أولا ً: ماهية الحوار:
الحوار: مراجعة المنطق والكلام، ويتحاورون: أي يتراجعون.
إذاً الحوار هو التجاوب ومراجعة المنطق، والكلام في المخاطبة، ومن معانيه الجدال والنقاش، والمناظرة.... قال تعالى:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
وقد يأخذ الحوار أبعاداً وأشكالاً أخرى مثل الحوار عبر وسائط الاتصال.
كما أن أي نقاش أو تلاقي آراء وتعددها حول موضوع معين أو مواضيع متعددة، أو التقاء عدد من الآراء المختلفة للتباحث والنقاش كل ذلك يعد حواراً.
ثانياً :ضوابط الحوار:
1 - القبول بتعدد الثقافات والتعارف بينها:
يربي الإسلام المسلمين على أن الحوار طبيعة إنسانية، كما أنه ضرورة دينية، فقد كان مهمة الرسل جميعاً - صلوات الله - تعالى - وسلامه عليهم - وهو واجب على أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، مصداق قول الله - عز وجل -: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} ،
وقوله - سبحانه -: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} ،
فالمسلم منفتح على الحوار مع غيره من الأفراد والثقافات، ولكنه في ذات الوقت له ثوابته التي يتمسك بها، ومنطلقاته التي يصدر عنها: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}
.
كما أن الثقافة الإسلامية تؤمن بوجود مصطلحات متقابلة مثل: الإيمان والكفر، والهدى والضلال، والدنيا والآخرة، والجنة والنار، والعدل والظلم، والحق والباطل... الخ وهذه المصطلحات المتقابلة تقسم الفكر والثقافة بين المسلمين وغير المسلمين... ولا يقبل الإسلام وجود هذه المتقابلات في حياة الإنسان الواحد، فلا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً و"علمانياً"، أو عادلاً وظالماً، أو على الحق والباطل، أو مهتدياً وضالاً... الخ.
والإسلام يؤمن بأن كل ثقافة تطرح نفسها من خلال مفاهيمها ومصطلحاتها، وبالتالي فإن الحوار بين ثقافتين أو أكثر يقتضي الاتفاق على مضامين ومعاني المفاهيم والمصطلحات، وتحديد المرجعية التي يرجع إليها عند الاختلاف في المعنى أو المضمون...
2 - التواضع في طلب المعرفه والالتزام بها:
ولا يكون الحوار مثمراً في مجال معرفة الحق إلا إذا كان قائماً على الأدلة والبراهين، ولقد علمنا الإسلام في مجال إحقاق الحق أن نتحاور مع الآخرين .
3 - معرفة الآخرين ومد الجسور معهم:
يربي الإسلام المسلمين على التعارف على الآخرين ومد الجسور معهم ابتغاء البيان لما عند المسلمين من الحق، ولقد حاول المسلمون مد الجسور مع غيرهم لمحاورتهم حول الكون والحياة، ولمعالجة القضايا الكلية المطروحة في جميع المجالات.
ثالثاً :إشكاليات الحوار:
إن غياب الحوار من المجتمع يعني غياب الحرية، والانسيابية في التعبير عن الأفكار والآراء، وهو دليل على تحكم الاستبداد بالرأي، ومصادرة حرية الفكر والثقافة، وإبراز للحالة الفردية ونبذ الآخر وإقصائه، وعندما تم مصادرة الحوار والنقد من المجتمع "أصبحت قدراتنا على التصحيح والبناء هشة .
رابعاً :الحوار ونضج الأفكار :
من الطبيعي أن تكون للحوار قيمته العليا، وسمته العظيمة في بناء الأفكار وتلاقحها، لأن به يتم إرساء قواعد الأفكار وتخصيبها قبل أن تأخذ مداها في التطبيق، وأن كل مجتمع توجد فيه روح الحوار، وعرض الأفكار وتحليلها، تجد التفاهم موجود في هذا المجتمع، وحيث ما وجد الحوار وجد التعايش السلمي، كما أن نوافذ العقول تكون مفتوحة اتجاه تقبل الأفكار التي تعرض دون ممارسة أية وصاية فكرية وعقلية من قبل الرموز والمتنفذين وأصحاب القرار، كما إن إلغاء الحوار ومصادرته يعد من الأمور التي تلغي أكبر الحريات، والحقوق للإنسان، وإن إلغاء الحوار يعني مصادرة الرأي والفكر، وسد جميع منافذ تلاقح الأفكار وتلاقيها، وتصبح الفرصة سانحة للمستبدين والقمعيين، الذين يعيشون في أجواء من التسلط والقهر في غياب ومصادرة حريات الآخرين، وبالخصوص عندما يتم محاربة الحوار، وقمعه بشتى الطرق والأساليب، ،تارة بحجة عدم الخوض في القضايا الدينية، والتي هي من شأن علماء الدين، وأخرى بحجة عدم التخصص في هذا المجال وغيره من المجالات. في حين انه لا يوجد ضابط عقلي أو شرعي يمنع الإنسان من ممارسة الحوار والنقد ، وعرض الأفكار وتحليلها.
و"المحيط الذي يحارب الحوار، هو محيط مستبد وقمعي، حتى لو رفع راية الحرية ، لأنه لا يمكننا أن نتصور حرية بلا حوار . لأنه قرين الحرية ، ووسيلتها في تعميم القيم ونشر القناعات والمبادئ".
و"عملية الحوار تتنافر بطبيعتها مع الإجابات الجامدة، والمسلمات المتحجرة ، والأنساق المطلقة ، و تراتبية العارفين ، وكهنوت الآباء المقدسين، فإن هذه العملية تنفي نقائضها التي تكبح حركتها ، وتقاوم ما يحد من قدرتها بما تؤسسه من وعي ضدي ، يرفض صفات الإطلاق والتسليم والتقليد ، الخنوع والإذعان ، وكل ألوان التسلط والإرهاب".
خامساً :الحوار والبنية الفكرية الاجتماعية:
لاشك أن غياب الحوار في الواقع الاجتماعي له عدة أسباب، بعضها ناشئ من خلل في الفهم الجمعي للمجتمع، وبالخصوص في حالة الرتب الاجتماعية، ومنشؤها التربية والتنشئة منذ الصغر، فكلمة استمع لمن هو أكبر منك واحترمه، وأطع أوامره دون إبداء الرأي, والمثل يقول (أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة) ومن إشكاليات مثل هذه وغيرها، يتم تنشئة جيل مستمع جيد، ومطيع جيد، من السهل قيادته وتسييره، وفي سبيل إخضاع المجتمع وترويضه، تتضافر عدة عوامل منها دينية وسياسية وتربوية،
ونذكر بعض الأسباب والإشكاليات اللاتي تقف حجر عثرة في طريق الحوار:
1- التربية والتنشئة فالتربية تكون على أساس من مصادرة الحرية، ومسخ الشخصية، فالطفل منذ الصغر تمسخ شخصيته ويصادر رأيه، ويمنع من التعبير عن آرائه حتى في الأمور التي تتعلق به مباشرة ويستمر ذلك حتى سن النضج، وما بعده، وهذا ينتج جيلاً مقسماً بين شخصية مستبدة، وأخرى ضعيفة
2- غياب ثقافة الحوار من المنظومة الاجتماعية، فيتم ممارسة الإلغاء، والإقصاء بين طبقات المجتمع ورتبه.
3- ممارسة القيادات الاجتماعية تسلسل الاستبداد الطبقي، فكل يمارس الاستبداد على من هو دونه.
4- التشنج وإغلاق الفكر اتجاه الرأي الآخر، وادعاء الحقيقة المطلقة .
5- العرف الاجتماعي والجمود عند الفكر الموروث، ورهبة المقدس الديني في غياب العقل والمنطق.
6- الخوف على المكانة الاجتماعية، وسحب البساط من تحت أقدام المتنفذين، والمتسلطين سواء من التيار الديني أو السياسي.
سادساً :غايات الحوار:
** قال عن غايات الحوار " للحوار غايتان إحداهما قريبة والأخرى بعيدة. أما غاية الحوار القريبة والتي تطلب لذاتها دون اعتبار آخر فهي محاولة فهم الآخرين . وأما الغاية البعيدة فهي إقناع الآخرين بوجهة نظر معينة \" .
والآن نستعرض بعض ألوان الحوار السائدة في حياتنا والمؤثر في سلوكنا وفى مسيرتنا الحضارية أفرادا وجماعات ولنبدأ بألوان الحوار السلبي :
1- الحوار العدمي التعجيزي
وفيه لا يرى أحد طرفي الحوار أو كليهما إلا السلبيات والأخطاء والعقبات وهكذا ينتهي الحوار إلى أنه لا فائدة، ويترك هذا النوع من الحوار قدراً كبيرا من الإحباط لدى أحد الطرفين أو كليهما حيث يسد الطريق أمام كل محاولة للنهوض.
2- حوار المناورة ( الكر و الفر ) :
ينشغل الطرفان أو أحدهما بالتفوق اللفظي في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة وهو نوع من إثبات الذات بشكل سطحي .
3- الحوار المزدوج:
وهنا يعطى ظاهر الكلام معنى غير ما يعطيه باطنه لكثرة ما يحتويه من التورية والألفاظ المبهمة وهو يهدف إلى إرباك الطرف الآخر ودلالاته أنه نوع من العدوان الخبيث.
4- الحوار السلطوي (اسمع واستجب) :
نجد هذا النوع من الحوار سائدا على كثير من المستويات ، فهناك الأب المتسلط والأم المتسلطة والمدرس المتسلط والمسئول أو المراقب المتسلط ..الخ وهو نوع شديد من العدوان حيث يلغي أحد الأطراف كيان الطرف الآخر ويعتبره أدنى من أن يحاور ، بل عليه فقط السماع للأوامر الفوقية والاستجابة دون مناقشة أو تضجر وهذا النوع من الحوار فضلا عن أنه إلغاء لكيان وحرية طرف لحساب الطرف آخر فهو يلغى ويحبط القدرات الإبداعية للطرف المقهور فيؤثر سلبيا على الطرفين .
5- الحوار السطحي (لا تقترب من الأعماق فتغرق) :
حين يصبح التحاور حول الأمور الجوهرية محظورا أو محاطا بالمخاطر يلجأ أحد الطرفين أو كليهما إلى تسطيح الحوار طلباً للسلامة أو كنوع من الهروب من الرؤية الأعمق بما تحمله من دواعي القلق النفسي أو الاجتماعي .
6-حوار الطريق المسدود (لا داعي للحوار فلن نتفق ) :
علن الطرفان (أو أحدهما ) منذ البداية تمسكهما (أو تمسكه) بثوابت متضادة تغلق الطريق منذ البداية أمام الحوار وهو نوع من التعصب الفكري وانحسار مجال الرؤية .
7- الحوار الإلغائي أو التسفيهي (كل ما عداي خطأ ):
يصر أحد طرفي الحوار على ألا يرى شيئا غير رأيه ،وهو لا يكتفي بهذا بل يتنكر لأي رؤية أخرى ويسفهها ويلغيها وهذا النوع يجمع كل سيئات الحوار السلطوي وحوار الطريق المسدود .
8-حوار البرج العاجي :
ويقع فيه بعض المثقفين حين تدور مناقشتهم حول قضايا فلسفية أو شبه فلسفية مقطوعة الصلة بواقع الحياة اليومي وواقع مجتمعاتهم وغالبا ما يكون ذلك الحوار نوع من الحذلقة وإبراز التميز على العامة دون محاولة إيجابية لإصلاح الواقع.
9- الحوار المرافق (معك على طول الخط) :
وفيه يلغي أحد الأطراف حقه في التحاور لحساب الطرف الآخر إما استخفافا (خذه على قدر عقله) أو خوفا أو تبعية حقيقية طلبا لإلقاء المسئولية كاملة على الآخر .
10- الحوار المعاكس (عكسك دائما) :
حين يتجه أحد طرفي الحوار يمينا يحاول الطرف الآخر الاتجاه يسارا والعكس بالعكس وهو رغبة في إثبات الذات بالتميز والاختلاف ولو كان ذلك على حساب جوهر الحقيقة .
11-حوار العدوان السلبي (صمت العناد والتجاهل) :
يلجأ أحد الأطراف إلى الصمت السلبي عنادا وتجاهلا ورغبة في مكايدة الطرف الآخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر المواجهة .
سابعاً: آداب الحوار: و أساسيات التفاهم :
حسن الخطاب وعدم الاستفزاز وازدراء الغير، فالحوار غير الجدال . واحترام أراء الآخرين شرط نجاحه ....
إجمالاً عندما يحصل تعارض في المصالح ونرغب في التوصل إلى حلّ مقنع فإن الطريق الأفضل هو الحوار..
ومن أجل أن يكون الحديث بنّاءً لابد لنا من أن نتواصل مع الطرف الآخر أولاً ونتفاهم معه بشكل واضح ومثمر ثانياً ..إن الكل منّا يمتلك قدرات فردية ومهارات أخلاقية يدير بها علاقاته مع الآخرين ويستخدمها في العديد من مواقف المساومة والتفاوض..
إلاّ أن في مواقف الاختلاف أو النزاع التي في الغالب تثير شحنة قوية من الانفعالات فإننا أحياناً ننسى القواعد الأساسية للتواصل والحوار الهادئ...
منقووووووووووووووول
مدمنه قهوة @mdmnh_kho
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
جزاك الله خير اختي
موضوع جداًمفيد ورائع
سلمت يداك
والمفروض الكل يقراه ويفهمه
ليستفيد ويثقف نفسه
سويت نسخه عندي للقراءة
ومشكوووووووووووووره على النقل
موضوع جداًمفيد ورائع
سلمت يداك
والمفروض الكل يقراه ويفهمه
ليستفيد ويثقف نفسه
سويت نسخه عندي للقراءة
ومشكوووووووووووووره على النقل
الصفحة الأخيرة
موضوع اكثر من رائع
استغرب عدم تفاعل العضوات مع المواضيع
الهادفه يا دوب كم رد بعكس المواضيع الي تناقش
مشاكل سطحيه اوتكون للترفيه توصل الردود للمئات
:(