الامــيــرة01 @alamyr01
عضوة مميزة
الشــــــــــــكر
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فمن العبادات العظيمة التي ينعم الناس بثمرتها في العاجل والآجل: شكر الله تعالى على ما أولى من نعم، والشكر نصف الدين كما قال جماعة من السلف، وقد امتلأ كتاب ربنا بالأمر به، فما من آية ختمت بقول منزلها: {لعلكم تشكرون} أو: {ولعلكم تشكرون}، إلا وهي آمرة به.
وهذه رسالة في بعض المسائل المتعلقة به.
معنى الشكر:
خير ما قيل في تعريف الشكر: عرفان الإحسان.
وقيل: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع.
وقال ابن القيم: الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة،
وعلى جوارحه انقيادا وطاعة. .
وهذا يدل على أن للشكر ثلاثة أركان.
أركان الشكر:
أ- الاعتراف بالنعمة بقلبه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا» .
ب- التحدث بها والثناء على المنعم.
قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} .
ت- تسخيرها في طاعة مسديها والمنعم بها.
قال تعالى: {اعملوا آل داود شكر} .
ومعنى الآية: يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره
ولذا قال الشاعر:
أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي ثَلاثةً --- يدِي، ولَسَاني، وَالضَّمير المُحَجَّبَا
قال أبو عبد الرحمن الحُبلي: "الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر.
وأفضل الشكر الحمد" .
الفرق بين الشكر والحمد:
من وجهين:
الأول: الشكر يكون بالجوارح، والحمد يكون باللسان وبالقلب.
ولذلك نسمع بسجود الشكر، ولا نسمع بسجود الحمد، لأن الشكر يكون بالجوارح. ومضى في أركان الشكر أنه يكون بتسخير النعمة في طاعة الله، وهذا عمل، والعمل بالجوارح.
الثاني: الشكر يكون عند البلاء، والحمد يكون على كل حال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته سراء قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإن نزل به بلاء قال: «الحمد لله على كل حال».
الشكر من صفات الله:
ومن أسماء الله: الشاكر، والشكور.
قال تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} .
وقال: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} .
وقال: {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}
وهو الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، ويشكر القليل من العمل الخالص، ويعفو عن الكثير من الزلل، بل يضاعفه أضعافا مضاعفة بغير عد ولا حساب.
ومن شكره أنه: يعطي بالعمل في أيام معدودة نعيما في الآخرة غير محدود، {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية} .
ثبت عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا رجل يمشى فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له». قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر» .
وفي كثير من الأحاديث تجد من عمل كذا وكذا فله الجنة، وهذا دليل على أنّ الله شكور يجزل المثوبة لعباده، ويعطي الكثير على القليل، فما أرحمه من رب! وما أعظمه من إله !!
الشكر صفة الأنبياء:
قال تعالى عن نوح عليه السلام: {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكور} .
وقال عن إبراهيم عليه السلام: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين* شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم} .
وسيد الشاكرين نبينا صلى الله عليه وسلم ، فعن المغيرة بن شبعة رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه، فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا»؟ .
الأمر بالشكر:
قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} .
وقال: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} .
وأمر به نبينا صلى الله عليه وسلم : {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} .
وأمر الله تعالى به موسى عليه السلام :{يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} .
وأمر به المؤمنين: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} .
وقال: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون} .
وقال: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون}.
وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يابن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تَرْبَعُ وترأس، فأين شكر ذلك»؟ .
تربع: تأخذ ربع غنيمة القوم.
ترأس: تكون رئيسا للقوم.
ثمرات الشكر:
من صفات المؤمنين:
ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
سبب لرضى الله عن عبده:
قال تعالى: {وإن تشكروا يرضه لكم} .
أمان من العذاب:
قال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} .
قال قتادة رحمه الله: "إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا" .
سبب للزيادة:
قال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} .
قال بعض السلف رحمهم الله تعالى: "النعم وحشية فقيدوها بالشكر".
وقال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ، لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب، لأنه يجلب النعم المفقودة"
الأجر الجزيل في الآخرة:
قال تعالى: {وسنجزي الشاكرين} .
وقال سبحانه: {وسيجزي الله الشاكرين} .
الترهيب من الجحود وعدم الشكر:
وأكتفي هنا بسرد حادثتين وردتا في القرآن الكريم:
الأولى:
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} .
العرم: الماء الغزير، وهذا من باب إضافة الاسم إلى صفته.
وخمط: مر.
وأثل: لا ثمر فيه.
الثاني:
قال تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} .
وعبر باللباس لملازمته صاحبه، فالجوع والخوف لا يبرحان ساحتهم، وهما لهم كاللباس الذي يباشر صاحبه ولا فكاك عنه.
كيف نكون من الشاكرين؟
بالتلبس بأركان الشكر التي سبقت إشارة إليها.
بشكر من أسدى معروفاً إليك من الناس
لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» .
وفي سنن أبى داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ».
وعن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر» .
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء» .
بالتفكر في نعم الله عليك:
قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
قال يونس بن عبيد رحمه الله تعالى لرجل يشكو ضيق حاله: أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. فذكره نعم الله عليه ثم قال له: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة؟
بتقوى الله والعمل بطاعته
قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
قال ابن إسحاق:"أي: فاتقوني؛ فإنه شكر نعمتي" .
بالقناعة والرضا بما قسم الله لك:
قال صلى الله عليه وسلم : «كن قنعا تكن أشكر الناس» .
بصلاة الضحى:
فعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» .
بسجود الشكر:
فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر بشر به خر ساجدا؛ شاكرا لله .
وهذه السجدة لا تشترط لها طهارة، ولا استقبال قبلة.
والنعم قسمان: مستمرة، ومتجددة، فالمتجددة يسجد الإنسان لله إذا أُكرم بها.
بأن يقول إذا أصبح وأمسى: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك
، فلك الحمد ولك الشكر
فعن عبد الله بن غنام البياضي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته» .
العافية مع الشكر خير من البلاء مع الصبر:
قال مطرف رحمه الله تعالى: "لأن أعافى فأشكر، أحب إلي من أن أبتلى فأصبر"
.
خاتمــــــــــــــــة:
إذا كان الشكر بهذه المكانة فحري بنا أن ندعوا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله إني لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» .
وفي سنن الترمذي وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: «رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري».
القارئ الكريم: جعلني الله وإياك من خير الشاكرين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. مهران ماهر عثمان نوري
صيد الفوائد
23
1K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
باركــــ الله فيكـــــــــ غاليتـــــي وجعله في
ميـــزان حسناتكـــــــ وجزيتي الجنان ورضى
الرحمــــن ووالديكـــــــ...
علـــى هذا الطرح الهــــــــــــــــادف..
لاعدمنا إطلالتكـــــــــ الرائـــــــعة
ميـــزان حسناتكـــــــ وجزيتي الجنان ورضى
الرحمــــن ووالديكـــــــ...
علـــى هذا الطرح الهــــــــــــــــادف..
لاعدمنا إطلالتكـــــــــ الرائـــــــعة
الصفحة الأخيرة
ورزقنا الله وإياكي وجميع المسلمين الجنة
وجعله الله في موازين حسناتك
اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»
رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري