:26:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:26:
ليس من شك في أن المرأة حظيت باهتمام كبير في المرحلة المعاصرة، نتيجة إدراك دورها الأساسي والحيوي في المجتمع. وليس من شك كذلك في أن هذا الاهتمام راجع أيضا إلى ما نالته المرأة من حقوق لم تكن تحظى بها من قبل عند كثير من الأمم والشعوب.
وفي هذا السياق، ولأمر لا تخلو من معاداة ورغبة في الكيد، يلاحظ أن غير قليل من خصوم الإسلام - ومعهم عدد من الجاهلين به حتى من المنتسبين إليه - يتخذون موضوع المرأة مطية للنيل من الدين الحنيف وشرائعه، منادين بإنصافها وإعطائها حقوقها ومساواتها بالرجل وما يقتضي ذلك من إعادة النظر في المساطر والقوانين. وإن كل ذي رأي سديد يسعى إلى الصالح العام لا يمكنه إلا أن يحبذ كل محاولة للمراجعة والتصحيح، سواء في هذه القضية أو غيرها، شريطة أن يتم ذلك في نطاق الشريعة بما فيها من ثوابت لا مجال لمسها، ومتغيرات قابلة للتكيف مع الزمان والمكان.
وإذا كان المجال متسعا للتطوير والتجديد داخل هذه المتغيرات، فإن أي دعوة لمس الثوابت المحكمة بالنصوص تعد مسا بهذه النصوص وما تشكله من عقيدة وشرع. وهو ما يتطلب الكثير من الحيطة والحذر.
ولإدراك حقيقة المرأة في الإسلام، لابد من استحضار النظرة التي كانت سابقة عليه، أو معاصرة له، وحتى لاحقة، عند كثير من المجتمعات، سواء منها العربية أو غيرها، ولا سيما الأوروبية.
فقد كانت بعض قبائل العرب في الجاهلية - كبني تميم - تئد البنات مخافة العار؛ في حين كانت قبائل أخرى - كخزاعة وكنانة -تئدهن للاعتقاد بأن الملائكة بنات الله، وبأنه يلزم إلحاق البنات به.
كذلك كانت المرأة تعتبر عند كثير من العرب متاعا يورث كما يورث المال. وبذلك فإنها لا حق لها في الميراث شأنها في ذلك كشأن الصبيان؛ بل لاحق لها حتى في أن تتزوج ما لم يرض وارثها بأن يأخذ مهرها، أو تفدي نفسها بمال تعطيه.
أما في أوربا، فإن المرأة كانت مجرد متاع يمكن التصرف فيه بالبيع والشراء، بل إنها كانت تعد مخلوقا ناقصا لا روح له أو له روح حيوان؛ مما جعلها في هذا المنظور لا ترقى إلى بلوغ الحياة الآخرة. ووصل الأمر إلى حد إلجامها بقفل
يوضع على فمها حتى لا يسمع لها صوت. وكانت - باعتبارها رجسا - تمنع من قراءة " الكتاب المقدس".
ومن ثم طال الجدل حول إنسانيتها، ووقع الاتفاق على إثبات هذه الإنسانية، على أن تعد من الرقيق، وعلى أن تكون - تبعا لذلك - في خدمة دائمة للرجل. وكذلك استمر وضع المرأة في غير قليل من البلاد الأوروبية حيث كانت محرومة من أدنى حقوق المواطنة.
وحين ظهرت الثورة الصناعية في هذه البلاد، بدأ تشغيل النساء والأطفال بأرخص الأثمان. ثم حدث بعد الحرب العالمية الأولى أن مات نحو عشرة ملايين من الشباب الأوروبي والأمريكي، مما خلف نساء دون عائل كن مضطرات إلى العمل. وزادت حاجة المصانع إلى من يشتغل بأقل أجر، ففتحت الأبواب أمام النساء. ومن ثم بدأت المرأة تشعر بضياع حقوقها، وأخذت تطالب بهذه الحقوق. ووصل الأمر في بعض البلاد الراقية - حتى الآن - إلى حد أن المرأة لا تتقاضى أجرا كالرجل، مهما يكن مستوى العمل الذي تؤديه. هذا، في الوقت الذي فتحت لها أبواب التحلل والتفسخ على مصراعيها، لتعود - كما كانت من قبل - مجرد أداة للعبث واللهو، ووسيلة للإغراء والإمتاع.
أمام هذا المنظور المسيء للمرأة ، يحق التساؤل عن موقف الإسلام منها. وإن المتأمل في هذا الموقف لا يلبث أن يجده متجليا في جوانب كثيرة، كلها دالة على التكريم والاهتمام. هذه أهمها :
أولا : خصها بسورتين في القرآن الكريم هما : 1- سورة النساء؛ 2 - سورة مريم . هذا بالإضافة إلى سور أخر تعنى بالمرأة، كسورة النور، المجادلة والممتحنة، والطلاق؛ علما بأن الأحكام المتعلقة بها مبثوثة في سور أخرى كثيرة.
ثانيا : نظر إليها باعتبارها مخلوقا كالرجل لا يفضل أحدهما الآخر إلا بالتقوى؛ منهما تتكون الأسرة التي هي الخلية
الأولى للمجتمع، ودونها لا إمكان لإيجاد هذه الخلية. يقول تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} . وبذلك أدان الإسلام وأد البنات. يقول عز وجل : { وإذا بشر أحدكم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} . كما حرم اعتبارها متاعا تورق أو تمنع من الزواج. يقول سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل
لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} .
ثالثا : جعل علاقة الرجل والمرأة في إطار حميمي عبر عنه الحق سبحانه بالسكون المرتبط بالمودة والرحمة، وما ينشأ عنهما من حب وعطف وحنو:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} .كما عبر عنه باللباس الذي يحمي ويستر : { هن لباس لكم وأنتم لباس
لهن}
رابعا : أقام هذه العلاقة على أساس الزواج، في نطاق مفهوم صحيح، قننه بأحكام دقيقة راعى فيها عوامل إنسانية واجتماعية كثيرة، تخلص في اعتباره عهدا بين الزوجين، وميثاقا وصفه الله بأنه غليظ : { وأخذن منكم ميثاقا غليظا} . وهو ميثاق قائم على التساوي والتكافؤ بين الطرفين، وكذا على الرضى والقبول اللذين بهما تهدأ النفس وتطمئن وتسكن، ويزول طمعها ويذهب ما قد يساورها من وساوس. يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن". قالوا : "يارسول الله وكيف إذنها ؟ ". أجاب صلوات الله وسلامه عليه : " أن تسكت" . وذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها للرسول الكريم : " إن البكر تستأمر فتستحيي فتسكت". فقال لها : "سكاتها إذنها" .وحتى تتحقق هذه العلاقة على نحو متين ودائم، دعا الإسلام الرجل أن يتخير المرأة الصالحة وفق توجيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. إذ يقول : "تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" . ويقول كذلك : " لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تتزوجوهن لمالهن فعسى أموالهن أن تطغينهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل" .
إن تفضيل الإسلام لذات الدين يعني أمورا كثيرة، منها أن الرجل لن يتزوج المرأة طمعا في مالها أو جاهها، ولا تعلقا بجمال عارض قد يزول ذات يوم، والحياة الزوجية عمر ممتد. وحتى إذا لم يزل، وهو لابد زائل مع الأيام، فإنه يصبح عند الرجل أمرا عاديا يألفه. ويعني كذلك أن الهدف من الزواج هو إقامة أسرة تؤسس على الفضيلة. ولهذا ألح رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على عنصر الدين للزوج كذلك، كما في قوله : " إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" . وكررها ثلاث مرات.
إن التركيز على عنصر الدين في الزواج هو الذي يجعل من العلاقة الزوجية رباطا مقدسا قائما على الاقتناع وعلى القناعة أيضا. وهي كلها عوامل يتسنى بها الدوام والاستمرار.
وفي إطار هذا الميثاق دعا الإسلام إلى المعاملة الطيبة القائمة على المعروف، كما أحل الطلاق عندما تتعذر العشرة الحسنة. يقول تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} . وفي هذا الطلاق - وعلى عكس ما يروج بعض المغرضين - يكمن جانب من حرية المرأة وكرامتها قبل ذلك؛ إذ هو من المنظور الإسلامي حل لمشكل، ولا يكون اللجوء إليه إلا حين لا يبقى أي حل آخر. ولهذا يقول رسول الله على - صلى الله عليه وسلم - : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وقد جعل له الإسلام قوانين وأحكاما تضبطه.
خامسا : سوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. يقول عليه الصلاة والسلام : "إنما النساء شقائق الرجال " . وفي هذا الصدد الضابط للمساواة يقول عز وجل : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} . وقد شكلت هذه الدرجة التي هي في الحقيقة درجة تكليف لا تشريف، والتي أسيء فهمها عند كثيرين، ذريعة للطعن في هذه المساواة؛ في حين شرحها القرآن الكريم في هذه الآية : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} وهي تحدد أمرين يوضحان حقيقة التفضيبل والقوامة :
1- مرد التفضيل إلى الطبيعة التكوينية للمرأة وما تتعرض له كل شهر، ثم ما تعانيه عند الحمل والوضع والإرضاع والتربية، وما إلى ذلك مما اعتبر في آيات كثيرة كرها، على نحو قوله عز وجل : { حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} . ويكفي لإبراز هذه الحقيقة أن أحد كبار الأطباء قال في ندوة علمية حضرتها، إن ربانة الطائرة لا يسمح لها بالقيادة أثناء عدتها الشهرية، بسبب ما يتعرض له جسمها ومزاجها من اضطراب. ولعل هنا يكمن تفسير الحديث الشريف الذي كثيرا ما يردد في هذا السياق بأن النساء "ناقصات عقل دين" .
وليس يخفى أن المرأة بحكم تكوينها أكثر عاطفة من الرجل، وأميل إلى إعمال الحدس، بالإضافة إلى أنها أثناء ما تتعرض له كل شهر معفاة من الفروض الدينية كما هو معروف. وهو ما يستفاد من بقية الحديث : "قلن : "وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ " . قال : "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟". قلن : "بلى" . قال : "فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ "؟ قلن : "بلى". قال : "فذلك من نقصان دينها " . على أن الإسلام خول للمرأة - بحكم وضعها التكويني - موقعا متفردا لا يبلغه الرجل، إذ هي بعد الحمل والوضع تمارس الأمومة التي تبوئها مكانة متميزة عبر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جاءه رجل، فقال : "يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ ". فأجابه : "أمك". وسأل الرجل مرة : أخرى "ثم من ؟". فرد صلوات الله وسلامه عليه : "أمك". ثم استفسر الرجل ثالثة، فكان الرد النبوي الكريم كذلك : "أمك". وحين سأل الرجل بعد ذلك، قال الرسولالأعظم : "أبوك" .و جاء جاهمة السلمي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال : "يارسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك". فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هل لك من أم؟" . قال : "نعم". فكان جواب النبي الكريم : "فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها" . ومعروف قوله عليه الصلاة والسلام : "الجنة تحت أقدام الأمهات" .
مجلة التاريخ العربي
محبوبة رنودة @mhbob_rnod
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ.. الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَخَاتَمِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ.
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) .
اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَعُروفِ الَّذِي لاَ يَنْقَضِي أَبَداً، وَيا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُحْصَى عَدَداً، وَيا ذَا الْوَجْهِ الَّذِي لاَ يَبْلَى أَبَداً، وَيا ذَا النُّورِ الَّذِي لاَ يُطْفَأُ سَرْمَداً، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ وَتُسَلِّمَ وَتُبَارِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ وَسَلَّمْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. اللَّهُمَّ اكْفِنِي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، بِكَ أدْرَأُ فِي نَحْرِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ حَقِّقْ بِالزِّيَادَةِ أَعْمَالَنَا، وَاقْرِنْ بِالْعَافِيَةِ غُدُوَّنَا وَآصَالَنَا، وَاجْعَلْ إِلَى رَحْمَتِكَ مَصِيرَنَا وَمَآلَنَا، وَاصْبُبْ سِجَالَ عَفْوِكَ عَلَى ذُنُوبِنَا. اللَّهُمَّ اعْتِقْ رِقابَنا وَرِقابَ آبائِنا وَأُمَّهاتِنا وَإِخْوانِنا وَأَخَواتِنا وَأَبْنائِنا وَبَناتِنا وَجَمِيعَ أَقارِبِنا وَعُلَمائِنا وَأَساتِذَتِنا وَكُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنا، وَمَنْ أَحَبَّنا فِيكَ وَمَنْ أَحْبَبْناه فِيكَ، وَمَنْ أَوْصانا بِالدُّعاءِ وَمَنْ أَوْصَيْناهُ بِالدُّعاءِ، إِعْتِقْ رِقابَنا أَجْمَعِينَ مِنَ النِّيرانِ يا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضانا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ أَنْتَ الشّافِي لاَ شِفاءَ إِلاَّ شِفاؤُكَ
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ الأَعْمَالِ وَاجْعَلهَا خَالِصةً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ..
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.
المرجع: نقلاً عن "الأذكار المأثورة – أحمد العربي"
لا تنسونا من صالح دعائكم ،،