بسم الله الرحمن الرحيم
لاتنسوني من دعوه في ظاهرالقيب
البﻼء وتفريج الكروب.
يقول ابن الجوزي: ” من أراد أن تدوم له السﻼمة والعافية من غير بﻼء فما عرف التكليف وﻻ أدرك التسليم “.
وﻻبد من حصول اﻷلم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت، والحياة مبنية على المشاق وركوب اﻷخطار وﻻ يطمع أحد أن يخلص من المحنة واﻷلم، والمرء يتقلب في زمانه في تحول النعم واستقبال المحن، آدم عليه السﻼم سجدت له المﻼئكة ثم بعد برهة يُخرج من الجنة.
وما اﻻبتﻼء إﻻ عكس المقاصد وخﻼف اﻷماني ومنع الملذات، والكل حتماً يتجرع مرارته ولكن ما بين مقل ومستكثر، يبتلى المؤمن ليهذب ﻻ ليعذب، فتن في السراء ومحن في الضراء ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ .
والمكروه قد يأتي بالمحبوب، والمرغوب قد يأتي بالمكروه، فﻼ تأمن أن توافيك المضرة من جانب المسرة، وﻻ تيأس أن تأتيك المسرة من جانب المضرة، قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ ﻻَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
فوطن نفسك على المصائب قبل وقوعها ليهن عليك وقوعها وﻻ تجزع بالمصاب فللبﻼيا أمد محدود عند الله، وﻻ تسخط بالمقال فرب كلمة جرى بها اللسان هلك بها اﻹنسان، والمؤمن الحازم يثبت للعظائم وﻻ يتغير فؤاده وﻻ ينطق بالشكوى لسانه، وخفف المصاب على نفسك بوعد اﻷجر وتسهيل اﻷمر لتذهب المحن بﻼ شكوى.
وما زال العقﻼء يظهرون التجلد عند المصاب لئﻼ يتحملوا مع النوائب شماتة اﻷعداء، والمصيبة إن بدت لعدو سرَّ بها وفرح، وكتمان المصائب واﻷوجاع من شيم النبﻼء، فصابر هجير البﻼء فما أسرع زواله، وغاية اﻷمر صبر أيام قﻼئل، وما هلك الهالكون إﻻ من نفاذ الجلد، والصابرون مجزيون بخير الثواب ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ وأجورهم مضاعفة ﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ بل وأجورهم مضاعفة بﻼ حساب والله معهم والنصر والفرج معلق بصبرهم.
وما منعك ربك أيها المُبتلى إﻻ ليعطيك، وﻻ ابتﻼك إﻻ ليعافيك، وﻻ امتحنك إﻻ ليصطفيك، يبتلي بالنعم، وينعم بالبﻼء، فﻼ تضيع زمانك بهمّك بما ضمن لك من الرزق فما دام اﻷجل باقياً كان الرزق آتياً، قال تعالى: ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي اﻷَرْضِ إِﻻَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ ، وإذا أغلق عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك من اﻻبتﻼء يرفع شأن الصالحين وبعظم أجرهم.
يقول سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بﻼء؟ قال: { اﻷنبياء، ثم الصالحون، ثم اﻷمثل فاﻷمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صﻼبة زيد في بﻼئه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البﻼء بالمؤمن حتى يمشي على اﻷرض وليس عليه خطيئة } .
وطريق اﻻبتﻼء معبر شاق، تعب فيه آدم، ورمي في النار الخليل، واضجع للذبح إسماعيل، وألقي في بطن الحوت يونس، وقاس الضر أيوب، وبيع بثمن بخس يوسف، وألقي في الجب إفكاً وفي السجن ظلماً، وعالج أنواع اﻷذى نبينا محمد - -، وأنت على سنة اﻻبتﻼء سائر.
والدنيا لم تصف ﻷحد ولو نال منها ما عساه أن ينال يقول النبي - -: { من يرد الله به خيراً يصب منه } قال بعض أهل العلم: ” من خلقه الله للجنة لم تزل تأته المكاره “.
والمصيبة حقاً إنما هي المصيبة في الدين وما سواها من المصائب فهي عافية، فيها رفع الدرجات، وحط السيئات، والمصاب من حُرم الثواب، فﻼ تأس على ما فاتك من الدنيا فنوازلها أحداث وأحاديثها غموم وطوارقها هموم، الناس معذبون فيها على قدر همهم بها، الفرح بها هو عين المحزون عليه، آﻻمها متولدة من لذاتها، وأحزانها من أفراحها.
يقول أبو الدرداء: ” من هوان الدنيا على الله أنه ﻻ يعصى إﻻ فيها وﻻ ينال ما عنده إﻻ بتركها “، فتشاغل بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل أو اعتذار عن زلل أو وقوف على الباب إلى رب اﻷرباب وتلمح سرعة زوال بليتك تهن فلوﻻ كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس تكن أغناهم، وﻻ تقنط فتخذل وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفﻼج، وآخر الهم أول الفرج، والدهر ﻻ يبقى على حال بل كل أمر بعده أمر وما من شدة إﻻ ستهون، وﻻ تيأس وإن تضايقت الكروب فلن يغلب عسر يسرين، واضرع إلى الله يسرع نحوك بالفرج، وما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إﻻ أتاه المخرج.
يعقوب - عليه السﻼم - لما فقد ولداً وطال عليه اﻷمد لم ييأس من الفرج، ولما أُخذ ولده اﻵخر لم ينقطع أمله من الواحد اﻷحد، بل قال عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً، وربنا وحده له الحمد وإليه المشتكى فﻼ ترجو إﻻ إياه في رفع مصيبتك ودفع بليتك، وإذا تكالبت عليك اﻷيام وأغلقت في وجهك المسالك والدروب وإذا ليلة اختلط ظﻼمها وأرخى الليل سربال سترها قلب وجهك في ظلمات الليل في السماء وارفع أكف الضراعة وناد الكريم أن يفرج كربك، ويسهل أمرك وإذا قوى الرجاء وجمع القلب الدعاء لم يرد النداء ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ وتوكل على القدير والجأ إليه بقلب خاشع ذليل يفتح لك الباب، يقول الفضيل بن عياض: ” لو يئست من الخلق ﻻ تريد منهم شيئاً ﻷعطاك موﻻك كل ما تريد “.
إبراهيم - عليه السﻼم - ترك هاجر وابنه إسماعيل بواد ﻻ زرع فيه وﻻ ماء فإذا هو نبي يأمر أهله بالصﻼة والزكاة، وما ضاع يونس مجرداً في العراء، ومن فوّض أمره إلى موﻻه حاز مناه.
وأكثر من دعاء ذي النون ﴿ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
يقول العلماء: ” ما دعا بها مكروب إﻻ فرج الله كربه “، يقول ابن القيم: ” وقد جُرب من قال: رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين سبع مرات كشف الله ضره “.
فألق كنفك بين يدي الله وعلق رجاءك به وسلم اﻷمر للرحيم واسأله الفرج واقطع العﻼئق عن الخﻼئق وتحر أوقات اﻹجابة كالسجود وآخر الليل، وإياك أن تستطيل زمن البﻼء وتضجر من كثرة الدعاء فإنك مبتلى بالبﻼء متعبد بالصبر والدعاء، وﻻ تيأس من روح الله وإن طال البﻼء فالفرج قريب، وسل فاتح اﻷبواب فهو الكريم وإن يمسسك الله بضر فﻼ كاشف له إﻻ هو، وهو الفعال لما يريد، بلغ زكريا - عليه السﻼم - من الكبر عتياً ثم وُهب بسيد من فضﻼء البشر وأنبيائهم، وإبراهيم بشر بولد وامرأته تقول عن حالها أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً، وإن استبطأت الرزق فأكثر من التوبة واﻻستغفار فإن الزلل يوجب العقوبة، وإذا لم تر لﻺجابة أثراً فتفقد أمرك فربما لم تصدق توبتك فصححها ثم أقبل على الدعاء فﻼ أعظم جوداً وﻻ أسمح يداً من الجواد، وتفقد ذوي المسكنة فالصدقة ترفع وتدفع البﻼء، وإذا كُشفت عنك المحنة فأكثر من الحمد والثناء، واعلم أن اﻻغترار بالسﻼمة من أعظم المحن فإن العقوبة قد تتأخر والعاقل من تلمح العواقب فأيقن دوماً بقدر الله وخلقه وتدبيره واصبر على بﻼئه وحكمه واستسلم ﻷمره.
فالزمان ﻻ يثبت على حال والسعيد من ﻻزم التقوى، إن استغنى زانته وإن افتقر أغنته وإن ابتلى جملته، فﻼزم التقوى في كل حال فإنك ﻻ ترى في الضيق إﻻ السعة، وﻻ في المرض إﻻ العافية، وﻻ في الفقر إﻻ الغنى، والمقدور ﻻ حيلة في دفعه، وما لم يُقدر ﻻ حيلة في تحصيله، قال تعالى: ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِﻻَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْﻻَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ والرضا والتوكل يكتنفان المقدور، والله هو المتفرد باﻻختيار والتدبير، وتدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وهو أرحم به منه بنفسه.
يقول داود بن سليمان - رحمه الله -” يُستدل على تقوى المؤمن بثﻼث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر فيما قد فات “.
ومن رضي باختيار الله أصاب القدر وهو محمود مشكور ملطوف به، وإﻻ جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به، ومع هذا فﻼ خروج عما قدر عليك.
قيل لبعض الحكماء ما الغنى؟ قال: قلة تمنيك ورضاك بما يفكيك.
وقال شريح - رحمه الله -: ما أصيب عبد بمصيبة إﻻ كان لها فيها ثﻼث نعم: أنها لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم مما كانت، وأنها ﻻ بد كائنة وقد كانت.
ضياءالقمرs @dyaaaalkmrs
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
عشقي ورد جوري
•
جزاك الله كل خير , اللهم أجعلنا ممن يصيبون الدرجات العلى في الجنة في عفو منك وعافية .
الصفحة الأخيرة