المسجد.. شريك قوي وفعّال في تربية الأطفال

الأمومة والطفل

المسجد.. شريك قوي وفعّال في تربية الأطفال



إن المسجد حينما يأخذ مكانه الطبيعي الذي بني من أجله، وأراده الله له، يصبح من أعظم المؤثرات التربوية في نفوس الناشئين، قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ {} رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ"، ففيه يرون الراشدين مجتمعين على الله، فينمو في نفوسهم الشعور بالمجتمع المسلم، والاعتزاز بالجماعة الإسلامية ومن هنا فإن خروج الأب والوالد بالطفل معه خارج البيت واصطحابه إلى المسجد سنة مبكرة، وأسلوب تربوي أصيل لتنشئة الطفل على حب المساجد والصلاة والتعود عليها، وفيه مخالطة لأهل الخير وحضور دعواتهم، علاوة على المؤانسة للطفل وفرحه بالخروج من البيت، والانطلاق خارجه، في ظل الحماية والرعاية من الأب الوالد.

لذلك وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يصطحب الأطفال معه إلى المسجد، فقد روى الأئمة: النسائي وأحمد والحاكم – بالسند الصحيح -: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل الحسن والحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهراني الصلاة سجدة أطالها، قال الراوي: فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته".

لقد كان المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً للصغار، بما وجد فيه من رعاية وعطف وصبر الكبار، فخرجوا منه سادة أطهار، مجاهدين أبرار، ما وسعهم ليل أو نهار، فهذا جابر ابن سمرة – رضي الله عنه - يحكي عن طفولته وذكرياته مع المسجد فيقول ما رواه الإمام مسلم: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى – بمعنى صلاة الظهر - ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان – الصبيان – فجعل صلى الله عليه وسلم يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال جابر: وأما أنا فمسح على خدي، فوجدت ليده برداً وريحاً، كأنما أخرجها من جونة عطر".


دروس يتعلمها الصغار من صلاة الجماعة:

فأول ما يؤثر في الطفل حينما يحضر إلى المسجد "صلاة الجماعة "، فالصلاة في حقيقتها مدرسة إعلامية تغرس في نفوس وأعماق الملازمين لها مثلاً عليا، وقيماً عظمى، فمن شعائرها الجماعة التي تلتقي على هدف لا ريب في سموه، وفيها عنصر التوقيت الزمني "خمس مرات في اليوم والليلة"، حددت تماماً مواقيتها. "إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا"



أضف إلى ذلك عنصر التوقيت المكاني إذ يتم ذلك التجمع في المسجد، والمسجد في الإسلام يشمل كل طاهر من أرض الله، "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" جزء من حديث أخرجه البخاري، والجماعة في الصلاة تترقى مستوياتها، فالصلوات اليومية يجتمع فيها أهل الحي، وفي الجمعة يلتقي في المسجد الجامع أهل المدينة أو القرية، وكذا في صلوات العيدين والاستسقاء والخسوف والكسوف، وهذا سر فضل صلاة الجماعة في الإسلام، هو إذن درس بالغ، وما أكثر الدروس الاجتماعية فضلاً عن الدينية في الصلاة.


.. ودرس في النظام!

أضف إلى ما سبق هذا الدرس الجمالي يتعلمه الأطفال من الصلاة أيضاً، ألا وهو: انتظام المسلمين في صفوف، بل وكيفية هذه الصفوف.. روى الإمام مسلم عن أبي مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى -هم الرجال البالغون- ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".

وعن عبدالله بن غنم عن أبي مالك الأشعري ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام، ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن لكي يثوب الناس، ويجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان" رواه أحمد


.. وآخر في احترام الكبير والاقتداء به

فحينما يقف الطفل خلف صفوف الرجال يتعلم كيف يحترم الكبير، بل ويتعلم أن الكبير الحقيقي هو من وقف في الصف الأول في المسجد لا من كان خارجه، فيتعلم كيف يتمنى أن يكبر ليكون في الصفوف الأولى أمام الله عز وجل.

أضف إلى ذلك تعلمه كيف ينتظم مع أمثاله الصغار، فتبدأ علاقته وصداقاته من المسجد، فتكون بداية لصداقة طويلة لأنها صداقة المساجد لا صداقة الشوارع والطرقات، وإخوة الإيمان لا إخوة المطامع و الشهوات.

..وشهودٌ لحلق الذكر

ومما يؤثر في الطفل أيضاً عند حضوره للمسجد "حلقات العلم والذكر" ففيها يرى العلم والمتعلمين، ويعيش مع الذكر والذاكرين، ويشعر بالحب والمتحابين،

وبالتواضع والمتواضعين وبذلك يعرف للذكر لذته وللعلم مكانته، وللعالم حقه، وللمسجد هيبته لذلك حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على اصطحاب أطفالهم إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجلسوا في حلقة العلم بين يدي المعلم الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فلم يكن غريبا أن ترى في هذه الحلقة المباركة طفلا يثب على ظهر أبيه، أو يجلس في حجره، أو يداعب لحيته بأصابعه اللطيفة...

روى النسائي بالسند الصحيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك (مات الطفل)، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالي لا أرى فلانا؟ قالوا يا رسول الله: بنيّه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: "يا فلان، أيهما كان أحب إليك، أن تتمتع به عمرك، أو لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة يفتحه لي، لهو أحب إلي، قال: فذاك لك).

وبعد...

فإن هذه الدرر الثمينة وغيرها الكثير، لن يتعلمها أطفالنا إلا في المساجد، فإذا أردنا صلاحاً لأطفالنا، وذخراً لنا في أخرانا، فلنعد نحن وأطفالنا إلى المسجد إيمانا وعملاً وأخلاقاً.
0
390

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️