العشر الأواخر وليلة القدر (( مسائل وفوائد عن ليلة القدر ))
مسائل وفوائد عن ليلة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً وجعل ليلة القدر خيراً من ألف شهر؛ بنزول القرآن العظيم فيها وزاد من عظمها وقامها شرفاً وبرأ وغفراناً .
والصلاة والسلام على خير الأنام .. صام وقام بالليل والناس نيام وعبد ربه حق العبادة حتى جاءه اليقين وعلى آله وصحبه الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فقد أرسل الله إلينا رسوله الكريم بخير رسالة وهو القرآن الكريم فهدي الله الأمة بعد ضلالة وجمعها بعد شتات وامتن عليها بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصي وبارك في أعمارهم على قصرها حتى تكون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس ولتنافس بأعمالها الكثيرة وأعمارها القصيرة الأمم السابقة التي كانت أعمارها طويلة وأعمالها قليلة إن هذا من كرم الله على رسوله وعلى أمته .
لقد جعل الله لنا ليلة القدر خيرا من ألف شهر لمن قامها ووافقها وعبد الله فيها بما شرع فقال تعالى : (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ )) .
أخي القارئ الكريم : الحديث عن ليلة القدر وإن كثر فلا يمل ؛ لأنها فرصة سعيدة ومناسبة عظيمة لا يوفق لها إلا من أراد الخير والسعادة فى الدنيا والآخرة.
فيا حظ من صام رمضان إيماناً واحتسابا وتوجه بقيام ليلة القدر التي يغفر الله له بها ما تقدم من ذنبه .
سأتحدث إليك عبر هذه السطور بما يسر الله لنا من الحديث عن هذه الليلة من حيث سبب تسميتها ، وأهميتها ، ووقت طلبها ، وملخص ما ذكره العلماء عنها، لعل الله أن يشرح صدورنا جميعا لطلبها، وخير الله كثير يؤتيه من يشاء وهو على كل شيء قدير .
* تسميتها :
لقد سماها الله في محكم كتابه بليلة القدر؛ لعظم قدرها وفضلها ويكفيها قدراً وتعظيماً أن الله أنزل فيها قرآنا يتلي إلى يوم القيامة وقدر سبحانه فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق فقال تعالى : (( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )) .
قال الزهري : إن القدر في قوله تعالى : (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ )) لمعنى التعظيم ، فهي ذات قدر عظيم لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة أو لما ينزل فيها من البركة .
والقدر في اللغة - بفتح الدال وإسكانها - الشرف والمكانة العالية . قال تعالى : (( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )) أي: ما عظموه حق تعظيمه، وقيل: القدر أيضاً ما يقدره الله من القضاء .
* أهميتها :
ليس في تاريخ الإنسان ليلة أشرف ولا أعظم من هذه الليلة " وهي موجودة في الأمم قبلنا وفي هذه الأمة إلى يوم القيامة .. لما في الحديث أنها تكون مع الأنبياء إلى يوم القيامة .. لكن فضلها وأجرها يختص والله أعلم بهذه الأمة كما اختصت هذه الأمة بفضيلة يوم الجمعة وغيرها من الفضائل ولله الحمد " فهي كرامة من الله لنبيه وأمته، وهي رحمة يرحم بها من يشاء من عباده الصائمين القائمين الراكعين، يرفع الله بها قدرهم ويعلي بها شأنهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
فالكيس من تحين هذه المناسبة العظيمة وأعطاها ما تستحق من الاهتمام والفهم حتى يرفعه الله بها قدراً ومكانة عنده ...
* فضلها :
ليلة القدر خير ليالي السنة؛ لقوله تعالى : (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ )) .
أي: إن العمل فيها من الصلاة والتلاوة والذكر والقيام خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
و أخرج الإمام مالك في الموطأ قال : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم ، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر " .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري.
قال الشيخ محمد بن عثيمين وفقه الله: في سورة القدر فضائل متعددة لليلة القدر ..
الفضيلة الأولى : أن الله أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة .
الثانية : ما يدل عليه الاستفهام والتضخيم والتعظيم في قوله تعالى : (( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ )) .
الثالثة : أنها خير من ألف شهر .
الرابعة : أن الملائكة تتنزل فيها وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.
الخامسة : أنها سلام؛ لكثرة السلام فيها من العقاب والعذاب.
السادسة : أن الله أنزل في فضلها سورة تتلى إلى يوم القيامة .
* وخلاصة هذا: أن فضل ليلة القدر لا نستطيع نحن البشر إدراك كنهه وكل ما نعلمه هو ما ذكره الله في سورة القدر وما ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم وما استنبط العلماء من هذا الذكر المحمود ..
* وقت طلبها :
يستحب طلبها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في طلبها في العشر الأخيرة من رمضان ..
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) رواه البخاري.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ) رواه مسلم. أي: اعتزل النساء واشتد في العبادة ..
وآكد ليالي طلبها هي الليالي الوتر من العشر وأنها تنتقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلا وفي عام آخر تكون في ليلة خمس وعشرين تبعاً لمشيئة الله وحكمته ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( التمسوها في تاسعة تبقي في سابعة تبقي في خامسة تبقي ) . رواه البخاري .
وكما سلف فإن أرجح الأقوال أنها في وتر من العشر الأخيرة وأنها تنتقل.
وأكثر الأقوال أنها ليلة سبع وعشرين.
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان متحريها فليتحرها ليلة سابع وعشرين ) صحيح. صحيح الجامع (2920) .
وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي بن كعب أنه قال : "والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان، ووالله إنى لأعلم أن ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين .." .
وعلى كل حال: فقد أخفي الله سبحانه علمها على العباد رحمة بهم ليكثر عملهم في طلبها وفي تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة من الله وثواباً.
كما أنه أخفاها اختباراً لهم ليتبين بذلك من كان جاداُ في طلبها حريصاُ عليها ممن كان كسلاناً متهاوناُ، فإن من حرص على شيء جد في طلبه وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به .
* ما قيل في أماراتها :
قد يظهر الله علمها لبعض العباد بأمارات وعلامات يراها كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم علامتها أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين فنزل المطر في تلك الليلة فسجد في صلاة الصبح في ماء وطين . رواه البخاري ومسلم.
وقيل: إنها تطلع الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست - إناء للاغتسال- ليس لها شعاع حتى ترتفع .
قال ابن حجر : وقد رأيتها ليلة سبع وعشرين طلعت كذلك .
والمعول على هذا كله أن الله يغفر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في آخر ليلة من ليالي رمضان إذا قاموا بما ينبغي أن يقوموا به في هذا الشهر المبارك وليلة القدر إحدى لياليه في العشر الأواخر، فمن اجتهد في كل تلك الليالي وافق ليلة القدر والله سبحانه يتفضل على العباد بتوفية أجورهم كاملة لهم كما يوفي العامل أجره عند انتهاء عمله .
* ماذا يقول من رآها :
في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) صحيح. السلسلة الصحيحة .
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : ( إن الله ينظر ليلة القدر إلى المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيعفوا عنهم ويرحمهم ، إلا أربعة : مدمن خمر ، وعاق ، ومشاحن ، وقاطع رحم ) .
* من آداب تلك الليلة :
الاجتهاد في العبادة من ذكر وقراءة قرآن وقيام وتطيب واعتزال للنساء والتفرغ تماما للعبادة عل المسلم يوافقها.
كما ينبغي للمسلم العاقل أن لا يترك قيام الليالي الشفع من العشر الأواخر من رمضان بل يقوم كل ليالي العشر لعله يوافق تلك الليلة التي أخفى الله علمها على العباد رحمة بهم وتنافساُ في الخير واختباراً لهم .
كما ينبغي للمسلم أن يحث أهله وإخوانه على تحري هذه الليلة، ومن المؤسف ما نراه من بعض الناس هدانا الله وإياهم من ترك قيام هذه الليالي والانشغال بالسهرات واللعب واللهو والاستعداد للبيع والشراء والتشاغل بهذا عن طاعة الله ، وإذا ما قرب رحيل الشهر شغلوا لياليهم بالسهر والتسوق إلى ما قرب الفجر بحجة أنها ليالي العيد ..
فاللهم لا تشغلنا إلا بطاعتك ورضاك ، اللهم تب علينا وعلى إخواننا جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها ، واجعل لنا في ليلة القدر نصيباُ من الغفران والرحمة والعتق من النار. .
قال الشاعر عن هذه الليلة :
فطوبي لامرىء يطلبها في هذه العشر
ففيها تنزل الأملاك بالأنوار و البر
وقد قال سلام هي حتى مطلع الفجر
ألا فادخروها إنها من أنفس الذخر
فكم من معتق فيها من النار ولا يدري
اللهم اجعلنا ممن صام الشهر ، وأدرك ليلة القدر وفاز بالثواب الجزيل والأجر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . منقول للامانة
icelmylove @icelmylove
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة