توتر العلاقات الزوجية: الداء .. والدواء
------------------------------------------------------------------------------
كثيرة هي المشكلات التي تواجه الأسرة (الزوج والزوجة) وتقض مضاجعها، ولكن من الرحمة أن كان لكل داء دواء، ولكل مشكلة حل، ولكل قضية حكم، وكل متاعب أو معاناة يمكن للمرأة أن تواجهها تجد لها حلاً في الإسلام، بتشريعاته وأحكامه التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة في الحياة إلا وضعت لها ما يناسبها من حلول بدقة متناهية، تستعصي على كبار المتخصصين في شتى العلوم الإنسانية، فلا يمكنهم فهم كنهها، أو حتى مجرد الاقتراب من حماها، أو الوقوف على معلم جوهري من معالمها، وبخاصة ما يتصل بالمرأة عندما تنتابها مشاعر الضيق والتوتر، والنفور والكراهية تجاه زوجها، من غير سبب أو بسبب ظاهر، لأن النفس البشرية بئر عميقة لا يقف على ظاهرها وباطنها سوى خالقها عزّ جل، ولا يضع الحلول السوية والحاسمة والمريحة لهذه النفس سوى الله تعالى .
لذا جاءت الحلول المناسبة لكراهية المرأة زوجها سواء أكانت هذه الكراهية من غير سبب ظاهر أم بسبب، وذلك لحماية أفراد المجتمع من الآثار المدمرة لهذه الكراهية وتداعياتها، للقضاء على أساس الداء قبل استفحاله في الوقت المناسب، وبمنتهى الحكمة والواقعية والإنصاف .
تعريف التوتر والكراهية
إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وحقيقة الكراهية وجوهرها يتمثل في أمور معينة، قد تصعب الإحاطة بها، ولذلك يقتضي الأمر ضرورة التعرف إلى هذا المعنى، لأن اللغة هي أوعية للمعاني وتحمل بين طياتها ما يدور في خلد الإنسان، وتعبر عنه كما قال الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعِلَ اللسان عن الفؤاد دليلاً
ويمكن تعريف الكراهية أنها البغض القلبي، والنفور الذاتي، والرفض النفساني، المتمثل في طغيان مشاعر الصدور والبعد عن شخص معين، بسبب ظاهر أو خفي، ولا غرابة في ذلك، لأن من أحبّ لسبب فإنه بالضرورة يبغض لضده، لأن الحب والكراهية وجهان لعملة واحدة، وفي هذا يقول الغزالي: "كل واحد من الحب والبغض داء دفين في القلب، إنما يترشح عند الغلبة، ويترشح بظهور أفعال المحبين والمبغضين في المقاربة والمباعدة، وفي المخالفة والموافقة"، ويؤكد ابن القيم هذا المعنى فيقول: "يجتمع في القلب بغض أذى الحبيب وكراهته من وجه، ومحبته من وجه آخر، فيحبه ويبغض أذاه" وبذا يتضح معنى الكراهية باعتبارها ضد الحب، "وبضدها تتميز الأشياء" .
جوهر المشكلة
لا توتر أو كراهية زوجية بلا سبب كامن أو ظاهر، لأنها شعور يسري في قلب ونبض الإنسان عموماً، وفي
حياة وكيان المرأة على وجه الخصوص، فالمرأة مجموعة من المشاعر والأحاسيس، بل هي رمز الحنان والمحبة والعطاء المتدفق والمتجدد المشمول بالإيثار في أغلب الأحيان، لأنها الأم والأخت والزوجة والبنت والعمة والخالة … فعندما تفتقد العدل، وتُحرم من نعمة الإنصاف، نجدها تشعر بالظلم والقهر، وتتولد بجنباتها نزعات الكراهية والبغضاء، فهي لا تريد غالبا سوى السعادة لمن حولها، على أن تشملها أيضاً نسمات الحب المضمخة بالعبير الفواح بالإخلاص، لقاء تعبها وسهرها ومعاناتها من أجل المشاركة الفعالة في تشييد بنيان الأسرة الشامخ، على أسس من المودة والمحبة والعطاء المستمر .
فإذا جُحد دورها، وأُكل حقها، ولم يُنظر إلاّ لمفاتنها أو لجسدها بعيداً عن مشاعرها وأحاسيسها … فإنها ستنفر من هذه الحياة، وتقع فريسة في شراك التوتر والكراهية، لشعورها بالظلم والقهر والتسلط، والنظرة الدونية ممن حولها، بلا سبب أو منطق مقبول. عندئذ تظهر المشكلة، المبذورة في نفس المرأة منذ مدة ـ سواء طالت أم قصرت ـ بعد أن تشبعت جذورها وتشعبت وامتدت في نفسها، بسبب من الأسباب الباعثة على الكراهية، سواء ظاهرة أكانت هذه الأسباب أم خفية، لأنها لم تُعالج من البداية على النحو المشروع، ولذلك تؤدي إلى تدمير الحياة الزوجية، في وقت (ما)، وربما بلا مقدمات، أو شكوى أو تضجر، وهذا هو لب المشكلة .
الأسباب الظاهرة للتوتر والكراهية
يمكن إجمال الأسباب الظاهرة لكراهية المرأة زوجها في عدة نقاط أهمها:1– عدم المعاشرة بالمعروف، أي بترك توجيه أي نوع من الأذى إلى الزوجة بالقول أو بالفعل، أو حتى مجرد التهديد بالعقاب والطلاق أو بالتجسس عليها بلا دواعي لذلك .
2- عدم الإنفاق أو التقصير عليها بصورة ملموسة، تؤدي إلى حرمان الزوجة ربما من الضرورات، بسبب بخل الزوج عليها أو على أبنائه، بالرغم من سعة يده وقدرته على الإنفاق وخاصة في هذه البلاد، وهذا البخل والتقتير يعتبران من أهم وأبرز الأسباب الظاهرة لكراهية المرأة زوجها .
3- عدم الاعتدال في الغيرة، لأنّ الغيرة إذا اندلعت شرارتها فقد تحرق البيت وتقضي عليه، ولكن عندما تُمارس الغيرة بوسطية واعتدال فإنها تُدخل السرور إلى البيت، لكنها تعني حفظ المرأة وصيانتها، والحرص على كل ما يصون عرضها، تعبيراً عن الحب الصادق، والغيرة المحمودة·.
4- عدم كتمان الأسرار الزوجية، وخاصة ما يتم بينهما في علاقتهما الحميمة، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفضى إلى امرأته وتُفضى إليه، ثم ينشر سرها"، وقال صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الذين يفعلون ذلك ما روته أسماء بنت يزيد عنه عليه الصلاة والسلام: "فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق، فغشيها والناس ينظرون"
5- وقوع الخيانة الزوجية، لأنه لا شيء يجرح المرأة ويطعنها سوى إحساسها بتعلق زوجها بامرأة غيرها، ويتسع جرحها ويشتعل قلبها، وتنسحق مشاعرها إذا تأكدت من خيانة زوجها، وقد تسارع إلى إنهاء علاقة الزوجية فلا يُمكّنها زوجها من مرادها فتزداد كراهيتها له، وربما بلغت حداً يمكن أن يتصور معه وقوع ما لا تُحمد عقباه، بسبب هذا الكراهية المقيتة .
6- هجر فراش الزوجية بلا سبب مشروع، لأن هجر الزوج لزوجته لا يعنى بالنسبة لها سوى الكراهية الظاهرة المجسدة، والبغض الشديد، وبخاصة عندما يكون بلا حاجة أو ضرورة، ومن غير سبب ظاهر يعود إليها .
هذه هي أهم الأسباب الظاهرة لتوتر المرأة وكراهيتها لزوجها، ولكن هناك أساب أخرى غير ظاهرة:
الأسباب غير الظاهرة للتوتر والكراهية
أهم الأسباب غير الظاهرة لكراهية المرأة زوجها تتمثل فيما يلي:
1- غياب أو تغييب مشاعر الحب والحنان، لأن عدم الشعور بالحب المتبادل بين الزوجين يجعل العلاقة بينهما فاترة مجرد مُساكنة، أو زواج مصلحة بارد لا حياة فيه ولا دفء .
2- افتقاد الشعور بالأمن أو الطمأنينة، بسبب توقعها لغدر الزوج بها، كونه يهددها تصريحاً أو تلميحاً بالزواج بأخرى لأتفه الأسباب، أو لمجرد وقوع خلاف بسيط في وجهات النظر .
3- الامتناع عن إعفاف الزوجة، بسبب الإهمال لها أو العجز عن إشباعها لأمر ظاهر أو خفي، واستحياء الزوجة من الإفصاح عن رغبتها، وشوقها للمعاشرة، لأنها تراه يهملها ويغفل عنها .
4ـ انعدام الانسجام والتوافق النفسي بينهما الذي قد يحصل أحياناً دون سبب، يقول ابن حزم الأندلسي في هذه الظاهرة: "ترى الشخصين يتباغضان لا لمعنى ولا لعلة، ويستثقل بعضهما بعضاً بلا سبب"، فالنفور وعدم التوافق النفسي، وانقطاع التواصل الروحاني بين الزوجين، يعتبر من أدق الأسباب المخفية، ولعل سببه يرجع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجنَّدة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، فربما يحب أحدهما الآخر، والأخير يبغضه، وبالعكس، فالحب من طرف واحد أمر واقع ومشاهد ولا ينكره إلا مكابر، وعدم التوافق النفسي هو معول هدم للأسرة، إذا لم يتداركه الحرص من الزوجين على الاستمرار لاعتبارات تربية الأولاد وغيرها .
5- انعدام المصارحة وتأخر المصالحة عند وقوع الشقاق أو ظهور أسبابه، وذلك قبل أن يستفحل خطره، ويهدد كيان الأسرة فالكتمان للآلام المجهولة المصدر وعدم مسارعة الزوج لاسترضاء زوجته عقب استغضابها مباشرة أو بفترة وجيزة، يغرس في نفسها بذور البغض، ويبعث في قلبها نبضات الكراهية، لاستشعارها بالإهانة من زوجها، بسبب التكبر والعناد أو التقاعس غير المبرر .
ولا يمكننا حصر أسباب الكراهية غير الظاهرة، نظراً لكثرتها وتداخلها وصعوبة وضع معيار موضوعي لها، لأنها تتفاوت زيادة ونقصاناً حسب ما يكمن في نفسية كل زوجة، لكنها لا تخرج في مجملها عما سبق من أسباب كامنة تؤدي غالباً إلى توتر العلاقة الزوجية وكراهية الزوجة لزوجها، من حيث تدري أو لا تدري، لتراكم أسباب هذه الكراهية في النفس بلا اجتثاث أو علاج أو إسقاط لحساباتها القاسية .
(ام حسن) @am_hsn_9
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
الله يجزاج كل خير :)
:26: