"المشكلة أنا.. وأنا فقط ".
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل".
قد يقول شخص : وماذا عليَّ وقد خلقني الله بذلك القلب؟ .. المشكلة ليست مني؛ فلو أن الله هداني لكنت من المتقين!!
قال تعالى :{ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
فأرجو اللهَ أن تُلقِي عنك – أيها الإنسان – هذه المعاذير الحاضرة عند أي نقد يوجه إليك؛ وإلا فقل لي بالله عليك، واصدق مع نفسك؛ هل تجد نفسك مُرغما على فعل السيئات؟.. هل لم تمر بك لحظة اخترت فيها طريق الغواية وآثرته على سبيل الهداية؟.. كان أمامك نداء الصلاة: ، ومن الجانب الآخر ضجيج حزب الشيطان.. فأيهما اخترت؟!
كان بمقدورك سماع القرآن ودروس العلم، فآثرت الغناء والملاهي والأفلام.
ستقول: لأنني خلقتُ هكذا، وأراد الله لي ذلك وكتبه علي؟
للأسف!.. أنت تحتج بالقدر في غير موضعه؛ فما أدراك بما كُتب لك في اللوح المحفوظ؟.. وكيف تتجرأ على ربك- وهو الحكمُ العدل- فيخطر ببالك أنه يظلم أحداً .. أتظن أن الله ظلم هؤلاء فرزقهم قلوباً غُلفاً وآذاناً صُما، واصطفى أولئك فيسر لهم الأمر؟!
هل جلست الليل والنهار لا تفتر عن سؤال ربك أن يهبك قلباً سليماً؟.. هل ظللت تمد يديك إلى السماء تقول: يا رب قد فسد قلبي مني؛ فآتني قلباً جديداً يوحدك ويعرفك، ويحبك ويخضعُ لك؟!..
أرأيت كيف أن الجناية منك لا محالة، وأنك لا تفقهُ الدخول على الملوك كيف يكون؟
ما أجمل أن يسأل العبد ربه قائلا: يارب أنا الفقير إليك , أنا المحتاج إليك ... خذ بيدي يا الله .. اهدني .. أعني .. وفقني.
يقول أبن القيم :
لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طردت ، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت فإذا فتح الباب للمقبولين فأدخل دخول المتطفلين و أبسط يدك على بابه و قل له مسكين فتصدق عليه .
ويقول ابن القيم رحمه الله : (( إذا استغني الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله , وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله , وإذا أنس الناس بأحباهم فأنس أنت بالله , وإذا ذهب الناس إلي ملوكهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلي الله )) .
يا من تقول هذا، والله الذي لا إله إلا هو، أنت لا تعرف ربك، ولو عرفتهُ لما خطر ببالك أدنى شك في ذلك..
ابن تيمية- رحمه الله تعالى- يقول:
"الله سبحانه لا يظلم مثقال ذرة؛ بل مع غاية عدله فهو أرحم الراحمين، وهو أرحم بعبده من الوالدة بولدها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.
فالظلم هو: وضع الأشياء في غير موضعها، وحينئذ فليس في الوجود ظلم من الله سبحانه؛ بل قد وضع كل شيء في موضعه مع قدرته على أن يفعل خلاف ذلك، فهو سبحانه يفعل باختياره ومشيئته، ويستحق الحمد والثناء على أن يعدل ولا يظلم.
وقال قتادة في اسمه المتكبر: ( إنه الذي تكبر عن السوء.. )
فهو سبحانه منزه عن فعل القبائح؛ لا يفعل السوء ولا السيئات، مع أنه سبحانه خالق كل شيء؛ أفعال العباد وغيرها، والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه؛ كان قد فعل سوءاً وظلماً، والرب قد جعله فاعلاً لذلك، وذلك منه سبحانه عدل وحكمة وصواب، ووضع للأشياء في مواضعها.
فإن الصانع إذا أخذ الخشبة المعوجة، فوضعها في موضع يليق بها، ويناسبها؛ كان ذلك منه عدلاً ًوهو محمود، وإن كان في تلك عوج وعيب هي به مذمومة
فهو سبحانه لا يضع شيئاً إلا موضعه؛ فلا يكون إلا عدلاً، ولا يفعلُ إلا خيراً؛ فلا يكون إلا مُحسناً جواداً رحيماً، وهو سبحانه له الخلقُ والأمر".
أصل الداء الذي يقطع كل واحد منكم عن ربه.. فكثيراً ما يتوقف الإنسان عند مفاهيم معينة، ويثبت له بعد وقت عدم صحتها..
قد ترى أنك تؤتى بسبب الظروف التي تحيطك؛ فتقول: لو أن البيت كان خالياً من المنكرات فلا تلفاز ولا أغاني ولا.. ولا.. لكنت ملتزماً حقا.
أو تقول: مشكلتي هي الناس، فالشوارع تموج بالفتن، وكلما جاهدت نفسي سقطت في وحل المعصية من جديد، وماذا عساي أن أفعل وسط هذا الزحام الهائل من الفواحش؟!
أو تقول: إذا عاملت الناس اليوم بالدرهم والدينار فحدث ولا حرج عن البلايا.. ماذا أصنع؟؟.. كلما أردت أن ألتزم تشدني الدنيا.. لا يمكن أن أعيش كما تتخيلون- أيها الدعاة-؛ فإن ما تتحدثون عنه غير واقعي.
وآخر يرى مشكلته أنه دائماً كلما حاول السير في طريق الهداية تزل قدمه، ولا يلبث أن ينحرف، فهو ما يقدر عليه؛ لأن الله لا يريد له الهداية (بزعمه!!)، فيقول لك: لا تحاول معي، فالطريق مسدود، وأنا الآن أعيش حياتي حتى لا أخسر الدنيا والآخرة.
تلاحظ أنه لا أحد يعترف بأخطائه، وأنه أُتي من قبل نفسه، فالمشكلة هي: البيت.. والشارع.. والنساء.. والحكومة.. إلخ.. لا أحد يقول: "المشكلة أنا.. وأنا فقط ". هذه مصيبته، وهذه هي الآفة الحقيقية: نفسه.
إن نفوسنا تتشكل وتتلون بألوان ثلاثة؛ فتارة تأمرك بالمعاصي والسيئات، وتارة تلومك وتزجرك عن فعل كل ما يُشينك، وتارة تجدها هادئة مطمئنة.
مكمن الخطر في نفسك الخبيثة الأمارة التي أُمرت بمخالفتها، فلا تظنن أن تركك نفسك هكذا بلا ضابط؛ سيعفيك ويُبرئُ ساحتك أمام الله.
تقول:ولماذا خلق الله هذه النفس وجعلها تتشكل هكذا؟.. لماذا لم يخلقنا جميعاً بنفوس مطمئنة؟!!
أقولُ ما قالهُ الله سبحانه وتعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
إذا فهمت هذا عن نفسك، وعرفت حال قلبك، وعلمت أنك أنت السبب؛ حينها ستعرف سبب اختلاف الناس من حيث التوفيق والخذلان، فالشأن شأن القلب؛ فمن كان ذا قلب نقي طاهر يصلحُ أن يتقبل نور الهداية؛ وُفق لكل خير، ومن كان قلبُه مظلماً؛ حُجب وخُذل.
اللهم إنا نسألك وأنت الأول والآخر
أن تصلح قلوبنا لتصلح لحبك، والخوف منك، ورجاء رحمتك
اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء
اللهم اكتبنا عندك عباداً تحبهم ويحبونك
محاضره كتبتها واضفت لها اضافات
دمعه وحزن @dmaah_ohzn
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
انين الحرمان
•
مشكووووووووره
جزاك الله كل خيراختي الغاليه... على ماكتبتي من دررر ثمينه ومااضفتي من روائع قيمه...
الله يجعله في ميزان حسناتك والله ينفع فيك الاسلام والمسلمين....
الله يجعله في ميزان حسناتك والله ينفع فيك الاسلام والمسلمين....
الصفحة الأخيرة