القول على الله بغير علم خطورته وآثاره السيئة

ملتقى الإيمان

القول على الله بغير علم
خطورته وآثاره السيئة
إعداد : ليث بن محمد بن يوسف الرديني .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فإن القول على الله بغيرعلم أمر في غاية الخطورة ، وجناية كبيرة ، وهو من أعظم الذنوب ، ومن كبائرالإثم ، وله آثاره السيئة ، وقد نهى الله - عز وجل - عنه فقال -سبحانه وتعالى - : , وقال : ، قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " المحرمات أربع مراتب وقد بدأ بأسهلها وهو الفواحش ، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً وهو الإثم والظلم ، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك بالله سبحانه ، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بغير علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه " - وقال رحمه الله - : " وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ، ولا يجهل قدره ، وهو من أعلى المراتب السنيات ، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات ؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعِدَّ له عدته ، وأن يتأهب له أهبته ، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به ؛ فإن الله ناصره وهاديه وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى: وكفى بما تولاه الله - تعالى - بنفسه شرفاً وجلالة ؛ إذ يقول في كتابه: . وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه ،وليوقن أنه مسئول غداً وموقوف بين يدي الله ".

والقول على رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بغيرعلم كالقول على الله بلا علم وذلك لأن كلامه ( صلى الله عليه وسلم ) عن وحي لا عن هوى قال تعالى : , ولذا كان الكاذب عليه (صلى الله عليه وسلم) من أهل النار, كما صح في الحديث عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وقال (صلى الله عليه وسلم): ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) ، فالفتوى هي بيان لأحكام الله تعالى في أفعال المكلفين ، فلا يجوز للمرء أن يقول هذا حرام وهذا حلال إلا بعد علمه أن الله - سبحانه وتعالى - حرمه أو حلله ، ولا يجوز أن ينسب لله أو لرسوله كلاما إلا بعد أن يتأكد من صحته ، ولا يجوز أن يتصدر للفتوى إلا من كان يملك ما يؤهله لذلك وإلا فالأمر جد خطير ، وعلى المرء إذا ما سئل عن أمر ما لا علم له به أن يكل هذا الأمر إلى من يعلمه وهو الله - سبحانه وتعالى - فيقول :( الله أعلم ) أو يقول : لا أدري أو يكله إلى من عنده علم وبصيرة في الدين قال الله تعالى : ، وعن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) قال : ((‏‏‏ ‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ ‏اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ ...)) ، وكان السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يتدافعون الفتوى ويهابونها مخافة الوقوع فيها ، وكان يُسألُ أحدُهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول . أما حالنا اليوم فعلى العكس من ذلك فقد ابتليت مجالس كثيرمن الناس بهذه الآفة الخطيرة ، والجرأة على الفتوى من غير علم ، فقد ظهر كثير ممن لا يحمل مقومات هذا المنصب فضلوا وأضلوا ، وسبب ذلك حب الظهور والتعالم والتصدر دون خشية من العليم الخبير متناسين قوله تعالى : . وخطورة هذا الأمر تكمن في استفتاء الناس من لا علم له ولا فقه في الدين فتنتقل الأخبارالواهية والأحاديث الضعيفة والموضوعة والبدع والخرافات والفتاوى الباطلة التى ما أنزل الله بها من سلطان والتي تصدر من أناس لا علاقة لهم بالعلم فيحصل الإضلال قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغيرعلم فضلوا وأضلوا ) ، وكذلك ترى هؤلاء يفتون حتى في المسائل المستعصية التي لا يتصدى لها إلا العلماء الكبار ، ولو أن هذه المسائل حصلت في زمن أحد الخلفاء الراشدين لجمع لها حشد من الصحابة بينما هؤلاء يصدرون الفتاوى بكل عجلة وتسرع وتساهل، والناس إزاء هذا الأمر الخطير أقسام : فمنهم من له باع في العلم فيعرف الصحيح من السقيم ، والغث من السمين، والبدعة من السنة ، ومنهم من يقع ضحية هذه الأخبار فيتناقلها ولربما يعمل بها ويدعو إليها فيكون قد ضل وأضلَّ الآخرين ولربما يقع في فتنة عظيمة ، وما أكثر فتن هذا الزمان ، فالحذر الحذر من هذا الأمر العظيم والخطر الجسيم لا سيما ونحن في زمان قل فيه الإقبال على طلب العلم وانتشر فيه كثير من الجهلة والمخرفين ، والعبد مأمور بسؤال أهل العلم ، ولا بد له أن يتحرى لدينه من هو أعلم وأورع من العلماء الربانيين الراسخين الذين قضوا عمرهم في طلب العلم وشابوا عليه ، وقد وضع أهل العلم للمفتي شروطا منها أنه يجب عليه أن يكون تقياً، ذكياً، عارفاً باللغة العربية، وبالقرآن الكريم، والسنة النبوية ، وبمقاصد الشريعة، وباتفاق العلماء، واختلافهم، وبأصول الفقه وأن يتصف بالعدالة والتثبت وغير ذلك ، ومن لم يكن كذلك فليس له أن يفتي والله أعلم بالصواب .
0
268

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️