بسم الله الرحمن الرحيم
أنحـــج ! ولا نتغـــير !؟
:26:
أيها المسلمون .. أيها المسلمون
طآل ليل الأنين .. دمعكم في العيون
مالكم تلبسون .. حلة البائسين .
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,.. وبعد :
ونحن في هذا الموسم العظيم وفي أوقات التهيؤ والبدء وحتى الانتهاء من هذا الركن المهم , وبلمحة لما مضـى من سنوات عديدة نعيشها , نرسل عتاباً من القلب لأمتنا الطيبة الخيرة نقول لها فيه :
أن كيف تأتي من شتى بقاع الأرض لتؤدي هذه العبادة كثيرة الحِكَــم والمقتضيات ثم تعود بعدها كما كانت بدون أن تُصلح حالها مع الله في كل الأمور , وتلتزم بأحكام دينه كاملة , وتعبده حق عبادته , وتنصره سبحانه لينصرها بفضله ويعود لها عزها ووحدتها واتحادها وتحفظ من شرور الأعداء ومكرهم وتستعيد ما أخذوه منها , قال تعالى : {إن تنصروا الله ينصركم }
وقال سبحانه {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }
وعتابنا يزداد لأن الأمة يحدث منها هذا وهي ترى أمام أعينها وتعيش هذا الواقع المُـر الذي يعتبر أشد وأحرج واقع مرَّ بها على مدى تاريخها , واقع أذلت فيه الأمة وأهينت , واستمر وطال فيه ذبح أبنائها والتنكيل بهم في شتى بقاع الأرض , وما من حل حقيقي حاسم لإيقاف هذه المأساة إلا عودة الأمة إلى حقيقة دينها وتمسكها الكامل به .
أوَمـَا يُحَرِكَكَ الذي يجري لنا
أَوَمَـا يُثِرُكَ جَرْحُنَـا الدفّـاقُ
وأمتنا فيها الخير الكثير ولكنها تعرضت لغفلة , ولمكر وكيد وتضليل وتخدير عظيم من أعداء الدين وأعوانهم , جعلها تستمرىء الكثير من المعاصي وتُصِـرُّ عليها , بل قد لا تشعر أحياناً أنها مما لا يرضي الله .
وشُغلت وأُلهيت الأمة عن أن تسعى بجدٍ لإصلاح شؤونها والأخذ بأسباب تقدمها ونشر عقيدتها الصحيحة ودعوتها الربانية في آفاق الأرض .
· * *
ومما لا شك فيه أن أمتنا لو استفادت حقاً من هذا الركن العظيم وعاد الحجيج وقد طبقوا حِكَمَ الحج والعِبَرَ الكثيرة والدروس الهامة منه في حياتهم والتي من أهمها التوبة الصادقة , لصلح حال الأمة ولعاد لها عزها , وليس على الله بعزيز أن يتحقق لها النصر وتقود العالم في خلال سنوات معدودة بإذن الله .
فبــدءاً من الإحرام تبتدئ الحكم والدروس ,,,
- نحرم فكأن هذه الشعيرة تُذكِرنا بالتجرد من آفات الدنيا والاغتسال من ماض لنا كنا قد أذنبنا فيه وقصرنا .
- نقول لبيك اللهم لبيك ومن معانيها الكبرى أننا متوجهون لك يا ربنا في كل أمور حياتنا , طائعون لأوامرك , رَهْنٌ لتعاليم دينك الذي ارتضيته لنا في كل شؤوننا , محبون لك , مخلصون موحدون .
- تلهج ألألسن بالتكبير , وما أكثر المعاني التي تستلهم من " الله أكبر " , فالله أعلى وأجلّ , وأمر الله أعظم , وما يريده الله هو الذي يجب أن يكون الأهم الأكبر .
- نطوف حول الكعبة ونبيت بمنى ثم ننطلق إلى مزدلفة ثم نعود لمنى , ونتحرك في كل مشاعر الحج كما أُمرنا , طاعةً لله سبحانه وتحقيقاً لعبوديتنا التي أساسها أن تكون محققة في شتى أمور حياتنا , عقيدةً وأفكاراً وقيماً ومفاهيم وأعمالاً وسلوكاً .
- نرمي الجمرات ثلاثة أيام , وفي ذلك تذكير لنا بمواصلة حربنا مع الشيطان , وعدم الرضوخ لإغوائه وطرقه , وتعويد لنا على الحذر منه هو ومعاونيه من شياطين الإنس الذين يمثلون رأس حريةٍ أساسية في خطة الشيطان وطرق إضلاله , والذين كانوا ولا يزالون يُضيعون أمة الإسلام ويبعدونها عن حقيقة دينها والتمسك الكامل به , ويُسهلون عليها المعاصي والمنكرات , ويُمَيِّعُون عليها أوامر وقِيم الشريعة عبر وسائلهم المختلفة .
- نذبح الأضاحي فنتذكر ونتأسى بالخليل وإسماعيل عليهما السلام عندما لم يترددا في تنفيذ ما أمر الله به { افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين }
- نحلق رؤوسنا وفي ذلك صورة بليغة من صور الخضوع والعبودية للخالق سبحانه , وإقرار بالطاعة التي نحتاج إلى في كل أيام عمرنا, وكأننا نلمح من ذلك أيضاً الإشعار لنا بأهمية التغيير الذي نحتاجه .
- والحـج كله بشعائره العديدة التي يظهر فيها بوضوح بذل الجهد وتحمل المشاق المختلفة هو مُذكر لنا بذروة سنام الإسلام الجهاد الذي هو ضعف في الأمة يوم أن بعدت عن حقيقة الإسلام في أمور كثيرة لم تستطع أن تصل لذروة سنامه , فهلا ربينا أنفسنا على التطلع لبلوغ هذه الذروة والتي نحتاج قبلها ومعها - أمةً وأفراداً – إلى أن نحقق جهاد أنفسنا في حملها على طاعة الله والالتزام بأوامره وتطبيق شرعه .
والحج كله يُذكرنا أيضاً بالواجب الكبير والذي نحن في أمس الحاجة إليه في هذا العصر الذي نعيشه , وهو وآجب الدعــوة إلى الله وبذل الجهد في سبيله , والذي نسيه الكثيرون وكأنه غير واجب عليهم , ففي الحج نتذكر ونتأمل قصة أول من نادى وأذن في الناس بالحج أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام , ونعتبر مما بذله من جهود وتعب ونصب وسفر وترحال وتضحيات من أجل الدعوة و إقامة دين الله ونشره .
وتقــصُر الكتابات عن حصـر العبر والمواقف والدروس المستفادة من هذا الركن العظيم , لكنها كلها دعوة للتغيير وبذل الجهود والانطــلاقة نحو ما يرضي الله في كل جوانب الحياة ,
والحج مدرسة بل جامعة تربيةٍ للأمة للسعي والعمل في كل ما يفيدها ويصلح شأنها ويُعلي قدرها .
قال تعالى { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } الآية ( الحج 37 )
قيل للحسن البصري : "جزاء الحج المبرور المغفرة , قال : آية ذلك أن يَدَعَ سيئ ما كان عليه من عمل "
أيها الحــاج الكريـم / أيتها الحاجة الكريمـة ...
- هذا الحج مظهر عظيم من مظاهر ديننا , وقد أنعم الله عليك بأن بُلغت هذه الفريضة وكنت بإذن الله ممن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه , وكأنك أصبحت صفحة بيضاء نقية , فلا تلطخ أيها الكريم هذه الصفحة الطاهرة بذنوب ترجع إليها وتصر عليها بعد عودتك .
قال تعالى { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً }
- وتذكـر أن من علامات قبول حجك الذي هو مرآدك وأملك أن تكون بعده أحسن حالاً تائباً منيباً مجتهداً في كل خير , بعيداً عن كل شر , داعياً إلى الله مجاهداً لإقامة دينه وشرعه بما تستطيع , ساعياً بجدٍ في أسباب الرقي لأمتك .
- فانتبه يا صـاحـب الصــفحة البيضاء وراجع نفسك وأعرض كل أعمالك على الشرع ودقق وتبصر فيها , حتى لا تكون ممن هو مقيم على ذنب وهو لا يشعر به ,
أو- الأصعب - وهو لا يأبه به .
ولتَـــبْقَ الصفحات بيضاء نقية بإذن الله , بل فلنسعَ إلى زيادتها نصـاعة وطهـارة , حتى نلاقي الإله بها فنفرح الفرح الكبير , ونكون بذلك عوناً لأمتنا على طريق الفلاح والعز والنصر .
قال تعالى { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون }
وقال سبحانه { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
المصدر ,, سلسلة عودة ودعوة ,
كتيب " أنحج ولا نتغير " عتاب لأمة الإسلام
للدكتور / مهدي بن علي القاضي
سمو ^_^ روح @smo_roh
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
تسلمين