من روائع البيان في قوله تعالى (و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)أولا.. أنها الآية الوحيدة التي خالفت بقية الآيات التي تبدأ بسؤال الناس للنبي الكريم ، حيث كلها تأتي بصيغة (يسألونك) مثل (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل .. يسألونك عن الخمر و الميسر قل ...، يسألونك عن الأنفال قل ... ، و يسألونك عن اليتامى قل ... ، يسألونك ماذا أحل لهم قل ... ، و يسألونك ماذا ينفقون قل ... ، يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل ... ، و يسألونك عن الروح قل ... ، و يسألونك عن الجبال فقل ...) إلأ هذه الآية ! ، فمن عظمة الله أنه سبق المؤمنين بالسؤال و هم لم يسألوا بعد! و كأنه سؤال افتراضي ، فإن الله هو الذي وضع السؤال و بادر بالإجابة من قبل أن يُسأل حباً منه بالدعاء و بسرعة الإجابة ! فانظر إلى واسع رحمته!ثانيا.. على غرار (( و يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا )) ، كان القياس أن يقول (و إذا سألك عبادي عني فقل ربي قريب يجيب دعوة الداع ) ، لكنه تبارك و تعالى تكفل بالإجابة بنفسه وقال (فإني قريب أجيب دعوة الداع) فابتدأ جوابه بأنه قريب للدلالة على عدم حاجته للوسطاء ، كذلك للدلالة على حفاوته بالدعاء و بالسائلين فلم يتحدث بضمير الغائب عن ذاته فلم يقل (يجيب دعوة الداع) لأنه يدل على البعد و العلو ، بل نسبها لنفسه للدلالة على دنوه و قربه من السائلين!ثالثا.. أنه تعالى لم يعلق الإجابة بالمشيئة كأن يقول (أجيبه إن أشاء) ، بل قطع و أكد بأنه يجيب دعوة الداع.رابعا.. أنه قدم جواب الشرط على فعل الشرط ، فلم يقل (إذا دعان أستجب له) و ذلك للدلالة على قوة الإجابة وسرعتها.خامسا.. أنه قال (أجيب دعوة الداع إذا دعان) ، و لم يقل (أجيب دعوة الداع إن دعان) وفي هذا معانٍ بلاغية غاية في الدقة ، منها أنه استخدم اداة الشرط (إذا) و لم يستخدم أداة الشرط (إن) ، فمالفرق بينهما؟السبب أن (إن) تستخدم للأحداث المتباعدة و المحتملة الوقوع و المشكوك فيها و النادرة و المستحيلة كقوله ((قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)) ، و قوله (و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) لأن الأصل عدم اقتتال المؤمنين ، و قوله (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)) ، و لم يقل (إذا) استقر مكانه و قد علمنا أن الجبل دك دكاً! ، و كقوله (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا)بينما (إذا) تعني المضمون حصوله أو كثير الوقوع ، مثل قوله (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) لأن الموت واقع لا محالة ! ، و قوله (و ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم) ، و قوله (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) ، و قوله (فإذا قضيت الصلاة) و لذلك نرى أن كل أحداث يوم القيامة تأتي ب (إذا) و لم تأت بـ (إن) ، مثال ذلك قوله ((إذا زلزلت الارض زلزالها))، و قوله ((إذا الشمس كورت و إذا النجوم انكدرت و إذا الجبال سيرت ...)) و قوله ((اذا وقعت الواقعة)) و غيرها من أحدث يوم القيامة حيث لم تأت أيا ًمنها بأداة الشرط (إن) لأنها تحتمل الندرة و عدم الوقوع. و من أروع هذا البيان هو حينما تأتيان معاً في موضع واحد فيستخدم (إذا) للكثرة و (إن) للندرة ، مثل قوله تعالى ((اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. و إن كنتم جنبا )) فجاء بأ (إذا) للوضوء لأنه كثير الوقوع و (إن) للجنب لأنه نادر الحصول ، و مثل قوله ((فإذا احصن فإن أتين بفاحشةٍ)) فالإحصان متكرر و الفاحشة من النوادر!فمن هذا نفهم أن المعنى من قوله تعالى ((إذا دعانِ)) أنه يشير إلى كثرة الدعاء ، و بأنه دعاء متكرر مستمر كثير و ليس نادراً قليلاً ! لأن الله يغضب إن لم يدعَ ، و القلب الذي لا يدعو قلبٌ قاسٍ ، ، ألم تر إلى قوله تعالى ((فأخذناهم بالبأساء و الضراء لعلهم يضرعون ، فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم)) ، و قوله ((و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم و ما يتضرعون)).سادسا.. لاحظ أنه قال ((أجيب دعوة الداع)) و لم يقل ((أجيب الداع)) ! لأن الدعوة هي المستجابة و ليس شخص الداع ، و في هذا إشارة دقيقة جداً إلى مكانة الدعوة بغض النظر عن شخصية الداع!سابعا.. قال ((عبادي)) بالياء و لم يقل ((عبادِ)) فمالفرق؟ ((عبادي)) تشير إلى عدد أكبر من ((عباد)) فالياء تعني أن مجموعة العباد أكثر ، أي يجيبهم كلهم على اختلاف ايمانهم و تقواهم كقوله تعالى للدلالة على الكثرة ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم)) و المسرفون كثر ، و كقوله ((قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)) لأن أكثرهم يجادل ، أما للقلة فيقول ((فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) و هؤلاء قلة ، و قوله ((وقل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم)) و المتقون قلة !ثامنا.. لاحظ أنه قال : ((أجيب دعوة الداع)) و كان القياس أن يقول (أجيب دعوتهم)! ، و ذلك للدلالة على أنه يجيب دعوة كل داع و ليس فقط دعوة السائلين ، فوسع دائرة الدعوة و لم يقصرها على السائلين.تاسعا.. قال ((فإني قريب)) و لم يقل (أنا قريب) و هذا توكيد بـ (إن) المشددة للتوكيد ، لأن أنا غير مؤكدة.عاشرا.. أن الآية توسطت آيات الصوم ، وهذا يعني أن الدعاء ديدن الصائم و أن للصائم دعوة لا ترد كما ورد في الأثر (ما لم تكن بقطيعة رحم)والدعاء شعار الصائمين ، ومن عظمة الدعاء و منزلته عند الله أن الله أحاطه بآيات الصوم الذي قال عنه في الحديث القدسي ((الصوم لي و أنا أجزي به) لأن الصوم من شعائر الإخلاص لله لأنه شَعيرة غير ظاهرة الأثر على صاحبها ما لم يرائي ، فكذا الدعاء أراده الله أن يكون خالصاً له و هو الذي يجزي به من دون شرك فيه لأحد ، من دون واسطة نبي أو ولي أو شرطي أو موظف !------------ملاحظة - هذا البيان اللطيف المُعجز كله في سطر واحد لايتعدى 11 كلمة فكيف بباقي كتاب الله .. سبحان الحق.
منقول من الأخ يوسف عمر جزاه الله خير الدنيا والآخره.http://******.com/vb3/showthread.php?t=80396
آمنة مطمئنة @amn_mtmyn
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️