ولانني اعلم ان ابا هذا الطفل ايضاً تائه كأمه ولان هذا الطفل قد احسن إليَّ وأكرمني بحسن خلقه وخدمته لي فقد وهبته بيتي الذي اقطنه وجعلته ملكاً له يسكن فيه اذا احتاجه ويؤجره، واعلم ايها القاضي ان بيتي هذا امانة وانا لا املك من الدنيا شيئاً وقد سددت الديون التي لي وما يقوله صاحب البقالة من ديون علي فانه صادق فتعطى اياه من هذه النقود التي هي ميراثي ثم نظر القاضي الى مجموعة قليلة من النقود وعدها بيده وسأل هذا الحضرمي ألك عليها دين؟ قال: نعم، ولكنه قليل وقد سامحتها فيه في الدنيا والآخرة فلا اريده وسلم القاضي المبلغ للورثة على قسمة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وخرجوا يسبِّون ويشتمون في هذه المرأة الميتة، واما الطفل الصغير فقد سُلِّم أوراقه بعد ان وثقها التوثيق الشرعي وسلَّمها لجده، واخذ القاضي عليه العهود والمواثيق ان يحافظ عليه فكان الجد نعم الاب، حافظ على ابنه وعلمه ووجهه حتى ارتدى البدلة العسكرية ليرتزق من مال الله عز وجل وليقدم به خدمة لدينه ثم امته المؤمنة واستمر هذا الصبي بعدما كبر وبلغ مبلغ الرجال يذكر بالحنين والشوق جدته الكريمة ويصغي ويغضي عن ظلمات امه الشديدة المؤذية فرحم الله موتانا وموتى المسلمين واصلح الله احيانا وغفر لنا وللجميع.


( * ) القاضي بالمحكمة الكبرى في الرياض
3
462

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

صباح الخير يا أمي
الله يكثر من امثال هاللامين
الامانة انقرضت نسال الله السلامة
ليدي لين راسل
ليدي لين راسل
مشكور
ع
المرور