ruka4 @ruka4
عضوة فعالة
تسوية الصفوف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسوية الصفوف
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله ذوالجلال والإكرام ، ذي الطول والإنعام ، الحمد لله السميع البصير ، العلي الكبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الداعي لكتابة هذه الرسالة ما نشاهده من زهد الكثير والكثير من المسلمين في الاهتمام بالصف الأول في الصلاة ، وعدم الاهتمام بتسوية الصفوف إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالصفوف في الصلاة .
فرأيت أن من واجب النصح للجميع كتابة هذه الرسالة التي اسأل الله العلي القدير أن ينفع بها الكاتب والقارئ ومن أعان على طبعها ونشرها.
من المعلوم شرعاً أن تسوية الصفوف واجب الإمام والمأموم على حد سواء ، فيجب على المأموم السمع والطاعة لإمامه عند توجيهه إلى تسوية الصفوف والتراص فيها ، فيسعى المأموم جاهداً لإيجاد فرجة في الصف الذي أمامه ليحظى بأجر أكثر وأفضل مما لو تأخر ، وينبغي على المأموم أن لا يتضجر ولا يتسخط من تسوية الصفوف والعناية بها بل يكون عوناً لإمامه على ذلك ، لما فيه من التعاون على البر والتقوى ، والتناهي عن الإثم والعدوان .
فإذا أقيمت الصلاة وقيل لهم أتموا الصف الأول جعلوا يلتفتون مندهشين مستغربين وما ذاك إلا لجهل أولئك الناس بأهمية الصفوف الأول في الصلاة .
*** ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تسوية الصفوف وأمر بذلك ، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما ، قال (( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ فقلنا : يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف )) .
ففي هذا الحديث دلالة واضحة على الاهتمام بتسوية الصفوف وتراصها فهذا دليل على وحدة الأمة ، والتزام جماعتها بدين واحد ، وإمام واحد ، والاهتمام بتراص الصفوف وإقامتها والمقاربة بينها من أجل ألا يكون هناك فرج للشيطان كي يدخل منها ، لأن الشيطان يدخل من الخلل ليفسد قلوب المصلين ويلبس عليهم في صلاتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم (( رصوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بالأعناق ، فوا لذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف )) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : (( أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفاً وصله الله ، ومن قطع صفاً قطعه الله )) .
وينبغي العناية بوصل الصف والحذر كل الحذر من قطع الصف ، فإذا كانت هناك فرجة في الصف فيجب وصلها .
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كاد يكبر رجلاً بادياً صدره من الصف ، فقال : ((عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )) ، ففيه الحث على تسوية الصفوف وأنه يؤثر على حال الأمة وألفتها ، وعدم تسوية الصفوف يؤدي إلى الاختلاف والعداوة والبغضاء واختلاف القلوب وضعفها وسيطرة الشيطان عليها ووسوسته لها فيصرفها عن الصلاة حتى أن الإنسان لا يعقل من الصلاة إلا أقل القليل أو قد لا يعقل منها شيئاً . فالاهتمام بتسوية الصفوف من الضروريات التي ينبغي على الإمام والمأموم الانتباه لها وأخذ ذلك بعين الاعتبار .
وليس المقصود بالتراص في الصلاة التزاحم ، بل المقصود الاعتدال والتناظم في الصف وعدم ترك فرجات وفراغات يدخل منها الشيطان ، فيشوش على المصلين ويلهيهم عن الخشوع في صلاتهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تراصوا ولا تدعوا فرجات للشيطان )) ..
وتكون تسوية الصفوف بإلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم والمعتبر بالقدم هو الكعب ، كما ذكر بعض العلماء .
فينبغي على المصلين المسارعة إلى الصفوف الأول وكذا تسوية جميع الصفوف في الصلاة ، والتعاون والتناصح فيما بينهم من أجل ذلك الأمر حتى لايلحقهم الوعيد الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم في عدم تسوية الصفوف: (( أو ليخالفن الله بين وجوهكم )) ، ففيه وعيد لمن ترك تسوية الصفوف متعمداً ، ولا وعيد إلا مع فعل أمر محرم أو ترك أمر واجب .
*** فليحذر المصلون من عدم تسوية الصفوف والتراص فيها ، وليكونوا إخواناً متعاونين على البر والتقوى ، متناهين عن الإثم والعدوان ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
وأختم بهذه الأحكام الخاصة بالصفوف في الصلاة :
من أحكام الصفوف :
إليك أخي الكريم بعضاً من الأحكام والفوائد المتعلقة بالصفوف وتسويتها في الصلاة :
1- يحرم المرور بين يدي المصلي في الصلاة إذا كان إماماً أو منفرداً ( مسبوقاً أو غير مسبوق )، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه )) ، قال الراوي : لا أدري قال أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين سنة ، أما المرور بين الصفوف إذا كان هناك إماماً فلا يمنع ذلك لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه والله أعلم .
2- قال صلى الله عليه وسلم : (( يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، المرأة والحمار والكلب الأسود )) ، فهذه الثلاثة تقطع صلاة المرء إذا مرت بينه وبين سترته ، أما إذا مر غيرهم فإنه ينقص أجر الصلاة إذا لم يمنعوا من المرور . والله أعلم .
3- يبدأ الصف من خلف الإمام مباشرة ثم يمتد ناحية اليمين وناحية الشمال .
4- قال صلى الله عليه وسلم : (( لاصلاة لمنفرد خلف الصف )) ، وهذا الحديث يدل على أن من وجد فرجة في الصف ثم لم يصلها ويصلي فيها فصلاته غير صحيحة.
5- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتراص وسد الخلل ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتقون الصفوف بين السواري ـ أي بين الأعمدة ـ لما في ذلك من فصل الصف بعضه عن بعض ، ولكن إذا كان المسجد مزدحماً ففي هذه الحالة لاحرج في الاصطفاف بين الأعمدة ، أما في غير الحاجة في الصلاة بين السواري غير صحيحة . والله أعلم.
6- ميامن الصفوف أفضل من مياسرها ، فعن البراء رضي الله عنه قال : ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله عليه وسلم ، أحببنا أن نكون عن يمينه . . ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )) . والله أعلم .
7- الاهتمام بالأطفال أثناء إحضارهم للصلاة ، وتسويتهم في الصف بحيث يجعل الأب أبناؤه في الصف الذي أمامه أو عن جانبيه حتى يأمن عبثهم ، وعدم لعبهم ، ويحذر من سخط الناس ودعاءهم عليهم فيما لو تركوا يسرحون ويمرحون في بيوت الله ، فقد تصيب أحدهم دعوة أحد المسلمين فيبوء بها والعياذ بالله .
8- صفوف النساء غالباً ما يعجز الإنسان عن تسويتها ، فصفوفهن عجيبة غريبة ، تجد صفاً مكتملاً والذي يليه ناقصاً من جهة أو أخرى ، والثالث في وسطه ثلة قليلة ، وهكذا من أخطاء النساء في تسوية الصفوف ، فلا ريب أن الشيطان سيدخل من خلل الصف ليفسد عليهن صلاتهن ، بل وأعجب من ذلك أنه إذا قُدمت النصيحة إليهن من إحدى الغيورات يقابلن ذلك بالنكران وعدم الإحسان ، وكان الواجب عليهن أن يكن متآلفات متعاونات على البر والتقوى ، وإلا فما الفائدة من حضورهن إلى المساجد فصلاة المرأة في بيتها خير لها ، فاتقين الله أيتها المسلمات واعتنين بصفوفكن حتى تكنّ كالجسد الواحد وتمنعن الشيطان من أن يُلبِّس عليكن صلاتكن ، فلم تأت إحداكن للمسجد إلا من أجل الخشوع والطمأنينة وحصول الأجر فحافظن على ذلك الأمر وكن يداً واحدة للعمل على تسوية الصفوف وتنبيه الغافلة والناسية وتعليم الجاهلة أن هذا مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فلنا في رسولنا الأسوة الحسنة في ذلك .
ولا يخفى على ذي لب ما لاتصال الصفوف وتسويتها وتراص الناس فيها وانتظامهم فيها كأسنان المشط ما لذلك من ألفة ومحبة واخوة ، حيث يشعر المسلون وكأنهم كالجسد الواحد ، ويسأل بعضهم عن حال بعض فيفرحون لفرح بعضهم بعضًا ويسارعون لنجدة الملهوف منهم ، ولم تأت تسوية الصفوف من فراغ بل جاءت ممن لا ينطق عن الهوى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، فعجباً لمن يرى في نفسه ترفعاً على إخوانه بل ويرجو ممن هو بجانبه ألا يلصق كعبه بكعبه بحجة أنه لا يستطيع الخشوع ولا الطمأنينة إلا بعيداً عمن هو بجانبه من إخوانه المسلمين ، فنقول له : هل أنت أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالتراص في الصفوف وحذر من وجود الفرج لأن ذلك يسبب دخول الشيطان من خلل الصف مما يلهي المصلي عن صلاته فلا يطمأِن فيها ولا يخشع . ولكنه اتباع الهوى وما تمليه النفس الأمارة بالسوء ، فسبحان الله متى يشعر المسلمون بالأخوة والمحبة والألفة حتى يكونوا صفاً واحداً ضد أعدائهم ، ولكنه خلل في العقول والأفهام ، وقلة حيلة في العلم والإلمام .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا ممن يسابقون ويسارعون إلى الصفوف الأول ، وأن يوفقنا لتسوية الصفوف ، وتصفية النفوس ، وأن يجنبنا كيد الشيطان ووسوسته ، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولامضلين ، إنه سميع قريب . والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم .
2
433
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خير 0000موضوع قيم