تخيلتني أسرح في مرابع خضراء ..
وأسير تحت ظل شجرة فيحاء عريقة كالدهر
باسقة أوغلت هامتها في الفضاء..
تشد النظر إلى الأعلى بحسنها وامتداداتها وتكاثف أغصانها ...
وتبهر الروح بتلألؤها المنثال تبراً في سندس أوراقها المتعانقة ..
المتدلية أكاليل من فروعها وامتداداتها المترعة بالنضرة ..
تأملتها طويلاً وتساءلت :
أي إسم ترى يليق بهذا الجمال المبتسم الذي ينطف زهواً ؟
بَرقَ ومضٌ فوق صارية شراع قلبي الأبيض في بحر توهاني يهمسني :
ما أليق بها :
( دوحة الحب ) ..!!!
الحب الذي يتفرع من الأرض ..فينمو
وينهمر من السماء .. فيحنو ..
ويلتقيان ..
تحت ظل الرحمن !
****
الحب فطرة
تعهديها بالسقي والرعاية حتى يتفتح زهرها ، ويفوح شذى عطرها ..
وابدأي بأن تحبي نفسك.. امنحيها سلاماً وصداقة ..
فإن العالم لن يتلقى منك إلا ماتعكسه مرآة نفسك من الحب .
والحب السليم الصادق للنفس .. ذلك الذي يدفعك إلى القيام بالتبعات الرفيعة
ويدعوك للتفوق الأخلاقي ، واعتبار الإيثار ضرورة إنسانية.
فلا تحصري حب النفس في داخلها كمن يزيد رصيده المادي
ويبخل عن الناس..
لتكوني ممن يزداد بهم رصيد الحياة ..
لتتركي بصمة في دنياك تبقى بعد رحيلك عامرة بالخير عند كل ذكر .
****
والحب مراتب ...
وأسماها وأجدرها بالمؤمن ما جاء في الحديث الشريف :
( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان :
من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه
إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله
منه كما يكره أن يقذف في النار ).
فالحب الإنقيادي لله ورسوله هو سبيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة .
****
ذكر الحسن البصري أن أناساً قالوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
يارسول الله ! إننا نحب ربنا حباً شديداً
فجعل الله لمحبته علماً وأنزل :
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) آل عمران ٣١
فصدق المحبة توجب إيثار المحبوب على نفسك ، وان تبدأ بالأمور كلها
بأمره قبل أمرك ..
****
ومن ينبوع الحب الأول حب الله ورسوله ننهل ويسري ماء الحب إلى حب القرآن
وحب السنة واتباعها ، وحب الرسل ، وحب الصحابة ، ويتفرع إلى ...
حب الأهل، والأرحام ، والأصدقاء ، والمجتمع ، والأوطان ..
إنه الحب الأسمى والأمثل ..
حب يورث السعادة والأمان ..
المحبون الصالحون الأتقياء هم ملائكة الآرض ورسل المحبة وناشري الخير .
املئي قلبك بحب الله ، وحصنيه بذكره ، وسدي منافذ العدو إبليس الذي
يلاحقك بالكراهية ، ولا يغفل عنك في سكوت ، ولا في كلام ، ولا في صلاة ولا في صيام
ويزين لك الشر ، ويحبب إليك المغريات ..
لن يألو جهداً ليوهن عزمك ، ويقطع وشيجة الحب التي تربطك بالله ..
فحاربي دعوته بمزيد من الطاعة لله
( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ).
****
القرآن ينبوع المحبة ~
إن تدبر القرآن والتأمل في آياته ينمي المحبة ويولد الخير
( آفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
القرآن مفتاح القلوب ويا سعد من فتح القرآن مغاليق قلبه فأزهر فيه روض
المحبة!
فليس شيء آنفع للعبد في معاشه ومعاده من القرآن تلاوة وحفظاً وتدبراً وعملاً
القرآن طريق المعرفة بالله ، وطريق الوصول إليه ..
القرآن حديث محبة بين الله وعباده وطريق نجاة ، وفرقانا بين الهدى والضلال
يشحن القلب المتفتح به سعادة وقوة وحباً وانشراحاً .
****
القلب كعبة ~
نعم القلب كعبة كل عابد ..
والمعبود لايرضى مزاحمة الأصنام .. فليكن حبك خالصاً في العبودية لله .
تنعش. روحك ، وينعم فؤادك ،
وأقبلي على الله بأطيب هيئة وأعظم بشر فهو الحبيب الأعلى الأجل الآكرم
هو يراك من حيث لاترينه .. فتخيلي حضورك أمامه ، وتخيلي رؤياه في قلبك
وأيقظي أشواق الروح وأنس القلب وأنت بين يديه .
وتمنى واسعى لتستحقي نعيم رؤيته في الآخرة ..
ثبت عن جرير بن عبد الله قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :
( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لاتضامون في رؤيته ....)
فإذا أردت أن ترين خالقك فلا تستهيني بأمره وادخري من حب الله زاداً من طاعته
واعلمي أن من عرف ربه أحبه وآثر ماعنده .
****
الذين يحبهم الله :
المحسنين .. المتقين .. المقسطين .. التوابين.. الصابرين
المتطهرين .. المتوكلين ..المقاتلين في سبيل الله .
فلتكوني أحدى هذه النجوم الساطعة في سماء الحق ..
لتنالي شرف الحب الإلهي !
****
وأخيراً اكسبي حب الناس
بدءاً بحب الذات ومنها الامتداد لحب الناس
فالإنسان الذي يزرع الحب في ذاته .. ويحقق ذاته ..
وهو مرتبط بذلك بربه ، مخلص في عبادته ،
يعرف ان ارتباطه الوثيق بالحب مع أخيه هو رباط يصله بربه
يفجر فيه طاقات المحبة : الخير ، والعطاء ، والتعاون ، والبناء ، والرحمة
والإيثار ، وكل المعاني الإنسانية البناءة ذات القيمة العظيمة
كل طاقات الحب في النفس المؤمنة تتوازن بين حب النفس وحب الناس
بما ينفع الفرد والجماعة .. وتجتمع على قمة حب الله وطاعته
قال تعالى :
( إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا ،
إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ، والذين في أموالهم حق معلوم
للسائل والمحروم ، والذين يصدقون بيوم الدين ،
والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ),
