فتنة المسيح الدجال
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير المرسلين إمام الهدى و المتقين و على آله و صحبه أجمعين ومن والهم إلى يوام الدين و بعد :
فإن في مقام حديثنا ذكر فتنة من الفتن التي أخبر عنها المصطفى عليه الصلاة و السلام وذكر أنه من أشراط الساعة الكبرى و أنها أعظم فتنة على وجهه الأرض و أنه ما
من نبي إلا وقد حذر أمته من هذه الفتنة. إلا وهو فتنة المسيح الدجال وما ورد فيه.
لايخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره.
فعن راشد بن سعد قال : لما فتحت إصطخر نادى منادا ألا إن الدجال قد خرج. قال : فلقيهم الصعب بن جثامة فقال: لولا ما تقولون لأخبرتكم أني سمعت
رسول الله صلى الله عليه و السلام يقول : ( لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره و حتى تترك الأئمة ذكره على المنابر) وقعت قصة هذا الحديث عند
فتح اصطخر، فنادى مناد لم يصدق إن الدجال قد خرج، فأجابهم أحد أهل العلم وهو الصعب بن جثامة صحابي رسول الله عليه الصلاة و السلام فأخبراهم بما سمعوه من
رسول الله عليه الصلاة و السلام ( لايخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره و حتى تترك الئمة ذكره على المنابر) و اصطخر أحد مدن فارس القديمة والتي
كان يسكن فيه ملوك فارس و بها خزائنهم والحديث يدل على أن خروج الدجال لا تزال في النفوس و لكن ينس الناس أو يشغلهم عن ذكره شاغل ، فيخرج في هذا الوقت
و كذا علماء الاسلام و دعاته يشتغلون بأموار أخرى في ذلك الزمان تشغلهم عن ذكره وذكر خطره على الناس فيظهر على الناس وهم في غفلة عن ذكره.
* * * * *
مسألة في معنى المسيح و الدجال.
فالمسيح الدجال سمي بالمسيح ، لأن عينه الواحدة ممسوحة وهيا اليسرى .
والدجال أصله الدجل وهو الخلط.
ونقل القرطبي في التذكرة أن الدجال في اللغة له عشر وجوه ومنها أن الدجال : الكذاب لأنه يدجل الحق بالباطل.
* * * * *
الاستعاذة و التحذير من فتنة الدجال.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعلمهم الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول : (( قولوا : اللهم إني أعوذا بك
من عذاب جهنم و أعواذ بك من القبر و أعواذ بك من فتنة المسيح الدجال و أعواذ بك من من فتنة المحيا و الممات)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر ، فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا و الممات ومن شر المسيح الدجال) وفي لفظ ( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع).
والأمام ابن حزم رحمه الله ذهب في المحلى بعد أن ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه و قال بوجوب الدعاء و الأستعاذة من الدجال و هذا قول أهل العلم.
قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن ساق أحاديث التعوذ من الدجال :
(( وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه أمر أصحابه بهذا التعوذ خارج الصلاة أيضاً، وقد جاء مطلقاً و مقيداً في الصلاة و معلوم أن ما ذكر معه
من عذاب جهنم و القبر و فتنة المحيا و الممات ، أمر به كل مصلى إذ هذه الفتن مجرية على كل أحد و لا نجاة إلا بالنجاة منها فدل على فتنة الدجال كذلك))
* * * * *
سبب خروج الدجال :
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى ابن صياد في سكة من سكك المدينة ، فسبه ابن عمر وو قع فيه فانتفخ حتى سد الطريق ،
فضربه ابن عمر بعصا كانت معه حتى كسرها عليه ، فقالت له حفصة رضي الله عنه : ما شأنك و شأنه ؟ وما يولعك به ؟ أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول (( إنما يخراج الدجال من غضبةً يغضبها)) رواه مسلم.
ملخص الحديث : عن حفصة ( أم المؤمنين ) بنت عمر رضي الله عنهما أنها لما بلغها أن ابن عمر أخيها رضي الله عنه قد ضرب ابن صياد الذي يعتقد بعض
الصحابة أنه الدجال ، فضربه فبلغ ذلك حفصة رضي الله عنها
فقالت ل(ابن عمر ) ما سمعته من رسول الله عليه الصلاة و السلام إما علمت أنه ( أي رسول الله صلى الله عليه و سلم ) قال : ( إن أول خروجه على الناس) أي الدجال. فخشية أن يكون هو فيخرج فيمتحن الناس و يبتليهم و يفتنهم عن دينهم ، و ابن صياد هذا سوف نذكره إن شاء الله ونبين لما كان يعتقد بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنه الدجال.
* * * * *
الأمر بالبعد من الدجال :
فعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سمع بالدجال فلينأ منه ثلاثاً يقولها ، فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنهصادق بما يبعث به الشبهات ) أخرجه أبو دواد.
( من سمع بالدجال ) أي بخروجه و ظهوره ، ( فلينأ ) أي فليبتعد (عنه)
أي من الدجال ( فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه صادق ) أي مؤمن فيطيع الدجال و يتبعه مما يثير من الشبهات كالسحر و إحياء الأموات وغير ذلك من الشبهات
الباطلة ، فيصير تابعه كافراً وهو لايدري.
ونستنبط من الحديث : أنه يجب على المؤمن أن يبعد نفسه عن مواطن الشبهات التي تقدح في إيمان العبد و دينه ، فالله نسأل أن يهدينا سواء السبيل ، وللحديث بقية
نكمله فيما بعد إن شاء الله ولا تنسوانا من صالح دعاءكم
* * * * *
فرار الناس من الدجال و إلى أين يتجه الناس ( المؤمنون )
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول : أخبرتني أم شريك أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( ليفرن الناس من الدجال في الجبال ) قالت
أم شريك : يا رسول الله فأين العرب يومئذٍ ؟
قال : ( كلهم قليل ) رواه مسلم .
ـ فدل الحديث أن فرار الناس من الدجال يكون في الجبال و ذلك خوفاً من شره ، وفي الحديث بيان أن خروج الدجال يكون عند قلة العرب في آخر الزمان.
* * * * *
ابن صياد وما ورد فيه و هل هو المسيح الدجال :
عن جابر بن عبدالله أنه قال : إن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما\" ممسوحة عينه طالعة تائنة ، فأشفق
رسول الله عليه الصلاة و السلام إن يكون الدجال فوجده تحت قطيفة ( كساء له خمل ) يهمهم ( أي تردد الزئير في الصدر ) فآذنته أمه ، فقالت : يا
عبدالله هذا أبو القاسم قد جاء فاخراج إليه ، فخرج من القطيفة ، فقال رسول الله عليه الصلاة و السلام ( مالها قاتلها الله لة تركته لبين ) ثم قال ( يا ابن صائد
ما ترى ؟ ) قال : أرى حقا\" و أرى باطلا\" وأرى عرشا\" على الماء ، ( 1 ) قال : فلبس عليه ( اختلط عليه الأمر ) فقال :
أتشهد أني رسول الله ؟ فقال هو : أتشهد إني رسول الله ، فقال رسول الله عليه الصلاة و السلام ( آمنت بالله و رسله ) ثم خرج وتركه . وكذلك أتاء
مرةً أخرى و دار نفس الحديث وأتاءه الثالثة أو الرابعة كما يقول روي الحديث ومعه أبو بكر و عمر رضي الله عنهما في نفر من المهاجرين و الأنصار و أنا معه
: ودار نفس الحديث الذي ذكرناه ، ولكن بعد ما اختلط على ابن صياد الأمر قال له رسول الله عليه الصلاة و السلام : يا ابن صائد إنا قد خبأنا لك خبيئاً فما هو ؟ قال : الدخ الدخ ، فقال له رسول الله : اخسأ اخسأ ، فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فأقتله يا رسول الله ، فقال : إن يكن هو فلست صاحبه ، إنما صاحبه عيسى ابن مريم عليه السلام ، و إن لايكن هو فليس لك أن تقتل رجلاًمن أهل العهد ) قال : فلم يزل رسول الله عليه الصلاة و السلام مشفقاً أنه الدجال. رواه ابن حبان في صحيحه .
وفي الحديث الذي رواه البخاري عن محمد بن المنكدر قال ( رأيت جابر بن عبدالله رضي الله عنه يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال . قلت : تحلف بالله ؟
قال : إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فلم ينكره النبي عليه الصلاة و السلام .
و حديث أبي ذر رضي الله عنه ( لأن أحلف بالله عشر مرارً أن ابن صائد هو الدجال )
وكما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال لابن صائد ما ترى ؟ قال : أرى عرشاً على البحر حوله حيات فقال رسول الله عليه الصلاة و السلام ( يرى عرش إبليس ) رواه مسلم.
* * * * *
شيعة الدجال و أتباعه :
ـ عن أبي بكر رضي الله عنه قال : ثنا رسول الله عليه الصلاة و السلام وقال : (( أن الدجال يخرج من أرضٍ بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوامٌ كأن وجوههم المجان المطرقة )) ابن ماجه .
ـ وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان )) مسلم.
ـ فأتباعه و شيعته هم اليهود قاتلهم الله ، يخراج معه سبعون ألفاً من يهودية أصبهان وفي رواية تسعون ألفاً و الصحيح و المشهور الأول ، ومعنى ( كأن وجوههم المجان المطرقة ) أن وجوههم عريضة ، وبعد ما يخرج الدجال مع شيعته يلبث على وجه الأرض أربعين يوماً،يومٌ كسنة ، ويومٌ كشهر ، ويومٌ كالجمعة ، و سائر أيامه كأيامكم ، كما جاء في حديث النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه في صحيح مسلم ، أي إن اليوم الأول لكثرة عموم المؤمنين و شدة بلاء اللعين يرى لهم كالسنة ، وفي اليوم الثاني يهوان كيده و يضعف مبتدأ أمره ، فيرى كالشهر ، و اليوم الثالث يرى كالجمعة ، لأن الحق يزيد في كل وقت قدراً و الباطل ينتقص حتى ينحمق أثراً.
* * * * *
أشد الناس على الدجال و أتباعه :
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :ذكرت القبائل عند النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن بني تميم فقال ثبت الأقدام رجح الأحلام عظماء الهام أشد الناس على الدجال
أبوهريرة رضي الله عنه : ما كان قوم قوم من الأحياء أبغض إلي منهم ، فأحببتهم منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هذا ) رواه البخاري.
ـ و بنوا تميم ، القبيلة الشهيرة و ينتسبوان إلى بني تميم من مرُ بن أُد ، وكانت مساكنهم بأرض نجد من هنالك على البصرة و اليمامة.
ـ وفي الحديث فائدة : وهو كيف أن أبا هريرة رضي الله عنه أحب بني تميم بمجرد ما سمعه من النبي عليه الصلاة و السلام في مدحهم و الثناء عليهم.
* * * * *
قتال المسلمين الدجال و شيعته :
أخواني في الله لابد من أن يلتقي الحق مع الباطل و أن ينتصر الحق على الباطل أما بالحجة و البيان أو بالسيف و السنان طال الزمان أو قصر لابد من ذلك فهذه سنة الله في خلقه ، عن نافع بن عتبة بن أبي وقاص أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ( تغزون جزيرة العرب فيفتحها
الله لكم ، و تغزون الفرس فيفتحها الله لكم ، وتغزون الروم فيفتحها الله لكم ، وتغزون الدجال فيفتحها الله لكم ) رواه مسلم.
ـ ففي الحديث قرب وقوع هذا القتال ، الذي وقع في المرتبة الرابعة فذكرُ قتال جزيرة العرب و فتحها المسلمين وكذلك فارس وكذلك الروم ، فلم يبقاء غير قتال الدجال ، الذي هو آتي لا محاله.
ـ وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح
الدجال ) رواه أبو داود.
ـ فدلت الأدلة على أن المسلمين يقاتلون الدجال و اليهود الذين هم اتباعه و شيعته
* * * * *
نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة و السلام لقتاله الدجال و شيعته
أولاً أقوال : أجتمعت الأمة على أن عيسى عليه الصلاة و السلام حي في السماء و سينزل إلى الأرض ، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة و الملاحدة .
ـ و لقد بشرنا عليه الصلاة و السلام بنزوله فقال : ( يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً يكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية ( وهو مال يؤاخذ من أهل الكتاب مقابل إقامتهم بدار المسلمين و بدلاً من قتالهم ) و يفيض المال حتى لا يقبله أحد ) البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً يده على أجنحة ملكين ، فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم ، أي أمير المسلمين آنذاك في دمشق ، تعال
صل بنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعضٍ أمراء تكرمة الله عزوجل هذه الأمة ، لأنه يصلي خلف رجل من المسلمين و بصلاة المسلمين ، فيتبع الدجال فيدركه عند
باب لد الشرقي ، وهذا الباب يكون في فلسطين ، فهنا يبدأ الملاحمة الكبرى التي بين المسلمين و اليهود ،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة و السلام قال : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبىء اليهودي
وراء الحجر و الشجر فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ) البخاري.
فيقتل عيسى عليه السلام الدجال عند باب لد الشرقي ، و يقتل المسلمين اليهود ، و بعد هذا كله يمكث عيسى عليه السلام على وجه الأرض أربعين سنة إماماً عدلاً و حكماً مقسطاً .
* * * * *
ما يعصم من الدجال و فتنته :
قال عليه الصلاة و السلام : ( من حفظ عشر آياتٍ من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) وفي رواية ( من حفظ عشر آيات من سورة الكهف )
وكذلك الأستعاذة من أربع بعد التشهد الأخير و منها فتنة المسيح الدجال .
هذا و الله أعلم.
و سبحانك اللهم و بحمدك أشهد إن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتواب إليك
_________________________
أبو المنذر الأماراتي. بتصرف يسير..
lnhd10 @lnhd10
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️