الحالة النفسية توجب قبول الدعاء؛ >> السر

الأسرة والمجتمع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصل الله وسلم وبارك على إمام النبيين، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين..



أما بعد أيها الأحبة الكرام..



فنبدأ سلسلة جديدة مع أسباب نزول بعض آيات القرآن الكريم، والوقوف عند معانيها..



ومعرفة سبب نزول الآية له فائدة عظيمة جدا؛ لأنك حين تعرف السبب الذي من أجله أنزل الله الآية؛ تحسن فهم الآية، وتعرف مقاصد القرآن الكريم، وتنكشف لك المعاني الحقيقية للآية الكريمة..



أول آية نبدأ بها لها علاقة بالصيام، وهي قول الله تبارك وتعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186).



سبب نزول هذه الآية أن جماعة من الصحابة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه.. أي هل الله قريب منا فنكلمه سرا في مناجاه.. أم بعيد فنرفع أصواتنا فنناديه، فنزلت الآية الكريمة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ)



ويقال أن بعض اليهود قالوا: يا محمد كيف تقول أن الله يستجيب الدعاء، وأنت تذكر أنه فوق سبع سماوات وأن بين الأرض والسماء، وبين كل سماء والتي بعدها مسيرة خمسمائة عام.. كيف تكون كل هذه المسافات، وتدعي أن الله تبارك وتعالى يستجيب الدعاء، فنزلت الآية الكريمة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ)



وتبين الآية الكريمة أن الله تعالى أقرب إلى العبد من نَفَسه، وأقرب إليه من حبل الوريد كما قال الحق سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ) (ق: 16)، فالله جل وعلا أقرب إلى عباده من أنفسهم، وهو تبارك وتعالى يسمع خطرات القلوب قبل كلمات الألسنة، ويعرف السر وما هو أخفى من السر من الأشياء التي تمر أحيانا على الخاطر ولا يحفظها الإنسان؛ لأنه تبارك وتعالى قريب من عباده..



وهنا يأتي سؤال.. إذا كان هذا سبب نزول هذه الآية، فما السر من أن هذه الآية لما نزلت أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يضعها في هذا الموضع من سورة البقرة، فهذه الآية جاءت في أثناء حديث القرآن عن الصيام .. بدأت الآيات بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ..)، إلى آخر الآيات التي تتكلم عن الصيام.



وبعد أن قرر الله تبارك وتعالى أحكام الصيام قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ)



ثم عاد مرة أخرى يكمل بقية أحكام الصيام قال: ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ...) إلى آخر الآية..



لماذا أمر الله نبيه أن يضع آية الدعاء هذه في هذا الموضع من هذه السورة؟



لأن الحق جل وعلا –وهذه حكم مستنبطة- أراد أن يكون الدعاء في أشرف الأوقات والأحوال التي يستجاب فيها الدعاء، فذكره في أثناء الحديث عن فريضة جعل دعاء أصحابها مقبولا، وبعد الحديث عن القرآن الذي هو أعظم ما خرج منه تبارك وتعالى؛ ليبين أن حالة الصيام والعبادة وحالة الطاعة هي من أشرف الأحوال التي تستثمر لطلب الدعاء، وهذا مما هو معلوم من آداب الدعاء ..



فمن آداب الدعاء أن تختار الوقت الشريف المناسب، وأن تختار الحالة النفسية والعبادية والروحية المناسبة.



فمثلا: جعل الله تبارك وتعالى شهر رمضان خير الشهور؛ ومن ثم فالدعاء فيه أكثر قبولا..



جعل الله يوم عرفة أفضل الأيام؛ ومن ثم فأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة..



جعل الله يوم الجمعة خير الأيام وأفضل الأيام؛ وعلى هذا فالدعاء في يوم الجمعة مستجاب، وفيه ساعة سماها النبي صلى الله عليه وسلم ساعة إجابة لا يرد فيها الدعاء..



وأوقات الصلاة، في أثناء الصلاة، وعقب الانتهاء من الصلاة، جعل الله فيه وقتا شريفا يستجاب فيه الدعاء، وفي وقت الركوع والسجود على الخصوص، تكون الحالة أكمل والدعاء أكثر قبولا..



ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»..



وهكذا كان إذا ختم الصلاة، جلس يدعو الله جل وعلا..
kj


إذا نزل المطر، كان صلى الله عليه وسلم يرى أن هذه الساعة ساعة رحمة، فالدعاء فيها مقبول؛ فكان يغتنم ساعة نزول المطر لدعاء الله تبارك وتعالى..



إذا أحس القلب بالاضطرار والحاجة والثقة الحقيقية بأن حاجته عند الله وأن الله قادر على قضائها، فهذه الحالة النفسية توجب قبول الدعاء؛ لأن الله تعالى يقول (أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل: 62).



إذا الإنسان في لحظة من اللحظات وفي أثناء عبادة من العبادات أحس بالسكينة وبالراحة، فهذا التجلي من الله سبحانه وتعالى من الأحوال التي يجب أن يستثمرها لطلب الدعاء؛ لأنها حالات يكون باب السماء فيها مفتوحا، وتكون تجليات الحق تبارك وتعالى على العبد أكبر فيستجاب الدعاء، وهو الذي سماه العلماء: فتح باب الدعاء، ويقول عمر t عنه: أنا لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء، بمعنى أنه يتمنى أن تأتيه الحالة النفسية والروحية وحالة الطاعة والإقبال على الله التي يفتح الله له فيها باب الدعاء، لأن الدعاء عملية متبادلة بين العبد وبين الله، العبد يدعو والله تعالى يجيب، فأما جانب الحق جل وعلا فلا تغير فيه لأنه يقول (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، يبقى أن الداعي نفسه يتهيأ لأن يكون مقبول الدعاء، فكيف يتهيأ.. يغتنم الأوقات الفاضلة.. يغتنم حالات الإجابة.. يغتنم حالات الإقبال القلبي على الله تعالى.. يغتنم قراءة القرآن.



ومن أشرف وأبرك الأوقات التي بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء فيها مقبول، وقت الصيام، فقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم، دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة الصائم حتى يفطر»



إذن أنت في حالة الصيام، في حالة شريفة من الأحوال التي يُرجى معها قبول الدعاء، ومن ثم فإني أوصي نفسي وإخواني بأن نستكثر من الدعاء في يوم الصيام..



في هذه الأيام الطيبة المباركة، نكثر من الدعاء..



والشعار الذي نضعه اليوم أمام أعيننا ونكرره باستمرار، وكلما كررته تغتنم الفرصة وترفع يديك إلى الله بالدعاء .. "الصائم لا ترد دعوته"



إذن .. فشعار اليوم "الصائم لا ترد دعوته"



نحفظ هذا اليوم ونكرره، ونذكّر نفسنا بالدعاء، وكلما ذكرت نفسك به توجه إلى الله تعالى بالدعاء بقلب خالص ..



نسأل الله العظيم أن يتقبل منا، وأن يفتح لنا باب الدعاء وباب الإجابة..



اللهم إنا ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا يا ربنا كما وعدتنا..



اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في إمرنا، وثبت الله أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين...



اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وتوفنا مع الأبررا..



وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
9
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الحائره في امري
جزيتي خير
سارة_ uae
سارة_ uae
جزاج الله خير
nsalaa88
nsalaa88
جزاك الله خير
**عاشقة الحياة**
جزاكي الله خير وبارك فيكِ

موضع جدا رائع
: رنيم :
: رنيم :
جزاك الله خير