: التحذير من محقرات الذنوب

الملتقى العام

الحمد لله العظيم الجليل، وأشهد أن لاإله إلاّ الله وحده لا شريك له، تعالى عن الشبيه والمثيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله هاديا ودليلا، فنعم الهادي والدليل، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، في يوم تصير فيه الجبال كالكثيب المهيل،أما بعد، معاشر المسلمين: اتقوا الله تعالى وعظموه جلّ وعلا، وإنّ من تعظيم الله، تعظيم الحرمات، قال تعالى: ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (أي ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيما في نفسه فهو خير له عند ربه، أي فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل). عباد الله: لقد جرت العادة أن يتساهل المرء في صغائر الذنوب والأخطار، وتوافه الأضرار، والحقيقة أن الذنوب التي يرتكبها العبد في جنب الله ذنوب، وإن كانت صغائر، فلا ينبغي أيها الإخوة الكرام، أن يستهين المسلم بشيء من الذنوب، فربّ ذنب يكون سببا لزيغ القلب، قال تعالى: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، ويحذر الرسول الكريم من احتقار الذنوب الصغائر والاستهانة بها، مبينا أثرها في السلوك، وعاقبة ذلك عند الله تعالى، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب، كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه))، رواه أحمد والطبراني. وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه))، رواه أحمد. ومن تربيته في تعظيم شأن الصغائر، قوله لعائشة رضي الله عنها: ((يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا)) رواه أحمد في مسنده. نعم فكم من ذنب ارتكبته صغر في عينيك كان سبباً في سوء الخاتمة، وكم من معصية استهنت بها واحتقرتها، كانت سبباً في شقائك وتعاستك، وكم من بليّة كتمتها ونسيتها، ظهرت وبدت عند الله تعالى، وكم من خطيئة انتهكتها حسبتها لاشيء، قد عظمت عند ربك جل وعلا، قال سبحانه: وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (بقدر ما يصغر الذنب عندك، يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك، يصغر عند الله). ولذلك قال بلال بن سعد: (لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت). عباد الله: إن كثيرا من عباد الله المسلمين، يستهين بصغائر الذنوب، لأنه يراها قليلة حقيرة، ولكن يغيب عن باله أثرها في اعوجاج السلوك، واعتياد المرء عليها وعلى أمثالها، ثم انتقاله بعد ذلك، إلى ما هو أعظم وأخطر، وأدهى وأمر، كما هو مشاهد. والذي يجب التنبه له، أنه إذا اعتاد الإنسان على صغائر الذنوب، ألفها وصارت عادة له في حياته، يدمن عليها، ومن ثم تتشوق نفسه وتطمع في سائر المعاصي، والنفس بطبيعتها، طموحة لكل لذة وشهوة، ترغب في الزيادة إلى ما هو أكبر وأعظم، فيصل بعد ذلك إلى ارتكاب الكبائر. لأن الذي يدفع المرء ويجرّئه على ارتكاب الكبائر، غشيان الصغائر، فإذا استمرأتها النفس، هان عليها ارتكاب الفواحش، والشيطان لا يوقع الإنسان في النار إيقاعاً، كلا، ولكنه يستدرجه شيئا فشيئا، ولهذا كان صحابة النبي حذرين ووجلين، من أسباب غضب الله وسخطه، فاستقامت جوارحهم، وعلت أرواحهم، وزكت أنفسهم، فاستحقوا من الله تعالى القرب والرضوان، وبهذه التربية القويمة، يحدث أنس بن مالك رضي الله عنه نفراً من التابعين، عن سيرة إخوانه من الصحابة بقوله: (( إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد رسول الله من الموبقات)). أي المهلكات. فالمسلم العاقل هو الذي يتجنب الخطر، ولتجنب الخطر، خطوات سار عليها رسول الله ، أول هذه الخطوات: أن لا يسرف المسلم في الحلال، ولا يستقصي كل المباح، بل عليه أن يترك شيئا من المباح والحلال، يقيه هذا من الوقوع في الحرام،مصداقا لقول رسول الله كما رواه الطبراني في المعجم الكبير، حيث قال : ((لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا ممّابه بأس)). الخطوة الثانية: عليه أن يعظم هذه الذنوب التي يراها صغيرة في نفسه، فلا ينظر إلى المعصية باعتبار كبرها وصغرها، ولكن ينظر إليها باعتبار من عصى، وهو الله الجليل العظيم، كما في الأثر السابق، ((لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت)).فكم من ذنب جرّ إلى ذنب، أهلك صاحبه فصار من النادمين، فكم من نظرة إلى أجنبية احتقرها العبد على أنها مجرد نظرة، أورثته عشقاً فحسرة فهلاكا، وكم من مصافحة لأجنبية ظنّها العبد أنها لاشيء، أوقعته تلك المصافحة في القبلة والعلاقات الوهمية، وكم من خلوة مع امرأة، أوقعت صاحبها في الزنى، وكل هذا من استهانة العبد واحتقاره للذنوب، وعدم خوفه من الله جل وعلى، فحرمته كثيرا من الطاعات، قال بعض الحكماء: (إن الله خبأ أربعا في أربع،... وذكر منها... وخبّأ غضبه في معصيته، فلا تحقروا منها شيئا، فلعل غضبه فيها) قال ابن المعتز:

خلّ الذنوب صغيرها * وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض * الشوك يحذر ما يرى
لا تحقـرن صغيــــرة * إن الجبال من الحصى

هذا واتقوا الله عباد الله، واعبدوه واشكروه، واستعينوا به واسألوه واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . . . . . .
1
517

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ام اللووودي
ام اللووودي
الله يجزاك خير ويعطيك الف عافيه