من غار حراء شع فجر الإسلام ... يملأ مكة وشعابها بنور الله ... فيفيض إشراقاً في العقول ويمنح للقلوب المؤمنة ضياء لتنسج به عظمة الإسلام.. فكم رفع الإسلام أناساً لم نسمع عنهم من قبل ... وكم زاد الإسلام من مكانه أناس فأضحوا خياراً في الجاهلية وخياراً في الإسلام.. لم يفرق بينهم نساء ورجالاً.. هكذا كانت الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف بن شداد القرشية العدوية.. قيل اسمها ليلى وكانت تكنى بأم سليمان.. ولكنا اشتهرت بالشفاء وربما نالت هذا اللقب بسبب شفاء البعض على يديها بإذن الله.
تزوجت الشفاء بنت عبد الله من أبى خثمة بن حذيفة بن عامر القرشي العدوي.. واعتنقت الإسلام في وقت مبكر من بزوغ شمسه.. فصبرت مع المسلمين الأوائل وتحملت أذى قريش وتعنتهم حتى أذن المولى عز وجل للصابرين والصابرات في مكة بالهجرة إلى يثرب فهاجرت معهم.
كانت الشفاء بنت عبدالله العدوية من القلائل الذين عرفوا القراءة والكتابة في الجاهلية وقد حباها الله من فضله عقلاً راجحاً وعلماً نافعاً.. فقد كانت تجيد الرقية منذ الجاهلية.. فلما جاء الإسلام قالت : لا أرقي حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت إليه وقالت : يا رسول الله إني قد كنت أرقي برقي الجاهلية وأردت أن أعرضها عليك ، فقال : اعرضيها ، قالت : فعرضتها عليه وكانت ترقي من النَمِلة فقال (ارقي بها وعلميها حفصة : باسم الله ، اللهم اكشف البأس رب الناس) ، قال ( ترقي به على عود كركم "زعفران" وتطليه على النملة).. فاستمرت الشفاء ترقي بها المرضى من المسلمين والمسلمات وعلمتها لأم المؤمنين حفصة .. ويلاحظ هنا أن الشفاء رغم علمها القديم الذي أجادته قبل الإسلام لم تحاول الإفادة منه إلا بعد أن عرفت حكم الشرع فيه.. فلما أجازها النبي عليه السلام خدمت به الناس.. ولم تكتف بهذا بل علمت نساء المسلمين القراءة والكتابة فحق لها أن تكون أول معلمة في الإسلام.
لم تترك لنا كتب التراجم من أخبار الشفاء بنت عبدالله إلا النذر اليسير.. إذ وصفها ابن حجر في الإصابة بأنها من عقلاء النساء وفضلاهن.. وكان عليه الصلاة والسلام يبر بها فأقطعها داراً في الحكاكين بالمدينة لتسكنها.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يثق برأيها ويقدم كلامها على غيرها حتى قيل إنه ولاها من أمر السوق شيئاً، ولم تذكر لنا كتب الأخبار ما المهام التي قامت بها الشفاء بنت عبدالله في السوق إلا ما رواه ابن سعد في طبقاته عن حفيدها عمر بن سليمان بن أبي خثمة ، عن أبيه قال : قالت الشفاء ابنة عبدالله : ورأيت فتياناً يقصدون في المشي يتكلون رويداً فقالت : ما هذا ؟ فقالوا : نسّاك ، فقالت : كان عمر إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وهو الناس حقاً.. ويتضح لنا من كلام الشفاء بنت عبدالله السابق الذكر أن هذا جزء من مهام الحسبة التي قامت بها ولكنها ، كما هو وارد في القصة ، لم تخاطب جماعة الفتيان مباشرة إنما قالت كلامها لمن هم معها.
وربما كانت مهمتها أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يخص النساء ، وربما مراقبة تعليم الصبيان على اعتبار أن تلك المهام من أعمال المحتسب في الإسلام ، والله أعلم.
روت الشفاء بنت عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب، وروى عنها ابنها سليمان بن أبي خثمة وآخرون من أحفادها، وقد روى لها البخاري في كتاب الأدب وكتاب أفعال العباد كما روى لها أبو داود والنسائي.
توفيت معلمة الإسلام الأولى في زمن عمر بن الخطاب سنة عشرين بعد هجرة النبي عليه السلام، فجزاها الله عن المسلمين والمسلمات خير الجزاء بما خدمت به الأمة ورقت مرضاها وعلمت نساءها...
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ريومه :مشكوره ياقلبي جزاك الله خيرمشكوره ياقلبي جزاك الله خير
والشكر موصول لك ولجميع القراء
وجزاك الله خيرا....
وجزاك الله خيرا....
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خير