آن لهذا النظام الامتحاني أن يتغيَّر
لم نكن بحاجة إلى حادثة انتحار الطالبة الشابة ريتا قبيل امتحانات الشهادة الثانوية، لنعرف مقدار الضغوط النفسية والاجتماعية والدراسية الهائلة، التي يرزح تحتها تلاميذنا في صفـَّيْ التاسع والبكالوريا، فالإناء التعليمي الامتحاني ما زال ينضح منذ عقود بمعاناة رهيبة وطويلة، يقاسيها الطلاب وأهاليهم وحتى المعلمين ذاتهم.
وليس هناك من يجرؤ على توجيه الاتهام علناً إلى المنهاج الدراسي المتخلف والبالي ونظام الامتحانات السيئ الصيت والأثر، أو يطالب بإحالتهما إلى التقاعد واستبدال منهاج ونظام أكثر عصرية وإنسانية بهما.
وقد لا يكون مبالغاً قولنا إن هذه المعاناة تبدأ لدى الأهل منذ أن يولد طفل لديهم، إذ تبدأ الأسئلة الصعبة مع ولادته، وأولها: ما مستقبل هذا الطفل، إذا لم يحصل على العلامة المطلوبة في شهادتـَيْ الدراسة الإعدادية والثانوية؟ وتغيب وراء كومة هذه الأسئلة أسئلة أكثر أهمية من نمط: كيف يمكن لهذا الطفل أن يكتسب المعارف والعلوم المناسبة لمهاراته وإمكاناته، والموافقة لرغباته وتطلعاته، والتي يمكن أن تولّد لديه مزيجاً من السعادة والمتعة، وتساعده على تحقيق النجاح في حياته العملية اللاحقة؟ وكيف يمكن لدراسته العليا أن تـُوظـَّف توظيفاً حسن الاستثمار في المجتمع والاقتصاد، وأن لا تذهب سنوات دراسته وما أُنفِق عليها هباءً منثوراً؟
وليس مقبولاً أو صحيحاً محاولة البعض التلطي خلف معدلات التزايد السكاني، وعدم القدرة على الاستيعاب، لتبرير بقاء نظام الامتحانات هذا، فالغربلة وفق إمكانات الفرد ومهارته يمكن أن تجري في المرحلة التعليمية الأساسية الدنيا، بطريقة أكثر سلاسة، ودون صدمات للتلميذ وأهله، وعلى أساس نتائج التحصيل الدراسي خلال سنوات هذه المرحلة كلها. كما أن الفلترة استجابة لحاجات المجتمع واقتصاده ومقدرات المؤسسات التعليمية العليا يجب أن تأتي في مرحلة لاحقة، من خلال امتحانات قبول جامعية في كل كلية أو معهد، يُمتحن فيها الطالب بمواد الاختصاص في الجامعة المعنية، لا بغيرها، وهي ينبغي أن تؤسس على أفضل ما توصل إليه العلم والخبرات المتراكمة في كل العالم على هذا الصعيد، وعلى نحو يسمح للفرد، كائناً من كان، بأن يتأهل تعليمياً في المجال الذي يهواه، ويعتقد أنه يمكن أن ينجح فيه ويفيد.
إن استنساخ تجربة بعجرها وبجرها والثبات عليها عقوداً دون مراجعة علمية نقدية مستمرة، كما هو حاصل عندنا، أمر أبعد ما يكون عن العلم والتعليم والتربية، ففي هذه التجربة بالذات استنزاف لأعصاب البشر وهدر للموارد المادية والبشرية غير مبررَيْن إطلاقاً، بدءاً من المناهج المُضخـَّمة إلى حد الإسراف والمحشوة بأكداس من معلومات غير مفيدة لقياس مدى فهم التلميذ وتنمية هذا الفهم. وهي مناهج لا تصلح إلا لإنهاك ذاكرته وقواه، مروراً باستبدال أماكن تقديم الطلاب لامتحاناتهم، مع ما يستتبع ذلك من تنقلات لمئات آلاف الأفراد خلال فترات الامتحانات، وصولاً إلى تعبئة عشرات آلاف المدرسين والمراقبين وتجنيدهم لمتابعة سير عملية الامتحانات، ومن ثم لتصحيح الأوراق الامتحانية لاحقاً، وفي كل ذلك تكاليف اقتصادية اجتماعية وفردية غير مستعادة.
حاجتنا يا ناس ماسة لنسف هذا النظام التعليمي البائس من جذوره، والبديل له ممكن إذا توفرت الإرادة والقرار اللازمَيْن. وباختصار، فإن بديله يجب أن يقوم بالدرجة الأولى على إلغاء نظام الشهادتـَيْن المعمول به، واعتماد نظام القبول الجامعي القائم على أساس معدل التحصيل خلال سنوات الدراسة في المرحلة الأساسية، مع حد أدنى من امتحانات الاختصاص لدى التقدم إلى مؤسسة تعليمية عليا معيَّنة.
ومن هذا المنبر وهذه الزاوية، فإنني أدعوكم، أدعو الجميع، إلى أوسع حملة شعبية من أجل نظام امتحاني أفضل، يليق بشعبنا وبطلابنا وبالمستقبل الذي نتطلع إليه.
:D:44::mad:
الى متى علينا ان نصرخ
باعلى اصواتنامناجل اولادنا
حوراء الهدى @horaaa_alhd
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️