الحلقة الثالثة من سلسلة آل البيت والصحابة / فضيلة الشيخ عثمان الخميس
الحلقة الثالثة من سلسلة آل البيت والصحابة
العلاقة بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الرَّحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين نبيِّنا وإمامِنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عينِنا محمَّد بنِ عبد الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين أمَّا بعد :
فما يزالُ حديثُنا مستمرّاً عن
آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابهِ والعلاقةِ التي كانتْ بينهم
وقد تكلَّمنا في المحاضرةِ الأولى عن معنى آلِ البيتِ ومعنى الصَّحابةِ والتَّعريفِ بهما وبيانِ مكانتِهما وفضلِهما .
ثم تكلَّمنا في المحاضرةِ الثَّانيةِ عن حقوقِ آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابهِ ، وعن حُكْمِ محبَّتهم وبُغْضِهِم .
وفي هذه اللَّيلةِ نتكلَّم عن العلاقةِ بين آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابهِ ، هذه العلاقة التي شهدَ القرآنُ والسُّنةُ والتَّاريخُ والعقلُ لها بأنها كانتْ متينةً طيِّبةً بخلافِ دعاوى البعضِ في أنه كانَ يبغضُ بعضُهم بعضاً أو يلعنُ بعضُهم بعضاً ، فهذا كلُّه منَ الكَذِبِ والافتراءِ .
وقد تكلَّمنا عن رَدِّ القرآنِ لهذه الفِرْيَةِ و رَدِّ السُّنةِ لها ، وها نحن اليوم نتكلَّم عن رَدِّ التَّاريخِ لها .
وقلنا إنَّ رَدَّ التَّاريخِ لهذه الفِرْيَةِ يتمثَّلُ في ثلاثةِ أمورٍ :
أمَّا الأمرُ الأوَّل : فهو علاقاتُ المصاهرةِ التي تمَّتْ بين هذين البيتينِ الكريمينِ .. بيتِ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم و ذُرِّيَّتِهم وبيتِ آلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
والأمرُ الثاني : الأسماء .. حيثُ إنَّ الإنسانَ لا يُسَمِّي أولادَه إلا بمنْ يحبُّ رجاءَ أنْ يجعلَهمُ الله تباركَ وتعالى على دربِ مَنْ يحبُّ .
ولذا تجدُ أنَّ أكثرَ اسمٍ في الوجودِ هو اسمُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم اقتداءً به صلواتُ ربي وسلامُه عليه ومحبَّةً له يُسَمِّي النَّاسُ أولادَهم باسمهِ صلَّى الله عليه وسلَّم .
وهذه المسألةُ وتلك وهي المصاهراتُ والأسماءُ ستكونُ محورَ حديثِنا في الدَّرسِ القادمِ إنْ شاءَ الله تعالى .
وأمَّا في هذه اللَّيلةِ فسنتكلَّم عن
المحور الثالث :ألا وهو الثَّناء المتبادَل بين هذين البيتينِ الكريمينِ مما يدلُّ على شِدَّةِ المحبَّةِ والولاءِ اقتداءً بأمرِ الله تباركَ وتعالى : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا (55) " سورة المائدة .
فتولَّى المؤمنون المؤمنين ، وأحبَّ المؤمنون المؤمنين ، وصافى المؤمنون المؤمنين .
*- ونبدأُ بِذِكْرِ ثناءِ الصَّحابةِ على آلِ البيتِ
*- ثم نُثَنِّي بثناءِ آلِ البيتِ على الصَّحابةِ
*- ثم نختمُ بعقيدةِ أهلِ السُّنةِ في هذه القضيَّةِ .
*- أمَّا ثناءُ الصَّحابةِ على آلِ بيتِ النبيِّ الكريمِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه
فهو عبارةٌ عن نُقولاتٍ .. سننقلُ نُقولاتٍ منْ أقوالِ الصَّحابةِ ، وكذلك أشياءَ منْ أفعالِهم وتصرُّفاتِهم تدلُّ على نظرتِهم إلى أهلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كيفَ هيَ .
*- ونبدأُ برأسِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه ؛ حيثُ إنه لما جاءته فاطمةُ تطلبُ ميراثَها منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخبرها أنَّ النبيَّ لا يُوْرَثُ صلواتُ ربي وسلامُه عليه ، فرأى الحزنَ في وجهِ فاطمةَ رضيَ الله عنها ، ولكنه ما كانَ يملكُ إلا أنْ يستجيبَ لأمرِ الله وأمرِ رسولهِ .
ولكنه قالَ تلك الكلمةَ : " والذي نفسي بيدهِ لقرابةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحبُّ إليَّ أنْ أصلَ منْ قرابتي" .
وهو البارُّ الصَّادقُ رضوانُ الله عليهِ
" والذي نفسي بيدهِ لقرابةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحبُّ إليَّ أنْ أصلَ منْ قرابتي " .
وكذا ثبتَ عنه رضيَ الله عنه أنه قالَ لأصحابهِ : " اِرْقَبُوا محمداً في آلِ بيتهِ "
و ذلك أنه بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا بُدَّ أنْ نُراعيَه حتى بعد موتهِ ، كيفَ وقد قالَ صلواتُ الله وسلامُه عليه منبِّهاً : " أُذكِّركمُ الله أهلَ بيتي" ، وأعادَها ثلاثاً " أُذكِّركمُ الله أهلَ بيتي ، أُذكِّركمُ الله أهلَ بيتي " .
فما كانَ منْ أبي بكر الصِّدِّيق في ولايتهِ إلا أنْ ذكَّر النَّاسَ بما ذكَّرهم به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فقالَ : " اِرْقَبُوا - أي راقبوا - محمَّداً في أهلَ بيتهِ " ، لا تنسوا وصيَّته صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .
*- ومَرَّ يوماً أبو بكر ومعه عليّ وإذا الأولادُ يلعبون وفيهمُ الحسنُ بنُ عليّ بنِ أبي طالب ، وكانَ عمرُه قد ناهزَ الثامنةَ ، فحملَه أبو بكر
وقالَ للحَسَنِ : " بأبي شبيهٌ بالنبيِّ ، ليسَ شبيهاً بعليّ " .
وذلك أنَّ الحسنَ كانَ منْ أشبهَ النَّاسِ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
كيف وهو جَدُّهُ صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ
فيقولُ أبو بكر وهو يُلاعبُ الحسنَ : " بأبي شبيهٌ بالنبيِّ ، ليس شبيهاً بعليّ " ، وعليٌّ معه يضحكُ رضيَ الله عنهم أجمعين .
*- وهذه أمُّنا أمُّالمؤمنين عائشةُ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنها تقولُ : " ما رأيتُ أحداً أصدقَ لهجةً منْ فاطمةَ إلا أنْ يكونَ الذي أَوْلَدَهَا "
تعني رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
*- وكانتْ تُخبرُ عنها أنها إذا جاءتْ كانتْ مِشيتُها كمِشيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكانتْ أشبهَ النَّاسِ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هَدْياً ودَلّاً .
*- وتذكرُ مكانتَها منْ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيثُ قالتْ : " كانتْ إذا دخلتْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قامَ إليها وقبَّل بين عينيها وأجلسَها في مكانهِ " صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .
*- وهذا أبو هريرةَ رضيَ الله عنه ، يمرُّ الحسنُ على مجلسٍ فيه أبو هريرةَ فيُسَلِّمُ عليهم ، فيردُّ النَّاسُ عليه السَّلامَ ويسكتُ أبو هريرةَ حتى تجاوزَهم الحسنُ .
فقامَ إليه أبو هريرة و التزمَه وقالَ : " وعليك السَّلامُ ورحمةُ الله وبركاتُه يا سيِّدي " .
فقالوا له : أوَ تقولُ له ذلك ؟؟! أي أنه سيّدك
قالَ : نعم .. سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " إنَّ ابني هذا سيِّد "
*- ويأتيهِ يوماً فيقولُ له : اكشفْ لي عن سُرَّتك .
يقولُ للحسنِ بنِ عليّ
فيقولُ له الحسنُ : ومالكَ و لها ؟
ماذا تريدُ منْ سُرَّتي ؟
قالَ : أريدُ أنْ أراها .
فكشفَ له الحسنُ عن سُرَّتهِ فقبَّلها أبو هريرةَ ثم قالَ: رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يفعلُ ذلك .
أي يقبِّل سُرَّةَ الحسنِ بنِ عليّ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وعن أبيه وعن أبي هريرةَ وعنكم أجمعين .
*- وكذلك جاءَ عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه ، لما ماتَ الحسنُ بنُ عليّ رضيَ الله عنه أنه
كانَ يمرُّ بين النَّاسِ ويقولُ : يا أيُّها النَّاسُ ابكوا فقد ماتَ اليومَ سيِّدُ المسلمين ، وكانَ يبكي رضيَ الله عنه وأرضاه لموتِ الحسنِ بنِ عليّ .
*- أمَّا عمرُ بنُ الخطاب فإنه لما طعنَه ذلك المجوسيُّ الحاقدُ أبو لؤلؤة
قالوا له : استخلفْ .
فقال: لا .. ولكنْ أُشِيرُ عليكم بهؤلاءِ السِّتة الذين ماتَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو عنهم راضٍ ، ثم سمَّى :" عليّاً وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير وطلحة "
فقد ذَكَرَ عليّاً بل صدَّره ، ذكرَه أوَّل واحدٍ في هؤلاءِ السِّتةِ .
*- ولما جاءتِ الملابسُ والكسا صارَ يُوَزِّعُها على أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبناء المهاجرين والأنصار ولم يعطِ الحسن والحسين شيئًا .
ثم التفتَ وقالَ : كلُّ هذه لا تليقُ بالحسن والحسين ، ثم أمرَ أنْ يُشْتَرَى للحسن والحسين منَ اليمنِ كسوتين تليقانِ بهما رضيَ الله عنه وعنهما .
وعندما يُعطى النَّاسُ منْ أموالِ الدَّولةِ مِنَ الخيرِ الذي يأتيهما منَ الجهاد وغيره كانَ عمرُ يُعطي المهاجرين والأنصار منْ أصحابِ رسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم أكثرَ ممَّنْ هم دونهم وهكذا .
كانَ يُفاضلُ بحَسَبِ فضلِ الإنسانِ ومكانتهِ ، والذي حصلَ أنَّ عمرَ كانَ يُعطي الحسنَ والحسينَ كما يُعطي أباهما عليّاً ، زيادةً على أمثالِهما ممنْ هم في سِنِّهما أو دون أو فوق ذلك .
*- حتى جاءَه ولدُه - ابنُ عمرَ - فقالَ له : يا أبتِ - يقولُ لعمرَ- يا أميرَ المؤمنين أنا أكبرُ سِنّاً منَ الحسن والحسين فلماذا تُفضِّلهما عليَّ في العطاءِ ؟!
فقالَ :جدُّهما رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فَمَنْ جَدُّكَ ؟!
يقولُ لابنهِ
قالَ : جدُّهما رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمَنْ جَدُّك أنتَ ؟!
فكانَ يُكْرِمُهُمَا إكراماً لرسولِ الله صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .
*- وكانَ أيضاً يميِّز عبدَ الله بنَ العبَّاس ويُدخلُه مع مَشْيَخَةِ قريش
حتى قالَ له عبدُ الرَّحمن بنُ عوف: إنَّ في أولادِنا مَنْ هم في سِنِّهِ فلماذا تُقدِّمه دون أولادنا ؟؟!!
فقالَ له عمرُ : إنه مَنْ قد علمتَ .
أي شرفاً و نَسَباً بل و عِلْماً .
ثم أرادَ عمرُ أنْ يُظهرَ فضلَ ابنِ عبَّاس فسألَ الحاضرين ما تقولون في قولِ الله تباركَ وتعالى : " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)فسبح فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) " سورة النصر .
ففسَّروها على ظاهرِها .
أنَّ الله تباركَ وتعالى يأمرُ نبيَّه محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جاءَ النَّصرُ وجاءَ الفتحُ واستقرَّتِ الأمورُ أنْ يُكثرَ منَ التَّسبيحِ والاستغفارِ . قالَ : صدقتم ..ثم التفتَ إلى ابنِ عبَّاس
وقالَ له : أهكذا تقولُ ؟
يعني أرأيُك مثل رأيِهم ؟
قالَ : لا .
قالَ : فما تقولُ إذاً .
قالَ : هذا خبرٌ منَ الله لنبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم باقترابِ أجلهِ .
خلص .. المهمَّة التي طُلِبَتْ منك أدَّيتَها ، جاءَ نصرُ الله .. جاءَ الفتحُ ما بقيَ لك يا محمَّد إلا أنْ تُكثرَ منْ ذِكْرِ الله وأنْ تستغفرَ لأنَّ مهمَّتك قَدِ انتهتْ .
قالَ : هذا الذي أفهمُه أنه إيذانٌ منَ الله لرسولهِ باقترابِ أجلهِ .
فالتفتَ عمرُ إلى النَّاسِ وقالَ : " والله لا أعلمُ منها إلا كما قالَ ابنُ عبَّاس "
فعرفَ النَّاسُ قَدْرَ ابنِ عبَّاس رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه .
كيف والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد قالَ عنه و له : " اللهم فقِّهه في الدِّين وعلِّمه التأويلُ " .
*- وكذا لما دَوَّنَ عمرُ الدَّواوينَ ، وهو أوَّل مَنْ دَوَّنَ الدَّواوينُ وكتبَ أسماءَ النَّاسِ والجُنْدِ
فقالَ يستشيرُ النَّاسَ : بِمَنْ نبدأُ ؟
مَنْ أوَّل اسمٍ في دواوينِنا ؟
نبدأُ بِمَنْ ؟
وكانَ عمرُ في ذلك الوقتِ أفضلَ إنسانٍ على وجهِ الأرضِ بعد موتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وموتِ أبي بكرٍ
يقولُ للنَّاسِ : بِمَنْ نبدأُ ؟
قالوا : نبدأُ بكَ أنت ، فأنتَ خيرُنا وسيِّدُنا وأميرُ المؤمنين .
فقالَ : لا ، بل نبدأُ بآلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
نبدأُ بالعبَّاسِ عَمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
لا يفعلون ذلك إلا إكراماً لنبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم .
*- ولذلك قالها عمرُ مُدَوِّيةً للعبَّاس بنِ عبد المطَّلب : مَهْ يا عبَّاس والله لإسلامُك حين أسلمتَ كانَ أحبَّ إليَّ منْ إسلامِ الخطَّاب لو أسلمَ.
وذلك لمحبَّة رسولِ الله لذلك .
لأنك عَمُّ الرَّسولِ ، لكنَّ الخطاب بعيد جِدّاً عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ حيثُ النَّسَبِ ، لكنْ أنتَ عمُّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكانَ يفرحُ لإسلامِك ففرحتُ لفرحهِ صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .
*- وكذلك جاءَ الحسينُ يوماً ليدخلَ على عمرَ ، يطرحُ عليه مسألةً..يستأذنُه في شيءٍ .. يطلبُ منه شيئاً .. الله أعلمُ ماذا كانَ يريدُ
فجاءَ الحسينُ إلى عمرَ
فقيلَ له : إنه خالٍ بمعاويةَ يعني بينه وبين معاوية مسألةٌ يكلِّمه .
لأنَّ معاوية كان والياً على الشَّام
فقالوا : هو خالٍ بمعاوية ، يعني بينه وبين معاوية كلامٌ .. انتظرْ
فظلَّ ينتظرُ ، وكانَ ينتظرُ قبلَه عبدُ الله بنُ عمر ، أيضاً عبدُ الله كانَ يريدُ والدَه بأمرٍ وينتظرُ حتى ينتهيَ عمرُ منْ معاوية .
فانتظرَ الحسين ، ثم بعد ذلك عبد الله بن عمر رأى أنْ يُؤَجِّلَ موضوعَه حيث إنَّ عمرَ أطالَ مع معاويةَ ، فانصرفَ عبدُ الله بنُ عمر ، ثم انصرفَ الحسينُ .
فلما انتهى عمرُ منْ حديثهِ مع معاوية
قالوا له : جاءَ عبدُ الله بنُ عمرَ وانتظرَ ثم انصرفَ
قالَ : وبعد
قالوا : جاءَ الحسينُ بنُ عليّ وانتظرَ ثم انصرفَ .
قالَ : نادوه
فنادوا الحسين ، فدخلَ على عمرَ
فقالَ له : لماذا انصرفتَ ؟؟
لماذا لم تنتظرْ حتى أقضي حاجتك التي أردتها ؟
قالَ : رأيتُ ابنَ عمرَ انصرفَ ولم يُؤْذَنْ له فقلتُ أنا أولى أنْ أنصرفَ ولم يُؤْذَنْ لي
قالَ : لا ، أنتَ أحقُّ منِ ابنِ عمرِ أنْ تدخلَ عليَّ
يقولُ : أنتَ أحقّ منِ ابنِ عمرِ أنْ تدخلَ عليَّ لو جئتَ ودخلتَ .. والله ما أنبتَ الإسلامُ في قلوبنا إلا أنتم .
أنتم منْ هذه الشَّجرةِ المباركةِ شجرةِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
*- وأمَّا ابنُ عمرَ فإنه جاءَه رجلٌ فقالَ له : إني أُبْغِضُ عليّاً
فقالَ ابنُ عمرَ : أَبْغَضَكَ الله .. تُبْغِضُ رجلاً سابقةٌ منْ سوابقهِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها ؟؟!!!!
مَنْ أنتَ ؟
مَنْ تكونُ ؟
تبغضُ رجلاً سابقةٌ منْ سوابقهِ - واحدة فقط منْ سوابقهِ - خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها ؟؟!!!!
*- ولما جاءَه رجلٌ منَ العراقِ يسألُه ، يسألُ عبدَ الله بنَ عمر عن قتلِ الذُّباب في المسجدِ للمحرَّمِ ؟
فقالَ له ابنُ عمرَ : منْ أيِّ البلادِ أنتَ؟
قالَ : منَ العراقِ .
قالَ : منَ العراقِ ؟؟!!
قالَ : نعم .
قالَ : عجبتُ لكم يا أهلَ العراق ، تقتلون ابنَ بنتِ رسولِ الله – يعني الحسين – تقتلون ابنَ بنتِ رسولِ الله وتسألون عن قتلِ الذُّبابِ في المسجدِ ؟؟!!!!
وقد سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ عن الحسن والحسين : " هما ريحانتاي منَ الدُّنيا " .
*- وكانَ يقولُ ابنُ عمرَ لعبدِ الله بنِ جعفرَ بنِ أبي طالب ..
وجعفر بن أبي طالب أخو عليّ وابن عمِّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هاجرَ إلى الحبشةِ الهجرتين ، وجاءَ إلى المدينةِ مهاجراً مع فتحِ خيبر ؛ فلم يمكثْ إلا قليلاً حتى خرجَ إلى مؤتة يقاتلُ عن دينِ الله تباركَ وتعالى ، فاستُشهدَ في مؤتة .
وكانَ قد أمسكَ الرَّايةَ فقُطعتْ يدُه ، فأمسكَها بيدهِ الثَّانيةِ فقُطعتْ ، فاحتضنَها حتى سقطَ ميتاً رضيَ الله عنه وأرضاه
فكانَ ابنُ عمرَ إذا رأى ابنَه عبدَ الله بنَ جعفر يقولُ له : السَّلامُ عليكَ يا ابنَ ذي الجناحين .
وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أخبرَ أنَّ الله أبدلَ جعفرَ بنَ أبي طالب بيديه جناحين .
ولذلك يقالُ له : جعفر الطَّيَّار رضيَ الله عنه وأرضاه .
*- جاءَ رجلٌ فتكلَّم على عليٍّ رضيَ الله عنه بين يدي معاوية ، فزجرَه معاويةُ
استغربَ الرَّجلُ !!
أنتَ يا معاويةُ كانَ بينك وبين عليّ قتالٌ في صِفِّين والآن بينكما خصومة ، و تزجرُني عندما أتكلَّم !! المفروض تفرح إذا سببتُ عليّاً أو تكلَّمتُ عليه .
زجرَه معاويةُ ولم يسمحْ له أنْ يتكلَّم على عليّ .
حتى إنَّ رجلاً كانَ حاضراً في المجلسِ سافرَ إلى عليّ رضيَ الله عنه وذكرَ له هذه القِصَّةَ
قالَ : رأيتُ أمراً عَجَباً
فقالَ له عليّ : وماذا رأيتَ ؟!
قالَ : تكلَّم فيك رجلٌ عند معاوية ، فزجرَه معاويةُ ، فأنكرتُ ذلك .
ما توقَّعتُه يعني
فقالَ له عليّ : أوَ ما علمتَ لمَ صنعَ معاويةُ ذلك ؟
قالَ : لا .
قالَ : لأجلِ المنافيَّة .
والمنافية : هي الصِّلَةُ التي تربطُ معاويةَ بعليّ بنِ أبي طالب ، إذْ إنَّ عليّاً ومعاويةَ منْ بني عبدِ مناف .
فعليُّ بنُ أبي طالب بنِ عبدِ المطَّلب بنِ هاشم بنِ عبدِ مناف .
ومعاويةُ بنُ أبي سفيان بنِ حرب بنِ أميَّةَ بنِ عبدِ شمس بنِ عبدِ مناف .
وهو ابنُ عمِّه في النِّهاية .
قالَ : لأجلِ المنافية .
لأجلِ إنه ابنُ عمِّي .
*- يأتي زيد بنُ ثابت على بغلتهِ فيُمسكُ عبدُ الله بنُ عبَّاس له البغلةَ ويمسكُ له الرِّكاب .. مكانَ وضعَ القدمَ إكراماً لزيدٍ ، حتى إنَّ زيداً رضيَ الله عنه يُفاجأ بهذا الفعلِ .
مِمَّنْ ؟
منْ ترجمانِ القرآنِ ؟؟!!!
منِ ابنِ عمِّ رسولِ الله ؟؟!!!
منْ عبدِ الله بنِ العبَّاسِ ؟؟!!!
فقالَ له : يا ابنَ عمِّ رسولِ الله ..
- ولم يقلْ له يا عبدَ الله بنَ عبَّاس ، و إنما يذكرُ أجملَ ما يحبُّ -
يا ابنَ عمِّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إنه لا يليقُ بكَ ذلك .. ارفعْ يدكَ
فيقولُ عبدُ الله بنُ عبَّاس بكلِّ أدبٍ : هكذا أُمِرْنا أنْ نصنعَ بعلمائِنا .
أدباً مع العلماءِ .. فما كانَ منْ زيدٍ إلا أنْ نزلَ منْ دابَّته وأخذَ بيدِ ابنِ عبَّاس وقبَّلها
وقالَ : و هكذا أُمِرْنا أنْ نصنعَ بآلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
ولولا ضيقُ الوقتِ لتوسَّعتُ في ذِكْرِ هذه الأمورِ ولكنْ ما ذكرناه فيه كفاية .
*- ننتقلُ الآنَ إلى الموقفِ الآخر وهو موقف آلِ البيتِ منَ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
*- فهذا سيِّدُ أهلِ البيتِ في زمنهِ وهو عليُّ رضيَ الله عنه لما يسألُه ولدُه محمَّد
فيقولُ له : مَنْ خيرُ النَّاسِ بعد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟
فيقولُ عليٌّ بكلِّ فخرٍ : أبو بكر .
فيقولُ له ابنُه محمَّد : ثم أنت ؟
قالَ : ثم عمر .
فيقولُ له ولدُه : ثم أنت ؟
قالَ : إنما أنا رجلٌ منَ المسلمين .
*-بل جاءَ عنه أنه قالَ في مسجدِ الكوفةِ : مَنْ فضَّلني على أبي بكر وعمر جلدتُه حَدَّ المفتري .
سمَّاه افتراءً ، وحكمَ بجلدِ مَنْ يقولُ مثلَ هذا الكلام ، يرى أنَّ هذا الكلامَ يستحقُّ صاحبُه الجلدَ .
مَنْ فضَّلني على أبي بكر وعمر جلدتُه حَدَّ المفتري .
*- وكذلك جاءَ عنه رضيَ الله عنه لما طُعِنَ عمرُ ، لما طعنَه ذلك المجوسيُّ الحاقدُ اكتنفَه النَّاسُ يسلِّمون عليه ويبشِّرونه بالجنَّة وغير ذلك منَ الأمور .
يقولُ عبدُ الله بنُ عبَّاس :" فما انتبهتُ إلا و رجلٌ قد وضعَ يدَه على كتفي .
يستندُ على كتفِ عبدِ الله بنِ عبَّاس وهو ينظرُ إلى عمر
ثم قالَ : ما خلَّفت أحداً – يقولُ لعمرَ – ما خلَّفت أحداً أحبّ إليَّ أنْ ألقى الله بمثلِ عملهِ منكَ .
يقولُ لعمرَ أتمنى أنْ ألقى الله بمثلِ عملِك .
عليّ يقولُها لعمرَ
ثم يقولُ له : وايمُ الله - أي يحلفُ- إنْ كنتُ لأظنُّ أنْ يجعلكَ الله مع صاحبيك .
يعني النبيَّ وأبا بكر
ثم قالَ : فإني كثيراً ما كنتُ أسمعُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " ذهبتُ أنا و أبو بكر وعمر ، ودخلتٌ أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجتٌ أنا و أبو بكر وعمر "
يعني اسمك كانَ يتردَّد كثيراً في فمِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى لسانهِ .
*-ويقولُ عبدُ الله بنُ جعفر بنِ أبي طالب رضيَ الله عنه : وَلِيَنَا أبو بكر فكانَ خيرَ خليفةٍ و أرحمه بنا و أحناه علينا .
*- وهذا الباقر محمَّد بنُ عليّ بنِ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب رضيَ الله عنه يسألُه رجلٌ عن أبي بكر وعمر أتولاهما ؟
فيقولُ له الباقر : تولَّهما فما كانَ منهما منْ إثمٍ فهو في عنقي .
إذا كان في هذا التولِّي إثمٌ ففي عنقي ، تولَّهما يقولُ له الباقر رحمه الله تعالى .
*- وهذا سالم بنُ أبي حفصة يسألُ الصَّادقَ والباقرَ
الباقر هو محمَّد بنُ عليّ بنِ الحسين بنِ علي بنِ أبي طالب ، والصادق هو ابنُه جعفر
يسألُهما عن أبي بكر وعمر هل يتولاهما ؟
فقالا له : يا سالم تولَّهما و ابرأ منْ أعدائهما فإنهما كانا إمامي هدى .
*-ويقولُ عليّ يومَ الجمل عن عثمانَ بنِ عفَّان رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه ..يقولُ : اللهمَّ إني أبرأُ إليكَ منْ دمِ عثمانَ ، اللهمَّ خُذْ مني لعثمانَ حتى ترضى .
وكانَ يقرأ قولَ الله تباركَ وتعالى : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ... (101) " سورة الأنبياء
ثم يقولُ : منهم عثمان سبقتْ له الحسنى منَ الله جلَّ و علا .
*- ولما قُتِلَ الزُّبيرُ بنُ العَوَّام كانَ يقولُ عليّ رضيَ الله عنه لما جاءه الرَّجلُ ويخبرُه أنه قتلَ الزُّبيرَ
فيقولُ : لا تفرحْ كثيراً
يقولُها لابنِ جرموز قاتلِ الزُّبير رضيَ الله عنه
قالَ له : لا تفرحْ كثيراً فإني سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " بشِّر قاتلَ ابن صفيَّة بالنار " .
وابنُ صفيَّة هو الزُّبير ، وصفيَّة أمّ الزُّبير هي عَمَّةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .
*-وقالَ عليّ رضيَ الله عنه كذلك عن مجموعِ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، يقولُ هذه الكلمات لأهلِ الكوفةِ
يقولُ : لقد رأيتُ أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما أرى أحداً منكم يُشبهُهم - ما رأى أحداً منهم يُشبهُهم - كانوا يُصْبِحُون شُعْثاً غُبْراً وقد باتوا سُجَّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم وأرجلهم ، إذا ذكروا الله هملتْ أعينُهم حتى تبلّ جيوبهم ، و مادوا كما يميدُ الشَّجَرُ في اليومِ العاصفِ رجاءَ الثَّوابِ وخوفَ العِقَابِ .
هكذا يقولُ عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه عن أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
*-ويقولُ عن عمرَ خاصَّة : لله بلاءُ فلانٍ ، لقد قوَّم الأَوَدَ ، و داوى العمد ، و أقامِ السُّنة ، و خلَّف الفِتنة ، و ذهبَ نقيَّ الثَّوبِ ، قليلَ العيشِ ، أصابَ خيرَها و سبقَ شرَّها ، أدَّى إلى الله طاعتَه واتَّقاه بحقِّه.
هذا كلامٌ يقولُه عليٌّ عن عمرَ رضيَ الله عنهما .
*- و أمَّا الحسنُ بنُ عليّ فكانَ منْ ضِمْنِ المجموعةِ التي دخلتْ مع عثمانَ في الدَّارِ تُدافعُ عنه رضيَ الله عنه وأرضاه ، وما رجعَ حتى أمرَه عثمانُ أنْ يرجعَ إلى بيتهِ ، هو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وغيرهم ، وأبو هريرةَ ، كانوا مع عثمانَ بالدَّارِ يُدافعون عنه رضيَ الله عنه خوفاً من أولئك الخوارج أنْ يدخلوا عليه ويقتلوه .
*-وقالَ جعفر الصَّادق ، جعفر بنُ محمَّد بنِ عليّ بنِ الحسين بنِ
عليّ بنِ أبي طالب ، قالَ : كانَ أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم اثني عشر ألفاً ، ثمانية آلاف منَ المدينة ( أي منَ المهاجرين والأنصار ) ، وألفان منْ مَكَّةَ ، وألفان منَ الطُّلقاء ، لم يُرَ فيهم قدريّ ولا مُرجئ ولا حروريّ ولا معتزليّ ولا صاحب رأي ،كانوا يبكون اللَّيلَ والنَّهارَ .
هكذا يصفُ جعفر الصَّادق أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأين الذي يكذبُ على جعفر وعلى أبيه الباقر فيقولُ : ارتدَّ أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا ثلاثة !!!
أين ذاك منْ هذا ؟؟؟!!
وهو يعدُّ اثني عشر ألفاً منْ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويصفُهم بهذا الوصفِ .
وأمَّا ما وقعَ منْ خلافٍ بين أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وآلِ بيتهِ فهذا كذبٌ و زورٌ ، إذْ لم يخالف الصَّحابةُ آلَ البيتِ لأنهم آلُ البيتِ وإنما هي أمورٌ عاديَّة جداً تحصلُ في البيتِ الواحدِ .
فإنْ ذكروا فَدَكَ وقالوا إنَّ أبا بكر حرمَ فاطمةَ منْ فَدَك نقولُ إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي أخبرَ بذلك ، وجاءَ بعد أبي بكر عمر ثم عثمان ثم عليّ ثم الحسن ، ولم يُعطِ أحدٌ منهم فدك لا لفاطمة ولا لأولادها .. أبداً لم يحصل شيءٌ منْ ذلك .
فلم تكنِ القضيَّةُ بين الصَّحابةِ و آلِ البيتِ ، أبداً
وأمَّا إذا ذكروا الجملَ وصِفِّين ففي الجمل مع عليّ جماعةٌ منَ الصَّحابةِ وكذا في صِفِّين كانَ مع عليّ جماعةٌ منَ الصَّحابةِ ، فليستِ القضيَّةُ قضيَّةَ آلَ بيتٍ و صحابةٍ .
وأمَّا ما يدَّعونه منَ الكذبِ والبهتانِ منْ أنَّ بني أميَّة كانوا يحقدون على بني هاشم أو بني عبد شمس كانوا عداوة لبني هاشم فهذا منَ الكذبِ والزُّور والبهتان ،إذْ إنَّ الأمرَ لم يكنْ كذلك .
فكما أنه كانَ منْ بني هاشم مَنْ تابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآمنَ به في أوَّل الدَّعوة كعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطّلب ؛ فكذلك كانَ منْ بني عبدِ شمس مَنْ تابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أوَّل الدَّعوة كعثمان بنِ عثمان وسعيد بن العاص .
وإنْ كانَ قد كفرَ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ بني عبدِ شمس ك شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة فقد كفرَ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم و عاداه منْ بني هاشم كأبي لهب و عقيل بن أبي طالب .
فلم تكنِ القضيَّةُ بين بني هاشم و بني عبدِ شمس أبداً وإنما كانتِ القضيَّةُ قضيَّةَ كُفْرٍ وإيمانٍ ، بغضِّ النَّظر عن الأنساب ، ما كانَ النَّظر في الأنساب وإنما كانَ النَّظرُ في الدَّعوةِ إلى الله تباركَ وتعالى .
*- سألَ رجلٌ شَريكَ بنَ عبد الله بنِ أبي نمر - وكانَ يُوصفُ بأنه شيعيٌّ - فقالَ هذا الرَّجلُ لشَريك : أيُّهما أفضلُ أبو بكر أم عليّ ؟
فقالَ شَريك : أبو بكر أفضلُ منْ عليّ .
فقالَ الرَّجلُ : تقولُ هذا وأنتَ شيعيٌّ ؟!
كيف تقولُ هذا الكلام ؟!
الشِّيعةُ لا يمكنُ أنْ يقولوا هذا الكلامَ ؟؟!!
قالَ : تقولُ هذا وأنتَ شيعيٌّ ؟؟!!
قالَ : نعم ، إنما الشِّيعيُّ مَنْ قالَ مثلَ هذا .
يقولُ شريك : والله لقد رَقِيَ عليٌّ رضيَ الله عنه هذه الأعواد ( يعني المنبر في الكوفة ، منبر عليّ في الكوفة ) ، والله لقد رَقِيَ عليٌّ هذه الأعواد فقال : إنَّ خيرَ هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر .
عليٌّ يقولُ هذا.
ثم قالَ له شَريك : ثم عمر .
ثم رَدَّ عليه : أفكنَّا نردُّ قولَه ؟! أكنَّا نُكذِّبه ؟!
والله ما كانَ كذَّاباً .
عليٌّ ما كانَ كذَّاباً عندما قالَ : إنَّ أبا بكر وعمرَ أفضلُ منه رضيَ الله عنهم أجمعين .
*-وقالَ سالمُ بنُ أبي حفصةَ لجعفر الصَّادق : ألا تسبُّ أبا بكر ؟
فقالَ جعفر : يا سالم ، أبو بكر جَدِّي ، أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!
أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!
أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!
والله الذي لا إله إلا هو الآن هؤلاء القوم الذين يسبُّون أبا بكر إنما يسبُّون جَدَّ جعفر الصَّادق .
أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!
*- وكانَ جعفرُ الصَّادق يقولُ : وَلَدَني أبو بكر مرَّتين .
أي إنَّ أبا بكر جَدِّي منْ طريقين ، وذلك أنَّ أمَّ جعفر هي أمّ فروة فاطمة بنت القاسم بنِ محمد بنِ أبي بكر الصِّدِّيق ، أمُّه وجدَّته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق .
أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!
أيليقُ للرَّجلِ أنْ يسبَّ جَدَّه ؟؟!!
ومَنْ هذا الجدُّ ؟؟
إنه أبو بكر رضيَ الله عنه وأرضاه
ثم قالَ : لا نالتني شفاعةُ محمَّد إنْ لم أكنْ أتولاهما ( يعني أبا بكر وعمر) وأتبرَّأ منْ عدوِّهما .
نسمعُ كثيراً فرقة الزَّيديةِ في اليمن وغيرها .
ما هذه الفرقةُ ؟ فرقة الزَّيدية ؟
تُنْسَبُ إلى رجلٍ هو زيد بن عليّ بنِ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب ، جَدُّه الحسين بن عليّ بنِ أبي طالب .
*- جاءه جماعةٌ ممنْ يدَّعون أنهم أتباعٌ له .
فجاؤوه فقالوا له : ما تقولُ في أبي بكر وعمر ؟؟
فذكرَهما بخيرٍ
فقالوا : ألا تبرأُ منهما ؟!
قالَ : لا .. إنهما وزيرا جَدِّي .. وزيرا رسولِ الله ، كيف أبرأ منهما ؟؟!!!
قالوا : إذاً نرفضُك .. لا نكونُ معك .
قالَ : اذهبوا فأنتمُ الرَّافضةُ .
فعُرفوا بالرَّافضةِ منذ ذلك اليوم لما رفضَ زيدٌ رضيَ الله عنه أنْ يُوافقَهما على قولهما ، وصارَ مَنْ بقيَ مع زيدٍ يُقالُ لهمُ الزَّيدية لأنهم لم يرفضوا أبا بكر ولا عمر رضيَ الله تباركَ وتعالى عنهم أجمعين ، أعني أبا بكر وعمر وزيد بن عليّ وأباه .
*- وهذا عليّ بنُ الحسين سمعَ جماعةً يتكلَّمون في أبي بكر وعمر
فقالَ لهم : أيُّها القومُ
- لأن في ذلك الوقت بدأتِ الفتنةُ و بدأَ الكلامُ –
فقالَ لهم عليّ بنُ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب ، جَدُّه عليّ بن أبي طالب ، قالَ لهم : يا قومُ إنَّ الله تباركَ وتعالى يقولُ في كتابهِ العزيزِ لما قسَّم المسلمين : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) " سورة الحشر
هل أنتم منْ هؤلاء ؟
قالوا : لا ، هذه في المهاجرين .
قالَ : فإنَّ الله قالَ بعدها : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) " سورة الحشر
فهل أنتم منْ هؤلاء ؟
قالوا : لا ، هؤلاء الأنصار .
قالَ : أمَا والله إنكم قد تبرَّأتم أنْ تكونوا منَ الأوَّلين - أي المهاجرين - ومنَ الآخرين - وهم الأنصار – فوَ الله إنْ لم تكونوا منْ هؤلاء ولا منْ أولئك فلستم ممنْ قالَ الله فيهم : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) " سورة الحشر
أشهدُ أنكم لستم منْ هؤلاء .
هكذا يستنبطُ عليّ بنُ الحسين رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه
ثم قالَ لهم : اخرجوا منْ مجلسي فعلَ الله بكم و فعلَ .
فطردَهم رضيَ الله عنه وأرضاه .
*- أمَّا ابنُه الباقر محمَّد بن عليّ بنِ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب ، فسألَه رجلٌ عن حِلْيَةِ السَّيف هل يجوزُ أنْ نحلِّي السَّيفَ بالذَّهبِ ؟
فقالَ له : حلَّى أبو بكر الصِّدِّيق سيفَه .
استغربَ الرَّجلُ !!
قالَ : أوَ تقولُ عنه الصِّدِّيق ؟؟!!
يعني تلقِّبه بهذا اللَّقب ؟؟ الصِّدِّيق ؟!!
أوَ تقولُ عنه الصِّدِّيق؟؟!!
فقامَ الباقر منْ مكانهِ ..قالَ : إي والله الصِّدِّيق .. لا صَدَّقَ الله مَنْ لا يقلْ له ذلك ، ولا نالته شفاعةُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
هكذا كانوا ينظرون لأصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .
*- أمَّا مَنْ جاءَ بعدههم منْ سَلَفِ هذه الامة وكيف كانوا يتعامولون مع آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
*- فهذا أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي وهو منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فهو جَدُّه عبدُ الله بن العبَّاس بنِ عبد المطَّلب فأساءَ إلى الإمام مالك وضربَه
فقيلَ للإمام مالك : ألا تدعو عليه
يعني أقلّ شيء تفعلُه تدعو عليه .. آذاكَ وضربكَ بدونِ وجهِ حقٍّ وظلمَك .. أوَ لا تدعو عليه ؟
فسكتَ الإمامُ مالك وقالَ : والله إني لأستحيي أنْ يُعَذَّبَ رجلٌ منْ آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسببِ دعائي .
ثم أبى أنْ يدعوَ عليه
إكراماً لمنْ ؟؟؟
لأبي جعفر ؟؟؟
لا .. إكراماً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
إكراماً لهذه الشَّجرةِ المباركةِ شجرةِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
وتوالى أهلُ العلمِ على هذا الأمرِ ، ولذلك لا يُصَنَّفُ كتابٌ في عقيدةِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ إلا و يُبَيِّنُ صاحبُ الكتابِ عقيدةَ أهلِ السُّنةِ في أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفي آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويذكرون أنَّ حبَّهم إيمانٌ و أنَّ بُغْضَهم كُفْرٌ ونفاقٌ
*- ونختمُ بمقولةِ الآجُرّيّ رحمه الله تباركَ وتعالى ، يقولُ رحمه الله ويمثِّل بقولهِ هذا أهلَ السُّنةِ والجماعةِ حيثُ نقلَه شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله جلَّ وعلا مُقِرّاً له على ذلك القولِ
قالَ الآجُرّيّ : على مَنْ قتلَ الحسينَ بنَ عليّ لعنة الله ولعنة اللَّاعنين وعلى مَنْ أعانَ على قتلهِ وعلى مَنْ سَبَّ عليّ بنَ أبي طالب وسَبَّ الحسين والحسن أو آذى فاطمة أو آذى أهلَ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعليه لعنةُ الله وغضبُه ، لا أقامَ الله الكريمُ له وزناً ، ولا نالته شفاعةُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
فهذه هي إذاً العلاقةُ الصَّحيحةُ بين آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وجرى على ذلك عملُ أهلُ السُّنةِ والجماعةِ .
وفي الدَّرسِ القادمِ إنْ شاءَ الله تعالى سَنُبَيِّنُ مزيداً منْ ذلك منْ خلالِ المصاهرات التي تمَّت بين هذين البيتين الكريمين والأسماء التي استُخدِمتْ بين هذين البيتينِ الكريمينِ .
والله أعلى وأعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد .
لتحميل المادة مرئي 3gp
الامــيــرة01 @alamyr01
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
جزاكم الله الجنه ويسر الله لكم
وفرج الله همكم لكم مني اجمل تحيه
(( װ آللهم װ▪ آعَنَـيَ عَـلىَ » ذِگـِـِرگِ » ))
وفرج الله همكم لكم مني اجمل تحيه
(( װ آللهم װ▪ آعَنَـيَ عَـلىَ » ذِگـِـِرگِ » ))
الصفحة الأخيرة
اللهم من عليها بالعفو والمغفرة واجعل السعي لطاعتك
غايتها والجنة مسكنها واكفلها برحمتك
وجميع المسلمين
اللهم آمين