أختي الحسناء :
في البداية أقول :
ليس الحديث عن الجمال حكراً على فئة معينة
ولا محرماً على فئة معينة
وليس أحق الناس بالحديث عنه المائلين المميلين
من كل عدو للمرأة في ثياب صديق من كاتب أو شاعر
فليتحدثوا وليدعوا غيرهم يتحدث {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}
وسيعلم الناس أي المتحدثين أصدق لهجة وأبر مقصداً
وستعلم بذلك الحسناوات
ولا سيما من لا تخمرها نشوة الجمال وبهرجة المداحين .
لعل أخواتنا الحسناوات - حرسهن الله من كل سوء -
يعرفن أن الجمال ليس أهم شيء
ولعلهن يعرفن أيضاً أن أهم شيء في حياة الإنسان
تلك الثلاثة المعلومة :
الدين أولاً .. ثم الأمن .. ثم العافية
على اختلاف في ترتيب الأخيرين .
ونحن لا نريد أن نضرب الحسناء في أعز ما تملك
ولا نريد أن نفج ما يستحسنه الناس أجمعون ولا نكفر بالله نعمه
بل لا شك أن الجمال نعمة عظيمة يهبها لمن يشاء
وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم سبباً من أسباب طلب الرجال للمرأة
في قوله : الحديث .
ولكن هبي أن فلانة من النساء كانت جميلة
فهل معنى ذلك أن تتباهى بجمالها على الأخريات
الآتي هن أقل جمالاً منها ؟! .
أم هل معنى ذلك أن تشك في كل متقدم لها من الرجال
فتحرم نفسها وتنساق إلى زنزانة العنوسة شيئاً فشيئاً وهي لا تشعر ؟! .
أم هل معنى ذلك أن تمزق نفسها في ألحان ذلك الفنان الساقط
أو تذيب مهجتها في صفحات المجلات الهابطة
وشاشات القنوات الفاجرة .
وهل معنى الجمال أن تجعل المرأة نفسها
كقطعة العرض في المجلات التجارية
حتى لا يبقى بر ولا فاجر إلا نظر إليها وتحدث عنها
وأضحت مائدة للخونة تختلف حظوظهم منها
بقدر حظوظهم من الخيانة وقدرتهم على المخادعة .
أم هل معنى الجمال الحسناء المتزوجة
أن تتعالى على بعلها الطيب الخلوق
فلا تراه أهلاً لحيازة ذلك الملاك الفاتن والتمتع به
وأن تعفى من أعمالها الأساسية لأنها جميلة
أو تطلب إليه أن يعاملها معاملة ( غير عادية )
يجعل بين يديها من الخدم والحشم ما لا يحصى كثرة
أو ترى زوجها الطيب نشوزاً أو إعراضاً
وربما لوّحت بطلب الطلاق لثقتها بزواجها
ويقينها بإدراك رجل خير منه ؟! .
كلا .. وألف كلا
ومعذرة يا سيدتي الجميلة
فليس شيء من ذلك مقبولاً بحجة الجمال
ولكن ما يجب أن يكون منك على بال
هو أن كل نعمة من الله
وأعظم سبب لزوالها نكرانها وعدم شكر مسديها
واستعمالها فيما لا يرضي بدل استعمالها فيما أوجبه
{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
ثم إن عمر هذا الجمال قصير
فلا تظني أحداً سيخطب ذات الأربعين ربيعاً !
لأنها كانت جميلة في سن العشرين
لأن لذة الجمال ومنفعته في حاضره لا في تاريخه
بل هو من أبعد الأشياء عن الانتفاع بماضية
ولا تستطيع أي جميلة في الدنيا
أن تتوقف زحف الشيخوخة المحتم على جمالها
والله تعالى يقول : {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا}
ولن تمنع أحداً أن يقول عنها غداً :
( العجوز الشمطاء )..
وإذا دخلت النساء تلك الدائرة فلا فرق بين بيضهن وسودهن .
وقديماً سخر من عجوز تعالج شيخوختها بكل غال ونفيس فقال :
عجوز ترجي أن تكون صبية = وقد لحم الجنبان واحدودب الظهر
تدس إلى العطار ميرة بيتها = وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
ولعلك تلاحظ محاولاتها الجادة والمضيئة لإخفاء جهودها
في استرجاع الشباب تحت قول الشاعر
فهي حريصة ألا يعلم بذلك أحد
وهذا من وجوه الإبداع والإجادة لدى بعض الشعراء .
ثم إن ذلك الجمال - قبل زحف الشيخوخة -
لا يملكه أحد غير الله سبحانه وتعالى
حتى أعداء المرأة الذين يتغنون بجمالها وأنوثتها
ويمزقون أنفسهم وليلهم ونهارهم عشقاً لها - كما زعموا -
فهم يزعمون أنهم عشاقها والمدافعون عنها
ولكنهم أول من ينساها بل يرميها رميا .
ولهم في كل فترة من الزمن جيل من البُله البريئات
يعبثون بهم أبلغ ما يكون العبث وأقبح ما يكون
فيدعن الغيورين ويُطعن الختورين
فيصبح الأمر كما قيل :
تموت الأُسد في الغابات جوعاً = ولحم الضان يرمى للكلاب
فإذا شبنّ رموهن رمي الحذاء البالي .. واستبدلوا بهن الشواب
وربما تكون البدائل بناتهن مغفلات من مغفلات
دفع الله عنهن كل عدو .
لا أحد من أولئك - ولا الجميلة نفسها - يملك الجمال
ولا يدفع عنه ما يفسده كالحروق والقروح وحب الشباب
وغير ذلك من العوارض المحتملة
فهل لها أن تدل بما لا تملك من أمره شيئاً كثيراً
أوليس أولى بها أن تنظر إلى أمر أعلى وأثبت ؟! .
إن مريم ابنة عمران وامرأة فرعون
اللتين ضربهما الله مثلاً يُتلى في كتابه إلى يوم القيامة
وتكلم الله سبحانه بشأنهما لم تبلغ ذلك الجمال .
وكذا خديجة بنت خويلد التي نقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
سلام الله عليها وبشرها ببيت في الجنة
من قصب لا صخب فيه ولا نصب .
ذلكن الجمال الحقيقي الذي لا ينتهي
فهل من أخواتنا مشمرة إليه ؟! .
إن الجميلة التي لا تصلي قبيحة ..
قبيحة تتقلب في غضب الله .
وإن الجميلة السافرة الفتانة
التي تركت حجابها وعصت ربها وفتنت من حولها قبيحة ..
قبيحة تتقلب في معصية الله واتخذها الشيطان له فرساً
يصد بها عن سبيل الله ويدعو بها إلى الفتنة والنار .
وإن المرأة الصالحة - أياً كان جمالها - هي الجميلة
لأنها أطاعت ربها وعصت عدوها
فهي أحرى أن يجاب دعائها وشفاعتها
ويصلح ولدها وتحل بركتها
وما كان منها مستكرهاً فيجمله دينها وصلاحها
ويجمله لأن الجميل ما جمله الله والقبيح ما قبحه الله .
وانظري خلوف فم الصائم ودم الشهيد
كيف هما عند الله تعالى ؟! .
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️