.. سبحااانك مأعظمك..
في سماء العظمة ...
لماذا الحديث عن عظمة الله؟ لأن عظمة العظيم العزيز الجبار ضعفت في قلوب كثير من البشر، فاعتدوا على محارم الله وطغوا، وفرطوا في جنب الله وبغوا، فضعفت في قلوبهم هيبة الله، وتناسوا سطوة الله، وتغافلوا عن جبروت الله، وما قدروا قوة الله وبطش الله، فها نحن اليوم نتكلم عنه والحياء يملأ وجوهنا، والخجل يعم قلوبنا، فمن نحن حتى نمدحه أو نمجده أو نثني عليه لكن نقدم العذر بين يديه أننا لا نستطيع أن نتكلم عن كل عظمته أو نحيط بها قدراً وعلماً، لكن حديثنا اليوم ما هو إلا ذرة في عظمته، وبيانا لهمسته من جلالته وهيبته.عظمة علم الله:
الله أكبر إذا كانت هذه المواهب والقدرات والفهوم والعقول هي خلق من خلقه، ورزق من رزقه فكيف بقدرة مانحها؟ وعلم معطيها؟ وعظمة واهبها.
علمه سبحانه علم من اطلع على السرائر، وكشف ما في الضمائر، وأحاط بالأول والآخر، والباطن والظاهر.. "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ".
سبحانه علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون،سبحانه الورقة تسقط بعلمه، الهمسة تنبس بعلمه، الكلمة تقال بعلمه، النية تعقد بعلمه، والقطرة تنزل بعلمه، والخطوة تنقل بعلمه، جاءت خولة بنت ثعلبة تشتكي إلى رسول الله زوجها، تُسرّ إليه بحديثها وعائشة في ناحية الغرفة ما تسمع حديثها، وينزّل الله على رسوله "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"، فماذا أمام عائشة أن تقول إلا: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات.
أرسل موسى إلى فرعون فشكا له موسى جبروت فرعون، وظلمه وبطشه فقال الله "إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى". بات نفر من المنافقين يحيكون الدسائس للمسلمين فأنزل الله "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً".
صمدية الله:
"قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ"
الله صمد تقصده الملوك إذا اضطربت الأمور، ووقع المحذور، وضاقت بالحوادث الصدور.
الله صمد ترتفع إليه أكف الضارعين تطلبه الغيث إذا تأخر نزوله، وتسأله الرزق إذا أبطأ حلوله، وترجوه رفع الضر إذا خيّم بظلاله، ومن للمبتلي إذا اشتدت بليته وأدلهمت كربته، وانعقدت غمته، من له غير الصمد يصمد إليه، من له غير الصمد يشكو إليه، من له غير الصمد يفضي إليه، من للمريض على فراشه إذا بارت الحيل، وانقطعت السبل، وضعف الأمل، وعم القلب الوجل، وقال الطبيب لا مفر قد حان الأجل، من له عندها إلا العظيم الصمد، صمد إليه وبكى بين يديه، وألح عليه، فإذا بالصمد يشافيه، ومن المرض يعافيه، وصدق وربي صدق يوم أن قال: "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ".
الله صمد يصمد إليه الفقير إذا أوصدت أمامه الأبواب، وأسدل دون حاجته الحجاب، وألصق بطنه بالتراب، فيأتي الفرج من الصمد، ويأتي المخرج من الصمد، فيكتب غناه بقلم القدر، ويغنيه عن كل البشر، "وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
صمد تصمد البرايا إليه وأنيس الضمائر الموحشات
خالق رازق سميع مجيب ويداه تفيض بالأعطيات
عظمة لا إله إلا الله:
هي البداية والنهاية، هي قصة الحياة، وحديث العمر، لا إله إلا الله لها في القلوب هيبة، وفي النفوس جلال، تفتح بها أبواب علاّم الغيوب، وتغفر بها الذنوب، وتلين عند ذكرها القلوب، إذا قال العبد في الأرض: لا إله إلا الله، قال الله في السماء: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، هي فطرة الله التي فطر الناس عليها.
لا إله إلا الله، من أجلها قام سوق الجنة وسوق النار، وبسببها مد الصراط، وتطايرت الصحف، ووضع الميزان، ورفع علم الجهاد، وسقطت جماجم الأبطال، وطارت أرواح الشهداء، ولذّ طعم الموت.
لا إله إلا الله، لو هبطت على جبل لتصدع، ولو نزلت على صخر لتفجع، خير ما قال الأحياء، وأحسن ما ذهب به الأموات.
لا إله إلا الله، جاء بها محمد فصدقها أبو بكر ليكون صدّيق الأمة، وأيقن بها ليرجح إيمانه بإيمان الأمة كلها، واهتز لها قلب عمر فاهتزت الدنيا بيقينه، وأنصتت المعمورة لصوته، وذاقها عثمان فأنفق من أجلها طارفه وتليده، وتعلمها علي فلبس قميص يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وبآثارها غُسِّل حنظلة بين السماء والأرض، ولأجلها قال أنس إني لأجد ريح الجنة من دون أُحد، ولها أنشد جعفر يا حبذا الجنة واقترابها.
لا إله إلا الله، نافية للشركاء، مثبتة للإلوهية والعبودية لفاطر الأرض والسماء، قال موسى : "يا رب علمني دعاءًا أدعوك به وأناجيك. قال: يا موسى قل لا إله إلا الله، قال موسى: كل الناس يقولون لا إله إلا الله، قال: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين في كفّة، ولا إله إلا الله في كفّة، لمالت بهن لا إله إلا الله"، وروى الترمذي والنسائي وأحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول سمعت رسول الله يقول: "إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً مثل مدّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ قال: فإنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفّة والبطاقة في كفّة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء".
إشارات تدل على عظمة الله:
"قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ".
ويا عجباً كيف يُعصى الإله بل كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
إذا سكن الليل، وهدأت العيون، وغارت النجوم، ذكرنا عظمة الله، "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ".
إذا بزغ الفجر وسطع الضياء، وأشرقت الشمس ذكرنا عظمة الله، "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ".
إذا رأينا الجبال الشاهقة، والأعلام الشامخة، ذكرنا عظمة الله، "وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ".
إذا رأينا مملكة النحل وإبداعها، ومجموعات النمل وأنواعها، وكل ما خلق الله من مخلوقات عجيب، وحيوانات بديعة وهوام ودواب وفراش وزواحف وطيور وسباع وغيرها، ذكرنا عظمة الله.
تأمل سطور الكائنات فإنها من الملك الأعلى إليك رسائل
وقد خطّ فيها لو تأملت خطها ألا كل شيء ما خلا الله باطل
تشير بإثبات الصفات لربها فصامتها يهدي ومن هو قائل
انظر إلى السماء وهيبتها، والنجوم وفتنتها، والشمس وحسنها، والكواكب وروعتها، والبدر وإشراقه، والفضاء برحابته، لترى ورب الكعبة جمالاً لا ينفد، وحسناً لا ينتهي، "فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ".
بل انظر إلى نفسك التي بين جنبيك،فيا سبحان من خلقك، وعلى ما شاء شكلك، وأسمعك وأبصرك، وأضحكك وأبكاك، وأضعفك وقواك، وأصبحك وأمساك، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ".
كيف عظّموا الله؟!:
يقول علي بن أبي طالب : لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياماً ولا حجّاً ولا اعتماراً، لكنهم عقلوا عن الله مواعظاً، فوجلت منه قلوبهم، واطمأنت إليه نفوسهم، وخشعت له جوارحهم، فقاموا في الناس بطيب المنزلة، وعلو الدرجة عند الناس في الدنيا، وعند الله في الآخرة.
نعم، هذا هم السلف لهم في جانب التعظيم أخبار وأخبار، أخمصوا البطون عن المطاعم الحرام تعظيماً لله، وأغمضوا الجفون عن مناظر الآثام تعظيماً لله، واجتنبوا قبائح الأفعال والكلام تعظيماً لله، فلله هم، فلله حياتهم، فلله هيبتهم من ربهم.
•هذا أبو بكر الصديق الرجل الأسيف البكّاء، سبق الأمة بإيمان عميق، وتصديق وثيق، لما حضرته الوفاة قالوا له: ألا ندعوا لك طبيباً؟ قال: إن الطبيب قد رآني، فقال: إني فعّال لما أريد.
•هذا عمر بن الخطاب وفي وجهه خطّان أسودان من كثرة البكاء، عند وفاته يقول لابنه عبدالله: يا بني ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني، ثم قال بل ويل أمي إن لم يغفر لي، ويل أمي إن لم يغفر لي.
•وهذا سفيان الثوري رحمه الله طاف بالبيت الحرام، وصلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه فنظر إلى السماء فوقع مغشيّاً عليه خوفاً وخشيةً وإجلالاً ومهابةً لله، وكان شديد التفكر في عظمة الله وقدرته.
•هذا بلال بن رباح يوم أن عَمَر فؤاده بجلال الله، وعظمة الله، هان لديه كل عظيم.. يوضع في رمضاء مكة الحارقة، توضع الصخور الكبيرة على صدره وهو يهتف بنداء التعظيم أحد.. أحد.
•وهذا محارب بن دثار يقول أحد جيرانه: كنا إذا أظلم الليل، ونامت العيون، نسمع محارب بن دثار وهو يدعو ويرجو ويهتف ويبكي في ظلمة الليل، وهو يقول: يا الله أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد، أنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد، أنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد، أنا الغريب الذي وصيته فلك الحمد، أنا العاري الذي كسوته فلك الحمد، أنا الراجل الذي حملته فلك الحمد، أنا المريض الذي شفيته فلك الحمد، أنا السائل الذي أعطيته فلك الحمد، أنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد، فلك الحمد ربنا حمداً كثيراً على حمدٍ لك.
•وهذا عبدالرحمن بن يزيد قال: قلت ليزيد بن مرثد: ما لي أرى عينك لا تجف من البكاء؟ قال يزيد: إن الله عز وجل توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو توعدني أن يسجنني في الحمام كنت حريّاً أن لا يجف لي دمع.
إخوتي يا رعاكم الله، هذا هو الله أهل العظمة والكبرياء، هذا هو الله له الحمد والذكر والشكر والثناء، هذا هو الله تصمد إليه المخلوقات والأكوان والأرجاء.
هذا هو الله تفرد بالبقاء، هذا هو الله آياته ودلالات عظمته مبثوثة في مناحي الأرض وطبقات السماء وذرات الهواء، هذا هو الله عظمة الصالحون والأولياء، فضجوا إليه بالبكاء، ومدوا إليه الأيادي بالرحمة والدعاء.
ووالله وتالله وبالله إني أعترف بالعجز أمامكم، وكيف لي أن أتكلم عن العظيم..
منقوووووله الافائـــــده
أم-تسنيم @am_tsnym_6
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ـ أم ريـــــم ـ
•
الصفحة الأخيرة