الشــكور
واسم الله الشكور ورد في القرآن الكريم 4 مرات يكون في معظمها مقترن بالغفور يقول عز وجل (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ )
واسم الله الشكور هي صيغة مبالغة لاسم الشاكر الذي ورد في القرآن الكريم مرتين اذ قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)
فالله سبحانه وتعالى هو الشكور والعظمة في اسم الله الشكور انه عز وجل مع كل العطاء والرزق والهبات التي وهبها للإنسان يكون هو الشكور فملك الملوك سبحانه اغني الأغنياء هو الذي يشكر العبد الفقير على طاعته على الرغم من انه هو الذي أعانه ووفقه لذلك .فالله أعانك وألهمك وأمدك بأسباب الخير وعندما تفعل هذا الخير يشكرك عليه ولكن شكر الله للبشر مختلف عن شكر البشر لربهم
يقول عز من قائل : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)
فعمل المؤمن مهما بلغ فيه من الإخلاص والخشوع لابد أن يشوبه بعض التقصير ولكن الله يفغر لعبده أولا ما كان في عمله من التقصير ثم يجزيه ويكرمه على عمله
ويقول سبحانه وتعالى : (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)
فالإنسان عندما يعمل الخير يجب أن لا ينتظر من غيره الشكر والامتنان حتى لا يضيع اجر العمل بمجرد إن تشكر بالضيق لان من عملت له المعروف لم يشكرك أو لم يرد لك المعروف يدخل الشيطان في العمل وينقص إخلاصك فيه فأنت لم تعمل هذا المعروف لوجه الله وابتغاء مرضاته ولكنك كنت تنتظر مقابل لهذا المعروف . وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على السرية الشديدة في إعمالهم وكانوا ينسون أو يتناسون المعروف الذي يعملونه ولكنهم في المقابل كانوا يحفظون المعروف لأهل المعروف اقتداء بحبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى المسلم أن لا يتوقف عن العمل الصالح ويستشعر دائما أن الله هو الذي سيشكرك ويثني عليك وياله من شكر وثناء
وقد قال ابن القيم رحمه الله : ( شكور صبور وهو أولى بصفة الشكر من كل شكور فهو يعطي العبد ويوفقه لشكره ثم يشكره على ما وفقه إليه )
والله هو الشكور الذي يرضى بالقليل ويجازي بالكثير فالله سبحانه وتعالى يعطي عطاء يليق بعظمته وبملكه الذي ليس له حد ولا عد فالدينار ب 700 دينار والحسنة بعشرة أمثالها وهذا العرض والعطاء لا يوجد إلا عند مالك الملك سبحانه
والله هو الشكور الذي يرزق وينعم دون منة ولا عوض فلا يطلب منك مقابل والدليل على ذلك انه يرزق البر والفاجر وانه ينعم على العبد ويتم إنعامه عليه وان عصاه أما البشر فيعطونك ثم يمنون عليك وإذا عصيتهم منعوك
فالنملة يكفيها حبتين طوال السنة وفي قصة لنبي الله سليمان عليه السلام انه راقب نمله حتى إذا جمعت قوتها ووضعته في بيتها أمر جنوده فأغلقوا باب البيت وبعد سنة أمر بفتح الباب فإذا بالنملة وقد اكتفت بحبة واحدة وادخرت الأخرى فقال لها سليمان لماذا لم تأكل الحبة الأخرى فقالت له عندما كان رزقنا في السماء لم نكن نخشى الجوع فكنا نأكل كل ما جمعناه لأننا نعرف بان الله يرزقنا غيره أما عندما أصبح الرزق بيدك خشينا الجوع فادخرنها لفاقتنا )
ولكن كيف يشكر الله عبده؟
1- يثني الله على عبده عند ملائكته فقد ذكر الله عز وجل في الحديث القدسي من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكري في ملأ ذكرته في ملأ خير منه
2- يلقي له الشكر بين عباده فيكون ذا سيرة عطرة بين الناس
فقد قيل ( ألسنة الخلق أقلام الحق )
3- يجزيك في الدنيا خير الجزاء عن تعبك وجهدك في سبيله فعندما سجن يوسف عليه السلام إرضاء لله عوضه الله في الدنيا بان جعله على خزائن الأرض وعوض الصحابة رضوان الله عليهم عندما تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا في سبيل الله بان ملكهم الدنيا وملك كسرى وقيصر وامتد ملكهم غالى الهند والصين وجاهد حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ولقي ما لقي من أذى الكفار فأثابه الله صلاة وسلام دائمين من البشر والملائكة.
4- إن الله عز وجل يشكر حتى العصاة المذنبين فكل عمل فيه خير للبشرية يجازي به الله في الدنيا او الآخرة فالله لا يظلم أحدا فالمخترعون الذي خدموا البشرية بالاختراعات والاكتشافات كالكهرباء والهاتف والطائرة وغيرها وهو عصاة كافرين نرى أن الله لم يبخسهم حقهم وهو العادل سبحانه فخلد ذكرهم وأغناهم وأعزهم في الدنيا لان عملهم كان لغرض دنيوي وليس لوجه الله فان عملت للدنيا تنال أجرك كاملا في الدنيا ونرى ذلك واضحا فأهل السيادة والسيطرة في زمننا هذا هم السياسة والمال والأسلحة وهذا من شكر الله لهم
5- ومن صور شكر الله لعبده أن يطوع قلوب الناس لحبه فالله إذا أحب العبد أمر جبريل أن ينادي في الخلائق إن الله يحب فلان فأحبوه فقد يري الإنسان شخصا لأول مرة ولكنه يشعر بالألفة والمحبة نحوه وهذا من عطاءات الله وشكره
6- وقد يكون شكر الله عونا على الطاعة فقد أعان الله عبده ايوب على الصبر على البلاء ثم شكره على ذلك فقال : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
7- وشكر الله كذلك يكون حماية وحفظ ورعاية والهام للخير والصواب واجتناب للحرام فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب والله لا يقبل الا الطيب فان الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي احكم فلوة حتى تكون كالجمل )
8- أما الشكر الأعظم فهو عندما يجلى الله بعظمته وجلاله ويكشف عن وجهه الغطاء لأهل الجنة ويقول لهم : يا أهل الجنة هل رضيتم فيقولوا يا رب كفيت ووفيت فكيف لا نرضى فيرد عليهم عز وجل ك ( وعندي لكم المزيد اليوم احل عليكم رضاي وأكرمك بالنظر إلى وجهي الكريم وأي شكر أعظم من ذلك
كل هذه من صور الله للعبد ولكن كيف يكون شكر العبد لخالقه ؟
قال أحد الصالحين ( الشكر 3 أركان :إقرار النعمة والاعتراف بأنها من الله وحده والاستعانة بالنعمة على طاعة المنعم وشكر من أجرى الله النعمة على يديه كالمعلم والطبيب )
وقال ابن القيم : ( الشكر يبنى على خضوع الشاكر للمشكور الذي يورث حبا لله فإذا أحببته اعترفت بنعمته ثم أثنيت عليه فإذا أثنيت عليه لم تستعمل نعمته فيما يكره )
فإخفاء النعمة جحود وكفر وكثيرا من الناس يخفون نعم الله عليهم خوفا من الحسد فالله عز وجل قال ك (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) كما قال :
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
ومعرفة النعمة جزء من الشكر فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صنع إليه معروف فليجزي به فان لم يجد ما يجزي به فليثني فإذا أثنى فقد شكر وإذا كتم فقد كفر )وقال الله في كتابه العزيز : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لو يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب )
وقد يكون المرض نعمة إذا ما وجدت به زيادة في إيمانك وتقربا من خالقك ووقوف على بابه ففي الأخذ نعمة وفي القبض نعمة كما إن في العطاء نعمة ولعل أعظم نعمة أنعمها الله علينا هي نعمة الإيمان والهداية والطاعة فكما يتباهى البشر بالمال والحسب ولقصور يجب على المسلم أن يتباهى بطاعته وان تكون نيته في ذلك حث الناس على الاقتداء والعمل الصالح
وإذا ما استيقن العبد بان الله وهو أغنى الأغنياء هو الشكور فيجب أن عليه أن يبادر وهو العبد الفقير إلى شكر الله وحمده ويلتزم الاستغفار على ذنبه فالدين نصفه شكر ونصفه الآخر استغفار فإذا أذنب العبد سارع بالاستغفار وإذا عمل صالحا أو رزق طيبا سارع بالحمد والشكر وقد قال الله تعالى :
(مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)
وقال عزمن قائل (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ولكن عبادة الشكر من العبادات الصعبة على الإنسان وهذا يوضحه قول الله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)
كما أن الله سبحانه وتعالى يهدد من لا يشكره على النعم بإزالتها أو محق بركتها فيقول : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) ويثني على الشكور ويجازيه بزيادة النعم فيقول : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
( اللهم بنورك اهتدينا وبرحمتك وكنفك ونعمتك أصبحنا وأمسينا اللهم فاتمم نعمتك وعافيتك وسترك علينا اللهم هبنا نفوسا بك مطمئنة ترضى بقضائك وتقنع بعطائك اللهم لك الحمد بكل نعمة انعمت بها علينا من قريب أو بعيد أو خاصة أو عامة ولك على حمدنا إياك اللهم اجعلنا من القليل الشاكرين يا رب العالمين )
كفته @kfth
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خير اختي الكريمة ..