اتقوا الله في الدماء
كتبه : فضيلة الشيخ / هاني حلمي - حفظه الله -
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
تطل علينا الفتن برأسها في هذا الزمان بشكل غير معهود ، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : " إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي "
وللأسف الشديد غاب العلم عن الكثيرين ، وطغت لوثة فكرية عند كثير من شباب هذه الأمة ، وصارت الحماس القلبي لا ينضبط بلجام الشرع ، ومن هنا وقعنا في الخطب ، وسفكت الدماء وظهر الفساد في الأرض ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .أقول هذا في ظل هذه المشاهد من القتل والاغتيالات التي صارت في أرجاء بلاد الإسلام ، يحمل لواءها شباب مغيبون عن الأحكام الشرعية ، تحركهم الأهواء ، وتزين لهم الباطل في صورة الحق الأبلج ، وليتهم اقتفوا هدي السلف في الفتن ، وليتهم راعوا الحرمات ، وليتهم استرشدوا بأهل العلم الثقات ، لكن حادوا وتمادوا والنتيجة مضلات الفتن ، نعوذ بالله من شرها .
ولذلك اريد هنا أن أبين الحكم الشرعي في مسألة ( قتل المعاهد المستأمن ) وبيان كلام أهل العلم في ذلك .
فاعلم - رحمني الله وإياك - أنَّ غير المسلم إذا دخل بلاد الإسلام بإذن الحاكم أو ولي الأمر فقد أعطي الأمان، حينها يكون هو وماله ونفسه وعرضه في أمان، فلا يجوز لأحد أن يتعرض له بقتل أو اغتيال أو تفجير، وهو ما يعرف عند العلماء بالمستأمن.
فإن قيل: كيف يُعرف أن أُعطي الأمان، وأنه مستأمن؟
فالجواب: أنه منحهُ تأشيرة الدخول سواء كانت للزيارة أو للإقامة المؤقتة خلال فترة العمل كل ذلك عقد أمان، وتقوم السلطات التي تمنحه هذا الإذن مقام ولي الأمر؛ لأنَّ هذه الأنظمة والاتفاقات اعتمدت بناءً على موافقة رئيس الدولة أو حاكم البلاد، فحينها لا يجوز قتل المستأمن لكونه أجنبياً أو نصرانياً أو أيّ ديانة أخرى؛ لأنَّ ذلك خيانة، والإسلام يحرم الخيانة، فكيف نعطيه الأمان ثم نقتله؟!
وقد توعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من يستبيح دماء المستأمن بعقوبة شديدة
1- فمن قتل المعاهد في وقت أمانه وعهده لم يرح رائحة الجنة فعن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً»
وفي لفظ آخر عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل معاهداً في غير كنهه ، حرم عليه الجنة »
ومعنى قوله: «في غير كنهه»؛ أي: « حقيقته، وقيل وقته وقدره، وقيل غايته؛ يعني من قتله في غير وقته أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله» . وفي رواية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها» قال العلامة ابن حجر العسقلاني في تعريف المعاهد قال: «المراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم»أهـ .
2- عن نعيم بن مسعود الأشجعي في قصة رسولي مسيلمة الكذاب لما أرسل برسالة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع رجلين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهما- حين قرأ كتاب مسيلمة: «ما تقولان أنتما»؟ قالا: نقول كما قال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أما والله لولا أن الرسل لا تقتل، لضربت أعناقكما». قلت: فقصة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة معروفة، ومع أن هذين الرجلين قد آمنا به -وهو كذاب- فقد كفرا بالنبي - صلى الله عليه- وسلم حينها، مع ذلك لم يقتلهما النبي ساعتها؛ لأنهما في وقت أمان؛ فهما رسولان من عند مسيلمة والمرسل له عهد أمان وسلام، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- التزم بالعهد، عهد الأمان لهما ولم يخنهما فتعلم
3- عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أنها أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له فقال رسول الله: «قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت» .
قوله: «أجارت رجلاً»؛ «أي: أمنته؛ من الإجارة بمعنى الأمن». قوله: «وأمنا من أمنت»؛ «أي: أعطينا الأمان لمن أعطيته» .
قلت: فأنت ترى أن أم هانئ -رضي الله عنها- أمّنت رجلاً من المشركين أي أعطيته الأمان بعد فتح مكة وقد أصبحت دولة إسلامية فأراد أحد الناس أن يقتله فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تخبره بذلك فأمنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يتعرض له أحد بعد ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ولي الأمر والحاكم ورئيس الدولة آنذاك، فلما أعطى لهذا المشرك الأمان لم يتعرض له أحد من الصحابة ولا من المسلمين فقد جاء في رواية أن أم هانئ قالت للنبي: «يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فلان بن هبيرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ»
4- قال- تعالى-: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ }
فالشاهد من الآية قوله تعالى: «استجارك» أي: طلب الأمان واستأمنك، فأجبه أو أوجب طلبه، ثم قال -تعالى-: {ثم أبلغه مأمنه} أي: فإذا طلب الأمان وسمع القرآن وشيئاً من أمر الدين، بعد أبلغه مأمنه وهو آمن مستمر الأمان حتى يعود إلى بلاده .
فالشاهد من الآية من طلب الأمان يعطى الأمان، ولابد من وفاء عهد الأمان معه حتى يعود إلى موطنه سواء لسماع القرآن أو لعقد عمل أو لتجارة.
قال العلامة ابن كثير الدمشقي -رحمه الله-: «والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة أو تجارة، أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب، فطلب من الإمام أو نائبة أماناً، أعطي أماناً مادام متردداً في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه» أهـ .
وقال العلامة القرطبي : «قوله -تعالى-: {وإن أحد من المشركين}؛ أي: من الذين أمرتك بقتالهم، «استجارك» أي: سأل جوارك؛ أي أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن؛ أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه، فإن قبل أمراً فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه، وهذا مالا خلاف فيه والله أعلم.
قال مالك: إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين فقال: جئت أطلب الأمان، قال مالك: هذه أمور مشتبهة، وأرى أن يرد إلى مأمنه.وقال ابن القاسم: وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجراً بساحلنا، فيقول: ظننت ألا تعرضوا لمن جاء تاجراً حتى بيع» أهـ .
وقال القرطبي المالكي -أيضاً-: «ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز؛؛ لأنه مقدم للنظر والمصلحة، نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضار» أهـ
وقال العلامة موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة الحنبلي -رحمه الله-: «وجملته أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب، حرم قتلهم، ومالهم، والتعرض لهم ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار ذكراً أو أنثى، حراً كان أو عبداً، وبهذا قال الثوري والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وابن القاسم وأكثر أهل العلم، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-» أهـ .
وقال ابن قدامة -أيضاً-: «ويصح أمان الإمام لجميع الكفار وآحادهم؛ لأن ولايته عامة على المسلمين» أهـ
وقال -أيضاً- ابن قدامة: «ويجوز عقد الأمان للرسول والمستأمن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن رسل المشركين، ولما جاء رسولا مسيلمة قال: «لولا أن الرسل لا تقتل رسلهم، لقتلوا رسلنا فتفوت مصلحة المراسلة ويجوز عقد الأمان لكل واحد منهما مطلقاً، ومقيداً بمدة، سواء كانت طويلة أو قصيرة» أهـ .
.
.
قلت: بعد طرح الأدلة وأقوال بعض أهل العلم حول حرمة قتل المستأمن يمكن تلخيص الموضوع كما يلي :
1- للحاكم ورئيس الدولة أن يعطي الأمان لغير المسلمين بأن يدخلوا البلاد آمنين.
2- تأشيرة الزيارة أو الإقامة، كإقامة العمل، وأداء مهمة يعتبر إذناً من ولي الأمر وحاكم البلاد.
3- الإجراءات التي تقوم بها السلطات المختصة في دوائر الدولة الرسمية في إعطاء الإذن لغير المسلمين بالدخول سواء للزيارة أو العمل بمثابة الإذن من حاكم البلاد، بل هي إذن من حاكم البلاد؛ لأن الأنظمة في الدولة أقرت وصودقت من قبل الحاكم.
4- إذا داخل غير المسلم إلى بلاد الإسلام بإذن الحاكم لا يجوز لأحد أن يقتله أو يغتاله أو يسرقه أو يعتدي عليه؛ لأنه دخل بعقد أمان وإذن، فمن اعتدى عليه فهو مهدد بالعقوبة المذكورة في الحديث السابق.
5- الحفاظ على سلامة غير المسلمين والمستأمنين في الدولة مما يجلب الأمن للبلاد ويحافظ على استقرار الدولة، وسلامة أهلها وشعبها، ورخائها وتقدمها.
إنَّ الإسلام حرم قتل الصبيان والأطفال وكبار السن والنساء في حالة الحرب مع الأعداء وهذه التفجيرات لا تميز الرجل من المرأة، ولا الطفل من الكبير البالغ، بل كل من صادف وجوده هناك فالموت حليفة.عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: «وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء والصبيان»
إذن في حال الحرب لا تقتل المرأة إذا كانت من غير المسلمين إلا إذا حملت السلاح وقاتلت، أما إذا لم تقاتل فلا تقتل، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، فإذا كانت لا تقتل المرأة ولا الصبي في الحروب فكيف تقتل المرأة أو الصبي إذا أعطوا الأمان والعهد؟! فلا شك أن ذلك منكر عظيم، فإن هذه الاغتيالات لا تميز الصبي من البالغ ولا الذكر من الأنثى.
.
.
وأقول ختامًا :
من القواعد الصحيحة الشرعية في الشرع: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» فهذه الاغتيالات، والتفجيرات تؤدي إلى عدة مفاسد
منها: مضايقة من لا ذنب له من المسلمين ومن لا يحمل هذا الفكر، إنما يؤخذ بجريرة غيره.
ومنها: زيادة الضغط على الحكومات الإسلامية .
ومنها: تشويه سمعة الإسلام والمسلمين .
فاللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
om_islam @om_islam
عضوة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️