فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr
فريق الإدارة والمحتوى
~الأيام. مداولة بين الناس ~
يقول الشاعر :
دَوَامُ الحَالِ كَانَ مِنَ المُحَالِ
وَمَنْ يَبْقَى عَلَى الدُّنْيَا بِحَالِ
**
الناس في الأصل سواسية لاتفاضل بينهم..
إن تجردوا من منهج السماء..!
فصاحب الحيلة يغلب ..
وذو القوة يعلو ..
والأكثر عدداً وعدة ينتصر ..
ولكن ...!
عند الحق سبحانه ميزان العدل
يرجح به كفة المؤمن ..
على كفة الحيل والقوة والعدد ..
فينتصر حينما يشاء الله تعالى ..
وتكون له الغلبة ..
هي إذن موالاة الخالق ..
التي لن يستطيع مخلوق أن يقف بوجهها
مادام الله أراد لوليه النصر .
الأيام مداولة بين الناس ..
تلك هي سنة ربّانيّة لاتتغير ..
فيوم لك .. ويوم عليك ..
اليوم سرور ..وغداً حزن وهم ..
اليوم عبرة .. وغداً حَبرة ..
تلك سنة عظيمة ومقادير تجري..
على الأفراد.. وعلى المجتمعات .. وعلى الدول ..
وهي حركة لاتتوقف على مدى التاريخ
فكم مَن مَلكَ ثم افتقر ..
ومن طغى ..ثم ذل ..
وكم من أمم سادت .. ثم بادت ..!
**
يقول تبارك وتعالى :
﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ..)
هذه الآية الكريمةنزلت بعد غزوة أحد ..
وذلك أن الله أمكن المشركين من المسلمين في أحد
فقتلوا منهم سبعين صحابياً ..
كما سبق وأمكن المسلمين من المشركين في بدر
فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين .
*
هذه السنة تجري على المجتمع البشري كله
منذ الأزل ..!
فمرة تكون الدولة للمبطل
ومرة تكون للمُحق..
ولكن العاقبة دائماً لمن اتبع الحق .
**
ويستطرد الشاعر :
سُرُورٌ بَعْدَهُ يَأْتِيْ شَقَاءٌ...
وَنَقْصٌ جَاءَ مِنْ بَعْدِ اكْتِمَالِ
وَكُلُّ حِكَايَةٍ وَلَهَا خِتَامٌ
وَهَلْ بَعْدَ الشُّرُوقِ سِوَى الزَّوَالِ؟!
**
حين يمكِّن الله للمؤمن بعد الظالم ..
يحب أن يرى منهالطاعة والعبادة واتباع الحق ..
فإن غلب حبُّ الجاه والسلطة والمال على الممكَّن
وفرَّط في العبادة ..
فقد كفر بنعمة ربِّه، وتحول من الطاعة إلى المعصية
فسبحان مقلِّب القلوب!
فلا يغتر الإنسان إن مكّن الله له في الأرض ..
ويظن أن لاأحد قادر على أن يسلب ملكه منه
الله القادر ..!!!
فهو الذي يملك ناصية كل أمر..
والخلق خلقه ..
والملك ملكه ..
يفعل فيه مايشاء! .
*
إن في مداولة الأيام بين الناس حكمة..!
والمؤمِن مبتلى في إيمانه في كل حال..
ففي الاستضعاف ليرى كيف يصنع ؟
وهو ابتلاء بالسلب ..
ثم يُبتَلى بالتمكين في كل شيء ..
وهو ابتلاء بالإيجاب ...
فينظر الله كيف يصنع .
موقف~
روي أن أبا سفيان قال يوم أحد :
أعل هُبل !
فقال رسول الله لعمر بن الخطاب :
( قُلِ اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ ).
فقال أبو سفيان لنا العُزّى ولا عزّى لكم ..!
فقال الرسول لعمر :
(قل : الله مولانا ولا مولى لكم ).
فأضاف أبو سفيان : الْحَرْبُ سِجَالٌ ..
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ..
وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ ، فُلانٌ بِفُلانٍ ، وَفُلانٌ بِفُلانٍ .
فقال الرسول الكريم لعمر :
( قل له : لا سَوَاءَ ..! قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ ،
وَقَتْلاكُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ ).
نرى كثيراً من الأحايين ..
أن من يمكّن الله له في الأرض..
فيكون في موقع القوة ..
يصاب بداء الغرور..!
ويظن أن مايملكه يرد عنه ضربات القدر
وأنه صار في منعة ...!
والتاريخ الإسلامي يشهد العكس ..
والقرآن الكريم يرسم لنا صورة ويعطينا درساً ...
فيما حدث ليهود بني النضير ..
حيث كانت لهم حصونهم المنيعة ..
وقد ملكوا واغتنوا واغتروا بما هم عليه ..
ولم يكن في حسبانهم أن ينهزموا وتتقوض حصونهم
وماغفلوا عنه كان سرّ انهزامهم وزوالهم :
( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله
من حيث لم يحتسبوا) الحشر /٢
**
وقد يتسائل البعض :
ماالحكمة من المداولة بين المؤمنين والكافرين،
والمصلحين والمفسدين ؟!
ولم لاتكون العاقبة دائماً لأهل الحق من المؤمنين ؟
وفي تفصيل بليغ يرد الدكتور إسماعيل حقي فيقول :
*
" ليس المراد من هذه المداولة
أن الله تعالى تارة ينصر المؤمنين
وأرى ينصر الكافرين ؛
لأن نصره تعالى منصب شريف فلا يليق بالكافر .
بل المراد أنه تعالى يشدد المحنة على الكفار ،
وأخرى على المؤمنين ،
وأنه لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات
وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات ..
لحصل العلم الضروري والاضطراري ..
بان الإيمان حق وما سواه باطل ..
ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب
فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان
وأخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية
والمكلَّف يدفع هذه الشبهات ..
بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام
ليعظم ثوابه عند الله ..
ولأن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي ،
فيكون تشديد المحنة عليه أدباً له ..
وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضباً من الله ".
**
ويستمر الشاعر في تصوير جميل :
وَنَمْضِيْ مِثْلَمَا جِئْنَا كَأَنَّا
مِنَ الأَيَّامِ لَمْ نَخْطُرْ بِبَالِ
كَأَنَّا لَمْ نُقِمْ فِيهَا وَكَانَتْ
إِقَامَتُنَا خَيَالَاً فِيْ خَيَالِ...
**
فرعون وبني إسرائيل ~
ونرى سنة المداولة بين الناس واضحة جلية
في آيتين متتاليتين في كتاب الله ..
عن طرفين : فرعون وبني إسرائيل ..
الآية الأولى :
( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا
يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ
وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )
القصص /٤
تبين الآيات خمس ابتلاءات ذاقها بنو إسرائيل على يد فرعون :
* علو فرعون وطغيانه في الأرض.
* استضعاف حزبٍ من أهل مصر .
* قتل الأبناء .
* استحياء النساء .
*كان فرعون من المفسدين .
وقد قابل سبحانه هذه البلايا بخمس وعود ربانية
لبني إسرائيل ..أبدلت حالهم ..
وهذا مابينته الآية الثانية :
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )
القصص /٥
* من الله عليهم بإنقاذهم من بطش فرعون.
*جعلهم أئمة مقدمين على غيرهم .
*أورثهم ديار قوم آخرين وهي أرض الشام .
* مكّن لهم وثبّت سلطانهم في ماملكوه من أرض الشام ومصر .
* أرى فرعون وهامان وجنودهما
ماكانوا يحذرون من هلاكهم وذهاب ملكهم على أيديهم .
هذه قصة الاستضعاف والتمكين تعاقبا ..
كما تتعاقب الفصول ..
وهكذا الأيام والناس ..
دُوَل..!
**
ويمضي الشاعر في تصوير الحال وتبدل الاحوال :
وَلَمْ نَزْرَعْ بِهَا الآفَاقَ شَدْوَاً..
وَلَمْ نَقْطِفْ بِهَا أَحْلَى غِلَالِ...
وَلَمْ نُنْشِدْ عَلَى الأَغْصَانِ شِعْرَاً
جَرَى فِيْ السَّمْعِ كَالسِّحْرِ الحَلَالِ
**
موعظة من التاريخ~
كان لأحمد بن طولون صاحب مصر أختاً ..
متلفة للمال كثيرة السرف..
ويحكى عنها قصة غريبة ..
فقد زوّجت بعض لعبها ..
وأقامت عرس لها انفقت فيه مائة ألف دينار ..
وما أكبر ذلك المبلغ في ذاك الزمان ..!!
ودارت الأيام فإذا بها تُرى في سوق من أسواق بغداد
تسأل الناس وتستجدي !
*
الدنيا دول بين الناس لا يدوم مسارها ولا مضارها..
فيوم يحصل فيه السرور لك والغم لعدوك
ويوم آخر تنقلب فيه الآية .
وتبقى حقيقة أن لذات الدنيا وآلامها إلى زوال ..
وأحوالها غير مستمرة..
وإنما تحصل السعادة الأزلية للمؤمن..
في دار الآخرة..!
**
ويختم الشاعر :
وَلَمْ نَحْلُمْ بِأَحْلَامٍ عِرَاضٍ
وَلَمْ نَأْمُلْ بِآمَالٍ طِوَالِ...
وَمَا كَانَ الذِيْ قَدْ كَانَ إِلَّا..
ضَلَالَاً فِيْ ضِلَالٍ فِيْ ضَلَالِ
**
نعم تلك هي الحقيقة الساطعة ..
كل شيء إلى زوال ..
والعاقبة للمتقين ..
فلنتعظ..!
15
3K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ماشاء الله يافيض طرح أكثر من رائع ...
وهذه هي حقيقة الحياة الى زوال
ومن يضع هذه الحقيقة أمام عينيه ستهون عليه مصاعبها..ولا يضعف أمام مغرياتها وبريقها ...
اللهم أصلح لنا أعمالنا وتجاوز عن سيئاتنا ....
جزاك الله كل خير وزادك فضلاً
وهذه هي حقيقة الحياة الى زوال
ومن يضع هذه الحقيقة أمام عينيه ستهون عليه مصاعبها..ولا يضعف أمام مغرياتها وبريقها ...
اللهم أصلح لنا أعمالنا وتجاوز عن سيئاتنا ....
جزاك الله كل خير وزادك فضلاً
قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ : ارْحَمُوا عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ ، وَغَنِيًا افْتَقَرَ ، وَعَالِمًا بَيْنَ الْجُهَّالِ "
وما كان ذلك إلا لحقيقة التداول فدوام الحال من المحال
لذا على كل من تبدل حاله للافضل ان يحسن التعامل مع حالته الجديدة ليحافظ على هذه النعمة فلا يتبطر او يتجبر او يسيء لمن احسن إليه يوما ما والا انقلب حاله تارة أخري
ودوام النعم مرهون بالشكر وحسن الحفاظ عليها والتعامل معها
سلمت يداك حبيبتي فيض واحة الادب الرقراق وعطرها ودمت بود وحب دائمين غاليتي
وما كان ذلك إلا لحقيقة التداول فدوام الحال من المحال
لذا على كل من تبدل حاله للافضل ان يحسن التعامل مع حالته الجديدة ليحافظ على هذه النعمة فلا يتبطر او يتجبر او يسيء لمن احسن إليه يوما ما والا انقلب حاله تارة أخري
ودوام النعم مرهون بالشكر وحسن الحفاظ عليها والتعامل معها
سلمت يداك حبيبتي فيض واحة الادب الرقراق وعطرها ودمت بود وحب دائمين غاليتي
الصفحة الأخيرة
فلا يغرَّ بطيب العيش إنسان
هي الأمورُ كما شاهدتها دُوَلٌ
من سُرّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ ..
👌🌿