الطابق الخامس والسبعون
أخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أجسادكم ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم
;
الطابق الخامس والسبعون
سافر ثلاثة من الشباب إلى دولة بعيدة بغرض السياحة، وكان سكنهم في عمارة تتكون
من خمسة وسبعين طابقا ولم يجدوا غرفة إلاَّ في الدور الخامس والسبعين.
وبعد إتمام إجراءات السكن قال لهم موظف الاستقبال:
نحن في هذه االعمارة لدينا نظام يختلف كلياً عن باقي العمائر والشقق فالمصاعد مبرمجة
على أن تغلق أبوابها تلقائياً عند الساعة العاشرة ليلاً، فلا بد أن يكون حضوركم قبل هذا
الموعد ، لأنها لو أغلقت لا تستطيع قوة أن تفتحها ، فالكمبيوتر الذي يتحكم فيها في مبنىً
بعيدٍ عنا ! مفهوم يا شباب ؟
فردوا بصوت واحد : مفهوم .
في اليوم الأول سارت الأمور على أكمل وجه حيث خرجوا للنزهة ، وقبل العاشرة
تماما ً كانوا في سكنهم .
لكن في اليوم التالي حدث أمر ما اكتشفوا بعده أنهم قد تأخروا إلى العاشرة وخمس دقائق
فعادوا بأقصى سرعتهم كي يدركوا المصاعد ، لكن هيهات .
لقدأغلقت المصاعد أبوابها . توسلوا لموظف الاسقبال وكادوا يبكون ولكن دون جدوى.
وبعد أن هدأت أعصابهم قليلاً فكروا ثم أجمعوا أمرهم على أن يصعدوا إلى غرفتهم
عبر (السلالم- الدرج) مشياً على الأقدام .
ثم قال أحدهم :
لدي أقتراح . نحن ثلاثة،فما رأيكم أن يقص كل واحدٍ منا على الجميع
قصص وحكايا طيلة المدة التي نحتاجها لصعود أول خمسة وعشرين طابقا ثم الذي يليه،
ثم الذي يليه فيكون المجموع خمسة وسبعون طابقاً حتى نصل الى غرفتنا ؟
قالوا: نِعم الرأي. توكل على الله وابدأ أنت
فرد بحماس قائلاً :
أما أنا فسأعطيكم من الطرائف والنكت ما يجعل بطونكم تتقطع من كثرة الضحك.
قالوا : هذا ما نريد.
وفعلاً حدَّثهم بهذه الطرائف حتى أصبحوا كالمجانين ترتج العمارة لضحكهم.
إلى أن أنهوا صعود أول خمسة وعشرين طابقاً
ثم بدأ دور الثاني فقال: أما أنا فعندي لكم قصصٌ لكنها جادة قليلاً
فوافقوا على ذلك. فاستلمهم بها مسيرة خمسة وعشرين طابقاً أخرى حتى وصلوا
الى الطابق الخمسين
ثم جاء دور الثالث فقال لهم : أنا ليس لكم عندي إلاَّ قصصا مليئة بالنكد والهمِّ والغمِّ .
فقد سمعتم النكت.. والجد.. فحان وقت التغيير
فقالوا له مازحين : قل.. أصلح الله الأمير، حتى نصل ونحن في أشد الشوق للنوم.
فبدأ يعطيهم من قصص النكد ما ينغص عيش الملوك.
فما أن وصلوا إلى باب الغرفة حتى كان التعب قد بلغ بهم كل مبلغ، فنظر اليهم بأسى
وقال:
أما أعظم قصة نكد في حياتي.
فهي أن مفتاح الغرفة قد نسيناه لدى موظف الاستقبال في الدور الأرضي.
ولف المكان سكون رهيب من هول المفاجأة ثم علا صراخهم الهستيري
وأغمي عليهم .أخي الحبيب ، أختي الغالية
ولله المثل الأعلى فالقصة فيها عِبَرْ
الشاب أو الفتاة - منا- يلهو ويلعب ، وينكت ويرتكب الحماقات ، في السنوات الخمس
والعشرين الأولى من حياته.. سنواتٍ هي أجمل سنين العمر.. فلا يشغلها بطاعة ولا بعقل
ثم يبدأ الجد في الخمس والعشرين الثانية : يتزوج .. ويرزق بأولاد.. ويشتغل بطلب الرزق
وينهمك في الحياة.. حتى يبلغ الخمسين.
ثم في الخمس والعشرين الأخيرة من حياته يبدأ النكد والغم والهم، حيث تعتريه الأمراض
والتنقل بين المستشفيات وإنفاق الأموال على العلاج.. ناهيك عن همِّ الأولاد والبنات ..
فهذه طلقها زوجها.. وذلك بينه وبين إخوته مشاكل كبيرة، وخصومات بين الزوجات تحتاج
تدخل هذا الأب ، وقد تتراكم عليه الديون التي تخبط فيها من أجل إسعاد أسرته ، فلا هم
الذين سعدوا ولا هو الذي ارتاح من هم الدَّين.
حتى إذا جاءه الموت.. تذكر المفتاح.. مفتاح الجنة.. الذي بدونه لن ينجو ولن يدخلها
والذي كان قد نسيه في الخمس والعشرين الأولى من حياته ثم انشغل عنه في الخمس
والعشرين الثانية من حياته، فيأتي أمام الله مفلساً.. ويصيح راجيا : "ربِ ارجعون"
ثم يتحسر ويعض على يديه من الندم ويقول : "لو أن الله هداني لكنت من المتقين"
ويصرخ متمنيا : " لو أن لي كرة "
ولكن هيهات. فهذا يوم الحساب وقد مضى وقت العمل وانتهى الى غير رجعة .
فيأتيه الجواب القاطع من الحق عز وجل :
" بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ "
فهل من متعظ ؟؟
الـمـتـفـائـلـه @almtfaylh_40
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
* مصقوعه بقدر *
•
الله يجزااك خير
الصفحة الأخيرة