الشيخ الدكتور / علي بن عمر بادحدح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين،وبعد.
فإن كل إنسان يحب أن يربح ، ويريد أن يكسب ، وإذا تيسر له الكسب بدون جهد يذكر، وبقدر أكبر ، فما من شك أن سيكون أشد حرصاً وأعظم اهتماماً بذلك ، فإذا ضُمن له ذلك المغنم في كل يوم فإنه سيواظب بلا انقطاع على التحصيل وجمع المزيد ؛ لأن ذلك يعظم أرباحه ويزيد ماله ولن يدخر جهداً في سبيل حصوله على ذلك الكسب من ذلك المورد ، ولن يفرط في أي سبب ، ولن يتأخر عن أي موعد ، ومثل هذا ستراه بعد زمن وقد عظمت مغانمه ، وزادت مكاسبه .
والآن ما رأيك لو أنك أنت – أخي القارئ – الذي دعيت لتأخذ تلك المغانم ، وتنال تلك المكاسب ، إنها تبذل لك وتقيد في رصيدك ، بدون أي تأخير أو تقصير ، هل ستفرط فيها أو تتنازل عنها ؟ إن تفكيرك في مصلحتك وفائدتك سيمنعك من ذلك .
وأريدك الآن أن تواصل معي وتعطيني رأيك أيضاً ، ما قولك لو أن الدعوة إلى تلك الغنائم كانت للجميع ، وكل من حضر في الوقت المحدد ويؤدي العمل الميسر سينال أعطيات جزيلة ، ومنحاً عظيمة ؟ ألست معي أن الجميع سيبادرون ، وسيوصي كل أحد أبناءه وأقرباءه ليشاركوا في الحصول على الغنائم ، وسيكون المتخلف عن ذلك – عند الجميع – مفرطاً وجانياً على نفسه ، ومضيعاً للفرصة العظيمة في الحصول على الغنيمة الكبيرة ولنقل إن تلك الغنائم تقدمها دولة غنية ، أو جمع من كبار الأثرياء ، وأن المكافأة التي تعطى كل يوم هي عشرة آلاف ريال ، يتسلمها كلحو ربع ساعة ، وإن زاد لايتجاوز نصف الساعة ، فما رأيك بعد كل هذا الإيضاح فيمن يترك ذلك ويتخلف عنه ولا يبادر إليه بسبب رغبته في النوم وحبه للراحة !! وما عساك أن تقول فيمن يكاد يتخلف عن ذلك يوم ويض من يأتي إلى المكان المحدد ولوقت المحدد ويؤدي عملاً يسيراً يستغرق نيع بالتالي عشرة آلاف ريال كل يوم !.
وأخيراً دعني أخبرك أن الذي يعطي تلك الغنائم ليس غنياً من الأغنياء وإنما هو الله رب الأرض والسماء ، وأن الغنائم ليست دراهم ولا دنانير ولا ذهباً ولا فضة ، وإنما هي الحسنات والدرجات والجنات .
أليس من الأحرى أن يزداد الحرص ويعظم الاهتمام ؟ لأن المعطي هو الذي لا تنفد خزائنه ، ولا يُخلف وعده ، ولأنه الكريم الذي لا منتهى لكرمه ، والعظيم الذي لاحد لعظمته .
أليس من الأحرى أن لا تفوت الفرصة ، ولا تضيع الغنيمة ؟ أليس كل مفرط مغبون ؟ أليس كل مقصر خاسر ؟ أليس كل مضيع محروم ؟ بلى والله ، وما أعظم الخسران لمن ضيع الغنائم وهو نائم ، لم يكن به مرض مقعد ، ولا حال دونه ودون مراده عدو قاهر .
إنني أعني بكل ما سبق النائمين المتخلفين عن صلاة الفجر وإنني لأهمس - بل أصرخ – في أذن كل منهم : " الغنائم أيها النائم".
* غنائم الفجر
الغنيمة الأولى : الحرية الإيجابية :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ،فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) .الشيطان يقيّدك ، وعن الخير يقعدك ، وفي أسره يحبسك ، إنه يصدك عن الذكر ويحرمك من عظيم الأجر ، إذا أردت أن تجيب النداء " حي على الصلاة" ردك بالترغيب في النوم ، وإذا سمعت المقارنة " الصلاة خير من النوم" صرفك عن الخير بالمزيد من النوم ؛ فإن كنت ذا عزيمة ، وتنبهت وتوضأت وبادرت إلى أداء الصلاة ، كنت في كل خطوة تحطم قيداً من قيوده ، وتهزم جنداً من جنوده ، وما تزال مواصلاً تذكر الله فتحل عقدة ، ثم تمضي مصرّاً على مخالفته فتتوضأ فتنحل الثانية ، ثم تتابع مقبلاً على الله فتقل قوته وتنفك من أسره فتصبح وقد تحررت من قيده ، وتغلبت على مكره وكيده .
ذكر القرطبي - رحمه الله - في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( نم عليك ليل طويل فارقد ) أن هذا من كيد الشيطان وتغريره بالإنسان ، وقال : أنه – أي الشيطان - يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد…ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام والإلباس عليه ، وفي قوله : ( يعقد الشيطان… ) نقل ابن حجر : أنه عقد على الحقيقة كعقد الساحر على من يسحره ، كما في قوله تعالى : {ومن شر النفاثات في العقد } ثم قال: وقيل هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور ، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم…وقيل العقد كناية عن تثبط الشيطان للنائم بالقول المذكور ، ومنه عقدت فلاناً عن امرأته أي منعته عنها .
وعلى كل فالمراد أن التارك للذكر والطهارة والصلاة واقع تحت تأثير الشيطان ووسواسه ، بل إن البيضاوي أشار إلى ما يدل على الوقوع تحت سلطان الشيطان حيث قال : " التقيد بالثلاث إما للتأكيد ، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء الذكر والوضوء والصلاة ، فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه ، وكان تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه ، وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته " أي كأنما يتحكم فيه فيقوده ويوجهه بسيطرته وقبضه على قفاه ، فهل ترضى أن تكون ذلك المأسور المستعبد ؟ أم تكون ذلك القوي المنتصر - بإذن الله - .
إنه انتصار الطاعة على المعصية ، والذكر على الغفلة ، والعزيمة على الضعف ، والخير على الشر ، فما أعظمها من غنيمة ، احرص عليها ولا تفرط .
الغنيمة الثانية : الانطلاقة الحيوية :
ومرة أخرى نأخذ هذه الغنيمة من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – السابق ، إنها غنيمة حسية مهمة، أثرها ظاهر بل باهر ، وفائدتها أكيدة بل فريدة ، تأمل معي قوله – صلى الله عليه وسلم - فيمن ذكر وتطهر وصلى الفجر: ( أصبح نشيط النفس ) إن افتتاح اليوم بالذكر والطاعة يجعلك منشرح الصدر ، طيّب الخاطر، قوي العزم ، متجدد النشاط ، تنطلق وفي محياك وسامة ، وعلى ثغرك ابتسامة ، وينفرج –بإذن الله – كربك ، ويزول-بعون الله- همّك ، وترى من نفسك على الخير إقبالاً، وللطاعة امتثالاً، وتجد الأمور ميسرة، والصعاب مذللة، يلقاك التوفيق مع بشائر النهار، ويصحبك النجاح في سائر الأحوال.
وانظر - أخي- إلى من حرم هذه النعمة ، وفاتته تلك المنة .. انظر إليه وقد أصبح في غفلة فإذا هو " خبيث النفس كسلان" ، لا يصحوا إلا متثاقلاً ، وتراه مكدر الخاطر ، ضيق الصدر ، فاتر العزم ، تنظر إليه فكأنما جمع همَّ الدنيا بين عينيه ، وكثيراً ما تتعسر أموره ، وتتعثر مقاصده ، إنه يكون خبيث النفس بسبب" إتمام خديعة الشيطان عليه" ويكون كسلاناً أي متثاقلاً عن الخيرات لا تكاد تسخو نفسه ولا تخف عليها صلاة ، ولا غيرها من القربات ، وربما يحمله ذلك إلى تضييع الواجبات . .
قال ابن عبدالبر : " هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها . أما الذي انبعث للطاعة ، وبادر للصلاة ؛ فإنه يكون " طيب النفس " لسروره بما وفقه الله له من الطاعة ، وبما وعده من الثواب ، وبما زال عنه من عقد الشيطان ،كذا قيل ، والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس .
ومن معاني النشاط أنه يكون نشيطاً لما يرد عليه من عبادات أخر من صلوات وغيرها ؛ فإنه يألف العبادات ويعتادها حتى تصير له شرباً ، فتذهب عنه مشقتها ولا يستغني عنها .
إنه ينشط بزوال آخر سحر الشيطان عنه ، وكفايته إياه ، ورجوعه خاسئاً عنه خائباً من كيده . فما أحسنها من غنيمة تشبث بها ولا تضيع .
الغنيمة الثالثة : البشارة النورانية :
حديث رواه عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ست عشرة صحابياً ، أسوقه لك من رواية بريدة بن الحصيب – صلى الله عليه وسلم - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( بشِّر المشَّائين في الظُلم بالنور التام يوم القيامة ) .الجزاء من جنس العمل ، والحق - جل وعلا – يقول : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } ، وأنت عندما خرجت لصلاة الفجر ، والظلام مازال يلف الكون ، والدنيا مازالت في الغلس ؛ فإن جزاءك ومكافأتك نور تام يوم القيامة ؛ لأنك أطعت ربك ، وأقبلت على مولاك ، وطلبت النور لقلبك وروحك ، تأمل معي لفظ الحديث : ( بشر المشائين ) أي من تكرر منه المشي إلى إقامة الجماعة ، ( في الظلم ) أي ظلمة الليل ، والبشرى هي ( النور التام يوم القيامة ) ؛ لأنهم لما قاسوا مشقة ملازمة المشي في ظلمة الليل إلى الطاعة جوزوا بنور يضيء لهم يوم القيامة ، وهو النور المضمون لكل مشاء إلى الجماعة في الظلم .
ولماذا وصف النور بالتام ؟ والجواب : أن أصل النور يعطى لكل من تلفظ بالشهادتين من مؤمن أو منافق لظاهر حرمة الكلمة ، ثم يقطع نور المنافقين .
وأما تقييده بيوم القيامة فقال الطيبي : " تقييده بيوم القيامة تلميح إلى قصة المؤمنين وقولهم فيه : { ربنا أتمم لنا نورنا } ففيه إيذان أن من انتهز هذه الفرصة - وهي المشي إليها في الظلم في الدنيا - كان مع النبيين والصديقين في الأخرى {وحسن أولئك رفيقاً } " . الله أكبر ، متى يأتيك النور ؟ إنه يقدم لك في موقف عصيب ، وهول رهيب ، إنه يسطع بين يديك في وقت أحوج ما تكون إليه ، اقرأ معي قول الله تعالى : {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } .
لله ما أعظمها من نعمة يكون لهم النور في ذلك الموقف الهائل الصعب كل على قدر إيمانه ، ويبشرون عند ذك بأعظم بشارة فيقال : {بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } .
فالله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم ، وألذها لنفوسهم ، حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب ، ونجوا من كل شر مرهوب .
فإذا رأى المنافقون المؤمنين يمشون بنورهم ، وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين ،قالوا للمؤمنين : {انظرونا نقتبس من نوركم } أي أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به لننجو من العذاب . { قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً } أي إن كان ذلك ممكناً ، والحال أن ذلك غير ممكن بل هو من المحالات ، { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة } وهو الذي يلي المؤمنين {وظاهره من قبله العذاب } وهو الذي يلي المنافقين . .
وقد أورد ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم بسنده إلى أبي الدرداء وأبي ذر – رضي الله عنهما - يخبران عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه فانظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم ) فقال له رجل : " يا نبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك؟ " فقال : ( أعرفهم محجلون من أثر الوضوء ، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم ، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم ) .
صلاة الفجر تؤهلك لتكون من أهل النور في وقت يتخبط فيه الآخرون في الظلمات ، فما أجزلها من غنيمة، بادر إليها ولا تتأخر .
الغنيمة الرابعة : الشهادة الملائكية :
يقول الحق - جل وعلا - : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } ، والمفسرون يذكرون عند هذه الآية حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله- وهو أعلم بهم- : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون ) .
إن السائل هو الله ملك الملوك ، والمسئولون هم الملائكة الذين {لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } و { لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون }، نعم هؤلاء الملائكة المقربون يشهدون لك عند الله ، ويذكرونك بأداء الصلاة ، ويمدحونك بشهودك الجماعة ، الملائكة الأبرار الأطهار يشهدون أنك من العباد المصلين الأخيار .
تأمل معي :" لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة " .
وتأمل معي أيضاً حكمة سؤال الله للملائكة كما ذكرها ابن حجر في قوله : " قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم، وذلك بإظهار الحكمة من خلق الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة : {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون } أي وقد وجد فيهم من يسبّح ويقدّس مثلكم بنص شهادتكم " . ورد الحديث أيضاً " فيه الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقظ ونتحفظ في الأوامر والنواهي ، ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربنا وسؤال ربنا عنّا ، وفيه إعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنـزداد فيهم حباً ونتقرب بذلك " ، فهل رأيت أثر صلاة الفجر في صلتك بالملائكة وشهادتهم لك.
وفي التفسير مزيد من القول أنقله لك من تفسير الألوسي عند قوله تعالى : { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } حيث قال : أخرج النسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححاه وجماعة عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال في تفسير ذلك : تشهده - أي قرآن الفجر - ملائكة الليل وملائكة النهار ، وقيل يشهده كثير من المصلين في العادة ، وقيل من حقه - أي قرآن الفجر - أن تشهده الجماعة الكثيرة ، وقيل تشهده وتحضر فيه شواهد القدرة من تبدل الضياء بالظلمة والانتباه بالنوم الذي هو أخو الموت .
وأختم هذه الغنيمة بقول الألوسي المفسر - رحمه الله - : " ولا يخفى ما في هذه الجملة من الترغيب والحث على الاعتناء بأمر صلاة الفجر ؛ لأن العبد في ذلك الوقت مشيع كراماً ، ومتلقى كراماً ، فينبغي أن يكون على أحسن حال يتحدث به الراحل ويرتاح إليه النازل " . فما أجلها من غنيمة ، فلا تغب عن شهودها .
الغنيمة الخامسة : الحصانة الإلهية
عن جندب بن سفيان – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فانظر يا ابن آدم لايطلبنك الله من ذمته بشيء ) .إنها حصانة إلهية ، وحماية ربانية تكون بها-إذا صليت الفجر- في ذمة الله أي في حفظه، يصرف عنك الشرور ، ويبعد عنك الأذى ، ويسلمك من مهاوي الردى ، إنه حفظ عظيم فريد ، وإنه لشرف كبير أن تكون أيها العبد الضعيف في حماية الملك العظيم رب الأرباب ، وملك الملوك ، وجبار السماوات والأرض - سبحانه وتعالى - .
إن الله يدافع عنك ، ويحذر من يتعرض لك بالأذى ، فأنت في ذمة الله ، أي في آمان الله وفي جواره ، أي قد استجار بالله تعالى ، والله تعالى قد أجاره ، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى ، فمن فعل ذلك فالله يطلب بحقه ، ومن يطلبه لم يجد له مفراً ولا ملجأ ، وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين . . وعلى هذا فمعنى قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( لا يطلبنكم الله في ذمته بشيء ) هو نهي للناس من أن يتعرضوا له بشيء ؛ فإن فعلوا فإن الله يتهددهم . .
ومن جهة أخرى في الحديث تنبيه مهم لا بد من العناية به والانتباه له ؛ فإن صلاة الفجر هي سبب ذلك الآمان والجوار ؛ فإن تركتها لم يكن آمان ولا جوار ؛ والمعنى الضمني في الحديث " لا تتركوا صلاة الصبح فينتقض العهد الذي بينكم وبين الله عز وجل " .
إنها ثمرة عظيمة ، وغنيمة جسيمة ، وأنت يا من صليت الفجر المؤهل لنيلها ، فلا تفوت الغنيمة ، وتعرض لها ولا تُعرض .الغنيمة السادسة : النجاة العظمى
عن أبي زهير عمارة بن رويبة – رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: ( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) يعني الفجر والعصر .
حديث عظيم ، وبشارة كبرى ، إنها السلامة والأمان من عذاب النيران ، إنه المطلب العظيم والسؤال الدائم لأهل الإيمان { الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } .. { ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار } .. { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ، إنها ساءت مستقراً ومقاماً } ، إن صلاة الفجر صمام آمان من النار ، وسبب من أسباب النجاة من عذابها ، ومعنى الحديث : " لن يلج النار من عاهد وحافظ على هاتين الصلاتين ببركة المداومة عليها " .
عذاب النار الذي تخلع منه قلوب المؤمنين ، وتشفق منه نفوسهم ، وحق لهم ذلك فما أخبر الله به عنها فيه أعظم التهديد وأشد الوعيد إنها النار { وقودها الناس والحجارة } ، وظلها { لا ظليل ولا يغني من اللهب } وطعامها { إن عاماً ذا غصة وعذاباً أليماً } ، وأما الشراب فهو الحميم كما في القران الكريم : { فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم } وقال عنه : { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشرشجرة الزقوم طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم } وهو أيضاً كما وصف الله - جلا وعلا – { إن لدينا أنكالاً وجحيماً * وطاب وساءت مرتفقا } أنه الشراب الذي لا يطاق بل هو عين العذاب وصاحبه { يتجرعه ولا يكاد يسيغه } عذاب النار الهائل الذي { يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه } ، إنه لعذاب رهيب ، الجلود تحترق وتنضج وتعود وتتجدد ثم تحرق { إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غير جلودهم ليذوقوا العذاب } والأمعاء تتقطع { وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم } ، والوجوه تكب وتسحب { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } .. { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر } .
وأسوأ من ذلك أنها تسود { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } ، إنه العذاب في شتى الصور والألوان { والذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد } إنها النار من كل جانب { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } كل هذا الهول العظيم والعذاب الأليم ألا تخشى منه ؟ ألا ينخلع قلبك خشية أن تستوجب شيئاً منه ؟ أليست إذن نعمة كبرى ، ومنّة عظمى أن تسلم وتنجو منه ؟ إنه غنيمة لا يمكن أن تقدر بثمن فعليك بها ، ولا تدعها تفلت .
الامــيــرة01 @alamyr01
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
زهرة النرجس 99 :جزاك الله خير ونفع الله بك وجعلها الله في موازين حسناتكجزاك الله خير ونفع الله بك وجعلها الله في موازين حسناتك
جزاكى الله خيرا وبارك الله فيكى وتقبل الله منكى رااااااااااائعة
الصفحة الأخيرة
وجعلها الله في موازين حسناتك