معالمجتمع واع فطن
.
(مقالات تستحق النشر)
الثلج والدخان .. وبقايا الإنسان !!
حملت أوراقي وجهازي واتجهت نحو المخيم .. في مهمة رسمية .. أو لعلها إنسانية .. لا أدري كنهها ولا أدري كيف سأنجزها مع مراعاة النفسيات !!
قلت لهم أريد أن أعقد لقاء عن الطفولة في المخيمات .. ليتكم ترشدونني إلى طفل يحمل بعض المميزات !!
ضحكت تلك السيدة ضحكة بالدموع ملبّدة ,, وقالت: كلهم هكذا كوني متأكدة..
ثم نادت من بعيد .. والدخان يخرج من فمها من أثر الصقيع والجليد .. فجاء عبد المجيد .. قالت لي: إنه طفل يتيم تكلّمي معه ما تشائين ّ!! ثم مضت
وبينما كنت أفكر لماذا تركتني وحيدة مع طفل صغير .. بادرني عبد المجيد بالكلام .. بعد أن ألقى السلام .. قال: هل يُعجبكِ المكان !؟
تلعثمتُ وأطرقتُ .. وأنا أنظر إلى تلك الخيام غارقة في الثلوج فوق أكثر من نصف القدم .. .. ثم فكّرتُ أن أُشغله ببعض الألعاب التي أحضرتُها كي أُفرح الأطفال ..
ضحك كثيرا .. ثم قال .. خالتي أهذه طائرة كي ألعب بها ؟ إنني أمقتها فهي التي قصفت دارنا فمات والدي بسببها ...
وما هذه؟؟ بارودة وأسلحة بلاستيكية .. إنني أريد أسلحة حقيقة .. فلم تعد هذه مجديّة .. سوف أعود وأقاتل من أجل الحرية .. إذ لم تعد هناك حميّة !!
وما هذه؟؟ كرة !! إنني أكرهها مذ رأيت أمي وقد فُصل رأسها عن جسدها .. وصار يتدحرج في الرواق ..
وما هذه الأدوات !! أدوات نجارة ؟! إنها تذكرني ببيوت أصبحت خراب .. هل أصلح بها باباً للخيمة صنع من القماش والماء
ثم فجأة بادرني بسؤال ... هل كنتم تحبّون الثّلج ؟ .. أصدقيني القول ..
قلت: نعم نحبّه ونفرح به فرحا كبيرا .. وندعو الله كثيرا .. أن يستمرّ ويدوم طويلا قبل أن يذوب ..
قال : نعم ,, وغالبا كنتم تلهون وتمرحون وتصنعون تماثيل كأنها معرض للفنون و تضعون جزرة بيد رجل الثلج ثم تضحكون !!
قلت :أنتم أيضا .. ألا تفعلون ؟! قال: لا يتوفر الجزر .. ولا توجد قفازات أصلا لنقوم بأي عمل !!
لكننا نستفيد منه حتما بحفظ جثث الموتى .. نحنّطها بدل صنع الدّمى _ريثما يحين دورنا _ .. فعندما قضت شقيقتي الصغيرة رنا .. استطعت أن أجلس بقربها وأن أودّعها لساعات .. دون أن تتعفن وتؤذيني رائحتها ~
إنهم يقولون عنها طفلة .. لكنها ليست طفلة .. فقد تحمّلت ما يعجز عنه الكبار
تحمّلت الجوع و البرد وتحمّلت قبله شعاع الشمس الحار ورطوبة الرمال ..
وكانت تقول لي: لماذا يخرج من فمي دخان ؟ هل احترق قلبي يا عبد المجيد ؟ حيث لم تعد لنا أم ولا أب ولا بلد ولا أخ يحن علينا بل الكل يطردنا وكأننا شيء معيب !!
ثم قال : هل جئت تكتبين عن الأطفال ؟! قلت: نعم !! قال : أخطأت العنوان ؟!
هناك الأطفال .. حيث تقبعون !! هناك .. حيث يتدثر الخائفون من لفحة هواء ..
هناك .. حيث يختبئ الجبناء .. ويأكلون حتى تتقطع الأمعاء .. ويتركوننا في العراء .. في الصقيع .. نصارع البقاء .. بلا مأوى .. بلا غذاء ولا دواء
ثم يصوروننا ونحن نموت .. مباشرة .. على الهواء !!!
بقلم: أروى العظم
حفيدة الشيخ علي الطنطاوي
الأخـرة دار القرار @alakhr_dar_alkrar
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الأخـرة دار القرار
•
سبحان الله..
الصفحة الأخيرة