التشويش في المساجد

الملتقى العام

المساجد بيوت الله جل جلاله في الأرض، وهي منارات علم وذكر وطاعة وعبادة وتأدب واجتماع، يتفقد المسلمون فيها بعضهم بعضا ليحققوا دروسا في التعارف والتآلف والتعاون والأخوة والمحبة والأنس والتزاور، وقد ذكرت المساجد في القرآن في سورة النور مباشرة بعد آية النور، لأنها معالم النور، فهي تتراءى للملائكة في السماء كأنها كواكب تشع ضياء، وتسطع نوراً، وتتلألأ حسنا وجمالاً، بحسب ما يعقد فيها من حلقات الذكر والعباده والعلم }في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم الله من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب{ (النور: 36، 38).
والمساجد تعمر من قبل عباد الله الطائعين المخلصين الذاكرين الذين يأوون إليها بشوق ولهف وحب: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم رجل قلبه معلق بالمساجد"، وتعمر من قبل العلماء العاملين الصادقين بالدرس والتعلم والتفقه والتذكر، }إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين{ (التوبة: 18).
والمساجد في الإسلام لها حرمتها، وقدسيتها، ومكانتها، وهيبتها، لأنها بيوت الله وترتبط به، وتستمد منه هذه المكانة القدسية، فلا يدخلها المسلم إلا بالسكينة والوقار، مع التقدير والاحترام، فلذلك محرم أن يمارس فيها أمور تتعلق بمتاع الحياة الدنيا وشغلها الملهي عن ذكر الله، والصارف لما بنيت من أجله المساجد، فقد روى مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سمع رجلا ينشد ضالته في المسجد فليقل: لا رَدّها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا»، ورغم أن مسألة الضالة فقدان مسلم متاع يهمه ويخصه، وهو من شأن المسلمين الذي يتعاونون عليه، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا يحضر فيه عمل أي أمر دنيوي يشوش فيه على رواد المسجد، ويضيع وقتهم الثمين، ويشغلهم بأمور ليست من أهداف المسجد النبيلة والعظيمة.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيبع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك"، والمسلم عندما يذهب إلى المسجد ليكون في حضره الله، وفي بيته، لا بد أن يكون في أحسن هيئة، وأجمل لباس، وأطيب ريح، وأعطر طيب }يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد{ (الأعراف: 31).
لذلك نهى رسول الله من كان ذا رائحة غير طيبة أن يقرب المسجد، ففي الحديث المتفق عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا» وفي رواية أخرى لمسلم: "من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم". وفي رواية أخرى لمسلم عن عمر بن الخطاب قال: لقد رأيت رسول الله إذا وجد ريحهما (يعني البصل والثوم) من الرجل في المسجد أُمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليميتهما طبخا: «فالواضح أن المسلم إذا أتى إلى المسجد بريح غير طيبة يؤذي المصلين فيضيع عليهم خشوعهم في الصلاة، ومن الأمور المستحدثة اليوم وتؤذي المصلين الدخان فرائحته مستقذرة، وللأسف أن بعضهم يطفئ السيجارة على باب المسجد، بل يدخل ويصلي وهو يحمل هذا المحرم في جيبه، فأنا أخشى على صلاته، والأصل أن يطيب فمه ويغسله ويأكل ما يذهب رائحته قبل دخول المسجد.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تشويش المصلين على بعضهم حتى بقراءة القرآن، لأنه يذهب خشوعهم، ويشغل بعضهم ببعض، فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد في قبة ضربت له فسمعهم يجهرون بالقرآن، فكشف الستر، وقال للصحابة رضوان الله عليهم: "ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة".
وأخرج الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يتحلّقون في مساجدهم وليس همّهم إلا الدنيا، ليس لله فيهم حاجة، فلا تجالسوهم"، }ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب{ (الحج: 32).
وارتفاع الأصوات في المساجد من الأمور المنكرة شرعاً، وهي خطيئة في حق المصلين، فقد أورد مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال: "إياكم وهيشات الأسواق"، قال الإمام النووي في شرح هيشات الأسواق، اختلاطها، وارتفاع الأصوات فيها بالمناداة، والمنازعة، والخصومة، واللغط، والفتن فهذه أمور لا تصلح أن تكون في بيوت الله، لأنها لم تبن لذلك.
ولذلك ذكر مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دخل المسجد ووجد رجلين قد ارتفعت أصواتهما فهمّ بضربهم، فلما رآهما غربين عن المدينة، سألهما فقالا من اليمن فقال: لو كنتم من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا، فلا ترفعا أصواتكما في المسجد.
لقد سقت هذا الأدلة من الكتاب والسنة، للحديث بشكل عام عن آداب المسجد في كل الظروف، والأحوال، وبشكل خاص ونحن في العشر الأواخر، حيث يكثر الأطفال في المساجد، وهمهم اللعب والتشويش على المصلين
1
447

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

shadn 77
shadn 77
لااله الا الله