صبر على طاعة، وصبر عن معصية الله وصبر على البلاء، وصبر عن الله
وسنشرح كل نوع من أنواع الصبر على حدة، لأن الله ذكر في كتابه أنه يحب الصابرين فقال: "وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ"..
وذكر أنه مع الصابرين فقال تعالى: "وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ "، وذكر أنه يعطيهم ثواباً على صبرهم بغير حساب فقال: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ".. فإذا أردت أن يكون الله معك ويحبك ويعطيك أجرك بغير حساب فهيا بنا جميعاً نتعلم كيف نصبر فى وقت نحن نعيش فيه في أشد الحاجة للصبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الابتلاءات..
أولاً: الصبر هو حبس وضبط النفس
فإذ قلنا إن هناك صبرا على الطاعة فنعني ضبط النفس وحبسها في الثبات على فعل الطاعات..
وتعالوا نتفق أن أوامر الله سبحانه وتعالى لنا كلها في استطاعة العبد لأن الله قال: "لاَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"..
لكن المداومة والثبات على طاعة الله يحتاج إلى صبر على الطاعة لأكثر من سبب...
الأول: أن الطاعة قد تحتاج لبعض المجهود مثل صلاة الفجر مثلاً، ففيها استيقاظ وسط النوم على غير المعتاد ومنا من عنده عمل أو دراسة صباحاً؛ لكنها صلاة وهي عماد الدين وفيها مغفرة لذنوب العبد فهي عبادة عالية وهي كل يوم، ولهذا فإنها تحتاج إلى مداومة وثبات وكل هذا صبر على الطاعة.
مثلاً: الصبر على بر الوالدين مهما فعلا معنا ومهما كان تصرفهما معنا، فنحن مأمورون بالأدب معهما وإن اختلفنا معهما، بل حتى لو أُمِرنا بمعصية الله فنحن مأمورون بالأدب حتى في رفض طاعتهما في معصية الله فما بالك بالمشاكل اليومية العادية.
أيضاً: الصدق يحتاج إلى صبر عليه، حتى لو أدى في بعض الأحيان إلى مشاكل يمكن أن تخرج منها بالكذب، والظاهر أنك لو صدقت ستحدث هذه المشاكل، ولكي تصدق فالصدق يحتاج إلى صبر، والله مع الصابرين، والله يحب الصابرين.
بالإضافة إلى أن الطاعة قد تكون عكس الشهوة في كثير من الأحيان لأن شهوة الإنسان أن يأكل والصوم عكس الشهوة يحتاج إلى صبر، وشهوة الإنسان أن يستريح، ومساعدة الناس -وهي من أعظم الطاعات- عكس الراحة وهي الشهوة.
كل هذا يحتاج إلى صبر، والصبر على الطاعة يحتاج إلى استعانة بالله أن يساعدنا على هذا الصبر لأنه بعون الله يقوى المسلم على كل طاعة.
ولا تنسَ قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"
"والله يحب الصابرين"
أما النوع الثاني فهو الصبر عن المعصية: والتي تكون دائماً أمام الإنسان وقد توافق شهوة أو غريزة مخلوق بها الإنسان؛ لذلك يجب علينا أن نقدر معلومة هامة جداً:
وقد زُين لنا حب الشهوات ولم نؤمر بكبتها، لكن أُمرنا بعدم فعلها إلا في الحلال والصبر عليها حتى يأتي هذا الحلال فمثلاً بالنسبة لشهوة الجنس الآخر -وهي من أشد الشهوات- عليّ أن أصبر حتى أتزوج..
شهوة حب المال.. أصبر حتى يأتي من حلال وهكذا... إذن نعلم أن الله حبب إلينا هذه الشهوات لنستمتع بها في الحلال، ولم يكبتها لنا، لذلك يجب علينا الصبر عن المعصية ومقاومة هذه الشهوات حتى يرزقنا الله إياها بحلالها.
وها هو سيدنا "يوسف" تحيطه كل أسباب المعصية، فهو شاب عازب غريب ليس في بلده، عبدٌ عند المرأة التي دعته للمعصية، وهي ذات منصب وجمال، وهي التي تطلب، وغلّقت الأبواب لتأمين فعل المعصية، ومع ذلك قال: "معاذ الله"
فجذبته إليها، فدفعها عنه حتى يبعدها عنه:
ولما شاع أمرها وعرف نساء المدينة حبها لسيدنا "يوسف"، تكلمن عنها حتى إذا رأينه أحببنه، وصار معشوقا لكل نساء المدينة"، كل هذا وهو يقول: " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ".
فصبر سيدنا "يوسف" على هذه الفتنة الرهيبة فكان الجزاء أن نجّاه الله منها، وأصبح بعد فترة هو سيد هذا القصر بل سيد مصر كلها، بل واحدا من سادات الدنيا وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فاصبر يا أخي واصبري يا أختاه، وهيا لنخالف شهواتنا ونجاهد أنفسنا من أجل رضاء الله عنّا ومن أجل أن يرزقنا ويوسِّع علينا من حلال نفس الشيء الذي صبرنا عن حرامه.
فإذا عرضت عليك وظيفة فيها مال حرام فاصبر حتى يأتي المال الحلال، وقلبك ممتلئ ثقة أن الله لن يضيعك.
وإذا عرض عليكِ يا أختي علاقة محرمة بشاب فاصبري حتى يرسل الله إليك الزوج الطيب الصالح وقلبك ممتلئ بهذه الأية الكريمة: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.."
وكن على يقين.. أن الله مع الصابرين
اما النوع الثالث فهو الصبر على ابتلاءات الدنيا:
وأحداثها العصيبة من ضيق في الرزق أو موت حبيب أو إيذاء من أحد من الناس أو تأخير الفرج، فكل هذه ابتلاءات فيها الخير، ووراءها العطاء الكثير لو صبرنا عليها: "إن مع العسر يسرا "، ولنتذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له"، وكل ابتلاء مع الصبر ينقلب عطاءً، فإن الله لا يبتلي ليعذب إنما يبتلي ليهذب.
فهو رحيم وحكيم يعلم الأنسب معك فيفعله لك، ولطيف بعباده فلا يشدد عليهم فوق طاقتهم.. وكم من إنسان تعلم الدعاء واللجوء إلى الله وسط المحن، وكم من إنسان تاب ورجع إلى الله وسط المحن، وكم من إنسان خرج من المحن وهو من غير ذنوب، وكم من إنسان ميّز بين الصاحب الصالح والصاحب السيء أثناء المحن.
فالإنسان مثل الذهب به شوائب لا تنزل إلا إذا دخل الفرن وأُحِرق ليصبح ذهباً خالصاً غاليا جداً ونقيا جداً.
و"إن مع العسر يسراً" لا تنس هذا.
واصبر كما صبر "إبراهيم" و"إسماعيل" عليهما السلام على بلاء الذبح، وتذكر قوله تعالى: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"..
وكلكم تعلمون كيف كان هذا اختبارا للصبر وكيف كان الله معهم ونجاهم..
"إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"
فلنصبر حتى يعلّمنا الله حكمته من هذه الابتلاءات التي نمر بها وكما قال "يعقوب" عليه السلام لمّا فقد ابنه: "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ"..
ولنختم الكلام بنوع من الصبر لا يحبه الله وهو الصبر عن الله
أن يصبر أحد منا في البعد عن الله..
أن يظل يرسل الله له مئات بل آلاف الرسائل ليأخذ بيديه وهو يقاوم ليظل بعيداً عن الله.. هو غير سعيد ومع ذلك يصبر، يشعر بالوحدة ومع ذلك يصبر.
** الصبر كالصبر في مرارته . . . لاكن عاقبه احلى من العسل
اللهم لا تجعلنا ممن يصبر في البعد عنك..
واجعلنا نصبر على طاعتك ونصبر على البعد عن معصيتك وعلى بلائك..
لتحبنا وتقف بجانبنا ومعنا، ونأخذ أجرنا في الدنيا والآخرة بغير حساب.
موووودى @mooood_3
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
*هبة
•
الصفحة الأخيرة