:confused- تحذير العابد من بدع الموالد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وبعد:
فإن محبة النبي
صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم، بل هي أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين،
ومحبته صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعته واتباعه فيما أمر، وألا نبتدع في الدين ما ليس منه، وإن
من الأمور المحدثة التي خالف فيها كثير من الناس منهج الحق اتخاذ أعياد غير
مشروع يقصدونها في أوقات معينة ومواسم معروفة للتعبُّد عندها لغير ذلك.
ويأتي
هذا المقال تحذيرًا من هذه البدعة التي أفسدت حقائق هذا الدين الحق وشوهت
معالمه عند الكثيرين، وكانت سببًا في نشر العقائد الهدامة في الأمة بدعوى محبة
النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته.
üü معنى العيد üü
العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على
وجه معتاد، إما بعود السّنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك، فالعيد كل
اجتماع عام يحدثه الناس أو يعتادونه في زمان معين أو مكان معين أو هما معًا،
وكذلك كل أثر أو مشهد أو مقام يعتاد الناس مجيئه سواء كان قديمًا أو حديثًا،
فإنه يصدق عليه مسمى العيد.
üü الأدلة التي تبين حرمة اتخاذ القبور أعيادًا
üü
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي الصريح عن ذلك في أدلة صحيحة صريحة منها:
أولا: عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا
تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه في شرح الحديث:
«فمن هذه الأمكنة قبور الأنبياء والصالحين، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف النهي عن
اتخاذها عيدًا، عمومًا وخصوصًا».
قال ابن القيم رحمه اللَّه:
«فاتخاذ القبور عيدًا هو من أعياد المشركين التي كانوا عليها قبل الإسلام، وقد
نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيد القبور، منبهًا به على غيره».
«ويؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص
من السنة، ويقولون: هذا يوم مولد الشيخ، ويأكلون ويشربون، وربما يرقصون فيه،
منهي عنه شرعًا، وعلى ولي الأمر ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله».
ثانيًا: وعن علي بن الحسين: أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت
عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فدعاه فقال: ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي
عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا
علي فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم».
ثالثًا: عن سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن
بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر فناداني، وهو في بيت فاطمة
يتعشى فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال: ما لي رأيتك عند القبر
فقلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا ولا تتخذوا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم
تبلغني حيث ما كنتم، لعن اللَّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
والحديث
دليلٌ على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين عيدًا، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية في «الاقتضاء» (ص155- 156): «ووجه الدلالة أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على
وجه الأرض وقد نهى عن اتخاذه عيدًا، فقبر غيره أولى بالنهي كائنًا من كان، ثم
قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : «ولا تتخذوا بيوتكم قبورًا» أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها
والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهي عن
تحريها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم. قال: فهذا
أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي اللَّه عنهم، نهى ذلك الرجل أن
يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم ، واستدل بالحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي،
وهو أعلم بمعناه من غيره، فتبين أن قصده أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه
عند غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من الدعاء ونحوه اتخاذه عيدًا، وكذلك ابن عمه
الحسن بن الحسن شيخ أهل بيته كره اتخاذه عيدًا، فانظر هذه السنة كيف أن مخرجها
من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قُرب النسب وقرب الدار
لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط.
والعيد إذا جعل اسمًا للمكان فهو
المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة عنده أو لغير العبادة؛ كما أن
المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة جعلها اللَّه عيدًا مثابة للناس، يجتمعون
فيها ويرتادونها للدعاء والذكر والنسك، وكان للمشركين أمكنة يرتادونها للاجتماع
عندها، فلما جاء الإسلام محا اللَّه ذلك كله، وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه
قبور الأنبياء والصالحين.
üü احتجاجات باطلة üü
وقد استدل من أجازوا جعل القبور
عيدًا بعدة أدلة، لا يصح الاحتجاج بواحد منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من زار قبر
والديه أو أحدهما يوم جمعة فقرأ (يس) غفر له».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من زار قبر أبويه أو
أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برًا».
قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور»، وفي لفظ:
«إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور».
üü صور من اتخاذ القبور أعيادًا
üü
الأولى: الاحتفال بالمولد النبوي:
مولد النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقيمه الصوفية في
الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام إظهارًا للسرور بمولده، وتوسع بعضهم
فأجازه في أي وقت من أوقات السنة طالما أنه مظهر سرور بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ويرجع تاريخ
ظهور هذه البدعة إلى الدولة العبيدية التي تسمت بالدولة الفاطمية، حيث أحدثت
هذه البدعة لجذب قلوب الناس إليها، والظهور بمظهر من يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مع أنها
من أكثر الدول التي فشا فيها الإلحاد والزندقة تحت شعار التشيع وحب آل البيت.
وعن طريقهم انتشرت الموالد وراجت رواجًا كبيرًا لدى الصوفية.
فصارت كل طريقة تعمل لشيخها مولدًا يتناسب ومقام الطريقة
وشيخها!! هذا مع حرصهم على مولد النبي صلى الله عليه وسلم في كل عام وتسير المواكب في الطرقات،
وتنشد القصائد، وتقام الحفلات إلى غير ذلك من مظاهر الاحتفال بالمولد
النبوي.
والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة منكرة؛ لما يلي:
1- اتخاذه عيدًا شرعيًا،
والأعياد الشرعية يومان الفطر والأضحى كما جاء بذلك النص، قال صلى الله عليه وسلم : «إن اللَّه
أبدلكم بهما يومي الفطر والأضحى».
2- جعله عبادة شرعية وقربة إلى اللَّه، حتى
إنهم في بعض البلدان يتهمون من لم يحضر المولد بالجفاء والمروق من الدين
أحيانًا.
3- عدم فعل السلف له
مع أنهم أشد الناس حبًا له صلوات اللَّه وسلامه عليه، وهم أعرف الناس بحقوقه،
ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
4- إن عمل المولد يتضمن أمورًا منهيًا عنها شرعًا
كإنشاء القصائد الشركية والغلو فيه صلى الله عليه وسلم وتشويه صورة الدين بأعمال الخرافيين
والمشعوذين والدجالين على ما يجري عمله في أكثر البلاد.
5- الاحتفال بالمولد
بدعة فيها مشابهة للنصارى في احتفالهم بمولد المسيح عليه السلام لأن دينهم
المحرف قام على الغلو في الأشخاص، وديننا ينهانا عن الغلو.
هذا، وقد استغلت
الصوفية وسائل الدعاية لترويج هذه البدعة بدعوى أنها من أكبر مظاهر حبه صلى الله عليه وسلم ،
فألفوا فيها الرسائل والكتب وسودوا بها صحائف كانت بيضاء، ونعتوا كل ناقد وموجه
بعدم الحب والولاء لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
الثانية: إقامة الموالد الموسمية، كقولهم:
«هذا مولد الولي الفلاني أو العالم الفلاني»، ومثال ذلك: مولد الحسين رضي الله
عنه، حيث يحدث عند هذا المشهد المزعوم في القاهرة ما يندى له الجبين، ويقرح
قلوب الموحدين؛ حيث يبدأ الاستعداد قبل المولد بأسبوع بنصب السرادق في الساحات
المحيطة حول المسجد؛ لاستقبال جموع الناس المتوافدين لزيارة الضريح المزعوم؛
حيث يبدأ مشايخ الطرق الصوفية بالانتشار في هذه الساحات، وحولهم الأتباع،
ويبدؤونه بالرقص والطرب، ويصلون إلى مراحل من السُكر والإغماء حتى أذان الفجر،
لا يوقفهم عن غيهم أذان، ولا صلاة، بل تجد، المغرر بهم يأتونه بالقرابين
والنذور والهبات؛ لترمى عند الضريح وحوله، رجاء تفريج الكربات، فيتلقاها السدنة
الأفاكون، ويعطونهم الوعود بأن مطالبهم ستتحقق، ورسائلهم وحوائجهم إلى صاحب
المقام والضريح سترفع، وهكذا يتكرر هذا العيد الشركي في كل عام أسبوعًا، أما
العيد الأسبوعي فعنه حدث ولا حرج، فلقد شاهدت عند الصنم الذي يعبد في طنطا
المسمى بضريح أو مقام السيد البدوي ما يفتت الكبود؛ حيث يتوافد في صبيحة كل يوم
جمعة في كل أسبوع عشرات الآلاف من مدن وقرى وأرياف مصر إلى هذا الصنم؛ ليعكفوا
عنده، ويطوفوا حوله، ويتمسحوا بحوائطه وجدرانه، ولقد شاهدت امرأة تقف أمام
الضريح في كل خشوع تتضرع إليه وتتوسل، وترجوه رجاء الخائف الضرير، وتدعوه دعاء
المذنب الذليل قد رأيتها وقد أبكت القلوب من شدة بكائها، وهي ترجوه أن يفرج
همها، وما علمت أنها تدعو من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا، ولا
حياة، ولا نشورًا.
وقبل هذا يعمدون حال وصولهم إلى ضريح البدوي، فيطوفون به
طواف القدوم، على نحو ما يفعل القاصدون لحج بيت اللَّه الحرام، ويقولون: إن هذه
كانت سنة الشيخ عبد العال خليفة السيد، ولهم في هذا الاحتفال بدع شتى، وهذه
صورة من صور اتخاذ القبور أعيادًا.
üü
الموالد وأثرها في إفساد العقائد üü
«وهذا الفعل محاكاة لليهود والنصارى باتخاذ
قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، حيث يقصدون العبادة عندها، وهو بعينه ما نهى عنه
صلى الله عليه وسلم ، فأرباب الموالد لا يقصدون المشاهد والقبور إلا طلبًا للبركة أو الاستغاثة أو
الدعاء، فيذبحون لها، ويطوفون بها، ويمرغون الخدود على أعتابها، وهذا الفعل
محادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، مناف لكلمة التوحيد؛ لأن العبادة لا تكون إلا لله عز وجل،
ومن صرف نوعًا من أنواعها لغير الله، فقد وقع فيما يناقض «لا إله إلا
الله».
وما يفعله أولئك نابع من عقيدة أن الأولياء لهم التأثير في الكون «كما
يزعم الصوفية»، وأن الاحتفال بمولد الأولياء والعكوف على قبورهم من الدين وأنه
قربة، فالذين لا يحتفلون بالأولياء ولا يزورون قبورهم ولا يقدمون النذور لهم
محجوبون من رحمة اللَّه وبركته، بل من لم يفعل هذه الموالد قد يسلب منه
الإيمان، وتصيبه الأمراض والأسقام، بسبب امتناعه أو اعتراضه على حد زعمهم.
üü سبحانك هذا بهتان عظيم üü
ولا تظن أن هذا القول تجن على أصحاب
الموالد، أو هو من نسج الخيال، بل هذه هي حقيقة تلك الاحتفالات.
فقد زعم
الشعراني أن الأحياء والأموات يحضرون الاحتفال بمولد سيده عند ضريحه، بل ويحضره
النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والأولياء. وأما من ينكر المولد ويمتنع عن حضوره فعن
ضياع إيمانه حدث ولا حرج.
قال الشعراني: أخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي رضي
الله عنه أن شخصًا أنكر حضور مولده فسلب الإيمان، فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين
الإسلام، فاستعان بسيدي أحمد رضي الله عنه فقال: بشرط ألا تعود، فقال: نعم. فرد
عليه ثوب إيمانه.
فهذه نتيجة من ينكر مولد البدوي، أو يمتنع عن حضوره، كما يزعم
الشعراني، أما من يحضره فالبدوي يحفظه، ويرعاه، ويشمله بشفاعته، ويغفر خطيئته
حيث قال: وعزة ربي، ما عصى أحد في مولدي، إلا تاب وحسنت توبته.
بمثل هذا الهراء والكذب الصراح انتشر صيت البدوي وهذا أسلوب
كافة الصوفية الدراويش في إثبات كرامات من يزعمون له الولاية، وبهذه الدعايات
الخرافية الأسطورية استطاعوا أن يجعلوا لمولد البدوي قداسة في النفوس المريضة،
كأنها قداسة الحج إلى بيت اللَّه الحرام بل أشد.
وختامًا، فإن الاحتفال
بالموالد بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع، والاشتغال
بإحياء السنن، والتمسك بها، ولا يُغتر بمن يروج لهذه البدعة ويدافع عنها، فإن
هذا الصنف يكون اهتمامه بإحياء البدع أكثر من اهتمامه بإحياء السنن، ومن كان
هذا شأنه لا يجوز تقليده والاقتداء به، وإنما يقتدى بمن سار على نهج السلف
الصالح الذين لم يحتفلوا بالموالد، وهم أشد الناس حبًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وآل بيته
ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
والله من وراء القصد.
منقول للفائده
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️