الصواب في العنوان : الحج ذكريات ومواقف فعذرا على الخطأ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد :
فعن عن في البال تدوين بعض الخواطر والفوائد والذكريات والمواقف التي مرت علي أثناء حج بيت الله الحرام في هذا العام لعل الله أن ينفع بذلك
فاللهم يسر وأعن يا كريم
لقد كان السفر للحج بالنسبة لي محض فضل وكرم من الله تعالى , فقد يسر الله أمر هذا السفر في اللحظة الأخيرة فوافق مديري في العمل على السفر وتم الأمر ولله الحمد والمنة...
ولا بد أن اتذكر هنا قول الله تعالى : ﴿ وما بكم من نعمة فمن الله ﴾ فلم أُعط هذه النعمة لذكائي أو علمي أو خُلقي بل لفضل الله وكرمه وجوده وإحسانه فالله يا رب لك الحمد ...
السفر للحج أمر عظيم جدًا لا بد أن يسبقه مراجعة للحسابات ... لقد فعلت وفعلت ثم الآن جئت إلى الحج فاللهم تقبل مني واعف عني وتجاوز عن سيئاتي ...
توجهنا للمطار ورأيت الناس مقبلة على الحج الكبار والصغار , الرجال والنساء بل رأيت امرأة قد انحنى ظهرها وأظنها تجاوز السبعين قد جاءت للحج , كلهم قد جاؤوا لهدف واحد ألا وهو طلب رضا الله تعالى ... جاؤوا وقد لبوا النداء , من الممكن أن ينشغلوا بالدنيا ولكن هم الآخرة أعظم وأكبر ...
ومن رأى حال الحجاج علم أن أمة الإسلام أمة مرحومة فالمسلم فيه خير عظيم وهذه الأمة أمة مباركة , قد تجد المسلم عاصيا بعيدا عن الله ولكنه إن ذكر تذكر وإن وُجه استجاب ...
وقفت بجانب أحد الإخوان من أصحاب الحملات , جاءه أحد الحجاج يسأله عن أمر يتعلق بالسفر , والأمر الغريب في هذا الأخ الكريم أن زوجته معه في كامل زينتها قد جاءت مسافرة للحج ...
سألت صاحبي هل هذا الرجل معكم ؟
قال نعم؟
أخذت الرجل على جنب كلمته وأخبرته أن هذا التبرج لا يجوز فقبل مشكورًا جزاه الله خيرًا وأمر زوجته بأن تغطي وجهها ...
وذكرني هذا الموقف بعظم الأمانة الملقاة على عاتق طلاب العلم , فالناس فيهم خيرٌ عظيم جدا ولكن يحتاجون إلى من يوجههم ويذكرهم بالله سبحانه وتعالى ...
فائدة : في كتاب التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة للشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز رحمة الله عليه فصل عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الحجاج ...
فرحم الله الشيخ فقد كان حريصا على الوعظ والإرشاد والتذكير ...
المهم توجهنا إلى المدينة النبوية وقد سمعتُ مرة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول : إن الأماكن التي يُستحب لك أن تزورها في المدينة : المسجد النبوي ثم تسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تسلم على أهل البقيع ثم تزور مسجد قباء ثم تسلم على شهداء أحد ...
وقد نبهت إخواني أن زيارة المدينة النبوية لا بد أن يقصد منها شد الرحل إلى المسجد النبوي لا إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام فالمقصد الأول هو زيارة المسجد النبوي ثم نسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه هو الذي علمنا فقال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد ...
فنهينا عن شد الرحال إلى القبور ...
وهذا خطأ يقع فيه كثير من الحجاج وللأسف الشديد ...
وصلنا إلى المدينة النبوية وبعد راحة قصيرة توجهت إلى المسجد النبوي وحضرتُ درسًا جميلاً للشيخ الفاضل سليمان الرحيلي حفظه الله تعالى ...
ثم أذن أذان المغرب وصلي بجانبي رجل من أهل عُمان – من أهل السنة وليس من الإباضية – ورأيته بعد أن صلى صلاة المغرب تنفل وأتى بالسنن فسألته ما الصلاة التي صليتها فقال لي : سنة المغرب
فقلت له أخي الكريم : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر من الرواتب شيئا إلا راتبة الفجر .... فاستجاب جزاه الله خيرًا وبارك الله فيه ...
وهذا أمر يجهله بعض الإخوة والأخوات : فالرواتب لا تُصلى في السفر إلا راتبة الفجر أما النوافل المطلقة كقيام الليل أو سنة الضحى فتصلى في السفر والحضر ...
فإن قال قائل سيفوتني الأجر , فأجر الصلاة في المدينة مضاعف
فالجواب : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا سافر العبد أو مرض كتب الله من العمل ما كان يعمله صحيحا مقيما ...
فأجرك مدون عند الله تعالى ...
وبسبب الزحام أخرت السلام على النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم الثاني فذهبت وسلمت عليه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام ...
ووجدت بعض الناس يستقبلون قبره الشريف بالدعاء مع أن هذا الأمر منكر باتفاق الأئمة فالدعاء يكون باستقبال القبلة لا القبر ولكنه الجهل المخيم على بعض أبناء المسلمين ...
ورأيت رجلاً من بنغلاديش في المسجد النبوي يعرف شيئا يسيرًا من العربية فنظرت إليه فإذا به قد علق في رقبته تميمة – حرزًا – فسألته ما هذا ؟
فقال : تعويذ
فقلت له وهل يعيذك غيرك الله توجه إلى الله وتذلل له واسأله من فضله وكرمه يعطيك ... فحاولت أن أشرح له قدر استطاعتي ولكن حالت اللغة بيني وبينه ...
وأنبه هنا كل من يعرف لغة من اللغات إلى أهمية تذكير من لا يعرف العربية بالله عزوجل خاصة في مسائل العقيدة والتوحيد فبعضهم فيه تقبل عظيم ولكنه لا يفهم العربية ...
في سنة من السنوات كنت في مِنى فرأينا رجلاً عليه تميمة غليظة لم أر مثلها فكلمه أحد الإخوة معنا ممن يعرف اللغة الأردية فاقتنع الرجل وقطع التميمة جزاه الله خيرًا ...
في مطعم الفندق رأيت بعض الشباب يقبل على التدخين مع أنه جاء للحج وهذا قد يعرض نفسه إلى الحرمان من الأجر العظيم ... قال صلى الله عليه وسلم : من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ... والتدخين من الأمور المحرمة فلينتبه كل حاج إلى هذا الذي قد يضيع عليه أجرًا عظيمًا ... جلست مرة في المطعم فرأيت أحد الشباب قد وضع الغليون – المدواخ في لهجة أهل الإمارات – في فمه ولم يبق بينه وبين المنكر سوى عود ثقاب توجهت إليه وذكرته فاستجاب جزاه الله خيرًا وترك هذا المنكر ... وقلت له اعذرني أخي الكريم على سوء أسلوبي فقد تكلمت معك مباشرة دون أي مقدمات وما ذلك إلا لخوفي على حجك فقال لي صاحبه : والله لم تقل إلا الخير
فالحمد لله رب العالمين ... فالناس فيها خير عظيم ولكن لابد من تذكير وتنبيه ...
ومن اللطائف والظرائف أني وجدت في المدينة النبوية بعض الناس يسأل عن أحكام رمي الجمرات فقلت له يا أخي الكريم :دعنا نصل إلى مكة وستعرف الأمر ...فلم العجلة ...
فأحيانا يخاف بعضهم من الحج خوفا عظيما فهو يسمع أن الحج فيه مشقة عظيمة وزحام لا يطاق أبدا وأن الأمر في غاية الصعوبة وهذا كلام ليس بصواب , نعم هناك بعض الصعوبات ولكن الأمر ليس كما يتخيله البعض ...
ورأيت في المدينة النبوية بعض النساء من أسرة آل نهيان – حفظهم الله تعالى – فوجدتهن في ستر تام لا يظهر منهم الظفر جزاهن الله خيرًا
وتذكرت هنا أني قرأت مرة مذكرات لأحد العراقيين الذين قدموا إلى الإمارات فذكر أنه ألقى محاضرة وحضرت المحاضرة الشيخة فاطمة بنت مبارك فقال : فوضعت في خباء لا أراها ولاتراني
فحري ببعض بنات بلادي وبنات المسلمين – هداهن الله – أن يلتزمن بالحجاب واللباس الشرعي فالخير كل الخير في اتباع أوامر الله تعالى ...
وبعد أيام جميلة جدا في مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام توجهنا إلى مكة المكرمة وإلى المسجد الحرام , أخبرت من معي أن الأفضل أن نغتسل في الفندق ثم نلبس إحرامنا فيه ونأتي الميقات ونصلي ركعتين , فاستجابوا جزاهم الله خيرا ...
كان الجو باردًا صلينا في المقيات ثم لبينا واجتهد الإخوة في الحافلة في موضوع التلبية , ورأيت أحد العوام يطبق السنة بوضوح في موضوع التلبية : يرفع بها صوته وهذه هي السنة فقد قال عليه الصلاة والسلام أفضل الحج العج والثج . العج : رفع الصوت بالتلبية والثج : إراقة دم الهدي ...
وصلنا إلى مكة ثم شرعت في العمرة كان الأمر ميسرا ولله الحمد والمنة ...
وفي أثناء السعي : رأيت إحد الإخوة من الإمارات يسعى في ثيابه فسألته لم تفعل هذا ؟ قال هذا سعي تطوع فقلت له : بارك الله فيك السعي لا تطوع فيه وإنما الطواف هو الذي يُتطوع فيه ...
وتذكرت في الطواف أن المكان الوحيد الذي يشرع فيه الطواف هو الطواف بالبيت العتيق ...
فمن يتعلق بالقبور والأضرحة ويطوف بها ماذا سيكون جوابه لو وقف بين يدي خالق السموات والأرض ؟
من يتمسح بالأحجار والأشجار كيف سيقابل الله تعالى ؟
فالمسلم لا يمسح الحجر الأسود ويقبله ولا يمسح الركن اليماني إلا لورود ذلك عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام فوالله لو لم يرد ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعل المسلم ذلك ولكن إذا جاء الأثر بطل النظر ...
وبعد الانتهاء من السعي يقصر المسلم شعر رأسه , وهذا التقصير فيه من معاني الذل والانقياد لله تعالى , فشعر الرأس يعتني به الإنسان ولكنه يقصره أو يحلقه تعظيما لله تعالى وهذا دليل على الانقياد لله تعالى : ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدل فيّ قضاؤك ...
ثم جاء يوم التروية ودخلنا في أعمال الحج وتوجهنا إلى مِنى , وبدأت أشرح لمن معي بعض مناسك الحج , وسبحان الله تجد من الناس تعطشا لمعرفة السنة , يسألونك ما هي السنة ؟ وكيف نصنع ؟ وكيف نحج ؟
فيا طالب العلم لا تحرم الناس هذا الخير وبث العلم بين الناس وعلمهم يكن لك أجر عظيم من البر الرحيم ...
ومن الأمور التي لاحظتها على حملتنا جزا الله القائمين عليها كل خير حرصهم على تطبيق السنة فقد وصلنا إلى منى قبل الصلاة الظهر وصلينا فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم توجهنا إلى عرفة ...
الناس في ترقب هذا يوم عظيم ينزل فيه الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بعباده ...
فائدة : أحاديث النزول تدل على علو الله تعالى وأن الله سبحانه وتعالى في السماء خلافا لما يقوله بعض الناس أن الله في كل مكان – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا –
يا الله ما أكرمك وما أعظمك
تكرمت على عبادك : الكل يرجوك ويسألك
أين من يتعلق بالقبور ؟
أين من يتعلق بالسحرة ؟
أين من يتعلق بالشجر والحجر والدواب ؟
هنيئا لمن علق قبله بالله فهو سبحانه وتعالى كما قال ابن القيم : يغفر ذنبا ويفرج هما ويكشف كربا ويجبر كسيرا ويغني فقيرا ويعلم جاهلا ويهدي ضالا ويرشد حيرانا ويغيث لهفانا ويفك عانيا ويشبع جائعا ويكسو عاريا ويشفي مريضا ويعافي مبتلى ويقبل تائبا ويجزي محسنا وينصر مظلوما ويقصم جبارا ويقيل عثرة ويستر عورة ويؤَمِّن روعة ويرفع أقواما ويضع آخرين...
ومع هذا يتوجه بعضهم لغير الله !!
طلب مني بعض الإخوة أن أخطب في خيمتنا التي تبعد عن مسجد نمرة ...
أنا أخطب في هذا اليوم العظيم ؟!!
والله إني أحقر من ذلك
ومن أنا حتى أتكلم في هذا اليوم المبارك ؟
فاللهم يا رب اعف عني واغفر زلتي وارحمني واستر عيبي يا ستير ...
وبعد أخذ ورد قلت سأتلكم عن توحيد الله تعالى فما عندي عمل أرجى من الدلالة على توحيد الله تعالى فاللهم يا رب تقبل مني ...
وبعد الدعاء والإلحاح على الله من قبل الجميع توجهنا إلى مزدلفة ثم إلى منى رمينا وحلقنا ثم تحللنا ولم نتمكن من طواف الإفاضة إلا في اليوم الثاني ...
وفي أيام منى كلمات ومحاضرات : كنت أشاهد في وجوه الناس رغبة في تعلم أحكام الشرع والدين , هذا فلان الفلاني صاحب المركز المرموق يأتي ويجلس على الأرض حاله كحال البقية يسأل ويتعلم ويتبصر ...
كانت أيامًا جميلة تواصينا فيها على الخير وعلى البر والتقوى ...
ثم جاء الرحيل فطفنا طواف الوداع وتوجهنا إلى المطار
تأخرت الطائرة قليلاً فاستغربت من أحد الإخوة من طلاب العلم قام واستأذن موظف الطيران السعودي بإلقاء كلمة في المطار في صالة الانتظار فأذن الله جزاه الله خيرًا فذكرنا بصفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام ...في موقف استغرب منه الكثير ...
ولكن من لاح له عظيم الأجر هان عليه كل شيء ...
هذه بعض المواقف والخواطر التي مرت عليّ
أسأل الله أن ينفع بها أن يمن علي بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة
والله أعلم ...
أخوكم كان الله له
بومزنة @bomzn
الداعـي المتميـز
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
بومزنة
•
الأخت الفاضلة الكريمة : جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم ونفع الله بكم
وتقبل الله منا ومنكم
أخوكم
وتقبل الله منا ومنكم
أخوكم
الصفحة الأخيرة
وحج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور ..
سبحان الله ذكرتني اخي الكريم بموقف مشابه في الحج قبل عامين ..
زوجين كبيرين في السن انحنى ظهرهما بشدة ..وكانهم راكعين ..
لدرجة إنهما لا ينظران سوى تحت أقدامهما فقط .. في برد المدينة المنورة القارس وعند صلاة الفجر ..
يسرعون الخطا للوصل إلى صلاة الجماعة .. تقبل الله منا منهم ..