تشتت الانتباه ، يفقدك الذكاء !!
د.أنوار عبد الله أبو خالد
جلس ثلاثة في مقهى مكشوف على قارعة طريق مزدحم بالناس والحياة ،وبعد مرور ساعة اعطي كل منهم ورقة ليذكر فيها جميع الاشياء التي رأها او سمعها خلال ذلك الوقت ، كانت النتائج بينهم متفاوته جدا ، حتى ان احدهم لم يستطع ان يكتب اكثر من سطرين !!..إن علمك الذي تعلمته طوال عمرك ، وذكاءك الذي حاولت شحذه ، وسرعة بديهتك التي عودت نفسك عليها ، كلها معرضة للنقص والتلاشي ، متى مافقدت عنصر الانتباه !!..
نحن نظن ان عدم المبالاة بما يحدث امامنا ، يجلب لنا الهدوء والسكينة وراحة البال ، ولكن هذا الاعتقاد الخاطئ يذكرنا بشخص اراد ان يحصل على الهدوء فسد اذنيه وعصب عينيه وذهب يمشي في الشوارع !!.. لقد وهبنا الله جهازا عصبيا حساسا يتفاعل مع مايحصل من حوله لحكمة ربانية عظيمة ، فبقدر ماتنتبه لما حولك وتتفكر فيه بقدر ماتتعلم وتفطن .. كل انسان منا يملك انتباهين ، احدهما (لاإرادي) فبه ينتبه لصوت الانفجار وقرع الاجراس ووميض الانوار الساطعة ونداءات الجسد من جوع وحر ومايقابلهما ، وهناك انتباه آخر (إرادي) يتحكم فيه الشخص تركيزا او تجاهلا ، وهذا الانتباه الارادي هو الذي يصنع التفاوت في العقليات ومستوى التفكير والفطنة ..
اسأل نفسك مامدى انتباهك وتركيزك لما حولك ؟ وما مدى قدرتك على استحضار حاضرك ، في وقت انت فيه بعيد عن مشتتات الانتباه سواء كانت نفسية كالحزن والاكتئاب والكره ، او مادية كالحر والبرد والظلام والضوضاء، او جسدية كالارهاق او التعب او قلة النوم ، او اجتماعية كالخصام والفقر والنزاع العائلي ، فان عدمت هذه المشتتات فما مدى قدرتك على الانتباه ، وعند الاجابة عن هذا التساؤل سوف تعرف تماما سبب ذكاء الاذكياء وفطنة الفطناء وسرعة بديهة الحكماء وابتكار المخترعين وحنكة العلماء ..
ولذلك نجد حرص الاسلام على هذا الجانب ، حين حث على التنبه للصلوات الخمس في مواعيد ثابتة ، ورتب قدر الاجر على مدى قدرتك على التركيز فيها واستحضارك لها ، وكذلك في تدبر القرآن ، ووضع الثواب على الانتباه والدعاء بعد صوت المؤذن وصوت الديك وصوت الرعد ... وغيرها من الامور التي تجعل عقلك حاضرا مستوعبا للاحداث والمتغيرات من حولك ، لتبقى بطبيعتك وفطرتك منتبها يقظا مستعدا لكل جديد متأقلما لكل حادث ، بعيدا عن الغفلة والسدور الذهني الذي ينسيك نفسك ومسؤولياتك وينسيك الهدف الاسمى في الحياة ...
كثيرا مانشكو من نقص القدرة على الانتباه ، ولكننا نعلل الامر على اساس انه ضعف في الذاكرة او بسبب تقدم السن ، ننسى الاكل على النار ، وننسى مواعيدنا المهمة ، وواجباتنا اليومية ، والسبب يعود لنقص الانتباه الصحي ، البعيد عن القلق المرضي او عكسه من البلادة العقلية وعدم المبالاة .. واكبر الآفات هو سماحنا للمشتتات بالتداخل في اذهاننا على شكل افكار او ايجاد حلول لمشاكلنا ، او ايجادها داخل بيئتنا كالتلفاز والراديو والجوال وغيرها من المزعجات البصرية والسمعية ، معاكسين لقدراتنا التي اخبرنا بها خالقنا ، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه .. وعلى دروب الخير نلتقي
المصدر | جريدة الرياض
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️