لأخ / ممدوح بن متعب الجبرين والذي رفض ان نطلق عليه لقب شيخ لأنه كما يصف نفسه طالب علم وحق..
لانريد الإطالة.. ونترككم مع هذا الحوار الشيق والذي استفاض فيه الضيف بشرح ماوصل اليه وأجاب على اسئلتنا المطروحه بكل أريحيه
0في البداية .. نحييك ونشكر لك قبول هذا اللقاء ..
اشكر لكم هذه المبادرة وأنا على أتم استعداد لتلقي أي سؤال والإجابة عليه
ممدوح متعب الجبرين
نريد منك تعريف مبسط بالبحث وما نتج عنه ؟
فكرة البحث .. هي محاولة البحث عن ليلة القدر ،عن هذه الليلة العظيمة المباركة .. أما النتائج فهي ولله الحمد كانت أكبر وأعظم مما كنت " أفكر " فيه ومن هذه النتائج :
1_ تحديد ليلة القدر ومعرفة أسم هذه الليلة معرفة يقينية .
2_ معرفة وتحديد ليلة القدر في عشرات بل مئات بل ألوف السنين القادمة وكذلك الماضية .
3_ تثبيت العلم بدخول شهر رمضان المبارك في مئات القرون القادمة تثبيتاً قطعي الصحة ، وهذا التثبيت هو على كل بقعة على الأرض بليلة واحدة .. أي أن المسلمين في أي بقعة على هذه الأرض ( كل الأرض) سيصومون في يوم واحد .
4_تحديد دخول السنة الهجرية وانتهائها تحديداً صحيحاً .
5_ تحديد دخول شهر ( ذو الحجة ) تحديداً صحيحاً .
6_ تحديد ليلة نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسم والتأريخ.
7_ معلومة هي في غاية الجمال والصحة : من أن التوقيت الذي أنزل فيه القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء كان " الوقت " في شرق الكرة الأرضية _ اليابان تحديداً _ هو " ليل " ويكون هذا التوقيت في مكة المكرمة هو قريباً من " العشاء " فإنزال القرآن في "ليلة القدر " أي في ليلة واحدة على كل الأرض وتكون هذه ليلة واحدة في حالة واحدة وهي أن التوقيت في اليابان " ليلة " أي قبل " مطلع الفجر " بكون وقت مكة المكرمة " ليلة " أيضاً .. ويا سبحان الله العظيم ..
ونتائج البحث كثيرة .. كثيرة وكلها خير ولله الحمد فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهدينا إلا لخير عظيم .
هل طرحت البحث على جهات علمية متخصصة اوعلماء؟ وماهي ردود أفعالهم ؟
نعم طرحته على جهات علمية متخصصة وعلى علماء !! ولكن ردود الفعل كانت دائماً " مندهشة " و " متعجبة
0من العلماء من يقول أن العلم بليلة القدر هو من علم الغيب .. فكيف تقول بعلمها ؟؟
الحمدلله .. كنت احسب ان من يقول ان علمها من علم الغيب هم من جهلة القوم ، امّا وقد قال هذا رجل احسب انه من المحبين لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين فانه يلزمني ان أبيّن ما اؤمن به ولن اقول انني على خطأ بل انني على هدى من ربي وعلى بيّنة من أمري وعلى هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام فمن رأى اني على غير هذا فالحمد لله رب العالمين (( بيننا كتاب الله وسنّة رسوله والحق احق ان يتبع ))
الدليل على ان ليلة القدر ليست من علم الغيب :
اولا : روى البخاري رحمه الله في صحيحه ، حدثني محمد أخبرنا عبدة عن هشام
عن عروةعن ابيه عن عائشة رضي الله عنها
قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجاور في العشر الاواخر من رمضان، ويقول (( تحرّوا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان ))
فهل يأمرنا رسول الله بأن نتحرّاها وهي من علم الغيب ؟
ثانيا : وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى ان يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسه ))
فهل يأمرنا رسول الله بألتماسها وهي من علم الغيب ؟
ثالثا : وفي صحيحه رحمه الله ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ان رجالا
من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام ، في السبع
الاواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الاواخر ، فمن كان متحريها ، فليتحرّها في السبع الاواخر ))
فهل يأمرهم رسول الله بتحرّيها ويوافقهم على رؤياهم ثم تكون من علم الغيب ؟
واخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها اكثر من ان تحصر ،
انتهى قوله رحمه الله ...
أبعد هذا يأتي من يأتي ويقول انها من علم الغيب ؟ سبحان الله ...
تكاد تكون مسالة تحديد أسم ليلة القدر هي محور البحث ؟ كيف توصلت إلى تحديد أسم الليلة ؟ هل بالنص أم باستقراء علامات ليلة القدر ؟
كنت أعلم أن ليلة القدر هي في صبيحتها ، كنت أعلم ذلك كنت أعلم هذا علم اليقين وكنت كما " كثيرين " ممن رأوا صبيحة ليلة القدر بطلوع الشمس بيضاء لاشعاع لها ، رأيت هذا سنوات كنت أبحث في الوصول إلى هذه المعرفة تحديداً في تأريخ تلك الليلة كأن تكون في ليلة ( 21،23،25،27،29) .. وأثناء هذا البحث هداني الله عز وجل إلى معرفة الإجابة عن سؤال " تحديد الليلة " وهو : لماذا لا أبحث في أسم الليلة ؟!! اليست تطلع الشمس بيضاء لاشعاع لها صبيحة ليلة القدر ؟! اليس لهذه الليلة من أسم ؟!! فثبت اسم الليلة وتركت البحث في تاريخ الليلة ...
وفي سنوات متتالية وجدت شيئاً عظيماً ذرفت منه عيوني وأقشعر منه قلبي .. أي والله أنها ليلة القدر.. ووالله أن اسمها ثابت لايتغير .. ووالله أنها ليلة الثلاثاء ، راقبتها في سنوات متتالية فكانت لاتطلع بيضاء لاشعاع لها إلا في صبيحة ليلة الثلاثاء ...فالحمد لله رب العالمين أن هداني الله عز وجل برحمته وتوفيقه إلى تغيير مجال البحث من التاريخ إلى " الاسم " فكان هذا ماتفضل به الله به عز وجل به على عبد ذنوبه كثيرة وأعماله قليله وقلبه ... إلا أن يرحمه الله .
لماذا أنت ؟!! سؤال يتردد ماردك عليه ؟
سبحان ربي العظيم ، كيف تجرؤ على هذا السؤال ؟!!
أنا يا أبن العم عبد من عباد الله أعطاه الله فأخذ شاكراً لله رب السموات والأرض ، وعبد من عباد الله هداه الله عز وجل لهذه المعرفة فالحمد لله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .ولا أدري هل لو كانت عيني زرقاء وشعري أشقر وجنسيتي " أمريكي " هل كنت ستسأل هذا السؤال أم لا ؟!! سبحان الله يفعل مايريد ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فالحمد لله رب العالمين .
0الأمر المشكل بالموضوع هو قولك باستحالة دخول رمضان في يوم جمعة أو احد ..ماالدليل على ذلك ؟ هل من نص أو إجماع أو مشاهدة ؟ وإذا قلت بالاستقراء وغيره فالعالم اليوم أجمع أكثره على دخول رمضان في يوم الجمعة بل حتى الفلكيين دخلوه بجمعه .. هذا ماجعل البعض يتردد بالاقتناع الكامل بالموضوع ..ماردك ؟
نعم يستحيل دخول شهر رمضان المبارك في ليلة " جمعة " وفي ليلة " الأحد " والى يوم القيامة واقرأ ما أخرّجه أهل الصحاح من أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها والأحاديث كثيرة عن طلب وتحري وتحين ليلة القدر وابتغاء ليلة القدر في " الوتر " وأعيد للأهمية " في الوتر " من العشر الأواخر .
وبمعرفة وتحديد ليلة القدر نعلم علماً ان هذه الليلة لن تكون الا في الوتر أي : 21-23-25-
ونظامـه يحدد الليله التي سيدخل فيها شهر رمضان المبارك على كوكب الارض في اية سنة قادمه مهما طالت القرون على اهل الارض
السنة الهجــريه ---- ليلة دخول شهر رمضان ----- تحديـد ليلة القــدر ----- تحديد توقيت ليلة القــدر
1419 ---------------- ليلة الســبت --------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 25 رمضان
1420 --------------- ليلة الخميس --------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 27 رمضان
1421 --------------- ليلة الاثنين ---------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 23 رمضان
1422 --------------- ليلة السبت ---------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 25 رمضان
1423 --------------- ليلة الاربعاء ------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 21 رمضان
1424 --------------- ليلة الاثنين --------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 23 رمضان
1425 --------------- ليلة السبت --------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 25 رمضان
1426 --------------- ليلة الثلاثاء --------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 29 رمضان
1427 -- ليلة السبت --------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 25 رمضان
1428 --------------- ليلة الخميس -------------- ليلة الثــلاثـاء ---------- 27 رمضان
1429 --------------- ليلة الاثنين --------------- ليلة الثــلاثـاء ----------- 23 رمضان
الحركه المنضبطه لانتقال ليلة القدر هي :
27 ، 23 ، 25 ، 21 ، 23 ، 25 ، 29 ، 25 ، ثم تعود من 27 ، وحتى نهاية الزمان على كوكب الارض .
بناات بصراحه انا اقتنعت في كلام الشيخ لانه منطقي جداا وعقلانيه كمان
ايش رأيكم بهالمقال
منقوول طبعاا من المنتديات
san @san
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ولاء200
•
لا اله الا الله
هنا رد على كلام هذا الباحث من أهل العلم:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=14168
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=14168
المسلمه
•
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن خير الهدى هدى محمّد صلى الله عليه وسلم ثم صحابته الكرام ثم من تبعهم بإحسانٍ من التابعين الأجلاّء وأئمة الدين وأعلام الهُدى ومنارات الإسلام ، واقتفى أثرهم ووسعه ما وسعهم فلم يحد عمّا كانوا عليه من العمل والقول والفهم ، فبهذا يكون المسلم مرتاح الضمير ، ومعذورٌ أمام الله سبحانه وتعالى في اتباعه لهم ، وقد أغلق في ذلك الباب على الشيطان خشية أن يوصله إلى الابتداع أو اتباع غير هُداهم .
والمسلم مفتاح للخير مغلاقٌ للشر ، والحكمةُ ضالته أين ما وجدها فهو أحق بها . وخط رجعته مفتوح متى ما رأى الحق اتبعه ، وعمل به ، وأين ما وجد الصواب أخذه وقال به ، لا يحيده عن ذلك بَطَرٌ أو هوى ، ولا يضيرهُ ذلك أمن صغير أو كبير صدَر ، أو مِن أقل أو أكثر منه قيمةً بدَر .
وما السبيل الموصل إلى الحق إلا الكلمة الطيبة والدليل الناصع والحجة الواضحة مع فهم سليم وقلب بعيد عن الهوى وحب الذات ، ودعوة صادقة يسألها المسلم لنفسه من الله تعالى بأن يريه الحق ويرزقه اتباعه ، ويريه الباطل ويرزقه اجتنابه ، مهما بلغ من مراتب الفهم والعلم والوضوح والبيان ، فعقل الإنسان وفهمه مظنة الخطأ .
بهذه المبادئ العظيمة التي رسمها التشريع لنا يستطيع المسلم الوصول إلى الحق مهما وقفت العقبات أمامه شامخة _ إن كان يريد اتباع الحق _ وإلا فهو يقول مالا يفعل ويدعي مالا يعي .
وقد يكون الحق الذي اختلفت عليه عقول البشر بطلبه أو ادّعائه في أمر لا مكان للاختلاف فيه ، وقد يكون ذلك أيضاً في أمرٍ المكان فيه للاختلاف ساحةٌ رحبةٌ يمكن للعقل أن يصول ويجول فيها ، فلتفرّق أيها العقل بين ما يمكن أن تخوض فيه ومالا يمكن أن تخوض فيه .
وما يمكن للعقل أن يخوض فيه يكون ذلك بتوضيح البراهين والنقاش العلمي البعيد عن كل آفةٍ تؤول به إلى وحل التنازع المقيت والبلَد الذهني المُميت .
وإني أسألُ الله تعالى أن يوفقني في حواري مع الأخ القدير ممدوح بن متعب الجبرين إلى المعاني العظيمة التي رسمها لنا الشرع في مخاطبة المسلم أخيه المسلم ، ففي الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه " متفق عليه .
فالأخ الكريم ممدوح بن متعب الجبرين نظّر تنظيراً فريداً لم يأت به أحدٌ من قبل ، وقعّد تقعيداً جديداً لم يُسبق إليه حول مسألة تسمية ليلة القدر تسميةً مرتبطةً بليلة الثلاثاء وإبطال كل ما ترتب على خلاف ذلك .
وهو حفظه الله عُرف بالصلاح ، وما هذا التنظير الذي نظّره والتقعيد الذي قعّده إلا لنية صالحةٍ في سويداء قلبه ، أراد بها الخير ما استطاع ، والله يجازي المجتهد على قدر اجتهاده .
وفي عام 1424هـ رأيت بحث الأخ الكريم الذي راج بين الناس ، ووقع في نفسي ما وقع من الغرابة والدهشة ممّا أتى به الأخ العزيز سدد الله خطاه على طريق الحق . فلمّا كان هذا العام 1425هـ الذي أعاد فيه الأخ تنظيره وتقعيده وبحثه ، وفُتح الحوار معه عبر ملتقيات فضاء ، وتوالت عليه الأسئلة والردود مابين مستنكر ومستفسر ومؤيّد ومعجب ، وبإجابات الأخ الكريم على هؤلاء عرفت المزيد عن نظريته وقاعدته بل أكاد أني ألممتُ بكل ما أراد الوصول إليه جزاهُ الله خيراً .
فعرفتُ استدلالاتِه وبراهينَه النقلية والعقلية ، وما ساقه فهمه واجتهادهُ إليه ، واعتراضاتِهِ وتوجيهاتهِ ، وتأويلاته وما إلى ذلك من المسائل الشرعية أو العرفية التي تصح أو تبطل إذا بنيناها على النظرية التي أتى بها ، وما يلزم ذلك وما لا يلزم .
ولمّا راج هذا الرأي للأخ العزيز القدير حفظه الله هذا العام بين الناس مرةً أخرى ، وأصبح حديث بعض المجالس العامة والخاصة . حُقَّ لمن خالفَهُ أن يبدي وجهة نظره من غير تعصّب ولا تشنيع ، والخلاف لا يفسد للود قضية ، والاختلاف في العلم لا يورث إيغار الصدور ، ولا يولّد الشحناء أو البغضاء .
لذلك لما تيقنتُ ممّا سبق من الأدلة والبراهين والحجج والتوجيهات والاعتراضات التي يعتقد بها الأخ الكريم جازماً صحة ما ذهب إليه شرعتُ في بيان عدم صحة هذا الرأي وهذه النظرية وما ورائها من تلازم وانتقاض في بعض الأحكام الشرعية .
وقد سميت هذا البيان : ( حوار هادئ مع الأخ ممدوح الجبرين حول نظريته العقلية في تحديد ليلة القدر ) ، وأبعدتُ عن هذا العنوان صيغة الرد الجافّة أو السجع المتكلف حتى يكون صدر أخي ممدوح حفظه الله منشرحاً لما أذكر ، متيقناً أني لا أبتغي بهذا الحوار إلا وجه الله تعالى والنصح لي وله ، والحوار العلمي الهادف البعيد عن كل الآفات . وسمّيته نظرية عقلية وإن كان الأخ الفاضل يستشهد بأشياء محسوسة لكنه بنى هذه الأشياء المحسوسة على تركيبٍ نظريٍ عقليٍ بحت . ولم أدوّن هذا الحوار إلا بعد يقيني أن الأخ ممدوح قد كان في نظريته متيقناً وقاطعاً وجازماً فيما يقول ، حيث لو كان ظانّاً أو مستأنساً بنظريته فقط ، ما سطرتُ حرفاً واحداً . وأكثرت فيه قضية على فرض التسليم حتى تنحصر الحجج .
فإن كان أخي العزيز ممدوح – وهو كذلك إن شاء الله – رجلاً قد جعل خط الرجعة إلى الحق مفتوح متى ما حاد عن الصواب فليقرأ هذا الحوار ، وإن لا فلا .
كما أني لا أدعي العصمة فيه فمتى ما وجد الأخ العزيز القدير ممدوح في كلامي خلل أو نقص أو اعتراض ، فليشرع بتبيينه وتوضيحه علميّاً بالطريقة التي يريد وبالأسلوب الذي يبتغي ، فإنّ صدري له منشرحٌ ما دامَ توضيحه وتعقيبهُ علميّاً صرفاً .
أخيراً : هذا الحوار مع أخي الحبيب إنما هو مكشوفٌ للناس لا يواريه شيء عنهم ، فالأخ ممدوح قد أظهر نظريته للملأ بعد أن تيقن منها كما ذكر سدده الله ، وفي إظهاره علامةٌ على قبوله رأي الآخر وإعلانه أنّ هذا اجتهاده ، فكان من العدل أن لا يكون هذا الحوار سرّيَّاً بيني وبينه ، بل يظهر وينتشر كما انتشر رأيه حفظه الله أمام الناس ، فهذا الحوار لا يوجد فيه إلا : قال الله وقال رسوله وقال الصحابة وأئمة الإسلام .
واللهَ أسأل أن يُلهمني وأخي ممدوح والقارئ الكريم الصوابَ ، وسلوك الجادة التي وسعت القرون المفضلة ومن بعدهم من السلف الصالحين ، وأن يرزقنا حسن القول والعمل ، والحمد لله أولاً وآخراً .
وكتبه
حسان بن إبراهيم بن عبد الرحمن الرديعان
19/9/1425هـ
حائل – حرسها الله
توطئة
تعريف بالنظرية التي قال بها الأخ الباحث سدده الله :
ليلة القدر لا تكون إلا في ليلة ثُلاثاء في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان ، كأن تكون ليلة الثلاثاء 21أو23 أو25أو27أو29 ، فإذا دخلت العشر الأواخر فانظر إلى ليلة الثلاثاء من هذه العشر فاظفر بها فإنها ليلة القدر ( على رأي الباحث ) ، و ترتيب ليالي الوتر عنده على مر السنوات هو هكذا : 27 ، 23 ، 25 ، 21 ، 23 ، 25 ، 29 ، 25 ثم تعود من 27 .
الدليل الذي جعل الباحث يقطع بهذه النظرية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم _ كما جاءت الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيحين _ أخبر أن ليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان فقال من حديث عائشة (تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) . وأخبر أنّ من علاماتها أن تطلع الشمس فيها لا شعاع لها كما ثبت في مسلم وأنّها بلجةٌ منيرة عند ابن خزيمة في صحيحه، فقام الباحث عفا الله عنه بتتبع ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان لمدة خمس سنوات فوجد أنّ علامة ليلة القدر التي جاءت في الحديث قد وقعت وحدثت في ليلة الثلاثاء من العشر الأواخر من رمضانات هذه الخمس سنوات ، ووجد أن ليالي الثلاثاء في هذه الخمس سنوات هي ليالي وتر وإن كانت تختلف بالتاريخ مرةً ليلة 21 ومرةً ليلة 27 . وقال بأن هذا كشفُ من الله وتوفيق له .
ما يترتب على هذه النظرية :
أن شهر رمضان لا يدخل في يوم جمعة أو يوم أحد ، فإذا دخل في يوم جمعة أو أحد فلن تكون ليلة الثلاثاء من العشر الأواخر من رمضان ليلة وتر ، فالخطأ في دخول شهر .
هذا ملخّص تعريفي بما قال به الباحث غفر الله له ، وسآتي في معرض الحوار على أدلته وتوجيهاته واعتراضاته ، وحتى يكون الحوار مركَّزاً على الجوانب المهمّة دون الخوض في تفصيلات لا تربط نقاط الحوار برابط ، جعلت هذا الحوار مع الأخ الفاضل ممدوح الجبرين على أبواب وفصول ، هذه الأبواب تشتمل على ما يلي :
1- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من الناحية اللغوية والعقلية (العلمية) والشّرعية.
2- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من أدلةٍ لم يتطرق لها الباحث غفر الله له.
3- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من خلال الأدلة التي استدل بها الباحث جزاه الله خيراً، أو بمعنى آخر ( نقض الأدلة إلى مقابل ماجاء بها الباحث ) ، وهذا هو الباب الأهم في هذا الحوار .
4- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من خلال المسائل المبنيّة على هذه النظرية والتي يستلزم أن يقول ببطلانها الباحث عفا الله عنه .
وهذه الأبواب تشمتل على فصول فيها التوضيح والتبيين لمسائل فصول الباب ، وهي بمجملها أدلة وتوجيهات واعتراضات وفرضيات ومستلزمات على الباحث وعلى النظرية التي أتى بها ، وقبل أن أبدأ في سَبْر هذه الأبواب أكرر لأخي الفاضل والرجل الصالح ممدوح الجبرين وفقه الله أينما كان وأكرر أيضاً للقارئ الكريم أن هذا الحوار علمي صرف لا مجال فيه للحظ والنفس والهوى والميول والتعصب والكلمات الخارجة عن مخاطبة المسلم لأخيه المسلم .
فإن كان هذا الحوار موافق لما جاء في الكتاب والسنة وفهم الصحابة والعُلماء فإمساكٌ بمعروف ، وإن كان غير ذلك فتسريحٌ بإحسان ، والغض عمّا فيه من زلل ونقصان .
الباب الأول :
بطلان نظرية تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء
وتحت هذا الباب فصول :
الفصل الأول : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية اللغوية .
الفصل الثاني : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية العقلية ( العلمية ) .
الفصل الثالث : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية الشرعية .
الفصل الأول : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية اللغوية
*الألفاظ التي جاءت بها الأحاديث في الأمر بتقدير هذه الليلة هي كما يلي :
1- التحرّي ( متفق عليها ) 2- الالتماس ( متفق عليها ) . 3- التحيّن ( عند مسلم ). 4- ابتغوها ( البخاري ) .
فعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (تحروا ليلة القدر في الوتر ، من العشر الأواخر من رمضان) متفق عليه . وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه : أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) متفق عليه ، ومن حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم (تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر أو قال: في السبع الأواخر. ) وفي لفظ متفق عليه ( التمسوها ) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء
*توجيه العُلماء لمعاني هذه الألفاظ :
قال ابن منظور في لسان العرب : (والحينُ: الوقتُ. وفي حديث الجِمارِ: كنا نَتَحَيَّنُ زوالَ الشمس. وفي الحديث: تَحَيَّنُوا نُوقَكم؛ هو أَن تَحْلُبها مرة واحدة وفي وقت معلوم. ) وقال : (والالْتِماسُ: الطَّلَب ) ، وقال ابن حجر : { قوله (باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس ) أي بسبب تلاحي الناس , وقيد الرفع بمعرفة إشارة إلى أنها لم ترفع أصلا ورأسا . قال الزين بن المنير : يستفاد هذا التقييد من قوله " التمسوها " بعد إخبارهم بأنها رفعت , ومن كون أن وقوع التلاحي في تلك الليلة لا يستلزم وقوعه فيما بعد ذلك , ومن قوله " فعسى أن يكون خيرا " فإن وجه الخيرية من جهة أن خفاءها يستدعي قيام كل الشهر أو العشر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها } .وكذا قال بن الأثير في النهاية أن الالتماس والتحين هو الطَلب .
فلا يكاد يكون هناك خلاف في أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطلب هذه الليلة ومراده أي تقديرها والتحصّل لها بالعمل والقيام لها ، لا أن يكون الطلب بتعيينها بالشواهد الحسية التي يقطع بها المسلم أنها هذه الليلة ، وهذا واضح من نقل ابن حجر رحمه الله تعالى. والنووي رحمه الله فسر الالتماس بأنه لا يعني معرفةُ عينها .
والأخ الكريم ممدوح الجبرين وفقه الله حصر المعنى اللغوي للطلب بالعلامة القاطعة لتحديدها إلى أن قال بتسميتها ، وتسمية هذه الليلة بليلة الثلاثاء ليس من حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته بطلبها ، فطلب الشيء مراراً قد لا يستلزم اتفاقه في الزمان أو المكان كل مرة . مثال لذلك : طلب رؤية الهلال لا يعني أننا لابد أن نراه في المكان الذي رآهُ ابن عمر عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أو ذاك الأعرابي ، فالأمر لا يعني اتفاق المكان كل مرة . فبالتالي لا يعني طلب الشيء كل مرة اتفاقه في الزمان كذلك .
وهنا تحصّل لنا مقدمتين ونتيجة :
المقدمة الأولى : أُمرنا بطلب ليلة القدر .( نص )
المقدمة الثانية: اختلاف النصوص على تحديدها في أي أيام الوتر .
النتيجة : قيام كل ليلة من ليالي العشر لإدارك هذه الليلة .
الفصل الثاني : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية العقلية ( العلمية )
الوتر هو الفرد ، والمقصود بليالي الوتر هي الليالي التي يكون عددها فرد في العشر الأواخر وهي :21-23-25-27-29 .
وبعيداً عن نظرية الأخ الجبرين = العُلماء رحمهم الله تكلموا عن أن ليلة القدر في حسابها فرداً لا يمكن معرفته إلا بعد خروج شهر رمضان ورؤية هلال شوال ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في مجموع الفتاوى (284/25) : (فأجاب : الحمد لله . ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { هي في العشر الأواخر من رمضان } . وتكون في الوتر منها . لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين . ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى } . فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع . وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى . وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح . وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر . وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي . كالتاريخ الماضي . وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { تحروها في العشر الأواخر } ) انتهى كلامه . وقد أشار إليه ايضاً المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/426) ويأتي .
وعندما نربط ليلة القدر وهي ليلة الثلاثاء بكل وتر في العشر الأواخر يحتمل أن يكون الشهر ناقصاً فتكون في الحقيقة شفعاً وليس وتراً للحديث (لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى ) أو كاملاً فتكون وتراً ، فأصبحت ظنية .
فكيف لنا أن نجزم عقلاً بأن ليلة الثلاثاء في الوتر من العشر الأواخر هي وتر فعلاً ونحن لم نعلم هل الشهر كامل أم ناقص؟! هذا متعذر عقلاً وعلماً وحساباً، ولا يمكن ذلك إلا في حالة أنك تقول بأن دخول هلال شوال خطأ كما قلت في رمضان ، وهذا جحود للنصوص الشرعية ومنها حديث ( الشهر تسعة وعشرون يوماً.. والشهر ثلاثون يوماً) .
وهنا يصح قول من قال من العُلماء أن ليلة القدر تنتقل في كل عام وأن هذا الانتقال مخفي لا يعلمه أحد .
كل ما تقدم هو من المسلَّمات جدلاً لك أخي الحبيب ممدوح الجبرين ، وعلى فرض التنزّل في أنّ هذا التتبع ليس فيه تطاول على الأمر الغيبي الذي أخفاه الله عنا ، لكن هذا الجواب هو على فرض نفي الغيبية عن العلم بليلة القدر .
ومن الأدلة العقلية على بطلان تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء هو أنّ الأشهر القمرية في السنة تارةً تكون ستة أشهر كاملة والناقصة ستة أشهر ، وتارةً تكون الكاملة سبعة والناقصة خمسة ، فلا تكون الناقصة أكثر من ستة ولا الكاملة أكثر من سبعة في السنة، وهذا أمر مقطوع به عند الفلكيين ، وأشار إليه من المتقدمين تقي الدين السبكي في كتابه (العلم المنشور في إثبات خير الشهور ) ص 24 ، فبهذا نعلم يقيناً أن تاريخ الأيام لا يمكن أن ترتبط بمسمياتها ، فالأيام تزيد وتنقص في الشهر مما يجعل تثبيت التاريخ بالمسمّى مجرّد تخرّص ، وأعني بالتاريخ هنا ليس تاريخ يوم معين إنما هو تاريخ خمسة ايام وهي ليال الوتر التي ربطها الباحث حفظه الله بليلة الثلاثاء ، حيث إنه لا يمكن أن تكون ليلة الثلاثاء في العشر الأواخر من رمضان إلا في وتر ، وهذا مردودٌ بما تقدّم .
دليل آخر : ثبوت ليلة القدر لا يعني ثبوت اسمها .
استدل الأخ ممدوح بدليل عقلي صرف لا حظ للنص فيه حيث قال :
(فمن قول الله عز وجل عن ليلة القدر نعلم بأنها ليلة واحده ثابت اسمها ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم بأنها تنتقل في ليالي الوتر 21 و 23 و 25 و 27 و 29 وهي تنتقل من وتر في سنه الى وتر في السنة الاخرى الى وتر في السنة التاليه لها ولكنها بنفس الاسم لا يتغير اسمها ابدا . )
قول الله سبحانه وتعالى ( ليلة القدر ) وفهمنا للآية أنها ليلة ثابتة لا يعني أن اسمها ثابت ، فماهو المعنى المراد من ثبوت الاسم وعدم ثبوتها في العشر ؟
وما الرابط الشرعي والعقلي الذي جعلنا نربط أن ليلة القدر تنتقل وهي ثابتة وخرجنا بهذا الرابط الوهمي هو أن اسمها ثابت .
الفصل الثالث : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية الشرعية
نقض التسمية شرعاً بليلة الثلاثاء تكاد تطبق عليه جميع النصوص الواردة المرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم والموقوفة على الصحابة ، لكن هذا الفصل مسلَّطٌ على تحديد التسمية سواءً كانت وتراً كما ذكر الأخ ممدوح أم كانت شفعاً على خلاف رأيه ، فما هو الاعتبار الشرعي الذي يجعلنا نبرهن بأنّ ليلة القدر لا تكون إلا ليلة ثلاثاء ؟؟
المسألة الأولى :
فعندما تشهد لنا الشواهد الحسية أن ليلة القدر هي ليلة الثلاثاء على مر حقبة معينة من الزمن وكانت هذه الليلة على مر هذه الحقبة مرتبطة بالعلامة الشرعية لليلة القدر ، وهذه العلامة ليست قطعية ، فأين البناء الشرعي القاطع هنا لهذا التحديد ؟
فعندنا الآن توافق في ظهور العلامة ليلة الثلاثاء حصل في سنوات معدودة ، هذا التوافق ليس مقصداً شرعياً ولا قاعدة شرعية ولا وسيلة شرعية لإصدار حكم هذا أولاً ، ثانياً : ظهور العلامة أمرٌ ليس مقطوع به لما يعتري هذه العلامة حال رؤيتها في كل السنوات من الاختلاف في الإشعاع ومقداره ، فهذه الحالة لا تخرج عن كونها ظنَّاً يمكن الاستئناس بها والإشارة على الاحتمالية لا أكثر ، دون القطع والجزم الذي يُعمل به ويُبطِل كل ما خالفه كما سيأتي .
وأخي الكريم ممدوح الجبرين يعتقد بأن هذا التوافق محل استنباط للحكم الذي رآه ، والتوافق الذي حصل له هو لخمس سنين فقط ، فهل هذه السنوات كفيلة لأن يقول حكم كهذا ؟ سملًّتُ لك جدلاً أخي العزيز ممدوح أن هذا الاستنتاج الذي ظفرت به ليس لخمس سنوات فقط بل هو نتاج خبرة وتجربة خمسين سنة ، أقول فيه أيضاً كما قلت في الخمس ، فهو لا يعدو كونه توافقاً يُستأنس به ، ولا يخرج من دائرة الاحتمالية والظن .
واعلم أخي الكريم ممدوح أن هذا التوافق لم يحصل لك فقط ولم تكن أنت أول من قطع غلاصمه ، فقد حُكي عن ابن عباس رضي الله عنه مثل هذا التوافق ( وفي صحته نظر ) حيث قال : { سورة القدر ثلاثون كلمة ، السابعة والعشرون منها ( هي ) } أي أنّ في كلمة ( هي ) في الآية إشارةٌ إلى أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين ، ونقل هذا الكلام ابن حجر في الفتح (4/265) وأشار إلى استشهاد ابن قدامة له في المغني (4/451) وقال ابن حجر إن ابن حزم نقله عن بعض المالكية وبالغ في إنكاره ، ونقله ابن عطية في تفسيره وقال : إنه من مُلَح التفسير وليس من متين العلم .
انظر أخي الكريم ممدوح على فرض صحة هذا الأثر عن ابن عباس انظر بماذا وجهه العُلماء ؟ قالوا إنّه ليس من متين العلم ولم يبنوا عليه لا قطعاً ولا ظنّاً أنها ليلة السابع والعشرين ، وهذا هو ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يقول مثل هذا في كتاب الله ثم لا يعدو كون من ملح العلم وليس من متينه ؟؟!! فتأمّل !!
فماذا عسانا أن نقول أخي أدام الله علينا وعليك لباس التقوى فيما أتيت به من توافق لا يعدو كونه احتمال مجرّد عن أي أدلة تخرجه من هذا الأمر ؟! .
ولعلك تعرف التوافق الذي حصل فيما يزعمون أنه المعجزة التي حدثت في أعقاب 11 سبتمبر وآية التوبة رقم 110 التي تشير إلى عدد أبراج البناية التي اصطدمت وانهدمت ، وأن هذه الآية في الجزء الحادي عشر . كذلك الأرقام المستنبطة من سورة الإسراء لتاريخ زوال إسرائيل والاستشهاد على هذا بشواهد حسية .
هذه الأمور المتوافقة تتفق مع نظريتك أخي العزيز ممدوح من ناحية أنها جاءت متوافقة لبعض الأحداث وارتبطت بعلاماتها ، لكن من الفروقات التي بينها وبين نظريتك هي أن هذه التوافقات لا تبطل أموراً شرعية كما هي النظرية التي أتيت بها ، وهذا سيتضح لك في فصول الباب الرابع .
المسألة الثانية :
تحديد النبي صلى الله عليه وسلم لعلامات ليلة القدر إذا تأملناها حق التأمل وتمعّنّاها حق التمعّن عرفنا أنّها مرتبطة بنهايتها ، وأصح هذه العلامات ما جاء في صحيح مسلم أن الشمس في صبيحتها لا شعاع لها . فما الحكمة من وصف ليلة القدر ومعرفة علامتها البارزة بعد مضيها ؟ . وإليك العلامات الأخرى الواردة :
1- في صحيح مسلم عن أبي بن كعب " أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها ".
2-في رواية لأحمد من حديث أبي " مثل الطست " .
3- ونحوه لأحمد من طريق أبي عون عن ابن مسعود وزاد " صافية " .
4- ولابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعا " ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة , تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة " . 5- ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا " إنها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا , ساكنة صاحية لا حر فيها ولا برد , ولا يحل لكوكب يرمى به فيها , ومن أماراتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ ".
6- ولابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود أيضا " أن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان , إلا صبيحة ليلة القدر " .
7- ولابن أبي شيبة من حديث جابر ابن سمرة مرفوعا " ليلة القدر ليلة مطر وريح ".
وغيرها من الآثار التي تدل على علامات ليلة القدر ، وهذه العلامات مرتبطة بالنهاية ، وقد يشكل قوله " ساكنة صاحية لا حر فيها ولا برد "بأن هذا يتبين من نفس تلك الليلة لا في النهاية ، والجواب : أن هذه العلامات كلها قد يحصل كلها أو بعضها ، وقد لا تكون معرفة أول الليل باستواء الجو أمر يستمر إلى نهايته ، أو العكس كذلك ، فالحاصل أنه لا يمكن التيقن من معرفة هذه العلامات إلا بعد مضي الليلة كاملة وإشراق شمس صبيحتها فلنا حينئذ أن نقول : ليلة البارحة كانت مستوية الجو لا باردة ولا حارة ، كما هو قولنا في سائر الأيام . وقال ابن حجر رحمه الله : (وقد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضي ) . فلماذا لم يظهر لنا الشرع علامات قبل بداية ليلة القدر حتى يعلم المسلم أنها ليلة القدر الآتية بعد هذه العلامات فيظفر بها بالقيام دون بقية الليالي ؟ لقائل أن يقول هذا مادام أن الشرع أوجد علامات لها ، لماذا لا تكون قبلها ؟ ومالحكمة من كونها بعدها ؟ .
فماذا نقول أخي الكريم ممدوح فيمن قطع وجزم بأنها ليلة الثلاثاء وبلاشك أننا عرفناها على هذه النظرية قبل أن تغرب شمس اليوم الذي قبل ليلة القدر ؟ .
فخلاصة ما تقدم من هذا الفصل أنّ التسمية تعدٍّ شرعي ، وتطاول على النصوص الشرعية ، كما سيأتي ، فلو أردنا أن نستوحي الأسئلة المستنكرة على هذا الأمر وهو أن ليلة القدر هي ليلة ثلاثاء ، خرجنا بما يلي :
س1 : ما الدليل القاطع على التسمية ؟
س2 : لماذا لم تُسمَّ في النصوص الشرعية أو لماذا لم يُسمِّيها لنا من كان في القرون المفضلة التي هي خير القرون ومثل هذا الأمر لا تأتي به القرون المتأخرة متفضلة على القرون المتقدمة ؟؟
س3 : ثم ما الحكمة من ربطها بليلة ثلاثاء وترٍ في العشر الأواخر وشحذ الهمم لإثبات ذلك ؟
ثم إذا كان العُلماء وهم هُداة الأمة وسُرُج كل ظلمة قد كرهوا القطع عندما يرى المسلم علامة ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر لسنة واحدة وليلة واحدة بأنها ليلة القدر دون تسمية ، فكيف بمنّ سمّاها على مر الأزمان والعصور ؟! .
هذا لا يقبل إلا من رجل ركب زورق رأيه وميوله وأبحر عن سفينة القوم من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين الذين مازالوا يقودون الأمة إلى سفينة النجاة بهديهم وسنتهم .
الباب الثاني :
بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من أدلةٍ لم يتطرق لها الباحث غفر الله له
وتحت هذا الباب فصول :
الفصل الأول : الأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني : الأدلة الموقوفة على أقوال وأفعال وفهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
**تنبيه مهمّ **
هذا الباب هو في الاستدلال على بطلان القاعدة والنظرية من خلال الأدلة التي لم يتطرق لها الباحث لا توضيحاً ولا تبييناً ، وقد تجد هذه الأدلة مسطرة في بحثه ، لكنه لم يتعرض لها لا بشرح ولا توضيح ، ولا تعتبر كل الأدلة التي ملأ بها الأخ العزيز بحثه دليلاً على ما أتى به ، بل أغلبها دليلاً عليه ، لذلك أدلة أخي ممدوح التي استدل بها – وهي قليلةُ جداً - سأتطرق لها في الباب الذي يلي الباب هذا ، وهذا الباب هو في أدلة لم يتطرق لها وإن كان قد ذكرها في بحثه ، فالعبرة في حجج المسائل العلمية هو الاستدلال ثم توجيه الاستدلال ثم الاستنتاج ، لا في عرض الأدلة ثم تخريج النتائج مباشرة دون توجيه للأدلة ، وهذا صنيع العُلماء وطلاب العلم قديماً وحديثاً ومن أنكر ذلك فالكتب بيني وبينه، وهذا الأسلوب يجعل القارئ على بينه من الدليل ومالمراد به .
الفصل الأول :
الأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم التي تقتضي بطلان النظرية
الدليل الأول :
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر . متفق عليه .
وجه الاستدلال به : كشف الله تعالى لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم مظنة ليلة القدر أنها في السبع الأواخر من رمضان ، وقلتُ هنا مظنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع لهم بها ، فقال بعد ذلك : ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) ، فهنا جعلهم في خيار التحري في السبع الأواخر ، ولم يجعلهم في خيار القطع والجزم بأي ليلة هي ، كما يدل الحديث على أنّ ليلة إحدى وعشرين لا تدخل في تحديد ليلة القدر ، فهي ليست من السبع الأواخر فهذا الحديث ينقض القاعدة نقضاً من جذورها هذا إجمالاً فكيف بمن يقطع بأن ليلة القدر تكون ليلة إحدى وعشرين في إحدى السنوات. فدلّ على ان القطع بتحديد ليلة القدر سواء في التسمية باطلٌ بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الاستدلال من كلام العُلماء : قال ابن حجر رحمه الله :
{ أروا بضم أوله على البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام إنها في السبع الأواخر , والظاهر أن المراد به أواخر الشهر , وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين , فعلى الأول لا تدخل
ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث وعشرين , وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين , وقد رواه المصنف في التعبير من طريق الزهري عن سالم عن أبيه " إن ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر , وإن ناسا أروا أنها في العشر الأواخر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في السبع الأواخر " وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به , وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري بلفظ " رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها " ورواه أحمد من حديث علي مرفوعا " إن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي " ولمسلم عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر بلفظ " من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر " ولمسلم من طريق عقبة بن حريث عن ابن عمر " التمسوها في العشر الأواخر , فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي " , وهذا السياق يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع . }
الدليل الثاني :
عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ، متفق عليه وجاء عن غيرها من الصحابة بمعنى هذا الحديث وسبق ذكر بعضها .
وجه الاستدلال من الحديث : أن ليلة القدر تكون في ليالي الوتر ، وقد يعترض عليّ أخي الحبيب ممدوح وينقض استدلالي هذا بأنه فيه تحديدٌ لليلة القدر مع أنك استدللت سابقاً بأن ليالي الوتر لا تعلم إلا بعد خروج الشهر ، فالجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم أبهم وهذا الإبهام يشمل الليلة ويشمل كذلك ليالي الوتر مما يجعل المرء مستغلاًّ لكل الليالي بالقيام ، هذا على قول من قال بأن الوتر لا يعلم إلا بعد خروج الشهر أمّا من قال بأن ليالي الوتر المرادةُ بالحديث هي ليالي الوتر نفسها وإن نقص الشهر فالإبهام هنا يكون لليلة القدر نفسها ، فكلا أصحاب القولين يردون على هذه النظرية سواء أبهمت ليلة القدر وحدها أم أبهمت ليلة القدر مع ليالي الوتر ، فالنتيجة واحدة وهي عدم جواز القطع بتحديد وتسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء .
الدليل الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى . أخرجه البخاري.
وجه الاستدلال بالحديث :
الرسول صلى الله عليه وسلم حدد إمكانية حصول ليلة القدر في الليلة التاسعة المتبقية من الشهر ، وهذا لا يمكن معرفته إلا بخروج الشهر هل هو ثلاثين أو تسعة وعشرين ؟ . وكذلك الكلام في السابعة التي تبقي والخامسة التبي تبقي ، فهذا فيه الدلالة على أنه لا يمكن تحديد ليلة القدر بليلةٍ معينة فكيف بمن ربطها باسمٍ معين ، وأصحبت ليلة الثلاثاء !! .
الدليل الرابع : عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة . أخرجه البخاري .
وجه الاستدلال بالحديث : هذا الحديث فيه رفع العلم بليلة القدر عن النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة ، وذكر ابن حجر أن سبب الرفع ما حدث في القصة والسبب الآخر هو ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أريت ليلة القدر , ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها " قال ابن حجر : ( وهذا سبب آخر ) ، وقال عن رفعها رحمه الله :
{ قوله ( فرفعت ) أي من قلبي , فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين , وقيل : المعنى فرفعت بركتها في تلك السنة , وقيل التاء في رفعت للملائكة لا لليلة , وقال الطيبي قال بعضهم رفعت أي معرفتها , والحامل له على ذلك أن رفعها مسبوق بوقوعها فإذا وقعت لم يكن لرفعها معنى , قال ويمكن أن يقال المراد برفعها أنها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت بعد , فنزل الشروع منزلة الوقوع , وإذا تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بتعيينها ؟ فيه احتمال , وقد تقدم قول ابن عيينة في أول الكلام على ليلة القدر أنه أعلم , وروى محمد بن نصر من طريق واهب المغافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ليلة القدر ؟ فقالت : لا , لو علمها لما أقام الناس غيرها ا ه . وهذا قالته احتمالا وليس بلازم , لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضا فيحصل الاجتهاد في جميع العشر كما تقدم . واستنبط السبكي الكبير , في " الحلبيات " من هذه القصة استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها ; قال : ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر
بها , والخير كله فيما قدر له فيستحب اتباعه في ذلك , وذكر في " شرح المنهاج " ذلك عن " الحاوي " قال : والحكمة فيه أنها كرامة والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق من جهة رؤية النفس فلا يأمن السلب , ومن جهة أن لا يأمن الرياء , ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس , ومن جهة أنه لا يأمن الحسد فيوقع غيره في المحذور , ويستأنس له بقول يعقوب عليه السلام ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ) الاية } .
وكلام ابن حجر ومن نقل عنهم رحمهم الله هنا غايةً في الوضوح والبيان في رد هذه النظرية والقاعدة التي أتيت بها أخي الحبيب الكريم ممدوح الجبرين سددك الله ، فأين تسمية ليلة القدر صراحةً من النبي صلى الله عليه وسلم كما ادعيت ؟؟
والكلام على علم الرسول ليس حجة فالرسول يعلم مالا نعلم وقد قال : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً..... الحديث ).
الدليل الخامس :
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين ، أو قال : تحروها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر } . رواه أحمد بإسناد صحيح . وبمثله عن معاوية عند أبي داود وعن ابن عباس عند أحمد .
وجه الاستدلال بالحديث : هنا عيّن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر فقال هي ليلة سبع وعشرين ؟ سواءً أكانت ليلة ثلاثاء أم كان الشهر كاملاً أو ناقصاً ، فهذا التعيين ليس فيه ارتباط بالتسمية ، ومعنى هذا الحديث وربطه بليلة سبع وعشرين يخالف الأصول التي بنيت عليها أخي العزيز الكريم ممدوح تسميتها بليلة الثلاثاء من ناحتين : العقلية الحسابية ، والشرعية النظرية ، وقد تقدم توضيح هذا .
وقد تحتج عليّ أخي الكريم برأي القائلين أنه لا تعلم ليلة سبع وعشرين حتى ننظر هل الشهر كامل أم ناقص ، فإن احتججتَ به احتججتُ عليك بحجة أصحاب هذا القول في رد نظريتك وقاعدتك وتسميتك ، وهذا قد سبق الكلام عليه أيضاً في معرض الأدلة السابقة .
خاتمة هذا الفصل :
اعلم أخي ممدوح سددك الله دوماً وأنت أخي القارئ الكريم أن كل الأحاديث الواردة في تحري ليلة القدر والتماسها وتحينها في الصحيحين وغيرها ، كلها تدور على نفس أوجه الاستدلال على الأدلة الخمسة التي ذكرتها ، فأي دليل لم أذكره تستطيع أن تدرجه مع نظيره ، فألفاظ هذه الأحاديث متقاربة ولا زيادة فيها على ذلك .
الفصل الثاني :
الأدلة الموقوفة على أقوال وأفعال وفهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والتي تقتضي بطلان النظرية
الدليل الأول والثاني : ( 1- صيام معاوية رضي الله عنه يوم الجمعة 2- عمل ابن عباس رضي الله عنه بالرؤية )
عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
وجه الاستدلال من الحديث : هذا دليلٌ صريح واضحٌ على أن معاوية صام يوم الجمعة وصام معه الصحابة والتابعون وعامة المسلمين في الشام ، وتوجيه هذا الدليل بأكثر من ذلك تكلّف ، فإن قال أخي الحبيب ممدوح أن صيامه يحتمل الخطأ بناءاً على أن ليلة القدر التي مرت عليهم تلك السنة لم تكن ليلة الثلاثاء حيث دخل رمضان يوم الجمعة ، نقول : التخطأةُ هنا لدليل شرعي صريح ، فعمل الصحابة دليل حتى وإن خالف ابن عباس عمل معاوية فالخلاف بينهم على الرؤية لا على أنّ رمضان لا يدخل يوم الجمعة ؟! وهذه القاعدة والنظرية تقتضي بطلان العمل باختلاف المطالع التي يُعتبر هذا الحديث أحد أعمدتها وسيأتي في باب الإلزامات على هذه النظرية ، فانظر أخي ممدوح رعاك الله كيف كانت هذه النظرية محبطة مهبطةً لأحد أنواع الأدلة في الشرع وهي عمل الصحابة ، حيث إن عمل الصحابة هنا مع اختلافهم ، كليهما دليل على بطلان النظرية التي أتيت بها .
فعمل معاوية دليل على بطلان قاعدتك أخي ممدوح فقد صام يوم الجمعة ، وعمل ابن عباس دليل على بطلان قاعدتك حيث إن ابن عباس وإن صام يوم السبت إلا أنه عمل بالرؤية ، وأنت لا تقول بالعمل بالرؤية واختلاف المطالع إذا كانت يوم الخميس يوم 29 ولا نرى الهلال ليلة الجمعة مثل ما حدث هذا العام 1425هـ .
وعلة عدم عمل ابن عباس برؤية معاوية هو إيمانه بأن المطالع تختلف لكل بلد ، فأين التشابه في مطالع المدينة والشام ؟؟ .
الدليل الثالث والرابع : ( 1- جزم ابن عباس بأنها ليلة سبع وعشرين ، 2- وجزمه أيضاً أنها ليلة أربع وعشرين )
روى عبد الرزاق في مصنفه موقوفا عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول " قال ابن عباس : دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر , فأجمعوا على أنها العشر الأواخر , قال ابن عباس : فقلت لعمر إني لأعلم - أو أظن - أي ليلة هي , قال عمر : أي ليلة هي ؟ فقلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر , فقال : من أين علمت ذلك ؟ قلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها , فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له ".
وأخرج البخاري موقوفاً على ابن عباس قال : وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس التمسوا في أربع وعشرين .
وجه الاستدلال من الحديثين:
أن ابن عباس رضي الله عنه عرف ليلة القدر بمظانها ، فرآى انها ليلة سبع وعشرين ، كما رآى أنها ليلة أربع وعشرين ، وهذا اختلافٌ في عدد ليالي الوتر والشفع ، فهذا اجتهاد صحابي يخالف الاجتهادات الأخرى من الصحابة التي استدللت بها _ إن سلمنا لك أن الاستدلال بها صحيح _ ، فدلّ لنا أن المسألة ليست قطعية ، وأنت تقطع في نظريتك ، فظهر هنا بطلان قطعك بها .
الباب الثالث :
بيان بطلان هذه النظرية من خلال الأدلة التي استدل بها الباحث جزاه الله خيراً
أو بمعنى آخر ( نقض الأدلة إلى مقابل ما جاء بها الباحث )
وتحت هذا الباب فصول :
الفصل الأول : نقض الاستدلال بالأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
الفصل الثاني : نقض الاستدلال بالأدلة الموقوفة على عمل وقول الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .
الفصل الثالث : نقض الاستدلال بأقوال العُلماء الأجلاَّء .
الفصل الأول
نقض الاستدلال بالأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الأخ الكريم ممدوح ملأ بحثه بكل الأحاديث التي وردت عن ليلة القدر ، فثلاثة أرباع البحث كله نقولات دون توجيه أو تحرير أو استنباط ، إلا في صفحات يسيرة وأسطر يسيرة فيها . فقام بسرد الأحاديث التي في البخاري ومسلم ، وأنا لا أعتبره هنا استدلال ، حيث إنّ هذه الأدلة لم توجّه ولم تحرر ولا يمكن الاستدلال بها على الظاهر ، وإنما الأحاديث التي أعتبره استدل بها هي ما أشار إليها بتوجيه بسيط أو أدرجها تحت بعض العناوين ومنها :
الدليل الأول الذي استدل به :
قال الباحث عفا الله عنه ( الرسول الكريم يوجهّـنا لطلب ليلة القدر ) ثم سرد تحت هذا الباب الأحاديث نفسها التي كررها في صفحات كثيرة عن البخاري ومسلم وغيرهما .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
كل هذا التضخيم والتكرار والعنوان يعود لمسألة واحدة بسيطة جداً تطرقنا إليها في أول هذا الحوار وهي ( المراد بالطلب والتحري والالتماس ) ، وسبق تحرير هذه المسألة وأنها ليست على وفق ما جاء به الباحث غفر الله له ، لأنه استدل بالالتماس والطلب على تسمية ليلة القدر ليلة الثلاثاء ، وذكرت أن هذا لم يفهمه الصحابة ولا التابعون ولا غيرهم ، وإنما فهموا من الالتماس والطلب هو تعيينها بالقيام والتحديد الشرعي عبر العلامات ، دون تسميتها وتحديد ليلة القدر في الأعوام القادمة والماضية وما إلى ذلك من التجوّز العقلي والحسابي والشرعي كما سبق بيانه .
إذاً فالأدلة التي استدل بها هي دليلٌ لمن لم يُسمِّ ليلة القدر وليست مع من يُسمِّ ليلة القدر ، حيث إنّه لا يوجد تسمية ولا تحديد ، ولا يمكن فهم التحديد والطلب والتحري على التسمية فقط .
الدليل الثاني الذي استدل به :
بعد أن ذكر الباحث سدده الله قوله (الرسول الكريم يوجهّـنا لطلب ليلة القدر) وسرد تحته أحاديث الالتماس ، ذكر بعد ذلك قوله (توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة بطلب ليلة القدر ) ثم ذكر نفس الأحاديث السابقة !!
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
يا للعجب ما أدري ما الفرق بين هذين الفصلين الذين عقدهما؟؟! لا من ناحية العنوان ولا من ناحية الأحاديث .
أما العنوان فلا فرق بينهما فالرسول هنا يوجه الأمة من عهد الصحابة إلى عصرنا بالتحري والالتماس فلماذا يكونان في فصلين مع أن الاستشهاد هو نفسه . وأمّا الأحاديث فإنها هي نفسها اللهمّ إنه قدم وأخّر في تسمية الصحابي وتخريجها، وأعد النظر أخي القارئ في بحث الأخ الكريم ممدوح تجد هذا الأمر عياناً .
إذاً فالكلام على هذا الباب الذي عقده هو نفس الكلام على الدليل السابق لأنه لا فرق بينهما ، فقط أضاف كلمة الصحابة للباب الثاني .
الدليل الثالث الذي استدل به :
في صحيح ابن حبّان ، عن عيينة ابن عبدالرحمن عن أبيه قال ، ذكرت ليلة القدر عند ابي يكرة رضي الله عنه فقال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : التمسوها في العشر الاواخر في سبع بقين أو خمس بقين او ثلاث بقين او في آخر ليله ... وفيه ايضا عن معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التمسوا ليلة القدر في آخر ليله .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
هذان الأثران عن أبي بكرة وعن معاوية دليل على الأخ ممدوح فيما ذهب إليه ، حيث هنا حدد النبي صلى الله عليه وسلم الليالي التي تكون فيها ليلة القدر وهي آخر سبعة ليالي تبقي أو آخر خمس أو آخر ثلاث أو آخر ليلة ، وقد عرفت أن مثل هذا الدليل الذي ورد عن جمع من الصحابة ، دليل على الأخ ممدوح لا له ، وذلك لأمرين :
1- اختلاف الليلة السابعة أو الخامسة أو الثالثة التي تبقى من رمضان لأننا لا ندري كم بقي من رمضان ؟ فإذا كنا في يوم عشرين من رمضان في بداية العشر لا ندري كم بقي من رمضان ؟ يحتمل أنه بقي من رمضان تسع ليالٍ إذا كان الشهر ناقصاً ويحتمل أن تكون عشر ليالٍ إذا كان الشهر كاملاً .
مثال آخر للتوضيح أكثر : نحن في رمضان هذه السنة 1425هـ يوم عشرين منه هو يوم الأربعاء تعقبه ليلة إحدى وعشرين ليلة الخميس ، وهي الليلة الأولى للعشر ، نحن الآن لا ندري قد يكون بقي تسع ليالي مع هذه الليلة إذا كان الشهر ناقص .
وقد يكون بقي عشر ليالي مع هذه الليلة إذا كان الشهر كاملاً . فمتى تكون الليلة السابعة ؟ أو الخامسة؟ أو الثالثة ؟ التي جاء ذكرهن في الحديث . على هذه السنة احتمال أن تكون الليلة السابعة الباقية من رمضان هي ليلة الأحد إذا كان رمضان كاملاً ، واحتمال أن تكون ليلة السبت إذا كان ناقصاً .. فالدليل يبين لنا أنها قد تكون ليلة الوتر متقدمة عن ظواهر التاريخ لنا والحساب .
السؤال أخي ممدوح رعاك الله : رمضان هذه السنة كامل أم ناقص حتى نحدد السابعة أو الخامسة المتبقية ؟؟ طبعاً لا جواب لأنه علم غيبي لا يقوله أحد .
2- أمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بالالتماس بالسابعة والخامسة والثالثة دليل على اختلاف الحساب واختلاف الحساب يؤدي إلى اختلاف التسمية ، فإذا بطل تحديد ليلة القدر بالحساب بطل تحديدها بالتسمية .
بهذا يتبين لك أن الأدلة التي استدل بها الأخ ممدوح جزاه الله خيرا جاءت على خلاف استدلاله ، والله أعلم .
الدليل الرابع الذي استدل به :
عقد الأخ الحبيب ممدوح فصلاً قال في بدايته : ( الد ليل على ان علم ليلة القدر ليس من علم الغيب ) ثم ذكر نفس الأحاديث السابقة وقال في نهاية كل حديث ( بحسب لفظ الحديث ):
( فهل يأمرنا رسول الله بأن نتحرّاها وهي من علم الغـيب ؟
فهل يأمرنا رسول الله بألتماسها وهي من علم الغيب ؟ )
إضافة إلى أنه استشهد بأدلة لا علاقة لها بجواز تسمية ليلة القدر شرعاً البتة ، ومنها حديث عائشة : ( قلت يارسول الله أرأيت ان علمت اي ليلة القدر ما اقول فيها ؟ قال : قولي : اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه . فهل يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها هذا ، ثم تكون من علم الغـيب ؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
قبل أن انتقض هذا الدليل ، يجب علينا أن نفرق بين مسألتين : الأولى : تحديد ليلة القدر بالعلامات الشرعية ، الثانية : تحديد ليلة القدر بالتسمية . وهاتان المسألتان بينهما ما بين المشرق والمغرب من الفرق والبون . لا من حيث الصورة ولا من حيث الحكم والاستدلال ، وما هذا الحوار وتقسيم أبوابه إلا لتوضيح ذلك .
فتحديد ليلة القدر بالعلامة الشرعية كأن تكون ليلة إحدى وعشرين من هذه السنة فيما يظهر لنا بالتاريخ شمسها صافية لا شعاع ولا برد فيها ولا حر ، كما أننا تحرينها قبل ذلك بالعبادة والتضرع والبذل والاستمرار عليه طيلة العشر فهذا ليس من ادعاء علم الغيب بل امتثال لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
أما التسمية بان تكون ليلة القدر هي ليلة الثلاثاء طول السنوات فهذا إدعاء علم الغيب صراحةً وتطاول على نصوص الكتاب والسنة وفهم على غير فهم القرون المفضلة وهم قومٌ عرفوا الحساب والعد، وأرجو أن لا تغضب عليّ أخي العزيز ممدوح من هذا الكلام ، فقد قلتُ ما أعتقده كما قلتَ أنتَ ما تعتقده . وسيتضح لك ذلك جليَّاً في باب الإلزامات .
الدليل الخامس الذي استدل به :
قال أخي ممدوح : (الرسول صلى الله عليه و سلم كان يعلم باسم ليلة القدر ) ثم ذكر الأحاديث التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم تلك الليلة .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أقول أن هذا من المسلّمات عقلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم اسم ليلة القدر التي أنسيها ، فقد أوحى الله إليه بليلة القدر ، وبالتأكيد أنه سيعرفها باسمها تلك السنة ، لكن أين الدليل على أن اسم تلك الليلة هي ليلة الثلاثاء يا أخي ممدوح ؟ ثم لو فرضنا أن تلك الليلة هي ليلة الثلاثاء وجاءت رواية صحيحة أو ضعيفة أن تلك الليلة هي ليلة الثلاثاء : أين الدليل صحيحاً كان أو ضعيفاً أن ليلة القدر ستستمر على أن اسمها ليلة الثلاثاء ؟؟؟ فهذا مما يجعل المرء عند سماعه مثل هذه النظرية وهذا الكلام يصاب بالوحشة والنفرة من مثل هذه الأمور ، فطريق السلف أعلم وأحكم .
إلى هنا عرفت بطلان الاستدلال بهذه الأدلة على هذه النظرية والله أعلم .
الفصل الثاني
نقض الاستدلال بالأدلة الموقوفة على عمل وقول الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
الدليل الأول الذي استدل به : ( قول أبيّ بن كعب رضي الله عنه )
قال أخي العزيز ممدوح ( روى مسلم رحمه الله في صحيحه ان صاحب رسول الله أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : والله الذي لااله الاّ هو انها لفي رمضان ، ووالله اني لأعلم اي ليلة هي ، هي الليلة التي امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين .. فيا سبحان الله أيحلف أبيّ بن كعب صاحب رسول الله زورا وبهتانا ؟ لا والله لقد صدق وبرّ ...أبعد هذا تكون من علم الغيب ؟ سبحان الله ...) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أقول والله لقد صدق وبر وصدق الصحابة كلهم أجمعون ، ووالله إني لا أفهم ولا يفهم القارئ الكريم ولا أحد من العرب الأقحاح أنَّ يمين أبيّ بن كعب تجوّز لنا تحديد ليلة القدر بليلة الثلاثاء من كل رمضان ، ووالله أن أبيّ لصادق في تحديدها لأنه لم يحددها من عقله ولا من حسابٍ تعارض مع النقل بل أخذها من فلَقَ فم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأبيّ ضرب بالعقل عرض الحائط وأخذ بالنقل وهو تحديد الرسول صلى الله عليه وسلم لليلة القدر ، وتوجيه هذا الدليل نقَلَتْهُ يداك أخي ممدوح عن ابن حجر من فتح الباري ، فأين جمع التوجيه بين الأدلة التي حددت ليلة القدر بسبع وعشرين أو ثلاث وعشرين ؟! .
فشتان بين استدلال أبي رضي الله عنه وبين استدلالك أخي الحبيب ممدوح ، فهذا الصحابي الجليل أبي بن كعب استدل بالنقل ، وأنت استدللت بالعقل ، وإن قلت أنت : (بل استدللتُ بالنقل ) أقول لك النقل يخالف دليلك وقد سبق بيان ذلك جليّاً .
الدليل الثاني الذي استدل به:
قال أخي العزيز ممدوح : ( ابوسعيد الخدري رضي الله عنه يقول انها ليلة احدى وعشرين وهذا في الصحيحين ، ثم تقولون انها من علم الغيب ؟ أأنتم أعلم ام صاحب رسول الله ؟؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أخي العزيز ممدوح كيف تستدل بهذا الأثر مجرداً ، وأنت نقلت بخط يدك في بحثك ما يخالف هذا صراحةً ؟! وقبل أن أبين لك ما نقلت بخط يدك ، أنت هنا تفهم من هذا النص أنه يؤيد تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء ، فما نقلته بخط يدك هو أثر ابن عباس الذي حدد ليلة القدر بليلة أربع وعشرين .
فتبين هنا أن استدلالك بهذا الأثر جاء عليك لا لك من ناحيتين :
1- أنه متعارض مع أثر ابن عباس في تحديد ليلة القدر بغير ليلة الوتر وهي ليلة أربع وعشرين .
2- أنت فهمت أن ابا سعيد الخدري يوافق فهمك ، وشيخ الإسلام يخالفك في الفهم أخي ممدوح ، وقد نقلت لك كلامه سابقاً في الفصل الثاني من الباب الأول ، وأعيده لك الآن : (فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع . وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى . وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح . وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر . وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي . كالتاريخ الماضي . وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { تحروها في العشر الأواخر } ) انتهى ، وأنت للأسف لم تنقل هذا النص في بحثك بينما نقلت من كلام شيخ الإسلام ما يوافق رأيك فقط ، وسيأتي توضيح ذلك .
من هنا عرفت أخي الكريم ممدوح أن هذا الدليل عليك لا لك ، فالفهم لهذا الأثر قُدتُّهُ قوداً لرأيك ولم وتطلق عنان فهمك لما يوافق اللغة والشرع وفهم من سبقك من أئمة الإسلام .
الدليل الثالث الذي استدل به:
قال أخي الكريم ممدوح : ( عبدالله بن انيس رضي الله عنه كان يقول انها ليلة ثلاث وعشرين ، وهذا في الصحيحين . أبعد هذا تكون من علم الغيب ؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أقول في هذا الأثر كما قلت في أثر ابي سعيد الخدري رضي الله عنهما بالأمرين ، وأزيد ثالثاً أيضاً : أن هذا ليس علماً بالغيب فهو فَهِمَ كما فهم أبي بن كعب رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ، فهم فهموا حسب النقل لا العقل ، وأنت قلت بالعقل والحساب المخالف للشرع والنقل . وقلتُ سابقاً شتان بين تحري ليلة القدر بالعلامة الشرعية وبالعمل والطاعة ، وبين تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء .
الدليل الرابع الذي استدل به:
قال أخي ممدوح : ( روى الامام احمد رحمه الله في مسنده عن ابي عقرب الاسدي قال ، اتيت عبدالله بن مسعود فوجدته على انجاز له ، يعني سطحا ، فسمعته يقول : صدق الله ورسوله ،فصعـدت اليه فقلت : ياابا عبدالرحمن مالك قلت ، صدق الله ورسوله ؟ قال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأنا ان ليلة القدر في النصف من السبع الاواخر وان الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع قال ، فصعدت فنظرت اليها فقلت : صدق الله ورسوله ، صدق الله ورسوله أبعد هذا يقول من يقول انها من علم الغيب ؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
نقض هذا الدليل هو بما نقض الاستدلال بالأدلة السابقة من الأمور الثلاثة السابقة ، وأزيد أمراً رابعاً وهو :
أن قول ابن مسعود : (نبأنا ان ليلة القدر في النصف من السبع الاواخر وان الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع ) هنا نص صريح بأنها تكون إحدى ليلتين متتاليتين ، حيث إن نصف السبع الأخير يكون وتراً في حال كمال الشهر ويكون شفعاً في حال نقص الشهر .
من هنا تبين بطلان استدلالك بأثر ابن مسعود وأنه دليل عليك لا لك .
الدليل الخامس الذي استدل به:
قال اخي القدير ممدوح : (عمر ابن الخطاب( رضي الله عنه) كان يسأل الصحابه عن ليلة القدر ) ثم ذكر تحته الحديث الآتي : (في صحيح ابن خزيمه,باب الأمر بالتماس ليلة القدر وطلبها في العشر الاواخر من رمضان روى ابن خزيمه في صحيحه :(ح2172)باسناد صحيح قال حدثنا علي ابن المنذر حدثنا ابن فضيل حدثنا عاصم ابن كليب الجرمي عن ابيه عن ابن عباس قال : كان عمر يدعوني مع اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيقول لي :لا تكلّم حتى يتكلموا. قال :فدعاهم فسألهم عن ليلة القدر فقال :أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الاواخر.أي ليلة ترونها ؟
وفي مسند الامام احمد ,عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال , ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم ( فالتمسوها في العشر الاواخر وترا) ففي أي الوتر ترونها ؟ )
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
على فرض صحة هذا الأثر ( فقد تُكلم في عاصم بن كليب عن ابيه عن جده ) أقول على فرض صحته فإن هذا الحديث يصح الاستدلال به على عدم جواز تسمية ليلة القدر لا في جوازها ، حيث سبق بيان رواية عبد الرزاق في مصنفه وهي : ( عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول " قال ابن عباس : دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر , فأجمعوا على أنها العشر الأواخر , قال ابن عباس : فقلت لعمر إني لأعلم - أو أظن - أي ليلة هي , قال عمر : أي ليلة هي ؟ فقلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر , فقال : من أين علمت ذلك ؟ قلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها , فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له).
فإذا علمت تمام هذه القصة وعلمت أن ابن عباس لم يقطع بها ، وعلمتَ أن سؤال عمر رضي الله عنهم أجمعين ليس سؤالاً عن تسميتها بل عن تحديدها الشرعي الذي جاءت به الأدلة السابقة ، عرفت بعد ذلك بطلان الاستدلال بهذا السؤال لعمر وأن سؤال عمر إنما هو دليل على العمل بالتحديد الشرعي ، لا بالتسمية ، والله أعلم .
الفصل الثالث
نقض الاستدلال بأقوال العُلماء الأجلاَّء
* كان من دوافع هذا الحوار مع أخي الحبيب ممدوح هو الدفاع عن الأئمة الأعلام ومنارات الإسلام ، إضافةً إلى الدافع الأساسي وهو مناقشة عدم صحة هذه النظرية من الوجوه والتقاسيم التي ذكرتها .
فعندما يقرأ القارئ بحث الأخ ممدوح يظن أن هؤلاء الأئمة يقولون بهذه النظرية التي أتى بها الأخ الفاضل ، وحتى لا يتوهم أحدٌ بذلك أفردت تفصيل تبرئتهم من هذه النظرية ذبَّاً عنهم ودفاعاً عنهم .
وتحت هذا الفصل مسائل :
المسألة الأولى : تبرئة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
المسألة الثانية : تبرئة الإمام شرف الدين النووي رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
المسألة الثالثة : تبرئة الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
المسألة الأولى :
تبرئة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله براء من هذا القول ، وقد قال بما يخالف مقتضى هذه النظرية وهذه القاعدة التي أتى بها الأخ ممدوح ، وستعرف ذلك أخي القارئ من خلال الأمور التالية :
الأمر الأول : قال الأخ ممدوح حفظه الله : ( قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في مجموعة الفتاوى ، المجلد 25 ص 285 و 286: فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (تحروها في العشر الأواخر ) وتكون في السبع الأواخر أكثر ، وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام او اليقظه فيرى انوارها ، او يرى من يقول له هذه ليلة القدر ، وقد يفتح الله على قلبه من المشاهدة مايتبيّن به الامر . أيقول هذا شيخ الإسلام ثم تكون من علم الغيب ؟ )
القارئ لهذا الكلام يعتقد أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء ليست من العلم بالغيب ، وما قال شيخ الإسلام إلا القول الذي فهمه الصحابة رضوان الله عليهم ، حيث رأوا أن التحري بالعلامة الشرعية ليس علماً بالغيب ، بخلاف التسمية التي هي من ضروب التنجيم والتكهّنّ ، وشيخ الإسلام جعل العلامة الشرعية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي التي يُلهمها المسلم وتكشف له سواء في المنام بأن يراها أنّها ليلة كذا ، والرؤيا معتبرة شرعاً مالم تخالف القواعد الشرعية ، أو في اليقظة بأن يوفّق لرؤية العلامة ، لا أن يقارن بالحساب عدة سنوات ثم يأتي ويطبق هذا التوافق على الدهر كله ويبني فوق ذلك تخطئة المسلمين في صيامهم وإفطارهم .
هذا هو الذي قصد شيخ الإسلام رحمه الله وغفر له وجمعنا به في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والصالحين .
الأمر الثاني : لو كان شيخ الإسلام رحمه الله يرى جواز تسمية ليلة القدر تحديداً باسم معيّن ، لما قال هذا القول والذي نقلتُه لك سابقاً : قال في مجموع الفتاوى (284/25) : (فأجاب : الحمد لله . ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { هي في العشر الأواخر من رمضان } . وتكون في الوتر منها . لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين . ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى } . فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع . وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى . وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح . وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر . وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي . كالتاريخ الماضي . وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { تحروها في العشر الأواخر } ) انتهى كلامه .
فماذا سيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لو سمع بقولك ؟! وقد فصّل القول رحمه الله في مجموع الفتاوى بأن الإلهام ليس من مصادر الأحكام الشرعية التي يبني عليها المسلم حكماً كالذي ذكرت في خطأ دخول رمضان وأنّ هذا إلهام الهمكَهُ الله تعالى.
الأمر الثالث : أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لا ينكر ترائي الهلال مهما كانت الحال ، ويقول باختلاف المطالع ، وأنت لا تقول به ، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الإلزامات ، فشيخ الإسلام برئ ورب الكعبة من القول بعدم جواز ترائي الهلال يوم الخميس الموافق29 من شعبان ، لأنّ رمضان لا يمكن أن يدخل في يوم جمعة ، وكذلك إذا كان 29 من شعبان يوم السبت ، برئ ورب الكعبة ، وكتبه وتراثه ناطقة بذالك ، فأعطها من وقتك بالسبر والقراءة والتمعّن تدرك ذلك جيداً أخي ممدوح سددك الله .
بهذا يتبين لك أخي القارئ أن شيخ الإسلام برئ من القول بهذه النظرية أو بمقدماتها براءةً ناصعة كالشمس .
المسألة الثانية :
تبرئة الإمام شرف الدين النووي رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
تبرئة الإمام النووي رحمه الله من القول بهذه النظرية أو القول بمقدماتها ، وذلك واضحٌ من نفس المصدر الذي استدل به الأخ ممدوح عفا الله عنه ، وذلك يتضح في أمور :
الأمر الأول : قال الأخ ممدوح : (وقال الامام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم الجزء الثامن ، كتاب الصيام باب 40 ص 314 ما نصّه : واعلم ان ليلة القدر موجوده كما سبق بيانه في اول الباب فانها ترى ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنه في رمضان كما تظاهرت عليه هذه الاحاديث السابقه في الباب ، واخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها اكثر من ان تحصر) انتهى قوله رحمه الله ،أبعد هذا يأتي من يأتي ويقول انها من علم الغيب ؟ سبحان الله ... ) انتهى كلام ونقل الأخ ممدوح .
الذي جعل الأخ ممدوح يتشبث بأن النووي يقول بمقدمات هذه النظرية هو قول النووي (فانها تُرى ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنه ) وهذا ما لُبّس على الأخ ممدوح كما سبق ذلك في فهم كلام شيخ الإسلام ، فالنووي رحمه الله كابن تيمية وهما فهما كفهم الصحابة من أن بعض الصالحين يرى ليلة القدر سواء كان يقظةً أو مناماً ، لكن هذه الرؤية هي حسب العلامات الشرعية ، لا أنّ يسمِّيها كل سنة بليلة الثلاثاء ويبطل الحساب الذي يؤخرها أو يقدمها عن هذه الليلة . فالنووي واضح كلامه أنه يقصد ذلك وهو براء من هذا القول أو مقدماته .
الأمر الثاني : أن النووي رحمه الله لا ينكر ترائي الهلال مهما كانت الحال ويرى اختلاف المطالع وأنت أخي ممدوح لا تقول به ، والذي جعلني أقول ذلك ما ذكرته سابقاً من أنك تنكر ترائي الهلال إذا كان يوم الخميس الموافق29 من شعبان ، لأنّ رمضان لا يمكن أن يدخل في يوم جمعة ، وكذلك إذا كان 29 من شعبان يوم السبت .
واقرأ ماذا يقول النووي رحمه الله : (والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ..) ، أي أنّ لكل بلد رؤيته ، ولا بد من رؤية الهلال ولا يستنثى ذلك أبداً لا حالة خاصة ولا حالة عامة .
الأمر الثالث : الأصرح ممّا سبق أخي ممدوح في أن النووي يخالفك مخالفةً شديدة هو قوله رحمه الله: ( المراد برفعها رفع بيان علم عينها ، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها ) . وعضّ على هذا الكلام أخي ممدوح بالنواجذ ، ففيه أمور: الأول : أن التسمية لو صحت تُعد من العين المرفوع عن ليلة القدر ، فكيف يرفع العلم بعينها ويبقى اسمها ؟
الثاني : أن الالتماس لا يعني معرفةُ عنيها عند تعريف الإمام النووي .
الثالث : قول النووي : ( تحينوا ) أي اطلبوا حينها وهو زمانها ، أي أن زمن وجودها باقي لكن العلم بعينها رفع .
بهذا يتبين لك براءة النووي رحمه الله من القول بمقدمات هذه النظرية فضلاً عن القول بها ، والله أعلم .
المسألة الثالثة :
تبرئة الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
تبرئة الإمام ابن حجر رحمه الله أمر واضح يتبين لك أخي الكريم مما سبق الاستشهاد به من كلامه رحمه الله ، وهنا أمور ننبه عليها :
الأمر الأول : قال ابن حجر رحمه الله في أقوال العلماء في تحديد ليلة القدر – وهذا مما سطره ونقله الأخ ممدوح في بحثه - : ( الخامس والعشرون : أنها في أوتار العشر الأخير وعليه يدل حديث عائشة وغيرها في هذا الباب , وهو أرجح الأقوال ).
قد يظن الباحث أن ابن حجر يوافقه في التنقل وفي الأوتار ، لكن هذا سيتضح لك في الأمر الثاني .
الأمر الثاني : قال ابن حجر رحمه الله : { أروا بضم أوله على البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام إنها في السبع الأواخر , والظاهر أن المراد به أواخر الشهر , وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين , فعلى الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث وعشرين , وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين , وقد رواه المصنف في التعبير من طريق الزهري عن سالم عن أبيه " إن ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر , وإن ناسا أروا أنها في العشر الأواخر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في السبع الأواخر " وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به , وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري بلفظ " رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها " ورواه أحمد من حديث علي مرفوعا " إن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي " ولمسلم عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر بلفظ " من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر " ولمسلم من طريق عقبة بن حريث عن ابن عمر " التمسوها في العشر الأواخر , فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي " , وهذا السياق يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع . }
هنا يتبين لك أن ابن حجر يقول بأنه لا يمكن تحديد ذلك إلا بعد خروج الشهر فنعرف متى تكون الليلة التاسعة التي تبقى والخامسة وهكذا .
الأمر الثالث : قال ابن حجر : { قوله (باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس ) أي بسبب تلاحي الناس , وقيد الرفع بمعرفة إشارة إلى أنها لم ترفع أصلا ورأسا . قال الزين بن المنير : يستفاد هذا التقييد من قوله " التمسوها " بعد إخبارهم بأنها رفعت , ومن كون أن وقوع التلاحي في تلك الليلة لا يستلزم وقوعه فيما بعد ذلك , ومن قوله " فعسى أن يكون خيرا " فإن وجه الخيرية من جهة أن خفاءها يستدعي قيام كل الشهر أو العشر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها }.
هنا ابن حجر يرجح خفاء عينها ، وبالتالي لا يمكن أن يقول بجواز تسميتها .
بهذه الأمور يتبين لك سلامة ابن حجر من مقدمات هذا القول أو أن يدلي بمبادئه ، والله أعلم
الباب الرابع :
( الإلزامات المستخرجة من هذه النظرية )
بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من خلال المسائل المبنيّة على هذه النظرية والتي يستلزم أن يقول ببطلانها الباحث عفا الله عنه .
المسألة الأولى : الخلل في نص حديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
المسألة الثانية : أنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على صيامٍ خاطئ في التوقيت .
المسألة الثالثة : أن المطالع لا تختلف ، والعالم كله يكون له رؤية واحدة .
المسألة الأولى :
الخلل في نص حديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
هذا أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتراءى الهلال يوم التاسع والعشرين من شعبان ، فإن رأيناه وإلا أكملنا عدة شعبان ثلاثين ، كما هو تمام الحديث الذي في الصحيحين . وهذا الحديث عام في كل مقام وحال وكل سنة ، لا نستثني من ذلك أي سنة . و بناءاً على النظرية التي أتى بها أخي ممدوح الجبرين فإننا لا نتراءى الهلال إذا كان يوم الخميس أو السبت من كل سنة هو التاسع والعشرون من شهر شعبان ، لأن ذلك مفضي إلى أنه لا تكون ليلة القدر ليلة ثلاثاء في وتر العشر الأواخر . وإذا ترائينا فنحن مخطئون . كما قال بذلك هذا العام 1425هـ .
فالأمر لايخلو من حالين :
1- إمّا أن نص الحديث فيه خلل في فهمه أو ألفاظه ، وحاشا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
2- أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بهذه الحالة ولم يبينها لنا ، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة .
وهذه المسألة من المستلزمات الباطلة المبنية على هذه النظرية التي هي أشد بطلاناً وخرقاً للقواعد الشرعية .
المسألة الثانية :
أنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على صيامٍ خاطئ في التوقيت .
عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
بناءاً على هذه النظرية والقاعدة يتبين لنا أن الصحابة كانوا على خطأ في صيامهم في الشام مع معاوية حيث رأوا الهلال ليلة الجمعة ، هذا في هذا الحديث ، ويقاس على ذلك في السنوات التي صاموها يوم الجمعة أو يوم أحد ، ولم يأتنا تحديدها ، لكن حديث كريب مثال عليها .
وتخطئتهم لا تكون إلا لسببين لا ثالث لهما :
1- أنهم ليسوا على درجة من الفهم لنصوص السنة التي جاءت في ليلة القدر ، وهذا باطل .
2- أن عصرنا تفضل عليهم بهذه النظرية ، فتبين لنا مالم يتبين لهم من خطأهم في التوقيت وهذا أشد بطلاناً .
وهذه المسألة من المستلزمات الباطلة المبنية على هذه النظرية التي هي أشد بطلاناً وخرقاً للقواعد الشرعية .
المسألة الثالثة :
أنَّ المطالع لا تختلف ، والعالم كله يكون له رؤية واحدة
من الأمور التي تنبني على هذه المسألة ولا بد من القول بها هو أنَّ المطالع لا تختلف ، والعالم كله يكون له رؤية واحدة ، فالبلد المتأخر عن البلد الذي صام يوم الخميس يَرِدُ عليه أن يرى الهلال ليلة الجمعة فيصوم يوم الجمعة ، إذا رأوا الهلال ، وهنا نقول بخطأ هذا الاختلاف بناءاً على أن المطالع لا تختلف .
واختلاف المطالع مشاهد حساً وعقلاً ، ولا ينكره إلا من أنكر الشيء المحسوس ، وقد ثبت ذلك بالأدلة الشرعية ، وإقرار علماء الفلك .
وهذه المسألة التي ذكرت من المستلزمات الباطلة المبنية على هذه النظرية التي هي أشد بطلاناً وخرقاً للقواعد الشرعية .
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن خير الهدى هدى محمّد صلى الله عليه وسلم ثم صحابته الكرام ثم من تبعهم بإحسانٍ من التابعين الأجلاّء وأئمة الدين وأعلام الهُدى ومنارات الإسلام ، واقتفى أثرهم ووسعه ما وسعهم فلم يحد عمّا كانوا عليه من العمل والقول والفهم ، فبهذا يكون المسلم مرتاح الضمير ، ومعذورٌ أمام الله سبحانه وتعالى في اتباعه لهم ، وقد أغلق في ذلك الباب على الشيطان خشية أن يوصله إلى الابتداع أو اتباع غير هُداهم .
والمسلم مفتاح للخير مغلاقٌ للشر ، والحكمةُ ضالته أين ما وجدها فهو أحق بها . وخط رجعته مفتوح متى ما رأى الحق اتبعه ، وعمل به ، وأين ما وجد الصواب أخذه وقال به ، لا يحيده عن ذلك بَطَرٌ أو هوى ، ولا يضيرهُ ذلك أمن صغير أو كبير صدَر ، أو مِن أقل أو أكثر منه قيمةً بدَر .
وما السبيل الموصل إلى الحق إلا الكلمة الطيبة والدليل الناصع والحجة الواضحة مع فهم سليم وقلب بعيد عن الهوى وحب الذات ، ودعوة صادقة يسألها المسلم لنفسه من الله تعالى بأن يريه الحق ويرزقه اتباعه ، ويريه الباطل ويرزقه اجتنابه ، مهما بلغ من مراتب الفهم والعلم والوضوح والبيان ، فعقل الإنسان وفهمه مظنة الخطأ .
بهذه المبادئ العظيمة التي رسمها التشريع لنا يستطيع المسلم الوصول إلى الحق مهما وقفت العقبات أمامه شامخة _ إن كان يريد اتباع الحق _ وإلا فهو يقول مالا يفعل ويدعي مالا يعي .
وقد يكون الحق الذي اختلفت عليه عقول البشر بطلبه أو ادّعائه في أمر لا مكان للاختلاف فيه ، وقد يكون ذلك أيضاً في أمرٍ المكان فيه للاختلاف ساحةٌ رحبةٌ يمكن للعقل أن يصول ويجول فيها ، فلتفرّق أيها العقل بين ما يمكن أن تخوض فيه ومالا يمكن أن تخوض فيه .
وما يمكن للعقل أن يخوض فيه يكون ذلك بتوضيح البراهين والنقاش العلمي البعيد عن كل آفةٍ تؤول به إلى وحل التنازع المقيت والبلَد الذهني المُميت .
وإني أسألُ الله تعالى أن يوفقني في حواري مع الأخ القدير ممدوح بن متعب الجبرين إلى المعاني العظيمة التي رسمها لنا الشرع في مخاطبة المسلم أخيه المسلم ، ففي الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه " متفق عليه .
فالأخ الكريم ممدوح بن متعب الجبرين نظّر تنظيراً فريداً لم يأت به أحدٌ من قبل ، وقعّد تقعيداً جديداً لم يُسبق إليه حول مسألة تسمية ليلة القدر تسميةً مرتبطةً بليلة الثلاثاء وإبطال كل ما ترتب على خلاف ذلك .
وهو حفظه الله عُرف بالصلاح ، وما هذا التنظير الذي نظّره والتقعيد الذي قعّده إلا لنية صالحةٍ في سويداء قلبه ، أراد بها الخير ما استطاع ، والله يجازي المجتهد على قدر اجتهاده .
وفي عام 1424هـ رأيت بحث الأخ الكريم الذي راج بين الناس ، ووقع في نفسي ما وقع من الغرابة والدهشة ممّا أتى به الأخ العزيز سدد الله خطاه على طريق الحق . فلمّا كان هذا العام 1425هـ الذي أعاد فيه الأخ تنظيره وتقعيده وبحثه ، وفُتح الحوار معه عبر ملتقيات فضاء ، وتوالت عليه الأسئلة والردود مابين مستنكر ومستفسر ومؤيّد ومعجب ، وبإجابات الأخ الكريم على هؤلاء عرفت المزيد عن نظريته وقاعدته بل أكاد أني ألممتُ بكل ما أراد الوصول إليه جزاهُ الله خيراً .
فعرفتُ استدلالاتِه وبراهينَه النقلية والعقلية ، وما ساقه فهمه واجتهادهُ إليه ، واعتراضاتِهِ وتوجيهاتهِ ، وتأويلاته وما إلى ذلك من المسائل الشرعية أو العرفية التي تصح أو تبطل إذا بنيناها على النظرية التي أتى بها ، وما يلزم ذلك وما لا يلزم .
ولمّا راج هذا الرأي للأخ العزيز القدير حفظه الله هذا العام بين الناس مرةً أخرى ، وأصبح حديث بعض المجالس العامة والخاصة . حُقَّ لمن خالفَهُ أن يبدي وجهة نظره من غير تعصّب ولا تشنيع ، والخلاف لا يفسد للود قضية ، والاختلاف في العلم لا يورث إيغار الصدور ، ولا يولّد الشحناء أو البغضاء .
لذلك لما تيقنتُ ممّا سبق من الأدلة والبراهين والحجج والتوجيهات والاعتراضات التي يعتقد بها الأخ الكريم جازماً صحة ما ذهب إليه شرعتُ في بيان عدم صحة هذا الرأي وهذه النظرية وما ورائها من تلازم وانتقاض في بعض الأحكام الشرعية .
وقد سميت هذا البيان : ( حوار هادئ مع الأخ ممدوح الجبرين حول نظريته العقلية في تحديد ليلة القدر ) ، وأبعدتُ عن هذا العنوان صيغة الرد الجافّة أو السجع المتكلف حتى يكون صدر أخي ممدوح حفظه الله منشرحاً لما أذكر ، متيقناً أني لا أبتغي بهذا الحوار إلا وجه الله تعالى والنصح لي وله ، والحوار العلمي الهادف البعيد عن كل الآفات . وسمّيته نظرية عقلية وإن كان الأخ الفاضل يستشهد بأشياء محسوسة لكنه بنى هذه الأشياء المحسوسة على تركيبٍ نظريٍ عقليٍ بحت . ولم أدوّن هذا الحوار إلا بعد يقيني أن الأخ ممدوح قد كان في نظريته متيقناً وقاطعاً وجازماً فيما يقول ، حيث لو كان ظانّاً أو مستأنساً بنظريته فقط ، ما سطرتُ حرفاً واحداً . وأكثرت فيه قضية على فرض التسليم حتى تنحصر الحجج .
فإن كان أخي العزيز ممدوح – وهو كذلك إن شاء الله – رجلاً قد جعل خط الرجعة إلى الحق مفتوح متى ما حاد عن الصواب فليقرأ هذا الحوار ، وإن لا فلا .
كما أني لا أدعي العصمة فيه فمتى ما وجد الأخ العزيز القدير ممدوح في كلامي خلل أو نقص أو اعتراض ، فليشرع بتبيينه وتوضيحه علميّاً بالطريقة التي يريد وبالأسلوب الذي يبتغي ، فإنّ صدري له منشرحٌ ما دامَ توضيحه وتعقيبهُ علميّاً صرفاً .
أخيراً : هذا الحوار مع أخي الحبيب إنما هو مكشوفٌ للناس لا يواريه شيء عنهم ، فالأخ ممدوح قد أظهر نظريته للملأ بعد أن تيقن منها كما ذكر سدده الله ، وفي إظهاره علامةٌ على قبوله رأي الآخر وإعلانه أنّ هذا اجتهاده ، فكان من العدل أن لا يكون هذا الحوار سرّيَّاً بيني وبينه ، بل يظهر وينتشر كما انتشر رأيه حفظه الله أمام الناس ، فهذا الحوار لا يوجد فيه إلا : قال الله وقال رسوله وقال الصحابة وأئمة الإسلام .
واللهَ أسأل أن يُلهمني وأخي ممدوح والقارئ الكريم الصوابَ ، وسلوك الجادة التي وسعت القرون المفضلة ومن بعدهم من السلف الصالحين ، وأن يرزقنا حسن القول والعمل ، والحمد لله أولاً وآخراً .
وكتبه
حسان بن إبراهيم بن عبد الرحمن الرديعان
19/9/1425هـ
حائل – حرسها الله
توطئة
تعريف بالنظرية التي قال بها الأخ الباحث سدده الله :
ليلة القدر لا تكون إلا في ليلة ثُلاثاء في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان ، كأن تكون ليلة الثلاثاء 21أو23 أو25أو27أو29 ، فإذا دخلت العشر الأواخر فانظر إلى ليلة الثلاثاء من هذه العشر فاظفر بها فإنها ليلة القدر ( على رأي الباحث ) ، و ترتيب ليالي الوتر عنده على مر السنوات هو هكذا : 27 ، 23 ، 25 ، 21 ، 23 ، 25 ، 29 ، 25 ثم تعود من 27 .
الدليل الذي جعل الباحث يقطع بهذه النظرية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم _ كما جاءت الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيحين _ أخبر أن ليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان فقال من حديث عائشة (تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) . وأخبر أنّ من علاماتها أن تطلع الشمس فيها لا شعاع لها كما ثبت في مسلم وأنّها بلجةٌ منيرة عند ابن خزيمة في صحيحه، فقام الباحث عفا الله عنه بتتبع ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان لمدة خمس سنوات فوجد أنّ علامة ليلة القدر التي جاءت في الحديث قد وقعت وحدثت في ليلة الثلاثاء من العشر الأواخر من رمضانات هذه الخمس سنوات ، ووجد أن ليالي الثلاثاء في هذه الخمس سنوات هي ليالي وتر وإن كانت تختلف بالتاريخ مرةً ليلة 21 ومرةً ليلة 27 . وقال بأن هذا كشفُ من الله وتوفيق له .
ما يترتب على هذه النظرية :
أن شهر رمضان لا يدخل في يوم جمعة أو يوم أحد ، فإذا دخل في يوم جمعة أو أحد فلن تكون ليلة الثلاثاء من العشر الأواخر من رمضان ليلة وتر ، فالخطأ في دخول شهر .
هذا ملخّص تعريفي بما قال به الباحث غفر الله له ، وسآتي في معرض الحوار على أدلته وتوجيهاته واعتراضاته ، وحتى يكون الحوار مركَّزاً على الجوانب المهمّة دون الخوض في تفصيلات لا تربط نقاط الحوار برابط ، جعلت هذا الحوار مع الأخ الفاضل ممدوح الجبرين على أبواب وفصول ، هذه الأبواب تشتمل على ما يلي :
1- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من الناحية اللغوية والعقلية (العلمية) والشّرعية.
2- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من أدلةٍ لم يتطرق لها الباحث غفر الله له.
3- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من خلال الأدلة التي استدل بها الباحث جزاه الله خيراً، أو بمعنى آخر ( نقض الأدلة إلى مقابل ماجاء بها الباحث ) ، وهذا هو الباب الأهم في هذا الحوار .
4- بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من خلال المسائل المبنيّة على هذه النظرية والتي يستلزم أن يقول ببطلانها الباحث عفا الله عنه .
وهذه الأبواب تشمتل على فصول فيها التوضيح والتبيين لمسائل فصول الباب ، وهي بمجملها أدلة وتوجيهات واعتراضات وفرضيات ومستلزمات على الباحث وعلى النظرية التي أتى بها ، وقبل أن أبدأ في سَبْر هذه الأبواب أكرر لأخي الفاضل والرجل الصالح ممدوح الجبرين وفقه الله أينما كان وأكرر أيضاً للقارئ الكريم أن هذا الحوار علمي صرف لا مجال فيه للحظ والنفس والهوى والميول والتعصب والكلمات الخارجة عن مخاطبة المسلم لأخيه المسلم .
فإن كان هذا الحوار موافق لما جاء في الكتاب والسنة وفهم الصحابة والعُلماء فإمساكٌ بمعروف ، وإن كان غير ذلك فتسريحٌ بإحسان ، والغض عمّا فيه من زلل ونقصان .
الباب الأول :
بطلان نظرية تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء
وتحت هذا الباب فصول :
الفصل الأول : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية اللغوية .
الفصل الثاني : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية العقلية ( العلمية ) .
الفصل الثالث : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية الشرعية .
الفصل الأول : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية اللغوية
*الألفاظ التي جاءت بها الأحاديث في الأمر بتقدير هذه الليلة هي كما يلي :
1- التحرّي ( متفق عليها ) 2- الالتماس ( متفق عليها ) . 3- التحيّن ( عند مسلم ). 4- ابتغوها ( البخاري ) .
فعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (تحروا ليلة القدر في الوتر ، من العشر الأواخر من رمضان) متفق عليه . وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه : أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) متفق عليه ، ومن حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم (تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر أو قال: في السبع الأواخر. ) وفي لفظ متفق عليه ( التمسوها ) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء
*توجيه العُلماء لمعاني هذه الألفاظ :
قال ابن منظور في لسان العرب : (والحينُ: الوقتُ. وفي حديث الجِمارِ: كنا نَتَحَيَّنُ زوالَ الشمس. وفي الحديث: تَحَيَّنُوا نُوقَكم؛ هو أَن تَحْلُبها مرة واحدة وفي وقت معلوم. ) وقال : (والالْتِماسُ: الطَّلَب ) ، وقال ابن حجر : { قوله (باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس ) أي بسبب تلاحي الناس , وقيد الرفع بمعرفة إشارة إلى أنها لم ترفع أصلا ورأسا . قال الزين بن المنير : يستفاد هذا التقييد من قوله " التمسوها " بعد إخبارهم بأنها رفعت , ومن كون أن وقوع التلاحي في تلك الليلة لا يستلزم وقوعه فيما بعد ذلك , ومن قوله " فعسى أن يكون خيرا " فإن وجه الخيرية من جهة أن خفاءها يستدعي قيام كل الشهر أو العشر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها } .وكذا قال بن الأثير في النهاية أن الالتماس والتحين هو الطَلب .
فلا يكاد يكون هناك خلاف في أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطلب هذه الليلة ومراده أي تقديرها والتحصّل لها بالعمل والقيام لها ، لا أن يكون الطلب بتعيينها بالشواهد الحسية التي يقطع بها المسلم أنها هذه الليلة ، وهذا واضح من نقل ابن حجر رحمه الله تعالى. والنووي رحمه الله فسر الالتماس بأنه لا يعني معرفةُ عينها .
والأخ الكريم ممدوح الجبرين وفقه الله حصر المعنى اللغوي للطلب بالعلامة القاطعة لتحديدها إلى أن قال بتسميتها ، وتسمية هذه الليلة بليلة الثلاثاء ليس من حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته بطلبها ، فطلب الشيء مراراً قد لا يستلزم اتفاقه في الزمان أو المكان كل مرة . مثال لذلك : طلب رؤية الهلال لا يعني أننا لابد أن نراه في المكان الذي رآهُ ابن عمر عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أو ذاك الأعرابي ، فالأمر لا يعني اتفاق المكان كل مرة . فبالتالي لا يعني طلب الشيء كل مرة اتفاقه في الزمان كذلك .
وهنا تحصّل لنا مقدمتين ونتيجة :
المقدمة الأولى : أُمرنا بطلب ليلة القدر .( نص )
المقدمة الثانية: اختلاف النصوص على تحديدها في أي أيام الوتر .
النتيجة : قيام كل ليلة من ليالي العشر لإدارك هذه الليلة .
الفصل الثاني : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية العقلية ( العلمية )
الوتر هو الفرد ، والمقصود بليالي الوتر هي الليالي التي يكون عددها فرد في العشر الأواخر وهي :21-23-25-27-29 .
وبعيداً عن نظرية الأخ الجبرين = العُلماء رحمهم الله تكلموا عن أن ليلة القدر في حسابها فرداً لا يمكن معرفته إلا بعد خروج شهر رمضان ورؤية هلال شوال ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في مجموع الفتاوى (284/25) : (فأجاب : الحمد لله . ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { هي في العشر الأواخر من رمضان } . وتكون في الوتر منها . لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين . ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى } . فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع . وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى . وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح . وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر . وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي . كالتاريخ الماضي . وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { تحروها في العشر الأواخر } ) انتهى كلامه . وقد أشار إليه ايضاً المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/426) ويأتي .
وعندما نربط ليلة القدر وهي ليلة الثلاثاء بكل وتر في العشر الأواخر يحتمل أن يكون الشهر ناقصاً فتكون في الحقيقة شفعاً وليس وتراً للحديث (لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى ) أو كاملاً فتكون وتراً ، فأصبحت ظنية .
فكيف لنا أن نجزم عقلاً بأن ليلة الثلاثاء في الوتر من العشر الأواخر هي وتر فعلاً ونحن لم نعلم هل الشهر كامل أم ناقص؟! هذا متعذر عقلاً وعلماً وحساباً، ولا يمكن ذلك إلا في حالة أنك تقول بأن دخول هلال شوال خطأ كما قلت في رمضان ، وهذا جحود للنصوص الشرعية ومنها حديث ( الشهر تسعة وعشرون يوماً.. والشهر ثلاثون يوماً) .
وهنا يصح قول من قال من العُلماء أن ليلة القدر تنتقل في كل عام وأن هذا الانتقال مخفي لا يعلمه أحد .
كل ما تقدم هو من المسلَّمات جدلاً لك أخي الحبيب ممدوح الجبرين ، وعلى فرض التنزّل في أنّ هذا التتبع ليس فيه تطاول على الأمر الغيبي الذي أخفاه الله عنا ، لكن هذا الجواب هو على فرض نفي الغيبية عن العلم بليلة القدر .
ومن الأدلة العقلية على بطلان تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء هو أنّ الأشهر القمرية في السنة تارةً تكون ستة أشهر كاملة والناقصة ستة أشهر ، وتارةً تكون الكاملة سبعة والناقصة خمسة ، فلا تكون الناقصة أكثر من ستة ولا الكاملة أكثر من سبعة في السنة، وهذا أمر مقطوع به عند الفلكيين ، وأشار إليه من المتقدمين تقي الدين السبكي في كتابه (العلم المنشور في إثبات خير الشهور ) ص 24 ، فبهذا نعلم يقيناً أن تاريخ الأيام لا يمكن أن ترتبط بمسمياتها ، فالأيام تزيد وتنقص في الشهر مما يجعل تثبيت التاريخ بالمسمّى مجرّد تخرّص ، وأعني بالتاريخ هنا ليس تاريخ يوم معين إنما هو تاريخ خمسة ايام وهي ليال الوتر التي ربطها الباحث حفظه الله بليلة الثلاثاء ، حيث إنه لا يمكن أن تكون ليلة الثلاثاء في العشر الأواخر من رمضان إلا في وتر ، وهذا مردودٌ بما تقدّم .
دليل آخر : ثبوت ليلة القدر لا يعني ثبوت اسمها .
استدل الأخ ممدوح بدليل عقلي صرف لا حظ للنص فيه حيث قال :
(فمن قول الله عز وجل عن ليلة القدر نعلم بأنها ليلة واحده ثابت اسمها ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم بأنها تنتقل في ليالي الوتر 21 و 23 و 25 و 27 و 29 وهي تنتقل من وتر في سنه الى وتر في السنة الاخرى الى وتر في السنة التاليه لها ولكنها بنفس الاسم لا يتغير اسمها ابدا . )
قول الله سبحانه وتعالى ( ليلة القدر ) وفهمنا للآية أنها ليلة ثابتة لا يعني أن اسمها ثابت ، فماهو المعنى المراد من ثبوت الاسم وعدم ثبوتها في العشر ؟
وما الرابط الشرعي والعقلي الذي جعلنا نربط أن ليلة القدر تنتقل وهي ثابتة وخرجنا بهذا الرابط الوهمي هو أن اسمها ثابت .
الفصل الثالث : بطلان تسمية ليلة القدر من الناحية الشرعية
نقض التسمية شرعاً بليلة الثلاثاء تكاد تطبق عليه جميع النصوص الواردة المرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم والموقوفة على الصحابة ، لكن هذا الفصل مسلَّطٌ على تحديد التسمية سواءً كانت وتراً كما ذكر الأخ ممدوح أم كانت شفعاً على خلاف رأيه ، فما هو الاعتبار الشرعي الذي يجعلنا نبرهن بأنّ ليلة القدر لا تكون إلا ليلة ثلاثاء ؟؟
المسألة الأولى :
فعندما تشهد لنا الشواهد الحسية أن ليلة القدر هي ليلة الثلاثاء على مر حقبة معينة من الزمن وكانت هذه الليلة على مر هذه الحقبة مرتبطة بالعلامة الشرعية لليلة القدر ، وهذه العلامة ليست قطعية ، فأين البناء الشرعي القاطع هنا لهذا التحديد ؟
فعندنا الآن توافق في ظهور العلامة ليلة الثلاثاء حصل في سنوات معدودة ، هذا التوافق ليس مقصداً شرعياً ولا قاعدة شرعية ولا وسيلة شرعية لإصدار حكم هذا أولاً ، ثانياً : ظهور العلامة أمرٌ ليس مقطوع به لما يعتري هذه العلامة حال رؤيتها في كل السنوات من الاختلاف في الإشعاع ومقداره ، فهذه الحالة لا تخرج عن كونها ظنَّاً يمكن الاستئناس بها والإشارة على الاحتمالية لا أكثر ، دون القطع والجزم الذي يُعمل به ويُبطِل كل ما خالفه كما سيأتي .
وأخي الكريم ممدوح الجبرين يعتقد بأن هذا التوافق محل استنباط للحكم الذي رآه ، والتوافق الذي حصل له هو لخمس سنين فقط ، فهل هذه السنوات كفيلة لأن يقول حكم كهذا ؟ سملًّتُ لك جدلاً أخي العزيز ممدوح أن هذا الاستنتاج الذي ظفرت به ليس لخمس سنوات فقط بل هو نتاج خبرة وتجربة خمسين سنة ، أقول فيه أيضاً كما قلت في الخمس ، فهو لا يعدو كونه توافقاً يُستأنس به ، ولا يخرج من دائرة الاحتمالية والظن .
واعلم أخي الكريم ممدوح أن هذا التوافق لم يحصل لك فقط ولم تكن أنت أول من قطع غلاصمه ، فقد حُكي عن ابن عباس رضي الله عنه مثل هذا التوافق ( وفي صحته نظر ) حيث قال : { سورة القدر ثلاثون كلمة ، السابعة والعشرون منها ( هي ) } أي أنّ في كلمة ( هي ) في الآية إشارةٌ إلى أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين ، ونقل هذا الكلام ابن حجر في الفتح (4/265) وأشار إلى استشهاد ابن قدامة له في المغني (4/451) وقال ابن حجر إن ابن حزم نقله عن بعض المالكية وبالغ في إنكاره ، ونقله ابن عطية في تفسيره وقال : إنه من مُلَح التفسير وليس من متين العلم .
انظر أخي الكريم ممدوح على فرض صحة هذا الأثر عن ابن عباس انظر بماذا وجهه العُلماء ؟ قالوا إنّه ليس من متين العلم ولم يبنوا عليه لا قطعاً ولا ظنّاً أنها ليلة السابع والعشرين ، وهذا هو ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يقول مثل هذا في كتاب الله ثم لا يعدو كون من ملح العلم وليس من متينه ؟؟!! فتأمّل !!
فماذا عسانا أن نقول أخي أدام الله علينا وعليك لباس التقوى فيما أتيت به من توافق لا يعدو كونه احتمال مجرّد عن أي أدلة تخرجه من هذا الأمر ؟! .
ولعلك تعرف التوافق الذي حصل فيما يزعمون أنه المعجزة التي حدثت في أعقاب 11 سبتمبر وآية التوبة رقم 110 التي تشير إلى عدد أبراج البناية التي اصطدمت وانهدمت ، وأن هذه الآية في الجزء الحادي عشر . كذلك الأرقام المستنبطة من سورة الإسراء لتاريخ زوال إسرائيل والاستشهاد على هذا بشواهد حسية .
هذه الأمور المتوافقة تتفق مع نظريتك أخي العزيز ممدوح من ناحية أنها جاءت متوافقة لبعض الأحداث وارتبطت بعلاماتها ، لكن من الفروقات التي بينها وبين نظريتك هي أن هذه التوافقات لا تبطل أموراً شرعية كما هي النظرية التي أتيت بها ، وهذا سيتضح لك في فصول الباب الرابع .
المسألة الثانية :
تحديد النبي صلى الله عليه وسلم لعلامات ليلة القدر إذا تأملناها حق التأمل وتمعّنّاها حق التمعّن عرفنا أنّها مرتبطة بنهايتها ، وأصح هذه العلامات ما جاء في صحيح مسلم أن الشمس في صبيحتها لا شعاع لها . فما الحكمة من وصف ليلة القدر ومعرفة علامتها البارزة بعد مضيها ؟ . وإليك العلامات الأخرى الواردة :
1- في صحيح مسلم عن أبي بن كعب " أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها ".
2-في رواية لأحمد من حديث أبي " مثل الطست " .
3- ونحوه لأحمد من طريق أبي عون عن ابن مسعود وزاد " صافية " .
4- ولابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعا " ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة , تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة " . 5- ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا " إنها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا , ساكنة صاحية لا حر فيها ولا برد , ولا يحل لكوكب يرمى به فيها , ومن أماراتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ ".
6- ولابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود أيضا " أن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان , إلا صبيحة ليلة القدر " .
7- ولابن أبي شيبة من حديث جابر ابن سمرة مرفوعا " ليلة القدر ليلة مطر وريح ".
وغيرها من الآثار التي تدل على علامات ليلة القدر ، وهذه العلامات مرتبطة بالنهاية ، وقد يشكل قوله " ساكنة صاحية لا حر فيها ولا برد "بأن هذا يتبين من نفس تلك الليلة لا في النهاية ، والجواب : أن هذه العلامات كلها قد يحصل كلها أو بعضها ، وقد لا تكون معرفة أول الليل باستواء الجو أمر يستمر إلى نهايته ، أو العكس كذلك ، فالحاصل أنه لا يمكن التيقن من معرفة هذه العلامات إلا بعد مضي الليلة كاملة وإشراق شمس صبيحتها فلنا حينئذ أن نقول : ليلة البارحة كانت مستوية الجو لا باردة ولا حارة ، كما هو قولنا في سائر الأيام . وقال ابن حجر رحمه الله : (وقد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضي ) . فلماذا لم يظهر لنا الشرع علامات قبل بداية ليلة القدر حتى يعلم المسلم أنها ليلة القدر الآتية بعد هذه العلامات فيظفر بها بالقيام دون بقية الليالي ؟ لقائل أن يقول هذا مادام أن الشرع أوجد علامات لها ، لماذا لا تكون قبلها ؟ ومالحكمة من كونها بعدها ؟ .
فماذا نقول أخي الكريم ممدوح فيمن قطع وجزم بأنها ليلة الثلاثاء وبلاشك أننا عرفناها على هذه النظرية قبل أن تغرب شمس اليوم الذي قبل ليلة القدر ؟ .
فخلاصة ما تقدم من هذا الفصل أنّ التسمية تعدٍّ شرعي ، وتطاول على النصوص الشرعية ، كما سيأتي ، فلو أردنا أن نستوحي الأسئلة المستنكرة على هذا الأمر وهو أن ليلة القدر هي ليلة ثلاثاء ، خرجنا بما يلي :
س1 : ما الدليل القاطع على التسمية ؟
س2 : لماذا لم تُسمَّ في النصوص الشرعية أو لماذا لم يُسمِّيها لنا من كان في القرون المفضلة التي هي خير القرون ومثل هذا الأمر لا تأتي به القرون المتأخرة متفضلة على القرون المتقدمة ؟؟
س3 : ثم ما الحكمة من ربطها بليلة ثلاثاء وترٍ في العشر الأواخر وشحذ الهمم لإثبات ذلك ؟
ثم إذا كان العُلماء وهم هُداة الأمة وسُرُج كل ظلمة قد كرهوا القطع عندما يرى المسلم علامة ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر لسنة واحدة وليلة واحدة بأنها ليلة القدر دون تسمية ، فكيف بمنّ سمّاها على مر الأزمان والعصور ؟! .
هذا لا يقبل إلا من رجل ركب زورق رأيه وميوله وأبحر عن سفينة القوم من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين الذين مازالوا يقودون الأمة إلى سفينة النجاة بهديهم وسنتهم .
الباب الثاني :
بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من أدلةٍ لم يتطرق لها الباحث غفر الله له
وتحت هذا الباب فصول :
الفصل الأول : الأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني : الأدلة الموقوفة على أقوال وأفعال وفهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
**تنبيه مهمّ **
هذا الباب هو في الاستدلال على بطلان القاعدة والنظرية من خلال الأدلة التي لم يتطرق لها الباحث لا توضيحاً ولا تبييناً ، وقد تجد هذه الأدلة مسطرة في بحثه ، لكنه لم يتعرض لها لا بشرح ولا توضيح ، ولا تعتبر كل الأدلة التي ملأ بها الأخ العزيز بحثه دليلاً على ما أتى به ، بل أغلبها دليلاً عليه ، لذلك أدلة أخي ممدوح التي استدل بها – وهي قليلةُ جداً - سأتطرق لها في الباب الذي يلي الباب هذا ، وهذا الباب هو في أدلة لم يتطرق لها وإن كان قد ذكرها في بحثه ، فالعبرة في حجج المسائل العلمية هو الاستدلال ثم توجيه الاستدلال ثم الاستنتاج ، لا في عرض الأدلة ثم تخريج النتائج مباشرة دون توجيه للأدلة ، وهذا صنيع العُلماء وطلاب العلم قديماً وحديثاً ومن أنكر ذلك فالكتب بيني وبينه، وهذا الأسلوب يجعل القارئ على بينه من الدليل ومالمراد به .
الفصل الأول :
الأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم التي تقتضي بطلان النظرية
الدليل الأول :
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر . متفق عليه .
وجه الاستدلال به : كشف الله تعالى لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم مظنة ليلة القدر أنها في السبع الأواخر من رمضان ، وقلتُ هنا مظنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع لهم بها ، فقال بعد ذلك : ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) ، فهنا جعلهم في خيار التحري في السبع الأواخر ، ولم يجعلهم في خيار القطع والجزم بأي ليلة هي ، كما يدل الحديث على أنّ ليلة إحدى وعشرين لا تدخل في تحديد ليلة القدر ، فهي ليست من السبع الأواخر فهذا الحديث ينقض القاعدة نقضاً من جذورها هذا إجمالاً فكيف بمن يقطع بأن ليلة القدر تكون ليلة إحدى وعشرين في إحدى السنوات. فدلّ على ان القطع بتحديد ليلة القدر سواء في التسمية باطلٌ بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الاستدلال من كلام العُلماء : قال ابن حجر رحمه الله :
{ أروا بضم أوله على البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام إنها في السبع الأواخر , والظاهر أن المراد به أواخر الشهر , وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين , فعلى الأول لا تدخل
ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث وعشرين , وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين , وقد رواه المصنف في التعبير من طريق الزهري عن سالم عن أبيه " إن ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر , وإن ناسا أروا أنها في العشر الأواخر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في السبع الأواخر " وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به , وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري بلفظ " رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها " ورواه أحمد من حديث علي مرفوعا " إن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي " ولمسلم عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر بلفظ " من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر " ولمسلم من طريق عقبة بن حريث عن ابن عمر " التمسوها في العشر الأواخر , فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي " , وهذا السياق يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع . }
الدليل الثاني :
عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ، متفق عليه وجاء عن غيرها من الصحابة بمعنى هذا الحديث وسبق ذكر بعضها .
وجه الاستدلال من الحديث : أن ليلة القدر تكون في ليالي الوتر ، وقد يعترض عليّ أخي الحبيب ممدوح وينقض استدلالي هذا بأنه فيه تحديدٌ لليلة القدر مع أنك استدللت سابقاً بأن ليالي الوتر لا تعلم إلا بعد خروج الشهر ، فالجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم أبهم وهذا الإبهام يشمل الليلة ويشمل كذلك ليالي الوتر مما يجعل المرء مستغلاًّ لكل الليالي بالقيام ، هذا على قول من قال بأن الوتر لا يعلم إلا بعد خروج الشهر أمّا من قال بأن ليالي الوتر المرادةُ بالحديث هي ليالي الوتر نفسها وإن نقص الشهر فالإبهام هنا يكون لليلة القدر نفسها ، فكلا أصحاب القولين يردون على هذه النظرية سواء أبهمت ليلة القدر وحدها أم أبهمت ليلة القدر مع ليالي الوتر ، فالنتيجة واحدة وهي عدم جواز القطع بتحديد وتسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء .
الدليل الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى . أخرجه البخاري.
وجه الاستدلال بالحديث :
الرسول صلى الله عليه وسلم حدد إمكانية حصول ليلة القدر في الليلة التاسعة المتبقية من الشهر ، وهذا لا يمكن معرفته إلا بخروج الشهر هل هو ثلاثين أو تسعة وعشرين ؟ . وكذلك الكلام في السابعة التي تبقي والخامسة التبي تبقي ، فهذا فيه الدلالة على أنه لا يمكن تحديد ليلة القدر بليلةٍ معينة فكيف بمن ربطها باسمٍ معين ، وأصحبت ليلة الثلاثاء !! .
الدليل الرابع : عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة . أخرجه البخاري .
وجه الاستدلال بالحديث : هذا الحديث فيه رفع العلم بليلة القدر عن النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة ، وذكر ابن حجر أن سبب الرفع ما حدث في القصة والسبب الآخر هو ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أريت ليلة القدر , ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها " قال ابن حجر : ( وهذا سبب آخر ) ، وقال عن رفعها رحمه الله :
{ قوله ( فرفعت ) أي من قلبي , فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين , وقيل : المعنى فرفعت بركتها في تلك السنة , وقيل التاء في رفعت للملائكة لا لليلة , وقال الطيبي قال بعضهم رفعت أي معرفتها , والحامل له على ذلك أن رفعها مسبوق بوقوعها فإذا وقعت لم يكن لرفعها معنى , قال ويمكن أن يقال المراد برفعها أنها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت بعد , فنزل الشروع منزلة الوقوع , وإذا تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بتعيينها ؟ فيه احتمال , وقد تقدم قول ابن عيينة في أول الكلام على ليلة القدر أنه أعلم , وروى محمد بن نصر من طريق واهب المغافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ليلة القدر ؟ فقالت : لا , لو علمها لما أقام الناس غيرها ا ه . وهذا قالته احتمالا وليس بلازم , لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضا فيحصل الاجتهاد في جميع العشر كما تقدم . واستنبط السبكي الكبير , في " الحلبيات " من هذه القصة استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها ; قال : ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر
بها , والخير كله فيما قدر له فيستحب اتباعه في ذلك , وذكر في " شرح المنهاج " ذلك عن " الحاوي " قال : والحكمة فيه أنها كرامة والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق من جهة رؤية النفس فلا يأمن السلب , ومن جهة أن لا يأمن الرياء , ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس , ومن جهة أنه لا يأمن الحسد فيوقع غيره في المحذور , ويستأنس له بقول يعقوب عليه السلام ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ) الاية } .
وكلام ابن حجر ومن نقل عنهم رحمهم الله هنا غايةً في الوضوح والبيان في رد هذه النظرية والقاعدة التي أتيت بها أخي الحبيب الكريم ممدوح الجبرين سددك الله ، فأين تسمية ليلة القدر صراحةً من النبي صلى الله عليه وسلم كما ادعيت ؟؟
والكلام على علم الرسول ليس حجة فالرسول يعلم مالا نعلم وقد قال : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً..... الحديث ).
الدليل الخامس :
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين ، أو قال : تحروها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر } . رواه أحمد بإسناد صحيح . وبمثله عن معاوية عند أبي داود وعن ابن عباس عند أحمد .
وجه الاستدلال بالحديث : هنا عيّن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر فقال هي ليلة سبع وعشرين ؟ سواءً أكانت ليلة ثلاثاء أم كان الشهر كاملاً أو ناقصاً ، فهذا التعيين ليس فيه ارتباط بالتسمية ، ومعنى هذا الحديث وربطه بليلة سبع وعشرين يخالف الأصول التي بنيت عليها أخي العزيز الكريم ممدوح تسميتها بليلة الثلاثاء من ناحتين : العقلية الحسابية ، والشرعية النظرية ، وقد تقدم توضيح هذا .
وقد تحتج عليّ أخي الكريم برأي القائلين أنه لا تعلم ليلة سبع وعشرين حتى ننظر هل الشهر كامل أم ناقص ، فإن احتججتَ به احتججتُ عليك بحجة أصحاب هذا القول في رد نظريتك وقاعدتك وتسميتك ، وهذا قد سبق الكلام عليه أيضاً في معرض الأدلة السابقة .
خاتمة هذا الفصل :
اعلم أخي ممدوح سددك الله دوماً وأنت أخي القارئ الكريم أن كل الأحاديث الواردة في تحري ليلة القدر والتماسها وتحينها في الصحيحين وغيرها ، كلها تدور على نفس أوجه الاستدلال على الأدلة الخمسة التي ذكرتها ، فأي دليل لم أذكره تستطيع أن تدرجه مع نظيره ، فألفاظ هذه الأحاديث متقاربة ولا زيادة فيها على ذلك .
الفصل الثاني :
الأدلة الموقوفة على أقوال وأفعال وفهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والتي تقتضي بطلان النظرية
الدليل الأول والثاني : ( 1- صيام معاوية رضي الله عنه يوم الجمعة 2- عمل ابن عباس رضي الله عنه بالرؤية )
عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
وجه الاستدلال من الحديث : هذا دليلٌ صريح واضحٌ على أن معاوية صام يوم الجمعة وصام معه الصحابة والتابعون وعامة المسلمين في الشام ، وتوجيه هذا الدليل بأكثر من ذلك تكلّف ، فإن قال أخي الحبيب ممدوح أن صيامه يحتمل الخطأ بناءاً على أن ليلة القدر التي مرت عليهم تلك السنة لم تكن ليلة الثلاثاء حيث دخل رمضان يوم الجمعة ، نقول : التخطأةُ هنا لدليل شرعي صريح ، فعمل الصحابة دليل حتى وإن خالف ابن عباس عمل معاوية فالخلاف بينهم على الرؤية لا على أنّ رمضان لا يدخل يوم الجمعة ؟! وهذه القاعدة والنظرية تقتضي بطلان العمل باختلاف المطالع التي يُعتبر هذا الحديث أحد أعمدتها وسيأتي في باب الإلزامات على هذه النظرية ، فانظر أخي ممدوح رعاك الله كيف كانت هذه النظرية محبطة مهبطةً لأحد أنواع الأدلة في الشرع وهي عمل الصحابة ، حيث إن عمل الصحابة هنا مع اختلافهم ، كليهما دليل على بطلان النظرية التي أتيت بها .
فعمل معاوية دليل على بطلان قاعدتك أخي ممدوح فقد صام يوم الجمعة ، وعمل ابن عباس دليل على بطلان قاعدتك حيث إن ابن عباس وإن صام يوم السبت إلا أنه عمل بالرؤية ، وأنت لا تقول بالعمل بالرؤية واختلاف المطالع إذا كانت يوم الخميس يوم 29 ولا نرى الهلال ليلة الجمعة مثل ما حدث هذا العام 1425هـ .
وعلة عدم عمل ابن عباس برؤية معاوية هو إيمانه بأن المطالع تختلف لكل بلد ، فأين التشابه في مطالع المدينة والشام ؟؟ .
الدليل الثالث والرابع : ( 1- جزم ابن عباس بأنها ليلة سبع وعشرين ، 2- وجزمه أيضاً أنها ليلة أربع وعشرين )
روى عبد الرزاق في مصنفه موقوفا عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول " قال ابن عباس : دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر , فأجمعوا على أنها العشر الأواخر , قال ابن عباس : فقلت لعمر إني لأعلم - أو أظن - أي ليلة هي , قال عمر : أي ليلة هي ؟ فقلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر , فقال : من أين علمت ذلك ؟ قلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها , فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له ".
وأخرج البخاري موقوفاً على ابن عباس قال : وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس التمسوا في أربع وعشرين .
وجه الاستدلال من الحديثين:
أن ابن عباس رضي الله عنه عرف ليلة القدر بمظانها ، فرآى انها ليلة سبع وعشرين ، كما رآى أنها ليلة أربع وعشرين ، وهذا اختلافٌ في عدد ليالي الوتر والشفع ، فهذا اجتهاد صحابي يخالف الاجتهادات الأخرى من الصحابة التي استدللت بها _ إن سلمنا لك أن الاستدلال بها صحيح _ ، فدلّ لنا أن المسألة ليست قطعية ، وأنت تقطع في نظريتك ، فظهر هنا بطلان قطعك بها .
الباب الثالث :
بيان بطلان هذه النظرية من خلال الأدلة التي استدل بها الباحث جزاه الله خيراً
أو بمعنى آخر ( نقض الأدلة إلى مقابل ما جاء بها الباحث )
وتحت هذا الباب فصول :
الفصل الأول : نقض الاستدلال بالأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
الفصل الثاني : نقض الاستدلال بالأدلة الموقوفة على عمل وقول الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .
الفصل الثالث : نقض الاستدلال بأقوال العُلماء الأجلاَّء .
الفصل الأول
نقض الاستدلال بالأدلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الأخ الكريم ممدوح ملأ بحثه بكل الأحاديث التي وردت عن ليلة القدر ، فثلاثة أرباع البحث كله نقولات دون توجيه أو تحرير أو استنباط ، إلا في صفحات يسيرة وأسطر يسيرة فيها . فقام بسرد الأحاديث التي في البخاري ومسلم ، وأنا لا أعتبره هنا استدلال ، حيث إنّ هذه الأدلة لم توجّه ولم تحرر ولا يمكن الاستدلال بها على الظاهر ، وإنما الأحاديث التي أعتبره استدل بها هي ما أشار إليها بتوجيه بسيط أو أدرجها تحت بعض العناوين ومنها :
الدليل الأول الذي استدل به :
قال الباحث عفا الله عنه ( الرسول الكريم يوجهّـنا لطلب ليلة القدر ) ثم سرد تحت هذا الباب الأحاديث نفسها التي كررها في صفحات كثيرة عن البخاري ومسلم وغيرهما .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
كل هذا التضخيم والتكرار والعنوان يعود لمسألة واحدة بسيطة جداً تطرقنا إليها في أول هذا الحوار وهي ( المراد بالطلب والتحري والالتماس ) ، وسبق تحرير هذه المسألة وأنها ليست على وفق ما جاء به الباحث غفر الله له ، لأنه استدل بالالتماس والطلب على تسمية ليلة القدر ليلة الثلاثاء ، وذكرت أن هذا لم يفهمه الصحابة ولا التابعون ولا غيرهم ، وإنما فهموا من الالتماس والطلب هو تعيينها بالقيام والتحديد الشرعي عبر العلامات ، دون تسميتها وتحديد ليلة القدر في الأعوام القادمة والماضية وما إلى ذلك من التجوّز العقلي والحسابي والشرعي كما سبق بيانه .
إذاً فالأدلة التي استدل بها هي دليلٌ لمن لم يُسمِّ ليلة القدر وليست مع من يُسمِّ ليلة القدر ، حيث إنّه لا يوجد تسمية ولا تحديد ، ولا يمكن فهم التحديد والطلب والتحري على التسمية فقط .
الدليل الثاني الذي استدل به :
بعد أن ذكر الباحث سدده الله قوله (الرسول الكريم يوجهّـنا لطلب ليلة القدر) وسرد تحته أحاديث الالتماس ، ذكر بعد ذلك قوله (توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة بطلب ليلة القدر ) ثم ذكر نفس الأحاديث السابقة !!
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
يا للعجب ما أدري ما الفرق بين هذين الفصلين الذين عقدهما؟؟! لا من ناحية العنوان ولا من ناحية الأحاديث .
أما العنوان فلا فرق بينهما فالرسول هنا يوجه الأمة من عهد الصحابة إلى عصرنا بالتحري والالتماس فلماذا يكونان في فصلين مع أن الاستشهاد هو نفسه . وأمّا الأحاديث فإنها هي نفسها اللهمّ إنه قدم وأخّر في تسمية الصحابي وتخريجها، وأعد النظر أخي القارئ في بحث الأخ الكريم ممدوح تجد هذا الأمر عياناً .
إذاً فالكلام على هذا الباب الذي عقده هو نفس الكلام على الدليل السابق لأنه لا فرق بينهما ، فقط أضاف كلمة الصحابة للباب الثاني .
الدليل الثالث الذي استدل به :
في صحيح ابن حبّان ، عن عيينة ابن عبدالرحمن عن أبيه قال ، ذكرت ليلة القدر عند ابي يكرة رضي الله عنه فقال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : التمسوها في العشر الاواخر في سبع بقين أو خمس بقين او ثلاث بقين او في آخر ليله ... وفيه ايضا عن معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التمسوا ليلة القدر في آخر ليله .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
هذان الأثران عن أبي بكرة وعن معاوية دليل على الأخ ممدوح فيما ذهب إليه ، حيث هنا حدد النبي صلى الله عليه وسلم الليالي التي تكون فيها ليلة القدر وهي آخر سبعة ليالي تبقي أو آخر خمس أو آخر ثلاث أو آخر ليلة ، وقد عرفت أن مثل هذا الدليل الذي ورد عن جمع من الصحابة ، دليل على الأخ ممدوح لا له ، وذلك لأمرين :
1- اختلاف الليلة السابعة أو الخامسة أو الثالثة التي تبقى من رمضان لأننا لا ندري كم بقي من رمضان ؟ فإذا كنا في يوم عشرين من رمضان في بداية العشر لا ندري كم بقي من رمضان ؟ يحتمل أنه بقي من رمضان تسع ليالٍ إذا كان الشهر ناقصاً ويحتمل أن تكون عشر ليالٍ إذا كان الشهر كاملاً .
مثال آخر للتوضيح أكثر : نحن في رمضان هذه السنة 1425هـ يوم عشرين منه هو يوم الأربعاء تعقبه ليلة إحدى وعشرين ليلة الخميس ، وهي الليلة الأولى للعشر ، نحن الآن لا ندري قد يكون بقي تسع ليالي مع هذه الليلة إذا كان الشهر ناقص .
وقد يكون بقي عشر ليالي مع هذه الليلة إذا كان الشهر كاملاً . فمتى تكون الليلة السابعة ؟ أو الخامسة؟ أو الثالثة ؟ التي جاء ذكرهن في الحديث . على هذه السنة احتمال أن تكون الليلة السابعة الباقية من رمضان هي ليلة الأحد إذا كان رمضان كاملاً ، واحتمال أن تكون ليلة السبت إذا كان ناقصاً .. فالدليل يبين لنا أنها قد تكون ليلة الوتر متقدمة عن ظواهر التاريخ لنا والحساب .
السؤال أخي ممدوح رعاك الله : رمضان هذه السنة كامل أم ناقص حتى نحدد السابعة أو الخامسة المتبقية ؟؟ طبعاً لا جواب لأنه علم غيبي لا يقوله أحد .
2- أمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بالالتماس بالسابعة والخامسة والثالثة دليل على اختلاف الحساب واختلاف الحساب يؤدي إلى اختلاف التسمية ، فإذا بطل تحديد ليلة القدر بالحساب بطل تحديدها بالتسمية .
بهذا يتبين لك أن الأدلة التي استدل بها الأخ ممدوح جزاه الله خيرا جاءت على خلاف استدلاله ، والله أعلم .
الدليل الرابع الذي استدل به :
عقد الأخ الحبيب ممدوح فصلاً قال في بدايته : ( الد ليل على ان علم ليلة القدر ليس من علم الغيب ) ثم ذكر نفس الأحاديث السابقة وقال في نهاية كل حديث ( بحسب لفظ الحديث ):
( فهل يأمرنا رسول الله بأن نتحرّاها وهي من علم الغـيب ؟
فهل يأمرنا رسول الله بألتماسها وهي من علم الغيب ؟ )
إضافة إلى أنه استشهد بأدلة لا علاقة لها بجواز تسمية ليلة القدر شرعاً البتة ، ومنها حديث عائشة : ( قلت يارسول الله أرأيت ان علمت اي ليلة القدر ما اقول فيها ؟ قال : قولي : اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه . فهل يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها هذا ، ثم تكون من علم الغـيب ؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
قبل أن انتقض هذا الدليل ، يجب علينا أن نفرق بين مسألتين : الأولى : تحديد ليلة القدر بالعلامات الشرعية ، الثانية : تحديد ليلة القدر بالتسمية . وهاتان المسألتان بينهما ما بين المشرق والمغرب من الفرق والبون . لا من حيث الصورة ولا من حيث الحكم والاستدلال ، وما هذا الحوار وتقسيم أبوابه إلا لتوضيح ذلك .
فتحديد ليلة القدر بالعلامة الشرعية كأن تكون ليلة إحدى وعشرين من هذه السنة فيما يظهر لنا بالتاريخ شمسها صافية لا شعاع ولا برد فيها ولا حر ، كما أننا تحرينها قبل ذلك بالعبادة والتضرع والبذل والاستمرار عليه طيلة العشر فهذا ليس من ادعاء علم الغيب بل امتثال لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
أما التسمية بان تكون ليلة القدر هي ليلة الثلاثاء طول السنوات فهذا إدعاء علم الغيب صراحةً وتطاول على نصوص الكتاب والسنة وفهم على غير فهم القرون المفضلة وهم قومٌ عرفوا الحساب والعد، وأرجو أن لا تغضب عليّ أخي العزيز ممدوح من هذا الكلام ، فقد قلتُ ما أعتقده كما قلتَ أنتَ ما تعتقده . وسيتضح لك ذلك جليَّاً في باب الإلزامات .
الدليل الخامس الذي استدل به :
قال أخي ممدوح : (الرسول صلى الله عليه و سلم كان يعلم باسم ليلة القدر ) ثم ذكر الأحاديث التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم تلك الليلة .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أقول أن هذا من المسلّمات عقلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم اسم ليلة القدر التي أنسيها ، فقد أوحى الله إليه بليلة القدر ، وبالتأكيد أنه سيعرفها باسمها تلك السنة ، لكن أين الدليل على أن اسم تلك الليلة هي ليلة الثلاثاء يا أخي ممدوح ؟ ثم لو فرضنا أن تلك الليلة هي ليلة الثلاثاء وجاءت رواية صحيحة أو ضعيفة أن تلك الليلة هي ليلة الثلاثاء : أين الدليل صحيحاً كان أو ضعيفاً أن ليلة القدر ستستمر على أن اسمها ليلة الثلاثاء ؟؟؟ فهذا مما يجعل المرء عند سماعه مثل هذه النظرية وهذا الكلام يصاب بالوحشة والنفرة من مثل هذه الأمور ، فطريق السلف أعلم وأحكم .
إلى هنا عرفت بطلان الاستدلال بهذه الأدلة على هذه النظرية والله أعلم .
الفصل الثاني
نقض الاستدلال بالأدلة الموقوفة على عمل وقول الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
الدليل الأول الذي استدل به : ( قول أبيّ بن كعب رضي الله عنه )
قال أخي العزيز ممدوح ( روى مسلم رحمه الله في صحيحه ان صاحب رسول الله أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : والله الذي لااله الاّ هو انها لفي رمضان ، ووالله اني لأعلم اي ليلة هي ، هي الليلة التي امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين .. فيا سبحان الله أيحلف أبيّ بن كعب صاحب رسول الله زورا وبهتانا ؟ لا والله لقد صدق وبرّ ...أبعد هذا تكون من علم الغيب ؟ سبحان الله ...) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أقول والله لقد صدق وبر وصدق الصحابة كلهم أجمعون ، ووالله إني لا أفهم ولا يفهم القارئ الكريم ولا أحد من العرب الأقحاح أنَّ يمين أبيّ بن كعب تجوّز لنا تحديد ليلة القدر بليلة الثلاثاء من كل رمضان ، ووالله أن أبيّ لصادق في تحديدها لأنه لم يحددها من عقله ولا من حسابٍ تعارض مع النقل بل أخذها من فلَقَ فم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأبيّ ضرب بالعقل عرض الحائط وأخذ بالنقل وهو تحديد الرسول صلى الله عليه وسلم لليلة القدر ، وتوجيه هذا الدليل نقَلَتْهُ يداك أخي ممدوح عن ابن حجر من فتح الباري ، فأين جمع التوجيه بين الأدلة التي حددت ليلة القدر بسبع وعشرين أو ثلاث وعشرين ؟! .
فشتان بين استدلال أبي رضي الله عنه وبين استدلالك أخي الحبيب ممدوح ، فهذا الصحابي الجليل أبي بن كعب استدل بالنقل ، وأنت استدللت بالعقل ، وإن قلت أنت : (بل استدللتُ بالنقل ) أقول لك النقل يخالف دليلك وقد سبق بيان ذلك جليّاً .
الدليل الثاني الذي استدل به:
قال أخي العزيز ممدوح : ( ابوسعيد الخدري رضي الله عنه يقول انها ليلة احدى وعشرين وهذا في الصحيحين ، ثم تقولون انها من علم الغيب ؟ أأنتم أعلم ام صاحب رسول الله ؟؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أخي العزيز ممدوح كيف تستدل بهذا الأثر مجرداً ، وأنت نقلت بخط يدك في بحثك ما يخالف هذا صراحةً ؟! وقبل أن أبين لك ما نقلت بخط يدك ، أنت هنا تفهم من هذا النص أنه يؤيد تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء ، فما نقلته بخط يدك هو أثر ابن عباس الذي حدد ليلة القدر بليلة أربع وعشرين .
فتبين هنا أن استدلالك بهذا الأثر جاء عليك لا لك من ناحيتين :
1- أنه متعارض مع أثر ابن عباس في تحديد ليلة القدر بغير ليلة الوتر وهي ليلة أربع وعشرين .
2- أنت فهمت أن ابا سعيد الخدري يوافق فهمك ، وشيخ الإسلام يخالفك في الفهم أخي ممدوح ، وقد نقلت لك كلامه سابقاً في الفصل الثاني من الباب الأول ، وأعيده لك الآن : (فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع . وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى . وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح . وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر . وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي . كالتاريخ الماضي . وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { تحروها في العشر الأواخر } ) انتهى ، وأنت للأسف لم تنقل هذا النص في بحثك بينما نقلت من كلام شيخ الإسلام ما يوافق رأيك فقط ، وسيأتي توضيح ذلك .
من هنا عرفت أخي الكريم ممدوح أن هذا الدليل عليك لا لك ، فالفهم لهذا الأثر قُدتُّهُ قوداً لرأيك ولم وتطلق عنان فهمك لما يوافق اللغة والشرع وفهم من سبقك من أئمة الإسلام .
الدليل الثالث الذي استدل به:
قال أخي الكريم ممدوح : ( عبدالله بن انيس رضي الله عنه كان يقول انها ليلة ثلاث وعشرين ، وهذا في الصحيحين . أبعد هذا تكون من علم الغيب ؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
أقول في هذا الأثر كما قلت في أثر ابي سعيد الخدري رضي الله عنهما بالأمرين ، وأزيد ثالثاً أيضاً : أن هذا ليس علماً بالغيب فهو فَهِمَ كما فهم أبي بن كعب رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ، فهم فهموا حسب النقل لا العقل ، وأنت قلت بالعقل والحساب المخالف للشرع والنقل . وقلتُ سابقاً شتان بين تحري ليلة القدر بالعلامة الشرعية وبالعمل والطاعة ، وبين تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء .
الدليل الرابع الذي استدل به:
قال أخي ممدوح : ( روى الامام احمد رحمه الله في مسنده عن ابي عقرب الاسدي قال ، اتيت عبدالله بن مسعود فوجدته على انجاز له ، يعني سطحا ، فسمعته يقول : صدق الله ورسوله ،فصعـدت اليه فقلت : ياابا عبدالرحمن مالك قلت ، صدق الله ورسوله ؟ قال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأنا ان ليلة القدر في النصف من السبع الاواخر وان الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع قال ، فصعدت فنظرت اليها فقلت : صدق الله ورسوله ، صدق الله ورسوله أبعد هذا يقول من يقول انها من علم الغيب ؟ ) .
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
نقض هذا الدليل هو بما نقض الاستدلال بالأدلة السابقة من الأمور الثلاثة السابقة ، وأزيد أمراً رابعاً وهو :
أن قول ابن مسعود : (نبأنا ان ليلة القدر في النصف من السبع الاواخر وان الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع ) هنا نص صريح بأنها تكون إحدى ليلتين متتاليتين ، حيث إن نصف السبع الأخير يكون وتراً في حال كمال الشهر ويكون شفعاً في حال نقص الشهر .
من هنا تبين بطلان استدلالك بأثر ابن مسعود وأنه دليل عليك لا لك .
الدليل الخامس الذي استدل به:
قال اخي القدير ممدوح : (عمر ابن الخطاب( رضي الله عنه) كان يسأل الصحابه عن ليلة القدر ) ثم ذكر تحته الحديث الآتي : (في صحيح ابن خزيمه,باب الأمر بالتماس ليلة القدر وطلبها في العشر الاواخر من رمضان روى ابن خزيمه في صحيحه :(ح2172)باسناد صحيح قال حدثنا علي ابن المنذر حدثنا ابن فضيل حدثنا عاصم ابن كليب الجرمي عن ابيه عن ابن عباس قال : كان عمر يدعوني مع اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيقول لي :لا تكلّم حتى يتكلموا. قال :فدعاهم فسألهم عن ليلة القدر فقال :أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الاواخر.أي ليلة ترونها ؟
وفي مسند الامام احمد ,عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال , ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم ( فالتمسوها في العشر الاواخر وترا) ففي أي الوتر ترونها ؟ )
نقض توجيه هذا الدليل على خلاف ما استدل به :
على فرض صحة هذا الأثر ( فقد تُكلم في عاصم بن كليب عن ابيه عن جده ) أقول على فرض صحته فإن هذا الحديث يصح الاستدلال به على عدم جواز تسمية ليلة القدر لا في جوازها ، حيث سبق بيان رواية عبد الرزاق في مصنفه وهي : ( عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول " قال ابن عباس : دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر , فأجمعوا على أنها العشر الأواخر , قال ابن عباس : فقلت لعمر إني لأعلم - أو أظن - أي ليلة هي , قال عمر : أي ليلة هي ؟ فقلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر , فقال : من أين علمت ذلك ؟ قلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها , فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له).
فإذا علمت تمام هذه القصة وعلمت أن ابن عباس لم يقطع بها ، وعلمتَ أن سؤال عمر رضي الله عنهم أجمعين ليس سؤالاً عن تسميتها بل عن تحديدها الشرعي الذي جاءت به الأدلة السابقة ، عرفت بعد ذلك بطلان الاستدلال بهذا السؤال لعمر وأن سؤال عمر إنما هو دليل على العمل بالتحديد الشرعي ، لا بالتسمية ، والله أعلم .
الفصل الثالث
نقض الاستدلال بأقوال العُلماء الأجلاَّء
* كان من دوافع هذا الحوار مع أخي الحبيب ممدوح هو الدفاع عن الأئمة الأعلام ومنارات الإسلام ، إضافةً إلى الدافع الأساسي وهو مناقشة عدم صحة هذه النظرية من الوجوه والتقاسيم التي ذكرتها .
فعندما يقرأ القارئ بحث الأخ ممدوح يظن أن هؤلاء الأئمة يقولون بهذه النظرية التي أتى بها الأخ الفاضل ، وحتى لا يتوهم أحدٌ بذلك أفردت تفصيل تبرئتهم من هذه النظرية ذبَّاً عنهم ودفاعاً عنهم .
وتحت هذا الفصل مسائل :
المسألة الأولى : تبرئة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
المسألة الثانية : تبرئة الإمام شرف الدين النووي رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
المسألة الثالثة : تبرئة الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
المسألة الأولى :
تبرئة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله براء من هذا القول ، وقد قال بما يخالف مقتضى هذه النظرية وهذه القاعدة التي أتى بها الأخ ممدوح ، وستعرف ذلك أخي القارئ من خلال الأمور التالية :
الأمر الأول : قال الأخ ممدوح حفظه الله : ( قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في مجموعة الفتاوى ، المجلد 25 ص 285 و 286: فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (تحروها في العشر الأواخر ) وتكون في السبع الأواخر أكثر ، وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام او اليقظه فيرى انوارها ، او يرى من يقول له هذه ليلة القدر ، وقد يفتح الله على قلبه من المشاهدة مايتبيّن به الامر . أيقول هذا شيخ الإسلام ثم تكون من علم الغيب ؟ )
القارئ لهذا الكلام يعتقد أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن تسمية ليلة القدر بليلة الثلاثاء ليست من العلم بالغيب ، وما قال شيخ الإسلام إلا القول الذي فهمه الصحابة رضوان الله عليهم ، حيث رأوا أن التحري بالعلامة الشرعية ليس علماً بالغيب ، بخلاف التسمية التي هي من ضروب التنجيم والتكهّنّ ، وشيخ الإسلام جعل العلامة الشرعية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي التي يُلهمها المسلم وتكشف له سواء في المنام بأن يراها أنّها ليلة كذا ، والرؤيا معتبرة شرعاً مالم تخالف القواعد الشرعية ، أو في اليقظة بأن يوفّق لرؤية العلامة ، لا أن يقارن بالحساب عدة سنوات ثم يأتي ويطبق هذا التوافق على الدهر كله ويبني فوق ذلك تخطئة المسلمين في صيامهم وإفطارهم .
هذا هو الذي قصد شيخ الإسلام رحمه الله وغفر له وجمعنا به في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والصالحين .
الأمر الثاني : لو كان شيخ الإسلام رحمه الله يرى جواز تسمية ليلة القدر تحديداً باسم معيّن ، لما قال هذا القول والذي نقلتُه لك سابقاً : قال في مجموع الفتاوى (284/25) : (فأجاب : الحمد لله . ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { هي في العشر الأواخر من رمضان } . وتكون في الوتر منها . لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين . ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى } . فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع . وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى . وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح . وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر . وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي . كالتاريخ الماضي . وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { تحروها في العشر الأواخر } ) انتهى كلامه .
فماذا سيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لو سمع بقولك ؟! وقد فصّل القول رحمه الله في مجموع الفتاوى بأن الإلهام ليس من مصادر الأحكام الشرعية التي يبني عليها المسلم حكماً كالذي ذكرت في خطأ دخول رمضان وأنّ هذا إلهام الهمكَهُ الله تعالى.
الأمر الثالث : أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لا ينكر ترائي الهلال مهما كانت الحال ، ويقول باختلاف المطالع ، وأنت لا تقول به ، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الإلزامات ، فشيخ الإسلام برئ ورب الكعبة من القول بعدم جواز ترائي الهلال يوم الخميس الموافق29 من شعبان ، لأنّ رمضان لا يمكن أن يدخل في يوم جمعة ، وكذلك إذا كان 29 من شعبان يوم السبت ، برئ ورب الكعبة ، وكتبه وتراثه ناطقة بذالك ، فأعطها من وقتك بالسبر والقراءة والتمعّن تدرك ذلك جيداً أخي ممدوح سددك الله .
بهذا يتبين لك أخي القارئ أن شيخ الإسلام برئ من القول بهذه النظرية أو بمقدماتها براءةً ناصعة كالشمس .
المسألة الثانية :
تبرئة الإمام شرف الدين النووي رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
تبرئة الإمام النووي رحمه الله من القول بهذه النظرية أو القول بمقدماتها ، وذلك واضحٌ من نفس المصدر الذي استدل به الأخ ممدوح عفا الله عنه ، وذلك يتضح في أمور :
الأمر الأول : قال الأخ ممدوح : (وقال الامام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم الجزء الثامن ، كتاب الصيام باب 40 ص 314 ما نصّه : واعلم ان ليلة القدر موجوده كما سبق بيانه في اول الباب فانها ترى ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنه في رمضان كما تظاهرت عليه هذه الاحاديث السابقه في الباب ، واخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها اكثر من ان تحصر) انتهى قوله رحمه الله ،أبعد هذا يأتي من يأتي ويقول انها من علم الغيب ؟ سبحان الله ... ) انتهى كلام ونقل الأخ ممدوح .
الذي جعل الأخ ممدوح يتشبث بأن النووي يقول بمقدمات هذه النظرية هو قول النووي (فانها تُرى ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنه ) وهذا ما لُبّس على الأخ ممدوح كما سبق ذلك في فهم كلام شيخ الإسلام ، فالنووي رحمه الله كابن تيمية وهما فهما كفهم الصحابة من أن بعض الصالحين يرى ليلة القدر سواء كان يقظةً أو مناماً ، لكن هذه الرؤية هي حسب العلامات الشرعية ، لا أنّ يسمِّيها كل سنة بليلة الثلاثاء ويبطل الحساب الذي يؤخرها أو يقدمها عن هذه الليلة . فالنووي واضح كلامه أنه يقصد ذلك وهو براء من هذا القول أو مقدماته .
الأمر الثاني : أن النووي رحمه الله لا ينكر ترائي الهلال مهما كانت الحال ويرى اختلاف المطالع وأنت أخي ممدوح لا تقول به ، والذي جعلني أقول ذلك ما ذكرته سابقاً من أنك تنكر ترائي الهلال إذا كان يوم الخميس الموافق29 من شعبان ، لأنّ رمضان لا يمكن أن يدخل في يوم جمعة ، وكذلك إذا كان 29 من شعبان يوم السبت .
واقرأ ماذا يقول النووي رحمه الله : (والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ..) ، أي أنّ لكل بلد رؤيته ، ولا بد من رؤية الهلال ولا يستنثى ذلك أبداً لا حالة خاصة ولا حالة عامة .
الأمر الثالث : الأصرح ممّا سبق أخي ممدوح في أن النووي يخالفك مخالفةً شديدة هو قوله رحمه الله: ( المراد برفعها رفع بيان علم عينها ، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها ) . وعضّ على هذا الكلام أخي ممدوح بالنواجذ ، ففيه أمور: الأول : أن التسمية لو صحت تُعد من العين المرفوع عن ليلة القدر ، فكيف يرفع العلم بعينها ويبقى اسمها ؟
الثاني : أن الالتماس لا يعني معرفةُ عنيها عند تعريف الإمام النووي .
الثالث : قول النووي : ( تحينوا ) أي اطلبوا حينها وهو زمانها ، أي أن زمن وجودها باقي لكن العلم بعينها رفع .
بهذا يتبين لك براءة النووي رحمه الله من القول بمقدمات هذه النظرية فضلاً عن القول بها ، والله أعلم .
المسألة الثالثة :
تبرئة الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله من القول بهذه النظرية أو مقدماتها.
تبرئة الإمام ابن حجر رحمه الله أمر واضح يتبين لك أخي الكريم مما سبق الاستشهاد به من كلامه رحمه الله ، وهنا أمور ننبه عليها :
الأمر الأول : قال ابن حجر رحمه الله في أقوال العلماء في تحديد ليلة القدر – وهذا مما سطره ونقله الأخ ممدوح في بحثه - : ( الخامس والعشرون : أنها في أوتار العشر الأخير وعليه يدل حديث عائشة وغيرها في هذا الباب , وهو أرجح الأقوال ).
قد يظن الباحث أن ابن حجر يوافقه في التنقل وفي الأوتار ، لكن هذا سيتضح لك في الأمر الثاني .
الأمر الثاني : قال ابن حجر رحمه الله : { أروا بضم أوله على البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام إنها في السبع الأواخر , والظاهر أن المراد به أواخر الشهر , وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين , فعلى الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث وعشرين , وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين , وقد رواه المصنف في التعبير من طريق الزهري عن سالم عن أبيه " إن ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر , وإن ناسا أروا أنها في العشر الأواخر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في السبع الأواخر " وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به , وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري بلفظ " رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها " ورواه أحمد من حديث علي مرفوعا " إن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي " ولمسلم عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر بلفظ " من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر " ولمسلم من طريق عقبة بن حريث عن ابن عمر " التمسوها في العشر الأواخر , فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي " , وهذا السياق يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع . }
هنا يتبين لك أن ابن حجر يقول بأنه لا يمكن تحديد ذلك إلا بعد خروج الشهر فنعرف متى تكون الليلة التاسعة التي تبقى والخامسة وهكذا .
الأمر الثالث : قال ابن حجر : { قوله (باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس ) أي بسبب تلاحي الناس , وقيد الرفع بمعرفة إشارة إلى أنها لم ترفع أصلا ورأسا . قال الزين بن المنير : يستفاد هذا التقييد من قوله " التمسوها " بعد إخبارهم بأنها رفعت , ومن كون أن وقوع التلاحي في تلك الليلة لا يستلزم وقوعه فيما بعد ذلك , ومن قوله " فعسى أن يكون خيرا " فإن وجه الخيرية من جهة أن خفاءها يستدعي قيام كل الشهر أو العشر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها }.
هنا ابن حجر يرجح خفاء عينها ، وبالتالي لا يمكن أن يقول بجواز تسميتها .
بهذه الأمور يتبين لك سلامة ابن حجر من مقدمات هذا القول أو أن يدلي بمبادئه ، والله أعلم
الباب الرابع :
( الإلزامات المستخرجة من هذه النظرية )
بيان بطلان هذه القاعدة والنظرية من خلال المسائل المبنيّة على هذه النظرية والتي يستلزم أن يقول ببطلانها الباحث عفا الله عنه .
المسألة الأولى : الخلل في نص حديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
المسألة الثانية : أنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على صيامٍ خاطئ في التوقيت .
المسألة الثالثة : أن المطالع لا تختلف ، والعالم كله يكون له رؤية واحدة .
المسألة الأولى :
الخلل في نص حديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
هذا أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتراءى الهلال يوم التاسع والعشرين من شعبان ، فإن رأيناه وإلا أكملنا عدة شعبان ثلاثين ، كما هو تمام الحديث الذي في الصحيحين . وهذا الحديث عام في كل مقام وحال وكل سنة ، لا نستثني من ذلك أي سنة . و بناءاً على النظرية التي أتى بها أخي ممدوح الجبرين فإننا لا نتراءى الهلال إذا كان يوم الخميس أو السبت من كل سنة هو التاسع والعشرون من شهر شعبان ، لأن ذلك مفضي إلى أنه لا تكون ليلة القدر ليلة ثلاثاء في وتر العشر الأواخر . وإذا ترائينا فنحن مخطئون . كما قال بذلك هذا العام 1425هـ .
فالأمر لايخلو من حالين :
1- إمّا أن نص الحديث فيه خلل في فهمه أو ألفاظه ، وحاشا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
2- أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بهذه الحالة ولم يبينها لنا ، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة .
وهذه المسألة من المستلزمات الباطلة المبنية على هذه النظرية التي هي أشد بطلاناً وخرقاً للقواعد الشرعية .
المسألة الثانية :
أنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على صيامٍ خاطئ في التوقيت .
عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
بناءاً على هذه النظرية والقاعدة يتبين لنا أن الصحابة كانوا على خطأ في صيامهم في الشام مع معاوية حيث رأوا الهلال ليلة الجمعة ، هذا في هذا الحديث ، ويقاس على ذلك في السنوات التي صاموها يوم الجمعة أو يوم أحد ، ولم يأتنا تحديدها ، لكن حديث كريب مثال عليها .
وتخطئتهم لا تكون إلا لسببين لا ثالث لهما :
1- أنهم ليسوا على درجة من الفهم لنصوص السنة التي جاءت في ليلة القدر ، وهذا باطل .
2- أن عصرنا تفضل عليهم بهذه النظرية ، فتبين لنا مالم يتبين لهم من خطأهم في التوقيت وهذا أشد بطلاناً .
وهذه المسألة من المستلزمات الباطلة المبنية على هذه النظرية التي هي أشد بطلاناً وخرقاً للقواعد الشرعية .
المسألة الثالثة :
أنَّ المطالع لا تختلف ، والعالم كله يكون له رؤية واحدة
من الأمور التي تنبني على هذه المسألة ولا بد من القول بها هو أنَّ المطالع لا تختلف ، والعالم كله يكون له رؤية واحدة ، فالبلد المتأخر عن البلد الذي صام يوم الخميس يَرِدُ عليه أن يرى الهلال ليلة الجمعة فيصوم يوم الجمعة ، إذا رأوا الهلال ، وهنا نقول بخطأ هذا الاختلاف بناءاً على أن المطالع لا تختلف .
واختلاف المطالع مشاهد حساً وعقلاً ، ولا ينكره إلا من أنكر الشيء المحسوس ، وقد ثبت ذلك بالأدلة الشرعية ، وإقرار علماء الفلك .
وهذه المسألة التي ذكرت من المستلزمات الباطلة المبنية على هذه النظرية التي هي أشد بطلاناً وخرقاً للقواعد الشرعية .
الصفحة الأخيرة