اللهم يسِّر لي جليساً صالحاً

ملتقى الإيمان






هذه هي مسألة أولئك الأخيار .. وإن البحث عن جليس صالح في تلك الأزمنة الفاضلة والقرون الخيرة ليس بالأمر العسير بل هو أمر ميسور ؛ لكثرة الأخيار وقلة الأشرار ,,
في أما في زماننا هذا فلو قلّبت ناظريك فيمن جلس إليك ـ في مكان عام ـ لرأيت أنك أحرى بهذا السؤال ,,
وقديماً قيل : الوحدة خيرٌ من جليس السوء .
وذلك أن صاحب الوحدة يُحدّث نفسه , وحديث النفس معفوٌّ عنه , وجليس السوء يأمر بالسوء , فله نصيب من وصف (( يَأمُرُكُمْ بِالسُوءِ وَ الفَحْشَاءِ ))
قال أبو الدرداء : لَصَاحبٌ صالح خيرٌ من الوحدة , والوحدة خيرٌ من صاحب السوء , ومملي الخير خيرٌ من الساكت , والساكت خيرٌ من مملي الشر .
قال ابن حبان : العاقل لا يُصاحب الأشرار ؛ لأن صُحبة صاحب السوء قطعة من النار , تُعقب الضغائن , لا يستقيم ودّه , ولا يَفِي بعهده .
وقال أيضاً: وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيراً؛ تكون مجالسة الكلب خيراً من عشرته ! ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم , كما أن من يدخل مداخل السوء يُتَّهَم .
كان فتى يعجب علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرآه يوماً وهو يماشي رجلاً مُتهماً فقال له :
لا تــصحب الجاهــل وإيــاك وإيــــــاهُ
فكم من جاهلٍ أردى حليماً حين آخـــاهُ
يُقاس المرء بالمرءِ إذا ما هو ماشــاهُ
وللشيءِ من الشيءِ مقاييسٌ وأشبـــاهُ
وللقلبِ عـلــى القلبِ دليـلٌ حين يلقـــاهُ
ومن علامات جليس السوء : أنه لا يُذَكِّرُك إذا غفلت ,, ولا يُعينك إذا ذَكَرْت ,, ولا يأمرك إذا قصّرت ,, ولا ينهاك إذا أخطأت ,, ولا يقوّمك إذا اعوججت ,, فلا يأمرك ولا ينهاك ,, بل هو موافق لك فيما فعلت ,, ساكتٌ عما قصّرت فيه أو تركت ,, تاركك وهواك فهو ساعٍ في هلاكك ,, مسرعٌ بك إلى رداك .. فهو يتركك وهواك ! زاعماً أنه اختار لك الراحة , وقد اختار لك العطب !
وهذا النوع من الناس يصدق فيهم قول ابن القيم رحمه الله :إن فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر . وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة ؟ وكم زرعت من عداوة ؟ وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهي في القلب لا تزول .. ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة , وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها أربعة أقسام , متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر ,,
أحدها : مَنْ مخالطته كالغذاء لا يُستغنى عنه في اليوم والليلة فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة , وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر , وهم العلماء بالله تعالى وبأمره ونهيه .. فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله .

ثانيها : مَنْ مخالطته كالدواء يُحتاج إليه عند المرض
فما دمت صحيحاً فلا حاجة لك في خلطته وهم من
لايُستغنى عنهم في مصلحة المعاش من أنواع المعاملات والمشاركات
والاستشارات والعلاج والدواء ونحوها .
ثالثها : مَنْ مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه
فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن , وهو من لا تربح عليه في
دين ولا دنيا ! فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المَخُوف !!!
ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضرباً عليك فإذا فارقك سكن الألم ,, ومنهم من مخالطته حمى الروح , وهو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك , ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك , ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها , بل إن تكلّم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين ! مع إعجابه بكلامه وفرحه به , ويظن أنه مسكٌ يُطَيَّب به المجلس !! وإن سكت فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يُطاق حملها ولا جرها على الأرض !!
ورأيت يوماً عند شيخنا ـ قدّس الله روحه ـ رجلاً من هذا الضرب , والشيخ يتحمله وقد ضعف القوى عن احتماله , فالتفت إليّ وقال : مجالسة الثقيل حمى الروح !! ثم قال : لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى فصارت لها عادة ..
وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى للروح .. فعرضية ولازمة .
رابعها : من مخالطته الهلاك كله , ومخالطته بمنزلة أكل السم , فإن اتفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء !! وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثّرهم الله , وهم أهل الضلالة الصادون عن سنة رسول الله r , الداعون إلى خلافها , الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ؛ فيجعلون البدعة سنة , والسنة بدعة , والمعروف منكر , والمنكر معروف .
فالحزم كل الحزم بالتماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم ! وألا تشتغل بإعتابهم ولابإستعتابهم ولا تبالي بذمهم ولا بغضبهم , فإنه عين كمالك , كما قيل :
وقد زادني حباً لنفسي أنني بغيضٌ إلى كل امرئٍ غير طائلِ
وقال الإمام مالك : الناس أشكال كأجناس الطير ؛ الحمام مع الحمام , والغراب مع الغراب , والبط مع البط , والصعو مع الصعو , وكل إنسان مع شكله !
وأما مجالسة الناس ومخالطتهم فهي غالباً على أمور الدنيا وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً كما قاله غير واحد من أصحاب النبي r .
ومجالسة الصالحين برٌ وخيرٌ وفلاح .. ألا ترى أن الكلب ذُكر في القرآن حين جالس الصالحين ؟!
(( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعْيِه بِالوَصِيـد ِ)) قال ابن القيم رحمه الله : مجالسة العارف تدعوك من ستً إلى ست : من الشك إلى اليقين .. ومن الرياء إلى الإخلاص ,, ومن الغفلة إلى الذكر .. ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة .. ومن الكبر إلى التواضع .. ومن سوء الطوية إلى النصيحة .
والصاحب دليلٌ على صاحبه , ولذا قال r : ( المرء على دين خليله ؛ فلينظر أحدكم من يخالل ) وقال هُبيرة : اعتبر الناس بأخدانهم , وقال أبو حاتم بن حبان : وما رأيت شيئاً أدل على شيء ـ ولا الدخان على النار ـ مثل الصاحب على الصاحب . قال شيخ الإسلام : فكم من الناس لم يرد خيراً ولا شراً حتى رأى غيره ؛ لا سيما إن كان نظيره يفعله ففعله , فإن الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض ... وذلك لاشتراكهم في الحقيقة , وأن حكم الشيء حكم نظيره , وشبيه الشيء منجذبٌ إليه .
فاحرص على مصاحبة حامل المسك ,, وإياك إياك من الجلوس إلى نافخ الكير .
3
542

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

مشتاقة الجنه
مشتاقة الجنه
كلمااااااات روووووووووووووعه

الله يجزآك خير الجزاء على الطرح القيم
جعله الله في ميزآن حسناتك
دمتِ بحفظ الله
::
__________________
نور نور الدنيا
عطرالكلماات
عطرالكلماات
كلمااااااات روووووووووووووعه الله يجزآك خير الجزاء على الطرح القيم جعله الله في ميزآن حسناتك دمتِ بحفظ الله :: __________________
كلمااااااات روووووووووووووعه الله يجزآك خير الجزاء على الطرح القيم جعله الله في ميزآن حسناتك...
:26::26::26: