كنتُ في أحدِ الأسواقِ الكبرى بالرياضِ معَ عائلتي، وبعدَ الفراغِ من التسوقِ رغبَ أطفالي أنْ يلعبوا في قسمِ الألعابِ لعباً طويلاً؛ وهو قسمٌ صاخبٌ يحتلُّ مساحةً بارزةً من السوقِ لفتنةِ الأطفالِ وسحبِ أموالِ آبائهم تحتَ وطأةِ الشفقةِ والرحمةِ وابتغاءِ الأجرِ بإدخال الفرحةِ على نفوسِ الأبناءِ أو إشغالهم خلالَ فترةِ التسوق.
وبينما كنتُ أتنقلُ معَ أولادي من لعبةٍ لأخرى جاءتني طفلةٌ لا يتجاوزُ عمرها ثمانِ سنواتٍ وطلبتْ استعارةَ قلمي – وهو قلمٌ ثمين – لتقومَ أمُها بتعبئةِ أوراقِ مسابقاتِ السوق؛ وكانَ النَّاسُ حولي منهمكينَ فعلاً بهذه الأوراقِ التي لا تحظي بمصداقيةٍ عندي، فأعطيتُ الفتاةَ القلمَ مطمئناً إلى صدقِ حاجتها وما أنْ أخذتُه حتى اختفتْ عن ناظري وعن صاحبتي التي لم يرقْ لها طلبُ الفتاةِ ولا استجابتي العفوية وغابتْ عن المكانِ تماماً.
وظلَّ الأولادُ يمرحونَ بينَ لعبةٍ وأخرى على اختلافِ استخدامِ هذه الألعابِ وتباينِ أسعارِها؛ وظللتُ مع زوجي نرقبُ عودةَ البنتِ الصغيرةِ حتى أُطفئتْ أنوارُ السوقِ إيذاناً بالإغلاقِ وتأكيداً لحدسنا المشتركِ حول السرقةِ، وخرجنا وقدْ سُرَّ الصبيةُ وابتهجوا بالوقتِ الذي قضوه بينما أُصبتُ بنوبةِ حزنٍ عارضةٍ لمْ تدمْ بعدَ أنْ تفكرتُ بالأمرِ ونظرتُ فيه من غيرِ ما جانبٍ وقررتُ الكتابةَ حوله عسى أنْ يكونَ فيه فائدةٌ للآباءِ والمصلحين.
وقدْ حمدتُ اللهَ واسترجعتُ وقلتُ عسى أنْ يكونَ خيراً لا أعلمُه؛ لكنيِّ تألَّمتُ لمستوى تربيةِ الأولادِ المتدنِّي لدى بعضِ الأُسرِ لدرجةِ تعويدِ الأطفالِ على الكذبِ والسرقةِ وبئسَ الخُلَّتين؛ وكذلكَ استغلالُ الصغارِ في الأعمالِ السيئةِ لصغرِ سنِّهم وضعفِ إدراكهم واستفادتهم من رحمةِ النَّاسِ وانتفاءِ الشكوكِ فيهم.كما أنَّ في تصَّرفِ الأمِ تعويداً لابنتها على إطلاقِ بصرِها صوبَ الرجالِ وجيوبهم؛ والرغبةِ بما في أيدي النَّاسِ وعدمِ القناعة. وقدْ نظرتُ بعينِ المستقبلِ لهذه السارقةِ الصغيرةِ وهيَ تشاهدُ بضاعةً جميلةً لا تملكُ ثمنَها أوْ تبصرُ ممتلكاتِ زميلاتِها في المدرسةِ فكيفَ سيكونُ تصرفُها حينذاك ؟
ولو أنَّ الفتاةَ ومَنْ أرسلها قنَعوا بما آتاهم اللهُ لخرجوا من هذا الذنبِ وتلكَ المعرَّةِ التي ستعيشُ في ذاكرةِ الصغيرةِ وإنْ ارتفعَ بها العُمر؛ ولو أنَّهم استوهبوا القلمَ لحفظوا صحائفهم من جرمِ الكذبِ وجريمةِ السرقةِ وربَّما صادفوا منيِّ استجابةً وقبولا. والظاهرُ أنَّ الآباءَ بحاجةٍ لتعميقِ المفاهيمِ التربويةِ والنفسيةِ ودراستها والقراءةِ حولها وحضورِ البرامجِ التدريبيةِ حتى يُحسنوا تربيةَ الجيلِ المسؤولين عنه أمامَ اللهِ ثمَّ أمامَ المجتمعِ والتاريخ.
ويبدو أنَّ سوءَ الظنِّ في هذه الأزمانِ فطنة؛ وكان يجدرُ بي أنْ أعطيها القلمَ بلا غطاءٍ أوْ أتطوعُ بكتابةِ القسيمةِ نيابةً عنهم أوْ أبحثُ لهم عن قلمٍ رخيصٍ يؤدي الغرضَ المرادَ إنْ كانوا صادقين، ويبقى المقامُ فسيحاً لحمدِ اللهِ وشكرِه والثناءِ عليه أنْ سرقتْ قلمي ولم تسرقْ قلبي أوْ عقلي؛ ثمَّ الحمدُ لربِّنا مستحقِ الحمدِ والثناءِ أنَّ القلمَ آلةُ لا تغيرُ من حقيقةِ الكتابةِ شيئاً؛ فكمْ من قلمٍ غالِ الأثمانِ وهو رخيصٌ عندَ اللهِ وصالحِ المؤمنين لسماجةِ ما يخطُّه، وكمْ من قلمٍ زهيدِ الثمنِ يكتبُ به صاحبُه ما ينالُ عليهِ الأجرَ والرضا من الله ثمَّ المحبةَ والدعاءَ من النَّاس.
بقلم ........أحمد بن عبد المحسن العساف
استغفري @astghfry
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
وجدوحنين
•
**عهد** :فعلا تربيه الابناء ووغرس جانب الصدق والنزاهه وتقويه الوازع الديني والخوف من الله امر في غايه الاهميه جزاك الله خير اختي والله يعوض صاحبه القصه خير مما اوخذا منهافعلا تربيه الابناء ووغرس جانب الصدق والنزاهه وتقويه الوازع الديني والخوف من الله امر في غايه...
وفقك الله اختي الغاليه والله يهدي الجميع
الصفحة الأخيرة
والخوف من الله امر في غايه الاهميه
جزاك الله خير اختي
والله يعوض صاحبه القصه خير مما اوخذا منها