ليلتان اثنتان تجعلهما كل مسلمه في مخيلتها
، ليلة في بيتها ، مع أطفالها و أهلها ، منعمه سعيده ، في عيش رغيد ، و في عافية و صحة ، تضاحك أولادها و يضاحكونها، و الليلة التي تليها مباشرة أتاها فيها ملك الموت ، فوضعها في القبر وحيده منفرده.
و هذا الشاعر يقول :
فارقت موضع مرقدي يوما ففارقني السكون
القبـــــــر أول لـيـلـة بالله قل لي ما يكــون
تقول لما انتقلت من المكان الذي اعتدت عليه ، إلى مكان آخر فارقني النوم ، فما بالك كيف تكون الليلة الأولى التي أوضعت فيها في القبر؟!! حيث لا أنيس ، و لا جليس ، و لا زوج ، و لا أطفال ، و لا أحوال ، (( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين ))
أول ليلة في القبر بكى منها العلماء .. و شكى منها الحكماء ، و صنفت فيها المصنفات .
أتي بأحد الشعراء و هو في سكرات الموت ، لدغته حية ، و كان في سفر ، فنسي أن يودع أمه ، و أباه ، و أطفاله، و إخوانه ، فقال قصيدة يلفظها مع أنفاسه، يقول و هو يزحف إلى القبر :
فلله دري يــــوم أترك طائعا بَنيَّ بأعلى الرقمتين و داريا
يقولون لا تبعد و هم يدفنوني و أين مكان البعد إلا مكانيا
تقول كيف أفارق أولادي في هذه اللحظة ؟! لماذا لا أستأذن أبوي؟ أهكذا تختلس الحياة ؟! أهكذا تذهب ؟! أهكذا أفقد كل شئ في لحظة ؟! و يقول أصحابي و الذين يتولون دفني : لا تبعد ، أي لا أبعدك الله ، و هل هناك أظلم من هذا المكان ؟! ((حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون . لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون))
كلا .. آلآن تراجعي حسابك ؟! آلآن تكفي عن المعاصي ؟! ما عرفتي الصلاة ، يا معرضه عن القرآن ، يا منتهكه لحدود الله ، يا ناشئه في معاصي الله ، .. آلآن تتوبي؟! أين أنتي قبل ذلك؟
