الا الحبيب ياعبادّ الصليب

ملتقى الإيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






إخواني وأخواتي الكرام برغم عظم ما قام به تجار البقر من سخرية
واستهزاء بخير البشر وما سبقهم به أهل ملتهم من إهانة لكتاب الله سبحانه ودستور حياتنا إلا ان هذه الضربات أدت الى استيقاظ المارد الإسلامي النائم والقلوب الغافلة اللاهية واصبح الجميع صغارا وكبارا يردد في مشارق الأرض ومغاربها " إلا رسول الله " و كأن لسان حال الجميع يقول : ان هجماتكم ما زادتنا إلا حبا في نبينا صلى الله عليه وسلم .. لذلك نصره لنبينا صلى الله عليه وسلم يجب أن نسخر أقلامنا في الدفاع عنه وإبراز جميع نواحي شخصيته الفذة وحقيقة دوره في بناء هذه الأمة المحمدية وفي هذا الموضوع ستكون لنا عدة وقفات نتعرف فيها على جوانب من حياة نبينا صلى الله عليه وسلم نصرة للحبيب من عباد الصليب .. الوقفة الأولى " المصطفى " لقد كان صلى الله عليه وسلم خيار من خيار ، فلقد اصطفى اللـه سبحانه من البشرية الأنبياء واصطفى من الأنبياء الرسل واصطفى من الرسل أولى العزم واصطفى من أولى العزم محمد صلى الله عليه وسلم وفضله على جميع خلقه ، فهو أفضل الخلق منزلة وأرفع الناس ذكرا في الدنيا والآخرة ، وأكثر الأنبياء أتباعا يوم القيامة . ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وخُلقا وألينهم كفا ، وأطيبهم ريحا ، وأكملهم عقلا ، وأحسنهم عشرة ، وأعلمهم بالله وأشدهم له خشية ، وأشجع الناس ، وأكرم الناس ، وأحسنهم قضاء ، وأسمحهم معاملة ، وأكثرهم اجتهادا في طاعة ربه ، وأصبرهم وأقواهم تحملا ، وأشدهم حياء .. لا ينتقم لنفسه ، ولا يغضب لها ، ولكنه إذا انتهكت حرمات الله ، فإنه ينتقم لله تعالى ، وإذا غضب الله لم يقم لغضبه أحد .. والقوي والضعيف ، والقريب والبعيد ، والشريف وغيره عنده في الحق سواء .. ما عاب طعاما قطا إن اشتهاه أكله ، وإن لم يشتهه تركه ، ويأكل من الطعام المباح ما تيسر ولا يتكلف في ذلك .. يقبل الهدية ويكافئ عليها ، ويخصف نعليه ويرقع ثوبه , ويخدم في مهنة أهله , ويحلِب شاته , ويخدِم نفسه .. كان أشد الناس تواضعا ، ويجيب الداعي ، من غني أو فقير ، أو دنيء أو شريف . كان يحب المساكين ويشهد جنائزهم ويعود مرضاهم ، ولا يحقر فقير لفقره , ولا يهاب ملكا لملكه , وكان يركب الفرس , والبعير , والحمار , والبغلة , ويردف خلفه , ولا يدع أحدا يمشي خلفه . خاتمه فضة وفصه منه , يلبسه في خنصره الأيمن وربما يلبسه في الأيسر .. كان يعصب على بطنه الحجر من الجوع ، وقد آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض ، ولكنه اختار الآخرة .. كان يكثر الذكر ، دائم الفكر ، ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويُقصر الخطبة ، ويحب الطيب ولا يرده ، ويكره الروائح الكريهة .. كان أكثر الناس تبسما ، وضحك في أوقات حتى بدت نواجذه ، ويمزح ولا يقول إلا حقا ، ولا يجفو أحدا ، ويقبل عذر المعتذر إليه .. كان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن ، ويتنفس في الشرب ثلاثا خارج الإناء .. كان يتكلم بجوامع الكلام ، وإذا تَكلم تكلم بكلام بَين فصل ، يحفظه من جلس إليه ، ويعيد الكلام ثلاثا إذا لم تفهم حتى تفهم عنه ، ولا يتكلم من غير حاجة .. وقد جمع الله له مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، فكانت معاتبته تعريضا وكان يأمر بالرفق ويحث عليه ، وينهي عن العنف ، ويحث على العفو والصفح ، والحلم ، والأناة ، وحسن الخلق ومكارم الأخلاق .. كان يحب التيامن في طهوره وتنعله ، وترجله ، وفي شأنه كله ، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى ، وإذا اضطجع اضطجع على جنبه الأيمن ، ووضع كفه اليمنى تحته خده الأيمن ، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه .. كان مجلسه مجلس : علم ، وحلم ، وحياء ، وأمانة , وصيانة , وصبر , وسكينة , ولا ترفع فيه الأصوات ، ولا تنتهك فيه الحرمات ، يتفاضلون في مجلسه بالتقوى ، ويتواضعون ، ويوقرون الكبار ، ويرحمون الصغار ، ويؤثرون المحتاج ، ويخرجون دعاة إلى الخير .. كان يجلس على الأرض ، ويأكل على الأرض ، وكان يمشي مع الأرملة والمسكين ، والعبد ، حتى يقضي له حاجته ، ومر على الصبيان يلعبون فسلم عليهم ، وكان لا يصافح النساء غير المحارم. كان يتألف أصحابه ويتفقدهم ، ويُكرم كريم كل قوم ، ويقبل بوجهه وحديثه على من يحادثه ، حتى على أشر القوم يتألفهم بذلك ، ولم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ، ولا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح ويحلم ، لم يضرب خادما ولا امرأة ولا شيئا قط , إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى .. ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما , فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه. جمع الله سبحانه له كمال الأخلاق ومحاسن الشيم وآتاه من العلم والفضل وما فيه النجاة والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة ما لم يؤت أحدا من العالمين , وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب , ولا معلم له من البشر ، واختاره الله سبحانه على جميع الأولين والآخرين ، وجعل دينه للجن والناس أجمعين إلى يوم الدين الوقفة الثانية " دعوته " كانت وظيفته صلى الله عليه وسلم هي الدعوة إلى التوحيد ، وإنقاذ الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد ، ومن ظلمات المعاصي والسيئات إلى نور الطاعات والأعمال الصالحات ، ومن الجهل إلى المعرفة والعلم ، فلا خير إلا دل أمته عليه ، ولا شر إلا حذرها منه صلى الله عليه وسلم. ولقد كان صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة وإماما يقتدى به لقوله تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تفطرت قدماه وانتفخت وورمت فقيل له : أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " أفلا أكون عبداً شكورا " وكان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة ، وربما صلى ثلاث عشرة ركعة ، وكان يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة ، وربما صلاها عشر ركعات ، وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله ، وكان يطيل صلاة الليل فربما صلى ما يقرب من خمسة أجزاء في الركعة الواحدة ، فكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة . وكان يصوم غير رمضان ثلاثة أيام من كل شهر ، ويتحرى صيام الاثنين والخميس ، وكان يصوم شعبان إلا قليلا ، بل كان يصومه كله ، ورغب في صيام ست من شوال ، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقال : لا يفطر ، ويفطر حتى يقال : لا يصوم . وما استكمل شهر غير رمضان إلا ما كان منه في شعبان ، وكان يصوم يوم عاشوراء ، وروي عنه صوم تسع ذي الحجة ، وكان يواصل الصيام اليومين والثلاثة وينهى عن الوصال ، وبين أنه صلى الله عليه وسلم ليس كأمته ، فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ، وهذا على الصحيح : ما يجد من لذة العبادة والأنس والراحة وقرة العين بمناجاة الله تعالى ، ولهذا قال : " يا بلال أرحنا بالصلاة " وقال : " وجُعِلت قرة عيني في الصلاة " ومع هذه الأعمال المباركة العظيمة فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول : " خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل" وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه. وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة داوم عليها ، وقد تقال عبادة النبي صلى الله عليه وسلم نفر من أصحابه صلى الله عليه وسلم وقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال بعضهم : أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا وقال بعضهم : أنا أصوم ولا أفطر وقال بعضهم : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إليهم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم الله أتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" والمراد بالسنة الهدي والطريقة لا التي تقابل الفرض ، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره. ومع هذه الأعمال الجليلة فقد كان يقول صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " وكان يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ويقول : " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته وداوم عليه ولهذا قال : " إن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه وإن قل " الوقفة الثالثة " تزكية الله سبحانه لنبيه في القرآن " إن قدر رسول اللـه عند اللـه لعظيم ، وإن كرامة النبى عند اللـه لكبيرة فهو المصطفى وهو المجتبى فلقد اصطفى اللـه من البشرية الأنبياء واصطفى من الأنبياء الرسل واصطفى من الرسل أولى العزم واصطفى من أولى العزم الخمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد واصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ففضله على جميع خلقه. ولقد زكاه في كتابه الكريم وشرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وزكاه فى كل شىء : زكاه فى عقله فقال سبحانه : ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) زكاه فى صدقه فقال سبحانه : ( وما ينطق عن الهوى ) زكاه فى صدره فقال سبحانه : ( ألم نشرح لك صدرك ) زكاه فى فؤاده فقال سبحانه : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) زكاه فى ذكره فقال سبحانه : ( ورفعنا لك ذكرك ) زكاه فى طهره فقال سبحانه : ( ووضعنا عنك وزرك ) زكاه فى علمه فقال سبحانه : ( علمه شديد القوى ) زكاه فى حلمه فقال سبحانه : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) زكاه كله فقال سبحانه : ( و إنك لعلى خلق عظيم ) وزكاه بقوله تعالى : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) والله إنك لعظيم الأخلاق ، كريم السجايا ، مهذب الطباع ، نقي الفطرة. والله إنك جم الحياء ، حي العاطفة ، جميل السيرة ، طاهر السريرة. والله إنك قمة الفضائل ، ومنبع الجود ، ومطلع الخير ، وغاية الإحسان. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) يظلمونك فتصبر ، يؤذونك فتغفر ، يشتمونك فتحلم ، يسبونك فتعفو ، يجفونك فتصفح. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) يحبك الملك والمملوك ، والصغير والكبير ، والرجل والمرأة ، والغني والفقير ، والقريب والبعيد ، لأنك ملكت القلوب بعطفك ، وأسرت الأرواح بفضلك ، وطوقت الأعناق بكرمك. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) هذبك الوحي ، وعلمك جبريل ، وهداك ربك ، وصاحبتك العناية ، ورافقتك الرعاية ، وحالفك التوفيق. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) البسمة على محياك ، البِِشر على طلعتك ، النور على جبينك ، الحب في قلبك ، الجود في يدك ، البركة فيك ، الفوز معك. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) لا تكذب ولو أن السيف على رأسك ، ولا تخون ولو حزت الدنيا ، ولا تغدر ولو أعطيت الملك ، لأنبي نبي معصوم ، وإمام قدوة ، وأسوة حسنة. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) صادق ولو قابلتك المنايا ، وشجاع ولو قاتلت الأسود ، وجواد ولو سئلت كل ما تملك ، فأنت المثال الراقي والرمز السامي. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) سبقت العالم ديانة وأمانة وصيانة ورزانة ، وتفوقت على الكل علما وحلما وكرما ونبلا وشجاعة وتضحية. وزكاه بقوله تعالى : (( عم يتساءلون * عن النبأ العظيم )) فمبعثه هو أروع الأنباء وأعظم الأخبار الذي سارت به الأخبار ، وتحدث به السمار ، ورعاه الركبان ، واندهش منه الدهر ، وذهب منه الزمن ، فقد استدار له التاريخ ووقفت له الأيام ، فقصة إرساله صلى الله عليه وسلم لا يلفها الظلام ولا تغطيها الريح ولا يحجبها الغمام ، فإنما هي قصة عبرت البحار واجتازت القفار ، ونزلت على العالم نزول الغيث ، وأشرقت إشراق الشمس ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث " فهوصلى الله عليه وسلم بعث ليعبد الله وحده لا شريك له بعث ليقال في الأرض : لا اله إلا الله محمد رسول الله بعث ليحق الحق ويبطل الباطل بعث بالمحجة البيضاء والملة الغراء والشريعة السمحاء بعث بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى بعث بالخير والسلام والبر والمحبة والسعادة والصلاح ، والأمن والإيمان بعث بالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعث بمعالي الأمور ومكارم الأخلاق ومحاسن الطباع ومجامع الفضيلة بعث لدحض الشرك وسحق الأصنام وكسر الأوثان وطرد الجهل ومحاربة الظلم وإزهاق الباطل ونفي الرذيلة فما من خير إلا دل عليه ، وما من شر إلا حذر منه. الوقفة الرابعة " زهده " كان صلى الله عليه وسلم الأسوة العظمى في الإقبال على الآخرة وترك الدنيا وعدم الإلتفات إليها أو الفرح بها أو جمعها أو التلذذ بطيباتها أو التنعم بخيراتها .. فلم يبني قصرا ، ولم يدخر مالا ، ولم يكن له كنز ولا جنة يأكل منها ، وكان يدعو بقوله وفعله وحاله الى الزهد في الدنيا والاستعداد والعمل للآخرة. بل خير بين أن يكون ملكا رسولا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا ، يشبع يوما ويجوع يوما ، حتى لقي الله عز وجل . وكان زهده صلى الله عليه وسلم زهد من علم بفناء الدنيا وسرعة زوالها وقلة زادها وقصر عمرها ، وبقاء الآخرة وما أعده الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجرعظيم وخلود دائم ، فرفض صلى الله عليه وسلم الأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يسد الرمق ، مع العلم أن الدنيا عرضت عليه وتزينت له وأقبلت إليه ، ولو أراد جبال الدنيا أن تكون ذهبا وفضة لكانت ، بل آثر الزهد والكفاف ، فربما بات جائعا ويمرالشهر لا توقد في بيته نار ، ويستمر الأيام طاويا لا يجد رديء التمر يسد به جوعه ، وما شبع من خبز الشعير ثلاث ليال متواليات ، وكان ينام على الحصير حتى أثر في جنبه ، وربط الحجر على بطنه من الجوع ، وكان ربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه صلى الله عليه وسلم. وكان بيته من طين ، متقارب الأطراف ، داني السقف ، وقد رهن درعه في ثلاثين صاعا من شعير عند يهودي ، وربما لبس إزارا ورداء فحسب ، وما أكل على خوان قط ، إكراما لنفسه عن أدران الدنيا ، وتهذيبا لروحه وحفظا لدينه ليبقى أجره كاملا عند ربه ، وليتحقق له وعد مولاه : (( ولسوف يعطيك ربك فترضى )) وكان يقسم الأموال على الناس ثم لا يحوز منها درهما واحدا ، ويوزع الإبل والبقر والغنم على الأصحاب والأتباع والمؤلفة قلوبهم ثم لا يهب بناقة ولا بقرة ولا شاة . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اضطجع على الحصير فأثر في جنبه ، فدخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبكى وجعل يمسح جنبه فقال رضي الله عنه : يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "مالي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها " وقال صلى الله عليه وسلم : " لو كان لي مثل أُحد ذهبا ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء ، إلا شيء أرصده لدين " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض ) وقالت عائشة رضي الله عنها : ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ) وقالت رضي الله عنها: ( ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر ) وقالت رضي الله عنها : ( إنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أُوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقال عروة : ما كان يقيتكم ؟ قالت : الأسودان .. التمر والماء ) و قالت رضي الله عنهما : ( كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدَم وحشوه ليف ) ومع هذا كان يقول صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " ومع زهده في الدنيا كان صلى الله عليه وسلم سخيا وجوادا ، فكان لا يرد سائلا ولا يحجب طالبا ولا يخيب قاصدا ، وأخبر أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة .. وقال صلى الله عليه وسلم في الدنيا : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " الوقفة الخامسه " جهاده وشجاعته " جاهد صلى الله عليه وسلم في جميع ميادين الجهاد : جهاد النفس وله أربع مراتب : جهادها على تعلم أمور الدين ، والعمل به ، والدعوة إليه على بصيرة ، والصبر على مشاق الدعوة . وجهاد الشيطان وله مرتبتان : جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات ، ودفع ما يلقي من الشهوات . وجهاد الكفار وله أربع مراتب : بالقلب ، واللسان ، والمال ، واليد. وجهاد أصحاب الظلم وله ثلاث مراتب : باليد ، ثم باللسان ، ثم بالقلب. فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد ، وأكمل الناس فيها محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه كمل مراتب الجهاد كله ، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد : بقلبه ، ولسانه ، ويده ، وماله . ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا وأعظمهم عند الله قدرا. وعندما دارت المعارك الحربية بينه وبين أعداء التوحيد كان صلى الله عليه وسلم أثبت الناس قلبا كالطود لا يتزعزع ولا يتزلزل ، ولا يخاف التهديد والوعيد ، ولا ترهبه المواقف والأزمات ، ولا تهزه الحوادث والملمات ، فوض أمره لربه وتوكل عليه وأناب إليه ، ورضي بحكمه واكتفى بنصره ووثق بوعده ، فكان صلى الله عليه وسلم أول من يهب عند سماع المنادي ، بل هو الذي سن الجهاد وحث وأمر به ، فكان يخوض المعارك بنفسه ويباشر القتال بشخصه الكريم ، يعرض روحه للمنايا ويقدم نفسه للموت ، غير هائب ولا خائف ، ولم يفر من معركة قط ، وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس وتقوم الحرب على ساق وتشرع السيوف وتمتشق الرماح وتهوي الرؤوس ويدور كأس المنايا على النفوس ، فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر ، يحتمون أحيانا وهو صامد مجاهد ، لا يكترث بالعدو ولو كثر عدده ، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه ، بل كان يعدل الصفوف ويشجع المقاتلين ويتقدم الكتائب ، لا يبلغ مبلغه في ثبات الجأش وقوة القلب مخلوق ، فهو الشجاع الفريد والصنديد الوحيد الذي كملت فيه صفات الشجاعة وتمت فيه سجايا الإقدام وقوة البأس ، وهو القائل : " والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل " برز يوم بدر وقاد المعركة بنفسه ، وخاض غمار الموت بروحه الشريفة ، ونام الناس ليلة بدر وما نام هو صلى الله عليه وسلم ، بل قام يدعو ويتضرع ويتوسل الى ربه ويسأله نصره وتأييده . وقد شُج صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته في غزوة أحد ، وقُتل سبعون من أصحابه ، فما وهن ولا ضعف ولا خار ، بل كان أمضى من السيف. وتكالبت عليه الأحزاب يوم الخندق من كل مكان ، وضاق الأمر وحل الكرب ، وبلغت القلوب الحناجر ، وظن بالله الظنون ، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا ، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو ويستغيث مولاه حتى نصره ربه ورد كيد عدوه وأخزى خصومه وأرسل عليهم ريحا وجنودا وباؤوا بالخسران والهوان. وقد فر الناس يوم حنينن وما ثبت إلا هو وستة من أصحابه ، ونزل عليه قوله تعالى : (( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين )) وكان عدد غزواته التي قادها بنفسه سبع وعشرون غزوة ، وقاتل في تسع منها ، أما المعارك التي أرسل جيشها ولم يقدها فيقال لها سرايا فقد بلغت ستة وخمسين سرية . ------ وللوقفات بقية بإذن الله نصرة للحبيب من عباد الصليب


م.ن
ارجوا التفاعل
7
478

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أميرة بلاقصر
أميرة بلاقصر
جزاك الله خير
الامــيــرة01
الامــيــرة01
رفع الله قـدرك
وفرج الله همك
وأسعد الله أيامك
وألبسك لباس العافية
اسعدني مروركم اسعدك الرحمن
كل من ردت
لووبي
لووبي
جزاك الله خير ونفع الله بك
وغفرالله لك ولوالديك ورزقك الله الفردوس الاعلى
حكايه صبر
حكايه صبر
جزاك الله خيرا واسال الله ان تكوني ممن اذا نظر اليهم تبسم لهم واذا لاذو اليه احتضنهم واذا سألوه اعطاهم واذا دعوه اجابهم ومن فيض خزائنه اعطاهم
ومن الهم والضيق نجاهم.....
الامــيــرة01
الامــيــرة01
رفع الله قـدرك
وفرج الله همك
وأسعد الله أيامك
وألبسك لباس العافية
اسعدني مروركم اسعدك الرحمن
كل من ردت