الحمدلله علَّم بالقلمِ ، علَّمَ الإنسانَ ما لمْ يعلمْ ، والصلاةُ والسلامُ على الحبيب ِ المصطفى ، محمدِ بن ِعبداللهِ _ صلى الله ُوسلَّم َعليهِ _ وعلى آلهِ وصحبهِ ومَنْ اهتدى بهديهِ واقتفى أثرَهُ إلى يوم الدين . وبعدُ
فاللهُ _ تبارك َوتعالى _ لايُعْبَدُ الا بما شرع َمن الأقوالِ ، والأعمالِ
فلايَقْبَلُ من الأعمالِ إلاَّ ما كانَ لوجههِ خالصاً ، ولسنةِ نبيهِ موافقاً.
ومن أسباب ِكتابةِ هذا الموضوعِ ، ما سألنِيهِ أحدُ الأخوة ِِالكرامِ في أَحدِ المنتديات ،وما رأيتهُ عندَ بعضِ طلبةِ العلمِ مِنْ تعدُدِ مواطنِ إجابة ِالدُّعاءِ مِنْ غيرِ ذكرِ ِالملتزمِ فيه ، أو لقلة ِاستيعابهِ ، أو الزُهدِ فيه من عوامِ النَّاس ، أوما أراهُ من الحاجةِ الملجئةِ في ذكرِ ه ِ .
فالملْتَزَمُ : في لغةِ العربِ مأخوذٌ من الأصلِ ( لَزِمَ ) على وزن ِ " فَعِلَ "
قال ابنُ فارسٍ : اللامُ ، والزَّاءُ ، والميمُ ، أصلٌ واحدٌ يدل ُعلى مصاحبةِ الشيءِ بالشيءِ ، ويقالُ :
( رجلٌ لُزَمَةٌ ) أي : يلزمُ الشيءَ ولايفارقهُ ، ومن ذلك أُخِذَ اسمُ الملتزمِ .
وشرعاً : مابينَ الحجر الأسودِ ، وبابِ الكعبة ِ وهو الصَّحيحُ .
وبهذا عرَّفهُ جمهورُ أهلِ العلمِ كابن عباس ٍ، ومجاهدٍ ، والأزرقيّ ، والقاضي عياضٍ ،والسيوطيّ ،
والجمعِ الغفيرِ....
ويسمى _ أيضاً _ بالمدْعى ، والمتعوَذَّ _ بفتحِ الواوِ _ كما حكاهُ النووي َُّ رحمهمُ اللهُ رحمةً واسعةً .
ومِنْ أهلِ العلمِ مَنْ ذهبَ إلى أنَّ الملتزمَ ظهرُ البيتِ . وربَّما قالوا : دُبُرَ البيتِ مِنْ الجهة الغربية ِ.
وسماهُ بعضُ المتأخرينَ بالمسَّتجاب ِ، كالأسودِ بنِ يزيدَ ، وعبدِالملكِ بنِ مروان َ، وسالمِ بنِ عبدِالله بنِ عمر َ،
والجمعِ الغفيرِ .
وأوَّلُ من التزمَ البيتَ آدمُ _ عليه السلام _ كما روى الأزرقيُّ عن عبدالله بن أبي سليمان
_ مولى بني مخزومٍ _ أنَّه قال :
( طافَ آدمُ _ عليه السلام _ سبعاً بالبيت حين نزلَ ... ثم أتى الملتزمَ ) ألخ ...
وليس في حديثِ آدمَ والتزامهِ مايصحُ متناً وسنداً ، فطبْ نفساً عناءَ البحثِ فيه .
وعرْضُ الملتزمِ : أربعةُ أذرعٍ كما ذكرهُ الأزرقي ُّفي أخبارِمكةَ.
والالتزامُ : سنةٌ مشروعةٌ استحبها أهلُ العلمِ بلاخلافٍ .
وممَّن قال باستحبابها : سعيدُ بنُ جبيرٍ ، ومجاهدٌ ، وطاووسُ ، والشافعي َُّفي الأمِ ، وابنُ تيميةَ في مجموع ِ
الفتاوى ،
وجمعٌ غفيرٌ ...
والالتزامُ يعُمَُّ الرِّجالَ والنِّساءَ جميعاً لعدمِ ورودِ المُخصَّصِ إلاَّ أنَّ المرأةَ تتجنبُ مزاحمةَ الرِّجالِ ، فلاتُطلبُ السُننُ بِفعلِ المحرَّماتِ .
وصفة ُالالتزامِ : بوضعِ الصَّدرِ ، والوجهِ ، والذَّراع ِ، والكفَِّ _ وبسَّطِهما بسَّطاً _. لِما وردَ مِنْ حديثِ عمروِ بنِ شعيبٍ عن أبيهِ عن جده ِ، واصفاً التزامَ
النبي _ صلى الله عليه وسلم _ كما ذكرْتُ أعلاهُ .
والملتزمُ : من مواطنِ إجابةِ الدُّعاءِ، وردَ في عدةِ أحاديث َمرفوعةٍ أوْ _ لها _ حُكمُ الرفعِ .
ثبتَ منها : حديثُ عبدِالله بنِ عباسٍ _ رضي الله عنه _
أنَّه قال : ( مابين الركنِ والمقامِ ملتزمٌ ، مايدعو به صاحبُ عاهةٍ إلاَّ بَرَ أَ ). وفي روايةِ بإسنادٍ للفاكهيّ
( ولايقومُ عبدٌ ثَمَّ فيدعو الله _ عز وجل _ إلاَّ استجابَ له )
والخلاصة ُ: أنَّ أقوى أسانيدِ الحديثِ ، إسنادُ الفاكهيّ ، وهو إسنادٌ ضعيف ٌ، والحديثانِ بهذينِ الإسنادينِ حسنٌ لغيرهِ .
ووردَ عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ الصلاة ُأمامَ الملتزمِ ، ولكنْ لم يثبتْ عنه ، والله أعلم .
وأمَّا الدُّعاءُعندَ الملتزمِ : فلمْ يردْفيهِ شيءٌخاص ٌعن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ يدعو به المسلمُ في الملتزمِ بلْ له أن يدعو َبما شاءَ .
قال الشافعيُّ : ( وأفضلُ لمنْ ودعَ البيتَ أن يقف َفي الملتزمِ ، ويقول : (اللهمَ إنَّ البيتَ بيتُك ، والعبدَ عبدُك ، وابنِ عبدكِ ، وابن ِأمتكِ ، حملتني على ما سخرت َ لي ، من خلقكِ حتى سيرتني في بلادِكَ ، وبلغتني بنعمتكَ ، حتى أعنتني على قضاءِ مناسككَ ، فإن كنتَ رضيت َعني ، فازددْ عني رضاً ، وإلاَّ فمُنَّ الآن قبلَ أن تنأى عن بيتكَ داري َ، هذا _ أوان _ أنصرافي إنْ أذنتَ لي غير مستبدلٍ بك ، ولا ببيتك ، ولا راغب ِعنكَ ، ولا عن بيتك . اللهم فاصحبني بالعافية ِفي بدني ، والعصمةِ في ديني ، وأحسنْ منقلبي ، وارزقني طاعتك ما أحييتني ).
قال البيهقي ُّفي سننهِ الكبرى هذا من قولِ الشافعيّ وقال : إنَّه مأثورٌ عن عبدالله بنِ عباس ، _ رضي الله عنه _ وقال النوويُّ في مجموعه :
( أتفق َ الأصحابُ على استحبابه ).
واستحبَّهُ شيخُ الإسلام ِ
" أحمدُ بنُ تيميةَ "في شرح العمدة ِ.
وليس للالتزامِ وقتٌ معينٌ وماوردَ فيه من أثارٍ فهي أوهى من بيت ِالعنكبوتِ فلايغرنَّك كثْرَتُها .والله ُأعلمُ
" المصادر ُ"
1- أخبارُ مكة َوماجاء فيها من الآثارِ " للأزرقي " .
2- الاستذكارُ الجامعُ لمذاهبِ فقهاءِ الأمصارِ .
" لأبي عمر الأندلسي "
3- الأصابةُ في تمييز ِالصحابةِ .
" لإبن حجر العسقلاني "
4- الأنصافُ في معرفة ِالراجحِ من الخلافِ
على المذهبِ الحنبليّ .
" لأبي الحسن المرداوي "
5- البحر ُالرائقُ شرح ُكنز ِالدقائقِ .
" لأبن ِنجيم الحنفي "
6- بدائعُ الصنائعُ في ترتيبِ الشرائع .
" لأبي بكر الكاساني الحنفي "
7- التاريخُ القويمُ لمكةَ وبيتِ الله الكريم ِ .
" لمحمد طاهر المكي "
8- مجموع ُفتاوى شيخِ الإسلام ِ .
" أحمد بن تيمية "
9- معجمُ البلدانِ .
" لأبي ياقوت الحمويّ "
10- لسانُ العربِ " لأبن منظور " ، ولسانُ الميزانِ
" لأبن حجر العسقلاني " .
11- مشاهيرُ علماءِ الأمصارِ .
" لأبي حاتم البستيّ .
12_ مشارق ُالأنوارِ على صحاحِ الآثار ِ" للقاضي اليحصبيّ .
13- المجروحينِ من المحدَّثينِ ، والضَّعفاءِ ، والكذَّابين .
" لأبي حاتم البستيّ .
14 _ المغني " لأبن قدامة المقدسي " .
15_ النهاية ُفي غريب الحديث والأثر " لأبن الأثير "
رحمهم الله رحمةً واسعة ً.
وآخرُ دعونا أن الحمدُلله ربِ العالمين
إنْ أحسنتُ فمن الله ، وإنْ أسئتُ فمن جهلي وتقصيري .
كتبهُ وأملاهُ / أبوالعباس الحَسَنِيُّ
(وصلى الله على نبينا محمدٍ )
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الاناقه فن
•
الصفحة الأخيرة