شهيد العيد...!! قصه وخاطره للطنطاوي رائعه

الأسرة والمجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم
لكم ياااااااااغلى من في الوجود بنات هذا المنتدى الرائع لعيونكم وبمناسبة الايام الجايه وبحكم اني راح اكون مشغوله مره استعجلت ونزلت لكم هذا الموضوع من بدري للشيخ عي الطنطاوي من كتابه (( صور وخواطر)) كتاب رائع حبيت اتحفكم بشئ من هذا الكتاب

خاطره رااااااااااااااااااااائعة وتجنن .... رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء

شهيــــــــــد العيــــــــــــــد !!.....

كلفتني محطة الشرق الادنى ان اكتب قصة لتذاع عني اول يوم من عيد الأضحى ، وهذا هو العيد حلَ حلت عليكم فيه البركات والخيرات ، ولكن القصة لم تكتب .... إن لها قصة يا ساده فاسمعوا قصتها ..
****
أنا رجل من طبعه التأجيل والتسويف ،أؤخر لأمر ، ما دام الأجل فسحة أُرجئه إلى آخر لحظة منه ، ثم أقوم كالمجنون أنط قافزا مثل الارنب الذي زعم (أخونا....) لافونتين أنه نام حتى سبقته السلحفاة ، وإن لم أكن قد رأيت في عمري سلحفاة تسبق أرنبا !!
فلما ورد علي كتاب المحطة نظرت فإذا بيني وبين موعد الإذاعة أمد طويل فاطمأننت ونمت ، حتى اذا كانت ليلة العيد ، ولم يبقى أمامي إلا ساعات معدودة أكتب بها القصة والحق بها البريد الجوي ، أخذت قلمي وصحيفتي لأكتب فسدت علي أبواب القول ومنافذه وكواه ....وعدت مرتجا علي محبوسا لساني كأني ما مارست الكتابة قط ، وكذلك نفس الأديب يا ساده تتفتح تفتح الينبوع الدفاق، ثم تشحُ شح الصخرة الصماء ما تبض بقطرة ماء، ولكن الناس لا يصدقون ذلك : إنهم يحسبون الكاتب يخرج المقال من نفسه كما يخرج التاجر البضاعة من دكانه، ولا يدرون إن هذا الكلام يجئ أحيانا حتى لايقدر الأديب على رده، ويعزب حينا حتى لا يلقاه، وأنه يعلو ويصفو وينزل ويتكدر، وما عجزت الليلة عيا ولا فهاهة، فأنا أكتب في الصحف من عشرين سنة، ولكن الكتابة بالاجرة بيع وشراء ، ولكل مبيع ثمن، وأنا احب ان انتصف وأنصف الناس من نفسي، لذلك رأيتني كلما سقطت على موضوع وزنتة فوجدته لا يساوي الثمن الذي تدفعه لي المحطة فتركته وفتشت عن أغلى ، وكلما خطرت لي فكرة طمحت إلى أعلى، حتى كاد يمضي الوقت ولم أصنع شيئا، ونزل بي ما نزل للأستاذ توفيق الحكيم لما كلفوه أن يضع حوارا للفيلم وجعلوا له جعلا ضخما، فحصر فيه فكره، وحشد له قواه، وفر لأجله من داره. ثم انتهى به الأمر ان ألف كتاب (الحمار ) ولم يضع الحوار !!
عند ذلك أيست ولبست ثيابي، وهربت إلى الاسواق.
****
جلت في الاسواق، وأسواق دمشق ليلة العيد كأنها المحشر، قد اوقدت المصابيح، وفتحت المخازن، وانتشر الباعة، وتدفق عليها أهل البلد والفلاحون، بالأزياء المختلفة واللغات المتباينات، وكل بائع ينادي برفيع صوته، وكل مشتر يصيح، وكل مجتاز يتكلم، والبضائع معروضات من كل مأكولوملبوس ومفروش ومنظور ومشموم، وكل يريد أن يعد الليلة عدته للعيد فيشتري فيها طعامه ولباسه...
وكنت اسير في هذا الزحام شارد الذهن، نازح االفكر، أعمل عقلي في هذة القصة ...التي وعدت بها المحطة، فأعلنت عنها وبشرت بها، ثم لم أستطع أن أكتبها، حتى وصلت إلى باب المصلى ؛فإذا انا بحشد عظيم من الناس قد أحتشد حيال دكان ، فدفعني الفضول الى معرفة الخبر، فأقبلت أدفع الناس بكتفي، وأشق طريقي بيدي كلتيهما وأطأ أعقاب الناس وأقدامهم، وأصغي إلى هذا الفيض العجيب من ... النثر الفني... الذي جادت به قرائحهم، فتدفق علي من ألسنتهم، حتى بلغت المشهد ونظرت ...
****
نظرت، فرأيت اثنين يختصمان ويعتركان، أما أحدهما فكان مسكينا قميئا أعزل عاجزا، وأما الاخر فكان مسكينا قميئا أعزل عاجزا، واما الاخر فكان ضخما طوالا كالح الوجه، مفتول العضل، وسخ الثوب ، قد حمل سكينا في يده طويلة النصل، حديدية الشفرة، وهجم بها على صاحبه والناس ينظرون ولا ينكرون، وصاحبه المسكين يصرخ ويتلفت تلفت المذعور ، يطلب الغوث ولا يغيثة أحد، ويبتغي المهرب فيسد عليه الناس طريق الهرب...
وإني لأفكر ماذا أصنع ... وإذا بالخبيث العاتي يذبحه والله أما منا ويتركه يتخبط بدمه، ويوليه ظهره ويمضي إلى دكانه متمهلا، فيعالج فيها شأنه على عادته، كأنه لم يرتكب جرما ولم يأت الأمر النكر جهارا !!
وكدت أهجم عليه، وأسلمه إلى الشرط. ثم ذكرت أن الشجاعه في مثل هذا الموطن تهور وحماقة، وأن المجرم بيده السكين . لايمنعه شئ أن يجأ بها من يريده بشر، وطمعت أن يتحرك أحد الواقفين فيقدم عليه فأتبعه وأشد ازره، فلا والله ما تحرك احد منهم، ولا جرؤ على ذلك ؛ بل لقد تكلم واحد منهم، فلما رفع القاتل رأسه ونظر إليه رأيته يجزع منه ويفزع، ويقول له بصوت مضطرب متلجلج: (( الله يسلم يديك ))!
وحرت ماذا اعمل: أأبلغ الشرطة، أو أدعهم وأمضي على داري لا علي ولا لي؟ ثم رأيت أن خير ما افعل أن أكتب وصف ما رأيت، وأبعث به ليذاع ويعرفه الناس.
****
وهأنذا أتهم هذا الرجل بالقتل، وأدعو الحكومة إلى القبض عليه حتى يعاقب ويكون عبرة لمن يعتبر. ولا يحسبن أحد انه فر، أو أن القصة متخيلة أو مكذوبة، أو انها من أساطير الأولين، أو من أخبار العصور الخوالي، فالقاتل موجود في دكانه، يغدو إليع ويروح ألى بيته ، والقصه صحيحه رأيتها بعيني رأسي وأنا سالم العقل غير مجنون ولا معتوه، متيقظ غير نائم ولا حالم، صاح غير مخدر ولا سكران، ثم غني رايتها الليلة البارحه!
هذه هي الحادثة الفظيعة التي كتب الله أن تكون هي موضوع قصتي التي فكرت فيها وأطلت التفكير فكيف رآها الناس فلم يحفلوا بها ولم يأبهوا لها ؟ أفسدت الأخلاق، وانخلعت القلوب حتى لا نجرؤ على المجرم الظالم ؟ وهل نامت الحكومه في الشام نومة اهل الكهف حتى ما تدري بالدم يسيل في شارع من أكبر شوارع دمشق؟
لقد سكت الجميع، حتى ان انسباء القتيل قد ناموا عن دمه، وقعدوا عن الثأر له، ولم يتقدم أحد منهم شاكيا ولا مدعيا لأن القاتل كما قالوا، عازم على ذبحهم كلهم إن قدر عليهم،وماضيه حافل بمثل هذه الجرائم.
فما سر هذا السكوووت ؟
لقد علمت السر بعد يا ساده ....
ذلك ان المسكين الشهيد كان خروفا من خرفان الضحيه، وأن القاتل كان جزار الحاره، وأن الناس شاركوه في جرمه، فأكلوا لحم الذبيح مشويا ومقليا ومطهيا وأكلت معهم، ونسيت من طيب اللحم هذا المشهد.
هذه هي سنة الحياة، يموت المسكين لنستمتع نحن بأكلة طيبة. فكلوا منه وانتم ايضا هنيئا/ واشربوا مريئا، واشتغلوا باأكل عن مطالبتي بالقصه
وكل عااااااااااااااااااااااااااااااااااام وانتــــــــــــم بخير
2
576

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

كحيله.
كحيله.
يعطيك العافيه
.. بطروووووووقه ..
قولوا ارائكم اللي دخلتوا

عشان تحمسوني وانزل مواضيع غيرها

وين التفاعل ..... ما خبرتكم كذا يا حلوووووووووووين