فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

~ صاحب الجنتين ~ صراع بين الحق والباطل *

ملتقى الإيمان




لاينفك الصراع بين الحق والباطل
وبين الخير والشر قأئماً منذ الأزل ..
منذ أن خلق الله تعالى آدم ...
هذه هي طبيــــــــــعة الحياة ..
ولايزال هذا دأبها حتى فناء البشرية...
وحتى يرث الله الأرض ومن عليـــــــــها..
ولكن مهما طال زمن الباطل فالغلبة في النهاية للحق ..
لأن الباطل كزبد البحر يذهب جفـــــــــــــاء
ولأن الحق يمثل جانب الخير المشرق في الإنسان
جانب البناء ، والإعمار ، والارتقاء ..
وهو ماينفع الناس .. وما يستحق أن يمكث في الأرض ...
ومعاني ووجوه الخير والشر ، والحق والباطل ..
نلمسها حيٰة في سور القرآن الكريم خلال القصص والأمثال .
التي تضرب للناس لعلهم يتفكرون ويتعظون ..!
وهنا نقف معكن عند إحد المشاهد التي تعرض في حوار بليغ
في بضع آيـــــــات من سورة الكهف ..
صورة من الصراع الأزلي بين الحق والباطل..
وتصل بنا إلى حيث نشهد النهاية الطبيعية لطغيان الباطل ..
وانتصار الحــــــــــــق :
( هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ).
فتعالين ندخل أجواء هذا المشهد القرآني ،
ونعيش الحوار بين طرفي النقيض :
الحق الذي يمثل التواضع والزهد ..
والباطل في جبروتـــــــــــه وغروره ...





هما أخويــــن من بني إسرائيل تحدّرا من صلب أب واحد ،
ورضـــــعا من أم واحدة..
فمنبتهما واحد ، وأصلهما واحد ..
لكن طباعهما كانت متباينة تمامـــــــــاً ..
....
فـ ( يهوذا ) نشأ وترعرع وقلبه ممتلئ بالإيمان ...
وكان عفيفاً ، كريماً ، حليماً ، زاهداً ، معرضاً عن الدنيا وزخارفها .
....
و( قطروس ) شب وكبر على الكفر والجحود ، والبخل وغلظة الطبع .
....
ترك لهما أبوهما ثروة ضافية ، وخير سابغ ، ونعمة وافية ..
فسلك كل واحد منهما مع الميراث مسلكاً يتوافق مع طبعه ، ويوائم مذهبه.
توجه يهوذا بالشكر إلى الله على هذه النعم ...
وآل على نفسه أن يجعل ماله سبيلاً لنيل رضا الله ، فبذله في طاعته ..
وجعل ينفق منه على اليتيم والمسكين والعاني والعافي...
وظل هذا ديدنه حتى رقت حاشية حاله ، وكاد ماله أن ينضب ..
لم يتأثر ولم يندم ..
بل ظل مرتاح الضمير، هادئ النفس ، راضياً. بالقليل ، قانعاً بالكفاف .
:
أما قطروس فإنه ماكاد يستلم ماله ، حتى احترزه ، وأقفل عليه ،
ورد القاصد والسائل ، وأغمض عينيه وأصم أذنيه عن أنة المتألم ..
وتوسل المحتاج ..
ثم امتلك بستانيــــــــــــن ، وأنفق عليهما الجهد والمال ، وأراق العمر
وأنبتهما كرماً ، حتى أصبحا متعة النظر
بوفرة الثمر .. واخضلال الشجر ..
وامتداد الظلال الوارفة الخضر ..وتلون الزهور النضر..
وتغاريد الطيور ، وهديل الورقاء..
وأجرى بين البستانين عروق الماء .. وأحاطهما بالنخيل الباسقات
فغدا الرائي من فرط تلألؤ الجمال في برديهما القشيبين
يحسبهما جنتين حلتا على الأرض ...
كانتا فتنة للبصر ، ومسرة للروح ، ومتعة للمهج ..
...
ثم بسط الله تعالى له في رزقه ، وبارك في ثمره ، ووهبه ذرية زادته
نعمة ورفاهية ، وأحاط به الأصحاب ..
واكتملت له كل أسباب السعادة ..
فكان يتقلب بين هذه النعم متمتعاً مزهواً..
سادراً في غلوائه ، ممعناً في بطره ،
معتقداً أن كل ماوصل إليه كان بفضل جهده فقط ...
لقد أعشت النعمة بصره ، فلم يتدبر معطيها ومجريها
فيشكر .. ويؤمن ويحمد..!





في يوم ما مرّ به أخوه بلباسه البالي ، فاقتحمه بعين الازدراء..
وقال له مستهزءاً :
أين مالك يايهوذا ؟ هل بذرته كله على كل من أتاك طارقاً معوزاً ؟
أراك في أسوإ حال رقيق الثياب ، بالي السربال ، قليل الأعوان ،
هذا من صنع يديك وتبذيرك ، وقلة تفكيرك .. وعدم تدبيرك ..
أما أنا فقد حرصت على ماورثت ، فنما مالي وكثر أعواني
تعال معي لترى بعينيك جنتيّ.. حيث الكروم المثقلة ، والثمار الدانية
والأنهار الجارية ، والظل الوارف ، والغصون الملتفة ..
أنظر .. إلى كل هذا الثمر .. !
في كل سنة يربو ويزداد..
وفي كل أوان ينتج وافراً .. هو خير دائم لاينفد ..
ونعمة لاتبلى ..وكل ذلك بجهدي وحرصي ..
أما الساعة التي مابرحت تلهج بوقوعها ، فقولك عندي غير مستساغ
وإني به غير مقتنع ...
وحتى لو جاريتك وصادقت على كلامك ..
فإني لابد سأجد عند الله خير واكرم من هذه الجنة ..
ألا تراه قد أسبغ علي ألوان الخير في الدنيا ؟!
إذن فما يمنع أن يكرمني في آخرتــــــــــــي
بما هو أفضل عنده ، ويؤثرني بما هو أحسن لديه ؟!
:
قال يهـــــــــــــوذا :
ياأخي لاتغتر بما أنعم الله به عليك فذلك متاع الدنيا ..!!
وهل تظن أن ماأنت عليه من النعم دليل على حب الله لك ؟!
كيف ..؟!! وأنت تكفر بالبعث ، وتنكر أن يحييك الله بعد موتك ؟!
وهل البعث بعد الموت على الله عزيز ، وهو الذي خلق الإنسان
من سلالة من طين ...؟
ثم جعله نطفة في قرار مكين ..؟
ثم أحال النطفة علقة ، ثم صير العلقة مضغة ، ثم جعلها عظاما
ثم كسى العظام لحما.. ثم أصبح بعد ذلك إنساناً ذا عقل وإرادة ؟!
إن بعثك عند الله أهون من خلقك ، وأقرب لديه ...
ولكن على قلبك غطاء ، وفي سمعك وقر ، وعلى عقلك حجاب ..
كل ذلك ضللك ونــــــدّ عنك الصواب ..!
....
ثم أنت تعيرني بالفقر ، وتكاثرني بالمال والصحب والولد ..!
وأنا في فقري أغنى منك في غناك ...
ليس المال إلا زخارف الحياة .. وهي ليست لها أي قيمة عندي
إن ثروتي هي زهدي بمتاع الدنيا ، وأملي فيما عند الله ..
البستان الجميل.. لا تستطيع أن تدفع عنه عوادي الدهر إن حلّت ..
فتراه في لحظة يصير هشيماً وتذروه الرياح.. وكأنه لم يكن ..!
وأصحابك ليسوا إلا أعواناً لك على الشر ، يُطغونك ويفتنوك ..
أما أنا فحسبي الله ونعم الوكيل ..!
....
لإن أجوع ياأخي يوماً فأدعوا الله ، وأشبع يوماً فأحمده ،
خير لي من المال الذي يبطرني ويطغيني كما أنت عليه ..
وعسى ربي كفاءٌ لما صبرت على قضائه ، وما أنفقت من مالي على فقرائه
أن ينعم عليّ بجنة هي خير من جنتك ،
ويسبغ علي نعيماً مقيماً خيراً مما عندك ..!
...
تواضع ياأخي ولاتغتر ، وآمن ولاتكفر ، وانظر إلى حق الله في مالك ...
ولا تأمنن من عواصف الدهر على جنتيك ..!
هذا آخر كلامي ونصحي ..!
قال يهــــــــوذا ذلك ، ثم غادر المكــــــــــان ..تاركاً أخيه سادراً في مرحه وزهوه بين أرجاء البستان .. الذي أشبه الجنان ..!
***
مرّت أيام لاندري عددها .. وفي صباح جميل توجه قطروس كعادته
إلى جنتيه يستروح النسيم كما اعتاد ، ويتفيأ الظلال ...
وليقطف حبات من الكروم المتدلية كما اعتاد ...
فما راعه إلا أن رآهما أطلالاً بالية ... وثماراً تالفة .. ورسوماً عافية ..
ووحشة وخراب ...
في ساعة من الليل عاثت في جنتيه أيدي الخـــــــــــراب..
فتحولتا إلى حطام وركام ...
...
ذهــــــــــــل لمــــــــا رأى ..!!
فانقلبت موازينــــــــــــه ...
وجفّ ريقـــــــــــه ..
وانكسرت شوكـــــــــــــة غروره ..
وذل بعد جمــــــــــــاح ...
كانت ضربة قاصمة في أحب مايملك ..
وأكثر ماصرف عليه الجهد والمال والعمر ..
فأخذ يقلب كفيه حسرة وندماً على ضياع ماأنفق ..
ولسان حاله يقــــــــول :
( ياليتني لم أشرك بربـــــــــي أحدا ) !!.


****
11
868

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ورده الجوري
ورده الجوري
بارك الله فيكِ على طرحك القيم جدا~

الله يجعلها في ميزان حسناتك,,
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
شكراً لك أختنا الغالية ( وردة ) 🌹
دمت ياعطرة الروح .. أريجاً يعبق بالخير ..
وبوركتِ .. مقاماً ..!


💐💐
المحامية نون
المحامية نون
جزاك الله خيراً يافيض ...
على هذا الطرح المميز ...وسرد تفاصيل تلك القصة التي تحمل العبرة والموعظة في عدم التعالي والغرور ....بارك الله فيك ولك إن شاء الله الأجر والثواب ودمت بخير دائماً .....
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
جزاك الله خيراً يافيض ... على هذا الطرح المميز ...وسرد تفاصيل تلك القصة التي تحمل العبرة والموعظة في عدم التعالي والغرور ....بارك الله فيك ولك إن شاء الله الأجر والثواب ودمت بخير دائماً .....
جزاك الله خيراً يافيض ... على هذا الطرح المميز ...وسرد تفاصيل تلك القصة التي تحمل العبرة...
مرورك منعش كنسمة عذبة يانون ..!
شكراً من القلب على جميل مشاركاتك ..
وبارك الله بك يافرات ..!
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
إن في قصص القرآن دروس وعبر ..
فهل من معتبر ؟؟