القسم في سورة الطارق:
ومن ذلك أقسامه سبحانه بـ { والسماء والطارق } وقد فسره بأنه { النجم الثاقب } الذي يثقب ضوؤه والمراد به الجنس لا نجم معين ومن عينه بأنه الثريا أوزحل فإن أراد التمثيل فصحيح وإن أراد التخصيص فلا دليل عليه
والمقصود أنه سبحانه أقسم بالسماء ونجومها المضيئة وكل منها آية من آياته الدالة على وحدانيته وسمى النجم طارقا لأنه يظهر بالليل بعد اختفائه بضوء الشمس فشبه بالطارق الذي يطرق الناس أو أهلا ليلا.
والمقسم عليه ههنا حال النفس الإنسانية والاعتناء بها وإقامة الحفظة عليها وأنها لم تترك سدى بل قد أرصد عليها من يحفظ عليها أعمالها ويحصيها فأقسم سبحانه أنه ما من نفس إلا عليها حافظ من الملائكة يحفظ عملها وقولها ويحصي ما تكتسب من خير أو شر
واختلف القراء في لما فشددنا بعضهم وخففها بعضهم فمن قرأها بالتشديد جعلها بمعنى إلا وهي تكون بمعنى إلا في موضعين ( أحدهما ) بعد إن المخففة مثل هذا الموضع أو المثقلة مثل قوله { وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم } ( والثاني ) في باب القسم نحو سألتك بالله لما فعلت قال أبو علي الفارسي : من خفف كانت عنده هي المخففة من الثقيلة واللام في خبرها هي الفارقة بين إن النافية والخفيفة
ومن قرأها مشددة كانت إن عنده نافية بمعنى ما ولما.
ثم نبه سبحانه الانسان على دليل المعاد بما يشاهده من حال مبدئه على طريقة القرآن في الاستدلال على المعاد بالمبدأ فقال { فلينظر الإنسان مم خلق } أي فلينظر نظر الفكر والاستدلال ليعلم أن الذي ابتدأ أول خلقه من نطفة قادر على إعادته .
ثم أخبر سبحانه أنه خلقه من ماء دافق والدفق صب الماء يقال دفقت الماء فهو مدفوق ودافق ومندفق فالمدفوق الذي وقع عليه فعلك كالمضروب والمندفق المطاوع لفعل الفاعل تقول دفقته فاندفق والدافق قيل إنه فاعل بمعنى مفعول وقيل : هو على النسب لا على الفعل أي ذي دفق أو ذات ولم يرد الجريان على الفعل وقيل - وهو الصواب - إنه اسم فاعل على بابه ولا يلزم من ذلك أن يكون هو فاعل الدفق فإن اسم الفاعل هو من قام به الفعل سواء فعله هو أو غيره كما يقال : ماء جار ورجل ميت وإن لم يفعل الموت بل لما قام به من الموت نسب إليه على جهة الفعل وهذا غير منكر في لغة أمة من الأمم فضلا عن أوسع اللغات وأفصحها وأما العيشة الراضية فالوصف بها أحسن من الوصف بالمرضية فإنها اللائقة بهم فشبه ذلك برضاها بهم كما رضوابها كأنها رضيت بهم ورضوا بها وهذا أبلغ من مجرد كونها مرضية فقط فتأمله.
ونبه سبحانه بكونه دافقا على أنه ضعيف غير متماسك ثم ذكر محله الذي يخرج منه وهو بين الصلب والترائب قال ابن عباس : صلب الرجل وترائب المرأة وهو موضع القلادة من صدرها والولد يخلق من المائين جميعا وقيل : صلب الرجل وترائبه وهي صدره فيخرج من صلبه وصدره وهذه الآية الدالة على قدرة الخالق سبحانه نظير إخراجه اللبن الخالص من بين الفرث والدم
ثم ذكر الأمر المستدل عليه والمعاد بقوله { إنه على رجعه لقادر } أي على رجعه إليه يوم القيامة كما هو قادر على خلقه من ماء هذا شأنه هذا هو الصحيح في معنى الآية وفيها قولان ضعيفان ( أحدهما ) قول مجاهد : على رد الماء في الاحليل لقادر ( والثاني ) قول عكرمة والضحاك على رد الماء في الصلب وفيه قول ثالث قال مقاتل : إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا إلى النطفة
والقول الصواب هو الأول لوجوه ( أحدهما ) أنه هو المعهود من طريقة القرآن من الاستدلال بالمبدأ على المعاد ( الثاني ) أن ذلك أدل على المطلوب من القدرة على رد الماء في الاحليل ( الثالث ) أنه لم يأت لهذا المعنى في القرآن نظير في موضع واحد ولا أنكره أحد حتى يقيم سبحانه الدليل عليه ( الرابع ) أنه قيد الفعل بالظرف وهو قوله { يوم تبلى السرائر } وهو يوم القيامة أي ان الله قادر على رجعه إليه حيا في ذلك اليوم ( الخامس ) أن الضمير في ( رجعه ) هو الضمير في قوله { فما له من قوة ولا ناصر } وهذا للانسان قطعا لا للماء ( السادس ) أنه لاذكر للاحليل حتى يتعين كون المرجع إليه فلو قال قائل : على رجعه إلى الفرج الذي صب فيه لم يكن فرق بينه وبين هذا القول ولم يكن أولى منه ( السابع ) أن رد الماء إلى الاحليل أو الصلب بعد خروجه منه غير معروف ولا هو أمر معتاد جرت به القدرة وإن كان مقدورا للرب تعالى ولكن هو لم يجره ولم تجر به العادة ولا هو مما تكلم الناس فيه نفيا أو إثباتا ومثل هذا لا يقرره الرب ولا يستدل عليه وينبه على منكريه وهو سبحانه إنما يستدل على امر واقع ولابد إما قد وقع ووجد أو سيقع
فإن قيل : فقد قال تعالى { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه } أي نجعله كخف البعير قيل : هذه أيضا فيها قولان ( أحدهما ) ( والثاني ) - وهو الأرجح - أن تسوية بنانه إعادتها كماكانت بعد مافرقها البلى في التراب
( الثامن ) أنه سبحانه دعا الانسان إلى النظر فيما خلق منه ليرده نظره عن تكذيبه بما أخبر به وهو لم يخبره بقدرة خالقه على رد الماء في إحليله بعد مفارقته له حتى يدعوه إلى النظر فيما خلق منه ليستقبح منه صحة إمكان رد الماء ( التاسع ) أنه لا ارتباط بين النظر في مبدأ خلقه ورد الماء في الاحليل بعد خروجه ولاتلازم بينهما حتى يجعل أحدهما دليلا على إمكان الآخر بخلاف الارتباط الذي بين المبدأ والمعاد والخلق الأول والخلق الثاني والنشأة الأولى والنشأة الثانية فإنه ارتباط من وجوه عديدة ويلزم من إمكان أحدهما إمكان الآخر ومن وقوعه صحة وقوع الآخر فحسن الاستدلال بأحدهما على الآخر
( العاشر ) أنه سبحانه نبه بقوله { إن كل نفس لما عليها حافظ } على أنه قد وكل عليه من يحفظ عليه عمله ويحصيه فلا يضيع منه شيء .
ثم نبه بقوله : { إنه على رجعه لقادر } على بعثه لجزائه على العمل الذي حفظ وأحصى عليه فذكر شأن مبدأ عمله ونهايته فمبدؤه محفوظ عليه ونهايته الجزاء عليه ونبه على هذا بقوله { يوم تبلى السرائر } أي تختبر وقال مقاتل : تظهر وتبدو وبلوت الشيء إذا اختبرته ليظهر لك باطنه وما خفى منه والسرائر جمع سريرة وهي سرائر الله التي بينه وبين عبده في ظاهره وباطنه لله فالايمان من السرائر وشرائعه من السرائر فتختبر ذلك اليوم حتى يظهر خيرها من شرها ومؤديها من مضيعها وما كان لله مما لم يكن له قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : يبدي الله يوم القيامة كل سر فيكون زينا في الوجوه وشينا فيها والمعنى تختبر السرائر بإظهارها وإظهار مقتضياتها من الثواب والعقاب والحمد والذم
وفي التعبير عن الأعمال بالسر لطيفة وهو أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحا فتبدو سريرته على وجهه نورا وإشراقا وحياء ومن كانت سريرته فاسدة كان علمه تابعا لسريرته لا اعتبار بصورته فتبدو سريرته على وجهه سوادا وظلمة وشيئا وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته فيوم القيامة تبدو عليه سريرته ويكون الحكم والظهور لها.
ثم أخبر سبحانه عن حال الانسان في يوم القيامة أنه غير ممتنع من عذاب الله لا بقوة منه ولا بقوة من خارج وهو الناصر فإن العبد إذا وقع في شدة فإما أن يدفعها بقوته أوقوة من ينصره وكلاهما معدوم في حقه، ونظيره قوله سبحانه { لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون }
ثم أقسم سبحانه بـ { والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع } فأقسم بالسماء ورجعها بالمطر والأرض وصدعها بالنبات قال الفراء : تبدى بالمطر ثم ترجع به في كل عام وقال أبو إسحق : الرجع المطر لأنه يجيء ويرجع ويتكرر وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما : تبدى بالمطر ثم ترجع به في كل عام والتحقيق أن هذا على وجه التمثيل ورجع السماء هو إعطاء الخير الذي يكون من جهتها حالا بعد حال على مرور الأزمان ترجعه رجعا أي تعطيه مرة بعد مرة والخير كله من قبل السماء يجيء ولما كان أظهر الخير المشهود بالعيان المطر فسر الرجع به وحسن تفسيره به ومقابلته بصدع الأرض عن النبات وفسر الصدع بالنبات لأنه يصدع الأرض أي يشقها فأقسم سبحانه بالسماء ذات المطر والأرض ذات النبات وكل من ذلك آية من آيات الله تعالى الدالة على ربوبيته
وأقسم على كون القرآن حقا وصدقا فقال { إنه لقول فصل * وما هو بالهزل } كما أقسم في أول السورة على حال الانسان في مبدئه ومعاده والقول الفصل هو الذي يفصل بين الحق والباطل فميز هذا من هذا ويفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ومصيب الفصل الذي ينفصل عنده المراد ويتميز من غيره كما قال : أصاب الفصل وأصاب المرء إذا أصاب بكلامه نفس المعنى المراد ومنه فصل الخطاب وأيضا فالقول الفصل ببيان المعنى ضد الاجمال فكون القرآن فصلا يتضمن هذه المعاني كلها ويتضمن كونه حقا ليس بالباطل وجدا ليس بالهزل ولما كان الهزل هو الذي لا حقيقة له - وهو الباطل واللعب - قابل بين الفصل والهزل وإنما يكيد المكذبون ويحيلون ويخادعون لرده ولا يردونه بحجة والله يكيدهم كما يكيدون دينه ورسوله وعباده وكيده سبحانه استدراجهم من حيث لا يعلمون والاملاء لهم حتى يأخذهم على غرة كما قال تعالى { وأملي لهم إن كيدي متين } فالانسان إذا أراد أن يكيد غيره يظهر له إكرامه وإحسانه إليه حتى يطمئن إليه فيأخذه كما يفعل الملوك فإذا فعل ذلك أعداء الله بأوليائه ودينه كان كيد الله لهم حسنا لاقبح فيه فيعطيهم ويعافيهم وهو يستدرجهم حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
ثم قال { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } أي أنظرهم قليلا ولا تستعجل لهم والرب تعالى هو الذي يمهلهم وإنما خرج الخطاب للرسول على جهة التهديد والوعيد لهم أو على معنى انتظر بهم قليلا. ورويدا في كلامهم يكون اسم فعل نحو رويدا زيدا أي خله وأمهله وارفق به : الثاني أن يكون مصدرا مضافا إلى المفعول الثالث أن يكون نعتا منصوبا نحو قولك : ساروا رويدا تقول العرب : ضعه رويدا أي وضعا رويدا وفي حديث عائشة في خروج النبي صلى الله عليه و سلم بالليل من عندها إلى البقيع ويجوز في هذا الوجه وجهان : أحدهما أن يكون حالا والثاني أن يكون نعتا لمصدر محذوف ورويدا في هذه الآية هو من هذا النوع الثالث والله أعلم.
القسم في سورة الانشقاق
ومن ذلك أقسامه بـ { الشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق } فأقسم بثلاثة أشياء متعلقة بالليل ( أحدها ) الشفق وهو في اللغة الحمرة بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة وكذلك هو في الشرع
وأهل اللغة يقولون : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها ولهذا كان الصحيح أن الشفق الذي يدخل وقت العشاء الآخرة بغيبوبته هو الحمرة فإن الحمرة لما كانت بقية ضوء الشمس جعل بقاؤها حدا لوقت المغرب فإذا ذهبت الحمرة بعدت الشمس عن الأفق فدخل وقت العشاء
والعرب تقول : ثوب مصبوغ كأنه الشفق إذا كان أحمر حكاه الفراء وكذلك قال الكلبي : الشفق الحمرة التي تكون في المغرب وكذلك قال مقاتل : هو الذي يكون بعد غروب الشمس في الأفق قبل الظلمة وقال عكرمة : هو بقية النهار وهذا يحتمل أن يريد به أن تلك الحمرة بقية ضوء الشمس التي هي آية النهار وقال مجاهد : هو النهار كله وهذا ضعيف جدا وكأنه لما رآه قابله بالليل وما وسق ظن أنه النهار وهذا ليس بلازم
( الثاني ) قسمه بالليل وما وسق أي وما ضم وحوى وجمع والليل وما ضمه وحواه آية أخرى والقمر آية واتساقه آية أخرى والشفق يتضمن إدبار النهار وهو آية وإقبال الليل وهو آية أخرى فإن هذا إذا أدبر خلفه الآخر يتعاقبان لمصالح الخلق فإدبار النهار آية وإقبال الليل آية وتعقب أحدهما الى آخر آية والشفق الذي هو متضمن الأمرين آية والليل - آية وما حواه آية والهلال آية وتزايده كل ليلة آية واتساقه - وهو امتلاؤه نورا - آية ثم أخذه في النقص آية وهذه وأمثالها آيات دالة على ربوبيته مستلزمة للعلم بصفات كماله ولهذا شرع - عند إقبال الليل وإدبار النهار - ذكر الرب تعالى بصلاة المغرب .
كما شرع ذكر الله بصلاة الفجر عند إدبار الليل وإقبال النهار ولهذا يقسم سبحانه بهذين الوقتين كقوله { والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر } وهو يقابل إقسامه بالشفق : ونظيره إقسامه بـ { والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس }
ولما كان الرب تبارك وتعالى يحدث عن كل واحد من طرفي إقبال الليل والنهار وإدبارهما ما يحدثه ويبث من خلقه ما شاء فينشر الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل وينشر الأرواح الإنسانية عند إقبال النهار فيحدث هذا الانتشار في العالم أثره - شرع سبحانه في هذين الوقتين هاتين الصلاتين العظيمتين مع ما في ذلك من ذكره عند هاتين الآيتين المتعاقبتين وعند انصرام إحداهما واتصال الأخرى بها مع ما بينهما من التضاد والاختلاف وانتقال الحيوان عند ذلك من حال إلى حال ومن حكم إلى حكم وذلك مبدأ ومعاد يومي مشهود للخليقة كل يوم وليلة فالحيوان والنبات في مبدأ ومعاد وزمان العالم في مبدأ ومعاد { أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير}.
وقوله { لتركبن طبقا عن طبق } الظاهر أنه جواب القسم ويجوز أن يكون من القسم المحذوف جوابه ولتركبن وما بعده مستأنف
وقرئ ( لتركبن ) بضم الباء للجمع وبفتحها فمن فتحها فالخطاب عنده للإنسان أي لتركبن أيها الإنسان وقيل هو النبي صلى الله عليه و سلم خاصة وقيل : ليست التاء للخطاب ولكنها للغيبة أي لتركبن السماء طبقا عن طبق ومن ضمها فالخطاب للجماعة فمن جعل الكناية للسماء قال : المعنى لتركبن السماء حالا بعد حال من حالاتها التي وصفها الله تعالى من الانشقاق والانفطار والطي وكونها كالمهل مرة وكالدهان مرة ومورانها وتفتحها وغير ذلك من حالاتها وهذا قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ودل على السماء ذكر الشفق والقمر وعلى هذا فيكون قسما على المعاد وتغيير العالم
ومن قال الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم فله ثلاث معان : لتركبن سماء بعد سماء حتى تنتهي إلى حيث يصعدك الله هذا قول ابن عباس في رواية مجاهد وقول مسروق والشعبي قالوا : والسماء طبق ولهذا يقال للسماوات السبع الطباق والمعنى الثاني لتصعدن درجة بعد درجة ومنزلة بعد منزلة ورتبة بعد رتبة حتى تنتهي إلى محل القرب والزلفى من الله والمعنى الثالث لتركبن حالا بعد حال من الأحوال المختلفة التي نقل فيها رسوله صلى الله عليه و سلم من الهجرة والجهاد ونصره على عدوه وإدالة العدو عليه تارة وغناه وفقره وغير ذلك من حالاته التي تنقل فيها إلى أن بلغ ما بلغه إياه
ومن قال : الخطاب للإنسان أو لجملة الناس فالمعنى واحد وهو تنقل الإنسان حالا بعد حال من حيث كونه نطفة إلى مستقره من الجنة أو النار فكم بين هذين من الأطباق والأحوال للإنسان
وأقول المفسرين كلها تدور على هذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : لتصيرن الأمور حالا بعد حال وقيل لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى كونه حيا إلى خروجه إلى هذه الدار ثم ركوبه طبق التمييز بين ما ينفعه ويضره ثم ركوبه بعد ذلك طبقا آخر وهو طبق البلوغ ثم ركوبه طبق الأشد ثم طبق الشيخوخة ثم طبق الهرم ثم ركوبه طبق ما بعد الموت في البرزخ وركوبه في أثناء هذه الأحوال أطباقا عديدة لا يزال ينتقل فيها حالا بعد حال إلى دار القرابة فذلك آخر أطباقه التي يعلمها العباد ثم يفعل الله سبحانه بعد ذلك ما يشاء
واختار أبو عبيدة قراءة الضم وقال : المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله عليه و سلم فإنه ذكر قبل الآية من يؤتى كتابه بيمينه ومن يؤتى كتابه بشماله
قال الواحدي : وهذا قول أكثر المفسرين قالوا : لتركبن حالا بعد حال ومنزلا بعد منزل وأمرا بعد أمر قال سعيد بن جبير وابن زيد : لتكونن في الآخرة بعد الأولى ولتصيرن أغنياء بعد الفقر وفقراء بعد الغنى وقال عطاء : شدة بعد شدة وقال أبو عبيدة لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب والاختلاف على الرسل
وأنت إذا تأملت هذا المقسم به والمقسم عليه وجدته من أعظم الآيات الدالة على الربوبية وتغيير الله سبحانه للعالم وتصريفه له كيف أراد ونقله إياه من حال إلى حال وهذا محال أن يكون بنفسه من غير فاعل مدبر له ومحال أن يكون فاعله غير قادر ولاحي ولا مريد ولاحكيم ولا عليم وكلاهما في الامتناع سواء
فالمقسم به وعليه من أعظم الأدلة على ربوبيته وتوحيده وصفات كماله وصدقه وصدق رسله وعلى المعاد ولهذا عقب ذلك بقوله { فما لهم لا يؤمنون } إنكارا على من لم يؤمن بعد ظهور هذه الآيات المستلزمة لمدلولها أتم استلزام وأنكر عليهم عدم خضوعهم وسجودهم للقرآن المشتمل على ذلك بأفصح عبارة وأبينها وأجزلها و أوجزها فالمعنى أشرف معنى والعبارة أشرف عبارة : غاية الحق بغاية البيان والفصاحة
{ بل الذين كفروا يكذبون } ولا يصدقون بالحق جحودا وعنادا { والله أعلم بما يوعون } بما يضمرون في صدروهم ويكتمونه وما يسرونه من أعمالهم وما يجمعونه فيجازيهم عليه بعلمه وعدله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون }
القسم في سورة التكوير
ومن ذلك قوله سبحانه { فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس } أقسم سبحانه بالنجوم في أحوالها الثلاثة من طلوعها وجريانها وغروبها هذا قول علي وابن عباس وعامة المفسرين وهو الصواب
fraternity88 @fraternity88
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
@ نسايم ليل@
•
جزاك الله خيرآ
ومن ذلك قوله سبحانه { فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس } أقسم سبحانه بالنجوم في أحوالها الثلاثة من طلوعها وجريانها وغروبها هذا قول علي وابن عباس وعامة المفسرين وهو الصواب
والخنس جمع خانس والخنس الانقباض والاختفاء ومنه سمي الشيطان خناسا لانقباضه وانكماشه حين يذكر العبد ربه والكنس جمع كانس وهو الداخل في كناسه أي في بيته ومنه تكنست المرأة إذا دخلت في هودجها
والجواري جمع جارية قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل وهذا قول مقاتل وعطاء وقتادة وغيرهم قالوا : الكواكب تخنس بالنهار فتختفي ولا ترى وتكنس في وقت غروبها ومعنى تخنس - على هذا القول - تتأخر عن البصر وتتوارى عنه بإخفاء النهار لها وفيه قول آخر وهو أن خنوسها رجوعها وهي حركتها الشرقية فإن لها حركتين حركة بفعلها وحركة بنفسها فخنوسها حركتها بنفسها راجعة وعلى هذا فهو قسم أن خنوسها و كنوسها اختفاؤها وقت مغيبها فتغيب في مواضعها التي تغيب فيها وهذا قول الزجاج
ولما كان للنجوم حال ظهور وحال اختفاء وحال جريان وحال غروب أقسم سبحانه بها في أحوالها كلها ونبه بخنوسها على حال ظهورها لأن الخنوس هو الاختفاء بعد الظهور ولا يقال لما لا يزال مختفيا : أنه قد خنس فذكر سبحانه جريانها وغروبها صريحا وخنوسها وظهورها واكتفى من ذكر طلوعها بجريانها الذي مبدؤه الطلوع فالطلوع أول جريانها
فتضمن القسم طلوعها وغروبها وجريانها واختفاءها وذلك من آياته ودلائل ربوبيته
وليس قول من فسرها بالظباء وبقر الوحش بالظاهر لوجوه ( أحدها ) أن هذه الأحوال في الكواكب السيارة أعظم آية وعبرة ( الثاني ) اشتراك أهل الأرض في معرفته بالمشاهدة والعيان ( الثالث ) أن البقر والظباء ليست لها حالة تختفي فيها عن العيان مطلقا بل لا تزال ظاهرة في الفلوات ( الرابع ) إن الذين فسروا الآية بذلك قالوا ليس خنوسها من الاختفاء قال الواحدي هو من الخنس في الأنف وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة والبقر والظباء أنوفهن خنس والبقرة خنساء والظبي أخنس ومنه سميت الخنساء لخنس أنفها ومعلوم أن هذا امر خفي يحتاج إلى تامل وأكثر الناس لا يعرفونه( الخامس ) أن كنوسها في أكنتها ليس بأعظم من دخول الطير وسائر الحيوانات في بيته الذي يأوى فيه ولا اظهر منه حتى يتعين للقسم ( السادس ) أنه لو كان جمعا للظبي لقال الخنس - بالتسكين - لأنه جمع أخنس فهو كأحمر وحمر ولو أريد به جمع بقرة خنساء لكان على وزن فعلاء أيضا كخمراء وحمر فلما جاء جمعه على فعل - بالتشديد - استحال أن يكون جمعا لواحد من الظباء والبقر وتعين أن يكون جمعا لخانس كشاهد وشهد وصائم وصوم ونظائرها ( السابع ) أنه ليس بالبين أقسام الرب تعالى بالبقر والغزلان وليس هذا عرف القرآن ولاعادته وإنما يقسم سبحانه من كل جنس بأعلاه كما أنه لما أقسم بالنفوس أقسم بأعلاها وهي النفس الإنسانية ولما أقسم بكلامه أقسم بأشرفه وأجله وهو القرآن ولما أقسم بالعلويات أقسم بأشرفها وهي السماء وشمسها وقمرها ونجومها ولما أقسم بالزمان أقسم بأشرفها وهو الليالي العشر وإذا أراد سبحانه أن يقسم بغير ذلك أدرجه في العموم كقوله { فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون } وقوله { الذكر والأنثى } في قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحو ذلك ( الثامن ) أن اقتران القسم بالليل والصبح يدل على أنها النجوم وإلا فليس باللائق اقتران البقر والغزلان والليل والصبح في قسم واحد ؟ وبهذا احتج أبو إسحاق على أنهار النجوم فقال : هذا أليق بذكر النجوم منه بذكر الوحش ( التاسع ) أنه لو أراد ذلك سبحانه لبينه وذكر ما يدل عليه كما أنه لما أراد بالجواري السفن قال { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام } وهنا ليس في اللفظ ولا في السياق ما يدل على أنها البقر والظباء وفيه ما يدل على أنها النجوم من الوجوه التي ذكرناها وغيرها ( العاشر ) أن الارتباط الذي بين النجوم التي هي هداية للسالكين و رجوم للشياطين وبين المقسم عليه - وهو القرآن الذي هو هدى للعالمين وزينة للقلوب وداحض لشبهات الشيطان - أعظم من الارتباط الذي بين البقر والظباء والقرآن والله أعلم
والخنس جمع خانس والخنس الانقباض والاختفاء ومنه سمي الشيطان خناسا لانقباضه وانكماشه حين يذكر العبد ربه والكنس جمع كانس وهو الداخل في كناسه أي في بيته ومنه تكنست المرأة إذا دخلت في هودجها
والجواري جمع جارية قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل وهذا قول مقاتل وعطاء وقتادة وغيرهم قالوا : الكواكب تخنس بالنهار فتختفي ولا ترى وتكنس في وقت غروبها ومعنى تخنس - على هذا القول - تتأخر عن البصر وتتوارى عنه بإخفاء النهار لها وفيه قول آخر وهو أن خنوسها رجوعها وهي حركتها الشرقية فإن لها حركتين حركة بفعلها وحركة بنفسها فخنوسها حركتها بنفسها راجعة وعلى هذا فهو قسم أن خنوسها و كنوسها اختفاؤها وقت مغيبها فتغيب في مواضعها التي تغيب فيها وهذا قول الزجاج
ولما كان للنجوم حال ظهور وحال اختفاء وحال جريان وحال غروب أقسم سبحانه بها في أحوالها كلها ونبه بخنوسها على حال ظهورها لأن الخنوس هو الاختفاء بعد الظهور ولا يقال لما لا يزال مختفيا : أنه قد خنس فذكر سبحانه جريانها وغروبها صريحا وخنوسها وظهورها واكتفى من ذكر طلوعها بجريانها الذي مبدؤه الطلوع فالطلوع أول جريانها
فتضمن القسم طلوعها وغروبها وجريانها واختفاءها وذلك من آياته ودلائل ربوبيته
وليس قول من فسرها بالظباء وبقر الوحش بالظاهر لوجوه ( أحدها ) أن هذه الأحوال في الكواكب السيارة أعظم آية وعبرة ( الثاني ) اشتراك أهل الأرض في معرفته بالمشاهدة والعيان ( الثالث ) أن البقر والظباء ليست لها حالة تختفي فيها عن العيان مطلقا بل لا تزال ظاهرة في الفلوات ( الرابع ) إن الذين فسروا الآية بذلك قالوا ليس خنوسها من الاختفاء قال الواحدي هو من الخنس في الأنف وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة والبقر والظباء أنوفهن خنس والبقرة خنساء والظبي أخنس ومنه سميت الخنساء لخنس أنفها ومعلوم أن هذا امر خفي يحتاج إلى تامل وأكثر الناس لا يعرفونه( الخامس ) أن كنوسها في أكنتها ليس بأعظم من دخول الطير وسائر الحيوانات في بيته الذي يأوى فيه ولا اظهر منه حتى يتعين للقسم ( السادس ) أنه لو كان جمعا للظبي لقال الخنس - بالتسكين - لأنه جمع أخنس فهو كأحمر وحمر ولو أريد به جمع بقرة خنساء لكان على وزن فعلاء أيضا كخمراء وحمر فلما جاء جمعه على فعل - بالتشديد - استحال أن يكون جمعا لواحد من الظباء والبقر وتعين أن يكون جمعا لخانس كشاهد وشهد وصائم وصوم ونظائرها ( السابع ) أنه ليس بالبين أقسام الرب تعالى بالبقر والغزلان وليس هذا عرف القرآن ولاعادته وإنما يقسم سبحانه من كل جنس بأعلاه كما أنه لما أقسم بالنفوس أقسم بأعلاها وهي النفس الإنسانية ولما أقسم بكلامه أقسم بأشرفه وأجله وهو القرآن ولما أقسم بالعلويات أقسم بأشرفها وهي السماء وشمسها وقمرها ونجومها ولما أقسم بالزمان أقسم بأشرفها وهو الليالي العشر وإذا أراد سبحانه أن يقسم بغير ذلك أدرجه في العموم كقوله { فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون } وقوله { الذكر والأنثى } في قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحو ذلك ( الثامن ) أن اقتران القسم بالليل والصبح يدل على أنها النجوم وإلا فليس باللائق اقتران البقر والغزلان والليل والصبح في قسم واحد ؟ وبهذا احتج أبو إسحاق على أنهار النجوم فقال : هذا أليق بذكر النجوم منه بذكر الوحش ( التاسع ) أنه لو أراد ذلك سبحانه لبينه وذكر ما يدل عليه كما أنه لما أراد بالجواري السفن قال { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام } وهنا ليس في اللفظ ولا في السياق ما يدل على أنها البقر والظباء وفيه ما يدل على أنها النجوم من الوجوه التي ذكرناها وغيرها ( العاشر ) أن الارتباط الذي بين النجوم التي هي هداية للسالكين و رجوم للشياطين وبين المقسم عليه - وهو القرآن الذي هو هدى للعالمين وزينة للقلوب وداحض لشبهات الشيطان - أعظم من الارتباط الذي بين البقر والظباء والقرآن والله أعلم
____##########*_______________ _________
__*##############_____________ _________
__################____________ _________
_##################_________** ##*______
__##################_____*#### ######___
__##################___*###### #######__
___#################*_######## #######*_
____########################## #######*_
______######################## #######__
_______######### أســـأل الذي أخرج ماء زمزم فرجاً لهاجر ..
أن يخرج لك فرجاً وبركة وسعــــادة لا شقــــــاء بعدها
وأن يختصك من بين خلقة ويقــــــول :وعزتـــــي
وجلالـــــي لا أرد لك دعــــاء . #########=__
________=##################### #####____
__________#################### ####_____
___________*################## ##=______
____________*################# #________
_____________*###############_ _________
_______________#############__ _________
________________##########____ _________
________________=#######*_____ _________
_________________######_______ _________
__________________####________ _________
__________________###_________ _________
___________________#__________ _________
__*##############_____________ _________
__################____________ _________
_##################_________** ##*______
__##################_____*#### ######___
__##################___*###### #######__
___#################*_######## #######*_
____########################## #######*_
______######################## #######__
_______######### أســـأل الذي أخرج ماء زمزم فرجاً لهاجر ..
أن يخرج لك فرجاً وبركة وسعــــادة لا شقــــــاء بعدها
وأن يختصك من بين خلقة ويقــــــول :وعزتـــــي
وجلالـــــي لا أرد لك دعــــاء . #########=__
________=##################### #####____
__________#################### ####_____
___________*################## ##=______
____________*################# #________
_____________*###############_ _________
_______________#############__ _________
________________##########____ _________
________________=#######*_____ _________
_________________######_______ _________
__________________####________ _________
__________________###_________ _________
___________________#__________ _________
الصفحة الأخيرة