طفلـــة جميلـــة

الملتقى العام

ترجمة: محمد جمول
من كتاب: موسيقى، من أجل الحرباوات ترومان كابوتي



الزمان: 28 أبريل1955.الزمان: 28 أبريل1955.
المكان: كنيسة يونيفرسال فيونيرال هوم في شارع لكسنغتون المشجر في الشارع الثاني والخمسين، مدينة نيويورك. كوكبة من النجوم التي تثير الاهتمام تملأ المقاعد: مشاهير معظمهم يعملون في حقل المسرح العالمي والسينما والأدب، وجميعهم حاضرون لوداع كونستنس كوليير، الممثلة البريطانية المولد التي توفيت في اليوم السابق عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاماً.
ولدت كوليير في العام 1880 وبدأت حياتها المهنية كفتاة لعوب في الأعمال الدرامية المنوعة وانطلقت من هناك لتصبح الممثلة الأبرز في الأعمال الشكسبيرية (وصديقة السير ماكس بيربوم لفترة طويلة وإن لم تتزوجه وربما لهذا السبب استلهمت شخصيتها في بناء شخصية البطلة الشريرة صعبة المنال في رواية السير ماكس »زوليكا دوبسن«)، في النهاية هاجرت إلى الولايات المتحدة حيث رسخت مكانتها كشخصية معتبرة على خشبات مسارح نيويورك وفي سينما هوليوود أيضاً. خلال العقود الأخيرة من حياتها، عاشت في نيويورك حيث عملت كمدربة دراما من مستوى رفيع؛ فلم تكن تستقبل بين طلابها سوى المحترفين، وغالباً المحترفين الذين سبق أن أثبتوا أنهم »نجوم«: كاترين هيبورن كانت تلميذة دائمة، وكانت أودري هيبورن أيضاً ممن حظين برعاية كوليير، وكذلك فيفين لي، ولعدة شهور قبل وفاتها، كان بينهن المبتدئة مارلين مونرو التي كانت كوليير تشير إليها باسم »مشكلتي الخاصة«.
انضوت مارلين مونرو، التي تعرفت عليها عن طريق جون هيوستن، حين كان يخرج أول فيلم ناطق تؤدي فيه دوراً »غابة الاسفلت«، تحت جناح كوليير بناء على اقتراح مني. كنت تعرفت على كوليير قبل حوالي ست سنوات، وأعجبت بها كشخصية حقيقية من الناحية الجسدية والمشاعر والإبداع إضافة إلى أسلوبها المؤثر وصوتها الجهوري الرائع، وكشخصية لطيفة تتمتع بشيء من الخبث مع دفء لا حدود له، ووقار مقرون بالمرح المحبب إلى القلب. كنت أحب التردد إلى حفلات العشاء الصغيرة التي تقيمها في الاستوديو الذي كانت تعمل فيه وسط مانهاتن، كان دائماً لديها الكثير من الحكايات عن مغامراتها كسيدة بارزة مقابل السير بيربوم ترى والممثل الفرنسي الكبير كوكلان، ومشكلاتها مع أوسكار وايلد والشاب شابلن وغاربو في مرحلة السينما السويدية الصامتة في بداياتها. كانت في الحقيقة مصدر بهجة، مثلما كانت سكرتيرتها ومرافقتها المخلصة فيليس ويلبورن، تلك الفتاة الرقيقة التي أصبحت بعد وفاة سيدتها، مرافقة لكاترين هيبورن، عرفتني السيدة كوليير على كثير من الناس الذين أصبحوا أصدقائي: ومنهم عائلة لانت وعائلة أوليفيير، وبشكل خاص الدوس هكسلي. لكني أنا الذي عرفتها على مارلين مونرو، وفي البداية لم تكن حريصة على مثل هذا التعارف. كانت نظرتها خاطئة، لم تكن شاهدت أياً من أفلامها السينمائية، والواقع أنها لم تكن تعرف عنها شيئاً سوى أنها كانت قنبلة جنسية استطاعت اكتساب سوء سمعة عالمية، وباختصار لم تبد المادة الخام التي يمكن للسيدة كوليير أن تعطيها الشكل الكلاسيكي الذي تريده. لكني كنت على قناعة أنهما ستشكلان المزيج الملتهب.
وبالفعل كان ذلك »نعم« قالت لي السيدة كوليير »فيها ما يلفت الانتباه. إنها طفلة جميلة، لا أعني هذا بطريقة واضحة ـ واضحة إلى درجة كبيرة، لاأعتقد أنها ممثلة على الإطلاق، ولا بأي معنى تقليدي، ما تتمتع به ـ أي هذا الحضور، وهذا البريق وهذا الذكاء المتوهج ـ لا يمكن أن يظهر على خشبة المسرح، إنه شيء هش ورقيق، لا يمكن التقاطه إلا بعدسة تصوير، شيء يشبه الطائر الطنان في طيرانه: وعدسة التصوير وحدها قادرة على تثبيت الشعر الموجود فيه، ولكن من يعتقد أن هذه الفتاة مجرد مومس أو شيء من هذا القبيل هو شخص مجنون، ولئن كنا ذكرنا الجنون، فهذا هو الشيء الذي نعمل عليه معاً: مسرحية أوفيليا، أعتقد أن الآخرين سيهزأون بهذه الفكرة، لكنها فعلاً تستطيع أن تؤدي دور أوفيليا في منتهى البراعة، كنت أتحدث مع غريتا قبل أيام وحدثتها عن قيام مارلين بدور أوفيليا فوافقتني الرأي قائلة إنها ترى ذلك لأنها شاهدت اثنين من أفلامها، وكانا سيئين جداً ومبتذلين، لكنها مع ذلك لمست إمكانات مارلين.
وعملياً طرحت غريتا فكرة ممتعة، هل تعلم أنها تريد أن تقدم فيلماً عن دوريان غراي؟ ومعها ستقوم هي بدور دوريان، طبعاً، قالت إن مارلين ستقوم بدور إحدى الفتيات اللواتي يستدرجهن دوريان ويدمرهن، كانت غريتا مثل مارلين كموهبة لم تستثمر بعد ولكنها بالمقابل كانت فنانة في ذروة اكتمال نضجها، فنانة في قمة انضباطها، وأما هذه الطفلة الجميلة، فلم يكن لديها أدنى فكرة عن الانضباط والتضحية، بشكل من الأشكال كانت لدي قناعة أنها لن تعيش طويلاً، قد يكون هذا الكلام سخفاً، لكني مع ذلك أشعر أنها ستموت صغيرة، كنت أتمنى بل أتوسل، لو تعيش وقتاً كافياً لإطلاق تلك الموهبة الغريبة المحببة التي تحوم داخلها كروح حبيسة«.
ولكن السيدة كوليير الآن ميتة، وأنا هنا أتأمل في بهو كنيسة يونيفرسال بانتظار مارلين مونرو، كنا تكلمنا هاتفياً في الليلة السابقة واتفقنا أن نجلس معاً خلال الصلوات التي كان مقرراً أن تبدأ عند الظهر، حتى تلك اللحظة كانت قد تأخرت نصف ساعة، إنها دائماً تتأخر، فكرت في الأمر شيء يدعو للاستياء، وفجأة ظهرت، لكني لم أتعرف إليها إلى أن قالت:
مارلين: أيها الطفل، أنا آسفة جداً، ولكن انظر لقد اتخذت كامل زينتي، ثم رأيت أنه لا يجوز أن أضع رموشاً مستعارة أو أحمر الشفاه، أو أي شيء من هذا القبيل، ولذلك كان علي أن أزيله كله، وتحيرت ماذا ألبس.
ما توصلت لاختياره كان يمكن أن يكون مناسباً لرئيسة دير راهبات في لقاء خاص مع البابا، كان شعرها مغطى كلياً بمنديل حرير أسود، فستانها الأسود كان فضفاضاً وطويلاً، بدا كأنه مستعار، جواربها السوداء الحريرية حجبت شقرة ساقيها الشقراوين النحيلتين، لكن من المؤكد أن رئيسة الدير ما كانت لتلبس ذاك الحذاء الأسود العالي الكعب والمثير للشهوة أو تلك النظارات الواسعة المستديرة التي أضفت مزيداً من الإثارة على اللون الخرنوبي الشاحب لبشرتها البيضاء النضرة).
ت.ك: تبدين رائعة.
مارلين: (وهي تقضم ظفر إبهام بدا كأنه قد مضغ حتى العقلة):
حقاً؟ هل أنا فعلاً جميلة إلى هذه الدرجة؟ أين الحمام؟ لو أستطيع دخوله لبعض الوقت.
ت.ك: لتتناولي جرعة مخدرات؟ (يسمع صوت سيريل ريتشارد).
لقد بدأ حفل التأبين.
(دخلنا المصلى المزدحم على رؤوس أصابعنا وبصعوبة استطعنا الوصول إلى فسحة ضيقة في الصف الخلفي، أنهى سيريل ريتشارد كلامه، وتبعته كاثلين نيسبت، زميلة السيدة كوليير طوال حياتها، وأخيراً تحدث بريان أهيرن إلى المعزين، خلال ذلك كله، كانت حبيبتي تبعد نظارتيها، من حين لآخر، لتمسح الدموع المنهمرة من عينيها الزرقاوين ـ الرماديتين، سبق لي أن رأيتها أحياناً بلا زينة، لكنها اليوم كانت بمثابة تجربة بصرية جديدة، وجه لم يسبق لي أن رأيته، وللوهلة الأولى لم أستطع إدراك سبب هذا الاختلاف، آه! إنه بسبب غطاء الرأس المعتم، فمع اختفاء خصلات شعرها وخلو وجهها من كل مواد التجميل بدت مثل عذراء في بداية نضجها، وقد أدخلت إلى ميتم في حالة حزن شديد بسبب محنتها. في النهاية انتهت الصلوات وبدأ الجمع يتفرق).
مارلين: أرجوك، دعنا نجلس هنا، دعنا ننتظر ريثما يخرج الجميع.
ت.ك: لماذا؟
مارلين: لا أريد التحدث مع أحد لا أعرف ماذا سأقول.
ت.ك: إذن اجلسي هنا، وسأنتظر أنا في الخارج، سأدخن سيجارة.
مارلين: لا تتركني وحدي، دخن هنا.
ت.ك: هنا؟ في المصلى؟
مارلين: لم لا؟ ماذا ستدخن؟ حشيش؟
ت.ك: شيء مضحك، هيا لنخرج.
مارلين: أرجوك هناك كثير من المصورين في الأسفل.
ت.ك: لا ألومك على هذا.
مارلين: قلت إني أبدو رائعة الجمال.
ت.ك: نعم بالتأكيد ـ منتهى الجمال ـ وكأنك تقومين بدور عروس فرنكشتاين.
مارلين: أنت تسخر مني الآن.
ت.ك: هل أبدو كذلك؟
مارلين: تضحك في أعماقك، وهذا أسوأ أنواع الضحك (تقطب حاجبيها وهي تقضم ظفر إبهامها) كان بإكاني أن أضع الماكياج، فكل من رأيتهن كن متجملات.
ت.ك: أنا أضحك فعلاً.
مارلين: فعلاً. إنها مشكلة شعري، أنا بحاجة إلى صبغ، لم يكن لدي الوقت الكافي للحصول على الصباغ، كان شيئاً غير متوقع، موت السيدة كوليير وكل ذلك، أليس كذلك؟
(رفعت منديلها لتظهر حافة سوداء عند مفترق شعرها).
ت.ك: كم أنا مسكين ساذج، كل هذا الوقت وأنا أعتقد أنك شقراء حقيقية.
مارلين: أنا فعلاً، ولكن ليس هناك من هو طبيعي بشكل كامل.
ت.ك: لا بأس، الجميع خرجوا. هيا بنا.
مارلين: المصورون لايزالون هناك، أنا متأكدة من ذلك.
ت.ك: إذا كانوا لم يتعرفوا عليك عند دخولك، فلن يعرفوك وأنت تغادرين.
مارلين: أحدهم عرفني، لكني تسللت عبر الباب قبل أن يبدأ بأي عمل.
ت.ك: لابد أن هناك باباً خلفياً، يمكننا استخدامه.
مارلين: لا أريد أن أرى أية جثث.
ت.ك: ولماذا نراها؟
مارلين: إنها قاعة جنائزية، لابد أن هناك جثثاً في مكان ما، هذا ما أحتاجه في هذا اليوم، أن أتجول في غرفة مليئة بالجثث، اصبر. سنذهب إلى مكان نتناول فيه زجاجة شمبانيا.
(وهكذا جلسنا وتحدثنا فقالت مارلين: أكره الأجواء الجنائزية، ويسعدني أني لن أحضر جنازتي، لا أريد أن تقام لي جنازة ـ أريد أن يقوم أحد أولادي ـ إن صار لي أولاد ـ بنثر رماد جثتي فوق إحدى الأمواج، ما كنت سأحضر هذا اليوم لولا أن السيدة كوليير هي التي اهتمت بي ورعتني، وكانت تماماً مثل جدتي، جدة صارمة، لكنها علمتني الكثير، لقد علمتني كيف أتنفس، استفدت من ذلك كثيراً، وليس في التمثيل فقط، هناك حالات يكون فيها التنفس مشكلة حين سمعت برحيل السيدة كوليير، فكرت للوهلة الأولى، ماذا سيكون مصير فيليس؟ كانت السيدة كوليير كل شيء في حياتها، ولكن علمت أنها تنوي العيش مع السيدة هيبورن، محظوظة فيليس، ستتمتع بحياتها الآن. أتمنى لو أكون مكانها في هذه اللحظة، هيبورن سيدة رائعة، أتمنى لو أنها صديقتي، وهكذا كنت أستطيع التحدث إليها هاتفياً بين حين وآخر، مجرد التحدث معها«.
تكلمنا عن حبنا الكبير لنيويورك وكرهنا للوس انجليس (مع أني ولدت هناك، لاأزال عاجزاً عن إيجاد أي شيء إيجابي يمكنني التحدث عنه، وإذا ما أغمضت عيني، وتصورت لوس انجليس، فكل ما أراه ليس إلا عرق دم أصابه مرض الدوالي) تحدثنا عن الممثلين والتمثيل (كل يقول لا أستطيع التمثيل، قالوا الشيء ذاته عن اليزابيث تايلور، وكلهم كانوا مخطئين، كانت رائعة في فيلم »مكان تحت الشمس«، بعمري لن أحصل على الدور المناسب، الدور الذي أريده حقاً، مظهري ليس في مصلحتي، له خصوصيته الشديدة)، وتحدثنا أكثر عن اليزابيث تايلور، وأرادت أن تعرف إن كنت أعرفها، فقلت لها نعم، فأضافت: كيف شكلها، صفها لي بدقة، فقلت لها: تشبهك إلى حد ما، إنها صريحة وحديثها عذب، فقالت مارلين: اللعنة، لو سألني أحد ما: ما هي صفات مارلين مونرو، ماذا سأقول، فأجبتها: سأفكر في هذا الأمر).
ت.ك: والآن هل تعتقدين أن بإمكاننا الخروج من هذا المكان البائس، وعدتني بالشمبانيا، هل تذكرين؟
مارلين مونرو: أتذكر، لكن ليس لدي نقود.
ت.ك: دائماً تتأخرين ولا تحملين نقوداً، هل أنت موهومة أنك الملكة اليزابيث؟
مارلين: من؟
ت.ك: الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا.
مارلين: (مقطبة حاجبيها) ما هذا الهراء الذي تقوله؟
ت.ك: الملكة اليزابيث لا تحمل نقوداً أيضاً، هذا غير مسموح لها، لا يجوز للنقود الوسخة أن تلوث الكف الملكية، إنها شيء تافه.
مارلين: أتمنى لو يصدر قانون من هذا النوع من أجلي.
ت.ك: تابعي سلوكك هذا فقد يصدرون مثل هذا القانون.
مارلين: حسناً، كيف تدفع ما عليها حين تذهب للتسوق؟
ت.ك: وصيفتها تتجول معها حاملة حقيبة مليئة بالنقود.
مارلين: أراهن أنها تحصل على كل ما تريده مجاناً، مقابل موافقات تمنحها.
ت.ك: ممكن جداً، لا يفاجئني ذلك، وقد يكون ذلك كله لجلالتها، مثل كلاب كورغي وسلع من محلات فورتنام أندماسون وقدور طبخ وواقيات ذكرية.
مارلين: وما حاجتها للواقيات؟
ت.ك: ليس لها، أيتها الحمقاء، من أجل ذاك المخدوع الذي يسير وراءها، الأمير فيليب.
مارلين: آه، فهمت إنه ظريف، هل أخبرتك عن ايرول هول حين عزف البيانو؟ حصل ذلك قبل مائة عام حين حضرت ذاك الحفل البذيء، وكان ايرول فلين مزهواً بنفسه، خبط المفاتيح، وعزف »أنت شمسي المشرقة« ياللمسيح! الجميع يقولون إن ملتون بيرل الأكثر جاذبية في هوليوود، ولكن هل هذا مهم؟ هل معك أية نقود؟
ت.ك: ربما بحدود خمسين دولاراً.
مارلين: كافية لشراء بعض الشمبانيا.
(في الخارج، كان شارع لكسنغتون المشجر خالياً إلا من بعض المارة الذين لا يشكلون مصدر إزعاج، كان الوقت حوالي الثانية بعد ظهر يوم لطيف من أيام أبريل كما تشتهيه النفس: طقس مثالي للمشي، ولذلك تحركنا على مهل نحو الشارع الثالث، بعض المغفلين تلفتوا نحونا، ليس لأنهم عرفوا مارلين، وإنما بسبب جمال ملابس الحداد التي ترتديها، أطلقت قهقهتها الرقيقة المعهودة، كان صوتاً مغرياً مثل رنين أجراس عربة »المزاج الطيب«، ثم قالت: »ربما كان من الأفضل أن أرتدي دائماً مثل هذه الملابس، لا أحد يعرفني«.
مع اقترابنا من صالون بي.جي كلارك، اقترحت عليها دخوله لأخذ قسط من الراحة، لكنها اعترضت »إنه مليء بالمعلنين المزعجين، والكلبة دورني كيلغالن غالباً ما تحضر بشكل مفاجئ، وكيف سيكون الحال مع هؤلاء الايرلنديين؟ مزعجة طريقتهم في الشرب، إنهم أسوأ من الهنود«.
شعرت أني مطالب بالدفاع عن كيلغالن، التي كانت صديقتي، بشكل ما، وذكرت كم كانت امرأة ذكية مرحة، قالت: »ليكن، فقد كتبت عني أشياء خبيثة، لكن كل هؤلاء النسوة يكرهنني، هيدا ولويلا، أعرف أن من المفترض بك أن تقول ذلك، أما أنا فلا أستطيع، إنه شيء مؤذ، ماذا فعلت لهؤلاء العجائز الخبيثات؟ الوحيد الذي قال فيّ كلمة محترمة هو سيدني سكولسكي. لكنه رجل. الرجال يعاملونني بإنصاف، وكأني كائن بشري. على الأقل يمنحونني فرصة الاستفادة من حالة الشك. بوب توماس رجل محترم، وكذلك جاك أوبريان.
أخذنا ننظر إلى نوافذ محلات بيع التحف القديمة، في إحداها صينية تحوي خواتم قديمة، فقالت مارلين: (أشياء جميلة، اللآلئ الصغيرة المشبعة بالحمرة.أتمنى لو أستطيع لبس الخواتم، لكن أكره أن ينظر الناس إلى يدي. إنهما سمينتان جدا. يدا اليزابيث تايلور سمينتان أيضا. ولكن مع وجود عينيها، من سينظر إلى يديها؟ أحب أن أرقص عارية أمام المرآة وأراقب حلمتي تتقافزان. ليس فيهما أي عيب. ولكن كنت أتمنى لو لم تكن يداي سمينتين بهذا الشكل.
في نافذة أخرى، كان هناك ساعة صدر أنيقة دفعتها إلى القول (لم يكن لي بيت في يوم من الأيام. أعني بيتا حقيقيا يحوي كل ما أريده من أثاث.
إذا ما تزوجت مرة أخرى، وحصلت على مبلغ كبير من المال، فسوف استأجر شاحنتين وآخذهما إلى الشارع الثالث لأشتري كل ما يخطر ببالي من هذه الأشياء العجيبة. سأشتري دزينة من ساعات الصدر وأضعها في صف واحد في احدى الغرف وأتركها تصدر تكتكاتها في وقت واحد. شيء سيمنحني إحساسا حقيقيا بدفء البيت، ألا تظن ذلك؟).
مارلين: انظر عبر الشارع.
ت.ك: ماذا؟
مارلين: انظر إلى اللوحة بجانب النخلة، لا بد أنه صالون لقراءة البخت.
ت.ك: هل ترغبين في ذلك؟
مارلين: لا بأس، لنلق نظرة.
(لم يكن المكان مريحا فعبر نافذة ملوثة، رأينا غرفة عارية فيها سيدة غجرية نحيلة، طويلة الشعر تجلس على كرسي قماشي تحت مصباح شديد الإضاءة يتدلى من السقف وينشر وهجا مزعجا جدا، كانت تحيك زوجا من جوارب الأطفال، فلم تأبه لنظراتنا. مع ذلك شرعت مارلين بالدخول، ثم غيرت رأيها.)
مارلين: أحيانا أحب أن أعرف ماذا سيحدث.
لكن سرعان ما أقول أنه من الأفضل أن لا أعرف.
هناك شيئان أريد معرفتهما، مع ذلك. الأول إن كنت سأفقد بعض وزني.
ت.ك: والأمر الآخر؟
مارلين: هذا سر.
ت.ك: الآن، الآن. لا مكان للأسرار هذا اليوم إنه يوم حزن، والحزانى يتشاركون في أكثر أفكارهم خصوصية.
مارلين: يتعلق برجل. هناك شيء أريد معرفته.
ولكن هذا كل ما سأقوله. إنه سر فعلا (وقلت في سري: هذا ما تفكرين به. سأجعلك تقولينه).
ت.ك: أنا مستعد لشراء الشمبانيا.
(في الشارع الثاني انتهينا إلى مطعم صيني مهجور تزينه زخارف بسيطة لكن فيه بار مريح، طلبنا زجاجة من نوع MUMM وصلتنا غير باردة، وبدون سطل، لذلك شربناها بسرعة من كؤوس طويلة مع مكعبات الثلج.)
مارلين: شيء جميل. كأننا في موقع التصوير - هل تحب أماكن التصوير. أنا لا أحبها بالتأكيد.
ت.ك: حدثيني عن حبيبك السري.
مارلين: (صمت)
ت.ك: (صمت)
مارلين: (تقهقه)
ت.ك: (صمت)
مارلين: تعرف كثيرا من النساء. من الأجمل فيمن تعرفهن؟
ت.ك: بلا منازع. باربا بالي. وبكل بساطة.
مارلين: (تقطب حاجبيها): هل هي التي يسمونها (بيبي)؟
إنها لا تبدو كذلك بالنسبة لي. رأيتها في مجلة (فوغ) إنها جميلة ومحببة، مجرد النظر إلى صورها يجعلني أشعر بالبهجة.
ت.ك: سيسرها سماع ذلك منك. إنها تغار منك كثيرا.
مارلين: تغار مني؟ عدت إلى المزاح مرة أخرى.
ت.ك: أبدا! فعلا تغار منك
مارلين: ولكن لماذا؟
ت.ك: بسبب إحدى الصحفيات، كيلغالن على ما أظن، فقد كتبت زاوية ذكرت فيها: (تقول الشائعات إن السيدة ديماجيو حددت موعدا مع واحد من أهم العاملين في التلفزيون ولم يكن هذا اللقاء لمناقشة قضايا العمل). وقد قرأت الزاوية وصدقتها.
مارلين: صدقت ماذا؟
ت.ك: أن زوجها يقيم علاقة حب معك. وليم س. بالي الذي يعد من أهم الرجال في العمل التلفزيوني.
إنه مولع بالشقراوات. وبالسمراوات ايضا.
مارلين: هذا سخف. لم ألتق هذا الرجل في حياتي.
ت.ك: أصدقيني القول. هذا الحبيب السري هو وليم س. بالي، أليس كذلك؟
مارلين: لا. إنه كاتب. نعم كاتب.
ت.ك: لا يختلف الأمر كثيرا. عرفت الآن شيئا ما. إذن حبيبك كاتب. ربما كان كاتبا مغمورا وتخجلين من ذكر اسمه.
مارلين (غاضبة بشدة): ماذا يمثل الحرف »S«؟
ت.ك: »S« ما معنى »S«
مارلين: حرف »S« في اسم William S Paley
ت.ك: آه، هذه الـ »S« لا تمثل شيئا. لقد وضعها هنا للمظهر فقط.
مارلين: إنها حرف أول من اسم لا وجود له؟ يا إلهي.
لا بد أن السيد بالي يشعر بشيء من عدم الأمان.
ت.ك: إنه كثير الاختلاجات. ولكن لنعد إلى كاتبنا المجهول.
مارلين: كفاك. هذا أمر لا تفهمه. سأخسر الكثير.
ت.ك: نادل، زجاجة أخرى، من فضلك.
مارلين: هل تحاول الاستفادة من زلة لساني؟
ت.ك: نعم، سأقول لك شيئا. سنبرم صفقة سأحكي لك حكاية، فإذا كانت ممتعة، يمكن أن نناقش مسألة صديقك الكاتب.
مارلين: عم تتحدث حكايتك؟
ت.ك: إيرول فلين
مارلين: (صمت)
ت.ك : (صمت)
مارلين: (بامتعاض): هيا، تابع.
ت.ك: تتذكرين قولك عن ايرول؟ كم كان سعيدا بنفسه؟ أنا أصدق ذلك. فقد أمضينا أمسية حميمة معا. هل تفهمين ما أعني.
مارلين: هذا من اختلاقك. تريد أن تجرني إلى الكلام.
ت.ك: أتحدث بقصد شريف. (صمت، لكني لمست أنها بدأت تستجيب، وهكذا بعد إشعال سيجارة...) حسنا، حصل هذا حين كنت في الثامنة عشرة من عمري، ربما التاسعة عشرة. كان ذلك خلال الحرب. شتاء عام ???? . في تلك الليلة كانت كارول ماركوس، وربما كان اسمها قد أصبح كارول سارويان، تحيي حفلا على شرف إحدى صديقاتها العزيزات، غلوريا فاندربيلت. أقامت الاحتفال في شقة والدتها في بارك افنيو. كان حفلا كبيرا. حضره حوالي خمسين شخصا. حوالي منتصف الليل دخل ايرول فلين وصاحبه، شخص متعجرف تافه الحديث يدعى فريدي ماكيفوي. كانا حسني المظهر.
على كل حال، بدأ ايرول يترثر معي، كان مبتهجا كنا نتمازح. وفجأة قال إنه يريد الذهاب إلى ال موروكو، وكنت أرغب في الذهاب معه ومع صاحبه ماكيفوي. وافقت، لكن ماكيفوي رفض أن يترك الاحتفال وكل هؤلاء الفتيات، وغادرت أنا وإيرول فقط. لكنا لم نذهب إلى إل موروكو.
ركبنا سيارة أجرة إلى غرامرسي بارك، حيث أمتلك شقة من غرفة واحدة. وبقي هناك حتى ظهر اليوم التالي.
مارلين: وكم ترى نسبة الصدق في هذه القصة على مقياس من واحد إلى عشرة؟
ت.ك: بصراحة، لو لم يكن ايرول فلين موجودا، لما كنت تذكرتها.
مارلين: ليست قصة ذات قيمة. لا تساوي قصتي - هذا إن حكيتها لك.
ت.ك: أيها النادل، أين الشمبانيا؟ اثنان ينتظرانك في حالة عطش هنا.
مارلين: كأنك لم تخبرني شيئا جديدا. كنت دائما أعرف أن ايرول ليس مستقيما في سلوكه. عندي مد لك علاقتي به وثيقة جدا. وكان مدلك تيرون باور أيضا، فأخبرني عن كل شيء كان يجري بين ايرول وتيرون باور.
كان عليك أن تجد قصة أفضل.
ت.ك: تفرضين شروطا صعبة.
مارلين: استمع اليك. اسمعني أفضل ما لديك من هذا القبيل.
ت.ك: الأفضل؟ ما يمكن تذكره أكثر؟ افترضي أنك تجيبين على السؤال أولا.
مارلين: وتقول إني أجيد عقد الصفقات! آه (وهي تبتلع الشمبانيا) جو شخص رائع. إذا استمرت الأحوال كما هي، سنظل زوجين. ماأزال أحبه، مع ذلك. إنه رائع.
ت.ك: الأزواج لا يحسب حسابهم على الأقل في مثل هذه اللعبة مارلين (تقضم ظفهرها وهي تفكر بعمق): حسنا، واجهت رجلا، تربطه صلة ما بغاري كوبر، يعمل سمسارا في سوق الأوراق المالية، ليس فيه ما يلفت الانتباه ـ عمره 65 سنة، ويضع على عينيه نظارتين سميكتين جدا، سميكتان كهلام البحر. لا أستطيع تحديد نوعيتهما، لكن...
ت.ك: يمكن التوقف هنا. عرفت عنه كل شيء من فتيات اخريات. هيا السياف العجوز يدور حولك فعلا.
اسمه بول شيلدز. إنه زوج والدة روكي كوبر. يفترض أن يثير الاهتمام.
مارلين: إنه كذلك، تيس لطيف. دورك الآن.
ت.ك: انسي الأمر. سأقول لك شيئا مهما. فأنا أعرف أن اعجوبتك المقنعة هو: آرثر ميلر (أخذت نظارتيها السوداوين): أيها الولد الشقي: لقد أصبت، ووو!) لقد خمنت اسمه حالما قلت إنه كاتب.
مارلين: (متعلثمة): ولكن كيف؟ أعني، ما من أحد... أعني، بالتأكيد لا أحد...
ت.ك: على الأقل قبل ثلاث، وربما أربع سنوات إرفينغ دروتمان
مارلين: إرفينغ ماذا؟
ت.ك: دروتمان. إنه كاتب في هيرالد تريبيون. أخبرني أنك كنت تضيعين وقتك مع آرثر ميلر. تمسكي به.
كنت على درجة عالية جدا من سمو الأخلاق تمنعني من ذكر ذلك فيما مضى.
مارلين: كنت جنتلمان! يا ابن الحرام (تتعلثم مرة أخرى. ولكن مع إعادة النظارتين إلى عينيها). لا تعرف شيئا. حصل هذا منذ زمن طويل. وانتهى. لكن هذا جديد. كل شيء مختلف الآن، و....
ت.ك: لكن لا تنسي دعوتي إلى حفل الزفاف.
مارلين: إن تحدثت عن هذا، سوف أقتلك.
سأقضي عليك. أعرف شخصين مستعدين لتقديم هذه الخدمة لي.
ت.ك: لا أشك في هذا لحظة واحدة
(وأخيرا أحضر النادل الزجاجة الثانية).
مارلين: قل له أن يعيدها. ما عدت أرغب في الشراب.
أريد الخروج من هذا المكان البائس.
ت.ك: آسف إن كنت تسببت في ازعاجك.
مارلين: لست منزعجة.
(لكنها كانت منزعجة. ذهبت إلى الحمام، فتمنيت لو معي كتاب أقرأه: زياراتها إلى الحمامات تستغرق وقتا أطول من فترة حمل الفيلة.
بتثاقل، ومع مرور الزمن، أخذت أتساءل إن كانت تتناول حبوبا مخدرة أم منشطة. مخدرة بلا شك. كان هناك صحيفة بالقرب مني، أخذتها، كانت باللغة الصينية. بعد مرور عشرين دقيقة، قررت البحث عنها، فربما أخذت جرعة قاتلة، أو جرحت معصمها. وجدت الغرفة الخاصة بالنساء، كانت تقف أمام مرآة خفيفة الإضاءة.
قلت لها (ماذا تفعلين؟) أجابت (أنظر إلى نفسي) والواقع أنها كانت تضع على شفتيها أحمر شفاه بلون الياقوت. وكانت قد خلعت عن رأسها المنديل الأسود وسرحت شعرها اللامع الجميل الناعم كالقطن.
مارلين: أرجو أن يكون بقي لديك ما يكفي من النقود.
ت.ك: ما يكفي لماذا؟ ما معي لا يكفي لشراء لؤلؤ، إن كان هذا ما تريدينه لارضائك.
مارلين: (مقهقهة، وقد استعادت صفاء مزاجها. قررت أن لا أعود إلى ذكر آرثر ميلر): لا. ليس لشراء اللؤلؤ، فقط ما يكفي لأجرة سيارة في مشوار طويل.
ت.ك: أين سنذهب ـ هوليوود؟
مارلين: يا للجحيم، لا. إلى مكان أحبه. وستعرف حين نصل هناك.
(لم يكن هناك حاجة للانتظار طويلا. فحالما جلسنا في سيارة الأجرة، سمعتها تطلب من السائق أن يأخذنا إلى ساوث ستريت بير، وفكرت:
آليس هذا هو المكان الذي ينطلق الناس منه بالعبارة إلى جزيرة ستيتن؟ وكان تخميني التالي: لقد ابتلعت جرعة من الحبوب بعد الشمبانيا فاختل عقلها.
ت.ك: أخشى أن نكون ذاهبين لركوب المركب، فأنا لا أحمل الدواء المضاد لدوار البحر.
مارلين (تقهقه بسعادة): سنصل رصيف الميناء فقط.
ت.ك: ولكن لماذا؟
مارلين: أحب هذا المكان. رائحته غريبة، وأريد أن أطعم النوارس
ت.ك: ماذا تطعمينها. ليس لديك ما تقدمينه لها.
مارلين: نعم، حقيبتي مليئة ببقايا الطعام الطيبة. لقد حملتها من المطعم.
ت.ك: (محاولا إغاظتها): أووه! حين كنت في الحمام فتحتها واستبدلت ما بها بأشياء وسخة.
مارلين: تبا لك. بقايا وسخة؟
ت.ك: أنا متأكد أن النوارس لن تمانع.
(سلكنا طريقنا عبر ضاحية باوري مررنا بمحلات الرهونات ومراكز تبرع الدم وأكواخ صغيرة تؤجر بخمسين فلسا وفنادق بدولار واحد للسرير وبارات للبيض وأخرى للسود.
المتسولون في كل مكان، متسولون شباب وكبار في السن، متسولون يجلسون على الأرصفة، ووسط الزجاج المكسر والنفايات المقرفة، متسولون يتجمعون في مداخل البيوت مثل البطاريق.
حين توقفنا عند إحدى إشارات المرور، اقترب منا ما يشبه الفزاعة بأنف قرمزي اللون وبدأ بمسح زجاج السيارة بخرقة مبللها تمسك بها يد مرتعشة. احتج سائق السيارة صارخا ببعض الكلمات النابية باللغة الايطالية).
مارلين: ما هذا؟ ما الذي يجري؟
ت.ك يريد إكرامية مقابل تنظيف الزجاج
مارلين: (وهي تخفي وجهها بحقيبتها) شيء مرعب! لا أستطيع تحمله. اعطه شيئا ما بسرعة. أرجوك.
(لكن السيارة كانت قد تحركت وهي توشك أن تصدم الرجل! مارلين كانت تبكي) أنا مريضة.
ت.ك: تريدين التوجه إلى البيت؟
مارلين: كل شيء مدمر
ت.ك: سآخذك إلى البيت
مارلين: اصبر علي دقيقة سيكون كل شيء على ما يرام.
(وهكذا انطلقنا إلى ساوث ستريت، وظهرت عبارة من هناك بانت خلفها بروكلين عند خط الأفق خلف الماء، بينما كانت النوارس تتمايل وتنقض بيضاء على أفق بحري ارتسمت عليه بعض الغيوم وكأنها قطع من الصوف المتباعدة - لوحة سرعان ما أعادت لها حيويتها.
حين خرجنا من السيارة رأينا رجلا يجر كلبا صينيا مربوطا يسير متجها نحو العبارة. حين مررنا بهما، توقفت صديقتي لتربت على رأس الكلب).
الرجل (بطريقة صارمة وخالية من الود): لا يجوز أن تلمسي الكلاب الغريبة. وخصوصا الصينية منها. قد تعضك.
مارلين: الكلاب لا تعضني أبدا. البشر فقط يفعلون ذلك.
ما اسمه؟.
الرجل: فو مانشو.
مارلين: (مقهقهة): أوه، تماما كما في الأفلام. شيء ظريف
الرجل: ما اسمك؟
مارلين: اسمي؟ مارلين
الرجل: توقعت ذلك لن تصدقني زوجتي. ممكن أن أحصل على توقيعك.
(وقدم لها بطاقة عمل وقلما، مستخدما حقيبتها كسند تكتب عليه، فكتبت: ليباركك الله - مارلين مونرو).
مارلين: شكرا.
الرجل: شكرا، سأعود إلى المكتب لعرضها هناك.
(تابعنا سيرنا حتى حافة رصيف الميناء حيث أخذنا نسمع ارتطام الماء به).
مارلين: كنت أنا الذي أطلب تواقيع (أوتوغراف) الآخرين.
وبعض الأحيان لا أزال أطلبها السنة الماضية كان كلارك غيبل يجلس إلى جانبي في مطعم تشيزن فطلبت منه أن يوقع على منديل المائدة.
(وهي تتكيء على دعامة لربط المراكب، أبرزت صورة: غالاتي يستعرض مسافات لا حدود لها. نسمات خفيفة داعبت شعرها. أدارت وجهها نحوي وهي في حالة من الرقة البالغة، وكأن النسمات الرقيقة خلقتها).
ت.ك: متى سنطعم الطيور؟ أنا جائع، أيضا. تأخر الوقت ولم نتناول الغداء.
مارلين: تذكر، قلت لك إن سألك أحد ما عن جمالي، كيف كانت مارلين مونرو فعلا - بم ستجيبهم؟ (كانت نبرتها ملحة وساخرة، لكنها جادة أيضا: كانت تريد جوابا صادقا) أراهن أنك ستقول إني كنت غليظة الطباع.
ت.ك: بالطبع. ولكن سأقول أيضا...
(كان النور يتلاشى. بدت وكأنها تغيب معه، تمتزج بالسماء والغيوم، وتتراجع وراءها. أردت أن أرفع صوتي فوق صيحات النوارس كي أقول لها: مارلين! مارلين لماذا كان مقدرا أن تجري الأمور كلها كما جرت؟ ولماذا الحياة عفنة بهذا الشكل البائس؟)
ت.ك: سأقول...
مارلين: لا أسمعك
ت.ك: سأقول إنك طفلة جميلة.

المكان: كنيسة يونيفرسال فيونيرال هوم في شارع لكسنغتون المشجر في الشارع الثاني والخمسين، مدينة نيويورك. كوكبة من النجوم التي تثير الاهتمام تملأ المقاعد: مشاهير معظمهم يعملون في حقل المسرح العالمي والسينما والأدب، وجميعهم حاضرون لوداع كونستنس كوليير، الممثلة البريطانية المولد التي توفيت في اليوم السابق عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاماً.
ولدت كوليير في العام 1880 وبدأت حياتها المهنية كفتاة لعوب في الأعمال الدرامية المنوعة وانطلقت من هناك لتصبح الممثلة الأبرز في الأعمال الشكسبيرية (وصديقة السير ماكس بيربوم لفترة طويلة وإن لم تتزوجه وربما لهذا السبب استلهمت شخصيتها في بناء شخصية البطلة الشريرة صعبة المنال في رواية السير ماكس »زوليكا دوبسن«)، في النهاية هاجرت إلى الولايات المتحدة حيث رسخت مكانتها كشخصية معتبرة على خشبات مسارح نيويورك وفي سينما هوليوود أيضاً. خلال العقود الأخيرة من حياتها، عاشت في نيويورك حيث عملت كمدربة دراما من مستوى رفيع؛ فلم تكن تستقبل بين طلابها سوى المحترفين، وغالباً المحترفين الذين سبق أن أثبتوا أنهم »نجوم«: كاترين هيبورن كانت تلميذة دائمة، وكانت أودري هيبورن أيضاً ممن حظين برعاية كوليير، وكذلك فيفين لي، ولعدة شهور قبل وفاتها، كان بينهن المبتدئة مارلين مونرو التي كانت كوليير تشير إليها باسم »مشكلتي الخاصة«.
انضوت مارلين مونرو، التي تعرفت عليها عن طريق جون هيوستن، حين كان يخرج أول فيلم ناطق تؤدي فيه دوراً »غابة الاسفلت«، تحت جناح كوليير بناء على اقتراح مني. كنت تعرفت على كوليير قبل حوالي ست سنوات، وأعجبت بها كشخصية حقيقية من الناحية الجسدية والمشاعر والإبداع إضافة إلى أسلوبها المؤثر وصوتها الجهوري الرائع، وكشخصية لطيفة تتمتع بشيء من الخبث مع دفء لا حدود له، ووقار مقرون بالمرح المحبب إلى القلب. كنت أحب التردد إلى حفلات العشاء الصغيرة التي تقيمها في الاستوديو الذي كانت تعمل فيه وسط مانهاتن، كان دائماً لديها الكثير من الحكايات عن مغامراتها كسيدة بارزة مقابل السير بيربوم ترى والممثل الفرنسي الكبير كوكلان، ومشكلاتها مع أوسكار وايلد والشاب شابلن وغاربو في مرحلة السينما السويدية الصامتة في بداياتها. كانت في الحقيقة مصدر بهجة، مثلما كانت سكرتيرتها ومرافقتها المخلصة فيليس ويلبورن، تلك الفتاة الرقيقة التي أصبحت بعد وفاة سيدتها، مرافقة لكاترين هيبورن، عرفتني السيدة كوليير على كثير من الناس الذين أصبحوا أصدقائي: ومنهم عائلة لانت وعائلة أوليفيير، وبشكل خاص الدوس هكسلي. لكني أنا الذي عرفتها على مارلين مونرو، وفي البداية لم تكن حريصة على مثل هذا التعارف. كانت نظرتها خاطئة، لم تكن شاهدت أياً من أفلامها السينمائية، والواقع أنها لم تكن تعرف عنها شيئاً سوى أنها كانت قنبلة جنسية استطاعت اكتساب سوء سمعة عالمية، وباختصار لم تبد المادة الخام التي يمكن للسيدة كوليير أن تعطيها الشكل الكلاسيكي الذي تريده. لكني كنت على قناعة أنهما ستشكلان المزيج الملتهب.
وبالفعل كان ذلك »نعم« قالت لي السيدة كوليير »فيها ما يلفت الانتباه. إنها طفلة جميلة، لا أعني هذا بطريقة واضحة ـ واضحة إلى درجة كبيرة، لاأعتقد أنها ممثلة على الإطلاق، ولا بأي معنى تقليدي، ما تتمتع به ـ أي هذا الحضور، وهذا البريق وهذا الذكاء المتوهج ـ لا يمكن أن يظهر على خشبة المسرح، إنه شيء هش ورقيق، لا يمكن التقاطه إلا بعدسة تصوير، شيء يشبه الطائر الطنان في طيرانه: وعدسة التصوير وحدها قادرة على تثبيت الشعر الموجود فيه، ولكن من يعتقد أن هذه الفتاة مجرد مومس أو شيء من هذا القبيل هو شخص مجنون، ولئن كنا ذكرنا الجنون، فهذا هو الشيء الذي نعمل عليه معاً: مسرحية أوفيليا، أعتقد أن الآخرين سيهزأون بهذه الفكرة، لكنها فعلاً تستطيع أن تؤدي دور أوفيليا في منتهى البراعة، كنت أتحدث مع غريتا قبل أيام وحدثتها عن قيام مارلين بدور أوفيليا فوافقتني الرأي قائلة إنها ترى ذلك لأنها شاهدت اثنين من أفلامها، وكانا سيئين جداً ومبتذلين، لكنها مع ذلك لمست إمكانات مارلين.
وعملياً طرحت غريتا فكرة ممتعة، هل تعلم أنها تريد أن تقدم فيلماً عن دوريان غراي؟ ومعها ستقوم هي بدور دوريان، طبعاً، قالت إن مارلين ستقوم بدور إحدى الفتيات اللواتي يستدرجهن دوريان ويدمرهن، كانت غريتا مثل مارلين كموهبة لم تستثمر بعد ولكنها بالمقابل كانت فنانة في ذروة اكتمال نضجها، فنانة في قمة انضباطها، وأما هذه الطفلة الجميلة، فلم يكن لديها أدنى فكرة عن الانضباط والتضحية، بشكل من الأشكال كانت لدي قناعة أنها لن تعيش طويلاً، قد يكون هذا الكلام سخفاً، لكني مع ذلك أشعر أنها ستموت صغيرة، كنت أتمنى بل أتوسل، لو تعيش وقتاً كافياً لإطلاق تلك الموهبة الغريبة المحببة التي تحوم داخلها كروح حبيسة«.
ولكن السيدة كوليير الآن ميتة، وأنا هنا أتأمل في بهو كنيسة يونيفرسال بانتظار مارلين مونرو، كنا تكلمنا هاتفياً في الليلة السابقة واتفقنا أن نجلس معاً خلال الصلوات التي كان مقرراً أن تبدأ عند الظهر، حتى تلك اللحظة كانت قد تأخرت نصف ساعة، إنها دائماً تتأخر، فكرت في الأمر شيء يدعو للاستياء، وفجأة ظهرت، لكني لم أتعرف إليها إلى أن قالت:
مارلين: أيها الطفل، أنا آسفة جداً، ولكن انظر لقد اتخذت كامل زينتي، ثم رأيت أنه لا يجوز أن أضع رموشاً مستعارة أو أحمر الشفاه، أو أي شيء من هذا القبيل، ولذلك كان علي أن أزيله كله، وتحيرت ماذا ألبس.
ما توصلت لاختياره كان يمكن أن يكون مناسباً لرئيسة دير راهبات في لقاء خاص مع البابا، كان شعرها مغطى كلياً بمنديل حرير أسود، فستانها الأسود كان فضفاضاً وطويلاً، بدا كأنه مستعار، جواربها السوداء الحريرية حجبت شقرة ساقيها الشقراوين النحيلتين، لكن من المؤكد أن رئيسة الدير ما كانت لتلبس ذاك الحذاء الأسود العالي الكعب والمثير للشهوة أو تلك النظارات الواسعة المستديرة التي أضفت مزيداً من الإثارة على اللون الخرنوبي الشاحب لبشرتها البيضاء النضرة).
ت.ك: تبدين رائعة.
مارلين: (وهي تقضم ظفر إبهام بدا كأنه قد مضغ حتى العقلة):
حقاً؟ هل أنا فعلاً جميلة إلى هذه الدرجة؟ أين الحمام؟ لو أستطيع دخوله لبعض الوقت.
ت.ك: لتتناولي جرعة مخدرات؟ (يسمع صوت سيريل ريتشارد).
لقد بدأ حفل التأبين.
(دخلنا المصلى المزدحم على رؤوس أصابعنا وبصعوبة استطعنا الوصول إلى فسحة ضيقة في الصف الخلفي، أنهى سيريل ريتشارد كلامه، وتبعته كاثلين نيسبت، زميلة السيدة كوليير طوال حياتها، وأخيراً تحدث بريان أهيرن إلى المعزين، خلال ذلك كله، كانت حبيبتي تبعد نظارتيها، من حين لآخر، لتمسح الدموع المنهمرة من عينيها الزرقاوين ـ الرماديتين، سبق لي أن رأيتها أحياناً بلا زينة، لكنها اليوم كانت بمثابة تجربة بصرية جديدة، وجه لم يسبق لي أن رأيته، وللوهلة الأولى لم أستطع إدراك سبب هذا الاختلاف، آه! إنه بسبب غطاء الرأس المعتم، فمع اختفاء خصلات شعرها وخلو وجهها من كل مواد التجميل بدت مثل عذراء في بداية نضجها، وقد أدخلت إلى ميتم في حالة حزن شديد بسبب محنتها. في النهاية انتهت الصلوات وبدأ الجمع يتفرق).
مارلين: أرجوك، دعنا نجلس هنا، دعنا ننتظر ريثما يخرج الجميع.
ت.ك: لماذا؟
مارلين: لا أريد التحدث مع أحد لا أعرف ماذا سأقول.
ت.ك: إذن اجلسي هنا، وسأنتظر أنا في الخارج، سأدخن سيجارة.
مارلين: لا تتركني وحدي، دخن هنا.
ت.ك: هنا؟ في المصلى؟
مارلين: لم لا؟ ماذا ستدخن؟ حشيش؟
ت.ك: شيء مضحك، هيا لنخرج.
مارلين: أرجوك هناك كثير من المصورين في الأسفل.
ت.ك: لا ألومك على هذا.
مارلين: قلت إني أبدو رائعة الجمال.
ت.ك: نعم بالتأكيد ـ منتهى الجمال ـ وكأنك تقومين بدور عروس فرنكشتاين.
مارلين: أنت تسخر مني الآن.
ت.ك: هل أبدو كذلك؟
مارلين: تضحك في أعماقك، وهذا أسوأ أنواع الضحك (تقطب حاجبيها وهي تقضم ظفر إبهامها) كان بإكاني أن أضع الماكياج، فكل من رأيتهن كن متجملات.
ت.ك: أنا أضحك فعلاً.
مارلين: فعلاً. إنها مشكلة شعري، أنا بحاجة إلى صبغ، لم يكن لدي الوقت الكافي للحصول على الصباغ، كان شيئاً غير متوقع، موت السيدة كوليير وكل ذلك، أليس كذلك؟
(رفعت منديلها لتظهر حافة سوداء عند مفترق شعرها).
ت.ك: كم أنا مسكين ساذج، كل هذا الوقت وأنا أعتقد أنك شقراء حقيقية.
مارلين: أنا فعلاً، ولكن ليس هناك من هو طبيعي بشكل كامل.
ت.ك: لا بأس، الجميع خرجوا. هيا بنا.
مارلين: المصورون لايزالون هناك، أنا متأكدة من ذلك.
ت.ك: إذا كانوا لم يتعرفوا عليك عند دخولك، فلن يعرفوك وأنت تغادرين.
مارلين: أحدهم عرفني، لكني تسللت عبر الباب قبل أن يبدأ بأي عمل.
ت.ك: لابد أن هناك باباً خلفياً، يمكننا استخدامه.
مارلين: لا أريد أن أرى أية جثث.
ت.ك: ولماذا نراها؟
مارلين: إنها قاعة جنائزية، لابد أن هناك جثثاً في مكان ما، هذا ما أحتاجه في هذا اليوم، أن أتجول في غرفة مليئة بالجثث، اصبر. سنذهب إلى مكان نتناول فيه زجاجة شمبانيا.
(وهكذا جلسنا وتحدثنا فقالت مارلين: أكره الأجواء الجنائزية، ويسعدني أني لن أحضر جنازتي، لا أريد أن تقام لي جنازة ـ أريد أن يقوم أحد أولادي ـ إن صار لي أولاد ـ بنثر رماد جثتي فوق إحدى الأمواج، ما كنت سأحضر هذا اليوم لولا أن السيدة كوليير هي التي اهتمت بي ورعتني، وكانت تماماً مثل جدتي، جدة صارمة، لكنها علمتني الكثير، لقد علمتني كيف أتنفس، استفدت من ذلك كثيراً، وليس في التمثيل فقط، هناك حالات يكون فيها التنفس مشكلة حين سمعت برحيل السيدة كوليير، فكرت للوهلة الأولى، ماذا سيكون مصير فيليس؟ كانت السيدة كوليير كل شيء في حياتها، ولكن علمت أنها تنوي العيش مع السيدة هيبورن، محظوظة فيليس، ستتمتع بحياتها الآن. أتمنى لو أكون مكانها في هذه اللحظة، هيبورن سيدة رائعة، أتمنى لو أنها صديقتي، وهكذا كنت أستطيع التحدث إليها هاتفياً بين حين وآخر، مجرد التحدث معها«.
تكلمنا عن حبنا الكبير لنيويورك وكرهنا للوس انجليس (مع أني ولدت هناك، لاأزال عاجزاً عن إيجاد أي شيء إيجابي يمكنني التحدث عنه، وإذا ما أغمضت عيني، وتصورت لوس انجليس، فكل ما أراه ليس إلا عرق دم أصابه مرض الدوالي) تحدثنا عن الممثلين والتمثيل (كل يقول لا أستطيع التمثيل، قالوا الشيء ذاته عن اليزابيث تايلور، وكلهم كانوا مخطئين، كانت رائعة في فيلم »مكان تحت الشمس«، بعمري لن أحصل على الدور المناسب، الدور الذي أريده حقاً، مظهري ليس في مصلحتي، له خصوصيته الشديدة)، وتحدثنا أكثر عن اليزابيث تايلور، وأرادت أن تعرف إن كنت أعرفها، فقلت لها نعم، فأضافت: كيف شكلها، صفها لي بدقة، فقلت لها: تشبهك إلى حد ما، إنها صريحة وحديثها عذب، فقالت مارلين: اللعنة، لو سألني أحد ما: ما هي صفات مارلين مونرو، ماذا سأقول، فأجبتها: سأفكر في هذا الأمر).
ت.ك: والآن هل تعتقدين أن بإمكاننا الخروج من هذا المكان البائس، وعدتني بالشمبانيا، هل تذكرين؟
مارلين مونرو: أتذكر، لكن ليس لدي نقود.
ت.ك: دائماً تتأخرين ولا تحملين نقوداً، هل أنت موهومة أنك الملكة اليزابيث؟
مارلين: من؟
ت.ك: الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا.
مارلين: (مقطبة حاجبيها) ما هذا الهراء الذي تقوله؟
ت.ك: الملكة اليزابيث لا تحمل نقوداً أيضاً، هذا غير مسموح لها، لا يجوز للنقود الوسخة أن تلوث الكف الملكية، إنها شيء تافه.
مارلين: أتمنى لو يصدر قانون من هذا النوع من أجلي.
ت.ك: تابعي سلوكك هذا فقد يصدرون مثل هذا القانون.
مارلين: حسناً، كيف تدفع ما عليها حين تذهب للتسوق؟
ت.ك: وصيفتها تتجول معها حاملة حقيبة مليئة بالنقود.
مارلين: أراهن أنها تحصل على كل ما تريده مجاناً، مقابل موافقات تمنحها.
ت.ك: ممكن جداً، لا يفاجئني ذلك، وقد يكون ذلك كله لجلالتها، مثل كلاب كورغي وسلع من محلات فورتنام أندماسون وقدور طبخ وواقيات ذكرية.
مارلين: وما حاجتها للواقيات؟
ت.ك: ليس لها، أيتها الحمقاء، من أجل ذاك المخدوع الذي يسير وراءها، الأمير فيليب.
مارلين: آه، فهمت إنه ظريف، هل أخبرتك عن ايرول هول حين عزف البيانو؟ حصل ذلك قبل مائة عام حين حضرت ذاك الحفل البذيء، وكان ايرول فلين مزهواً بنفسه، خبط المفاتيح، وعزف »أنت شمسي المشرقة« ياللمسيح! الجميع يقولون إن ملتون بيرل الأكثر جاذبية في هوليوود، ولكن هل هذا مهم؟ هل معك أية نقود؟
ت.ك: ربما بحدود خمسين دولاراً.
مارلين: كافية لشراء بعض الشمبانيا.
(في الخارج، كان شارع لكسنغتون المشجر خالياً إلا من بعض المارة الذين لا يشكلون مصدر إزعاج، كان الوقت حوالي الثانية بعد ظهر يوم لطيف من أيام أبريل كما تشتهيه النفس: طقس مثالي للمشي، ولذلك تحركنا على مهل نحو الشارع الثالث، بعض المغفلين تلفتوا نحونا، ليس لأنهم عرفوا مارلين، وإنما بسبب جمال ملابس الحداد التي ترتديها، أطلقت قهقهتها الرقيقة المعهودة، كان صوتاً مغرياً مثل رنين أجراس عربة »المزاج الطيب«، ثم قالت: »ربما كان من الأفضل أن أرتدي دائماً مثل هذه الملابس، لا أحد يعرفني«.
مع اقترابنا من صالون بي.جي كلارك، اقترحت عليها دخوله لأخذ قسط من الراحة، لكنها اعترضت »إنه مليء بالمعلنين المزعجين، والكلبة دورني كيلغالن غالباً ما تحضر بشكل مفاجئ، وكيف سيكون الحال مع هؤلاء الايرلنديين؟ مزعجة طريقتهم في الشرب، إنهم أسوأ من الهنود«.
شعرت أني مطالب بالدفاع عن كيلغالن، التي كانت صديقتي، بشكل ما، وذكرت كم كانت امرأة ذكية مرحة، قالت: »ليكن، فقد كتبت عني أشياء خبيثة، لكن كل هؤلاء النسوة يكرهنني، هيدا ولويلا، أعرف أن من المفترض بك أن تقول ذلك، أما أنا فلا أستطيع، إنه شيء مؤذ، ماذا فعلت لهؤلاء العجائز الخبيثات؟ الوحيد الذي قال فيّ كلمة محترمة هو سيدني سكولسكي. لكنه رجل. الرجال يعاملونني بإنصاف، وكأني كائن بشري. على الأقل يمنحونني فرصة الاستفادة من حالة الشك. بوب توماس رجل محترم، وكذلك جاك أوبريان.
أخذنا ننظر إلى نوافذ محلات بيع التحف القديمة، في إحداها صينية تحوي خواتم قديمة، فقالت مارلين: (أشياء جميلة، اللآلئ الصغيرة المشبعة بالحمرة.أتمنى لو أستطيع لبس الخواتم، لكن أكره أن ينظر الناس إلى يدي. إنهما سمينتان جدا. يدا اليزابيث تايلور سمينتان أيضا. ولكن مع وجود عينيها، من سينظر إلى يديها؟ أحب أن أرقص عارية أمام المرآة وأراقب حلمتي تتقافزان. ليس فيهما أي عيب. ولكن كنت أتمنى لو لم تكن يداي سمينتين بهذا الشكل.
في نافذة أخرى، كان هناك ساعة صدر أنيقة دفعتها إلى القول (لم يكن لي بيت في يوم من الأيام. أعني بيتا حقيقيا يحوي كل ما أريده من أثاث.
إذا ما تزوجت مرة أخرى، وحصلت على مبلغ كبير من المال، فسوف استأجر شاحنتين وآخذهما إلى الشارع الثالث لأشتري كل ما يخطر ببالي من هذه الأشياء العجيبة. سأشتري دزينة من ساعات الصدر وأضعها في صف واحد في احدى الغرف وأتركها تصدر تكتكاتها في وقت واحد. شيء سيمنحني إحساسا حقيقيا بدفء البيت، ألا تظن ذلك؟).
مارلين: انظر عبر الشارع.
ت.ك: ماذا؟
مارلين: انظر إلى اللوحة بجانب النخلة، لا بد أنه صالون لقراءة البخت.
ت.ك: هل ترغبين في ذلك؟
مارلين: لا بأس، لنلق نظرة.
(لم يكن المكان مريحا فعبر نافذة ملوثة، رأينا غرفة عارية فيها سيدة غجرية نحيلة، طويلة الشعر تجلس على كرسي قماشي تحت مصباح شديد الإضاءة يتدلى من السقف وينشر وهجا مزعجا جدا، كانت تحيك زوجا من جوارب الأطفال، فلم تأبه لنظراتنا. مع ذلك شرعت مارلين بالدخول، ثم غيرت رأيها.)
مارلين: أحيانا أحب أن أعرف ماذا سيحدث.
لكن سرعان ما أقول أنه من الأفضل أن لا أعرف.
هناك شيئان أريد معرفتهما، مع ذلك. الأول إن كنت سأفقد بعض وزني.
ت.ك: والأمر الآخر؟
مارلين: هذا سر.
ت.ك: الآن، الآن. لا مكان للأسرار هذا اليوم إنه يوم حزن، والحزانى يتشاركون في أكثر أفكارهم خصوصية.
مارلين: يتعلق برجل. هناك شيء أريد معرفته.
ولكن هذا كل ما سأقوله. إنه سر فعلا (وقلت في سري: هذا ما تفكرين به. سأجعلك تقولينه).
ت.ك: أنا مستعد لشراء الشمبانيا.
(في الشارع الثاني انتهينا إلى مطعم صيني مهجور تزينه زخارف بسيطة لكن فيه بار مريح، طلبنا زجاجة من نوع MUMM وصلتنا غير باردة، وبدون سطل، لذلك شربناها بسرعة من كؤوس طويلة مع مكعبات الثلج.)
مارلين: شيء جميل. كأننا في موقع التصوير - هل تحب أماكن التصوير. أنا لا أحبها بالتأكيد.
ت.ك: حدثيني عن حبيبك السري.
مارلين: (صمت)
ت.ك: (صمت)
مارلين: (تقهقه)
ت.ك: (صمت)
مارلين: تعرف كثيرا من النساء. من الأجمل فيمن تعرفهن؟
ت.ك: بلا منازع. باربا بالي. وبكل بساطة.
مارلين: (تقطب حاجبيها): هل هي التي يسمونها (بيبي)؟
إنها لا تبدو كذلك بالنسبة لي. رأيتها في مجلة (فوغ) إنها جميلة ومحببة، مجرد النظر إلى صورها يجعلني أشعر بالبهجة.
ت.ك: سيسرها سماع ذلك منك. إنها تغار منك كثيرا.
مارلين: تغار مني؟ عدت إلى المزاح مرة أخرى.
ت.ك: أبدا! فعلا تغار منك
مارلين: ولكن لماذا؟
ت.ك: بسبب إحدى الصحفيات، كيلغالن على ما أظن، فقد كتبت زاوية ذكرت فيها: (تقول الشائعات إن السيدة ديماجيو حددت موعدا مع واحد من أهم العاملين في التلفزيون ولم يكن هذا اللقاء لمناقشة قضايا العمل). وقد قرأت الزاوية وصدقتها.
مارلين: صدقت ماذا؟
ت.ك: أن زوجها يقيم علاقة حب معك. وليم س. بالي الذي يعد من أهم الرجال في العمل التلفزيوني.
إنه مولع بالشقراوات. وبالسمراوات ايضا.
مارلين: هذا سخف. لم ألتق هذا الرجل في حياتي.
ت.ك: أصدقيني القول. هذا الحبيب السري هو وليم س. بالي، أليس كذلك؟
مارلين: لا. إنه كاتب. نعم كاتب.
ت.ك: لا يختلف الأمر كثيرا. عرفت الآن شيئا ما. إذن حبيبك كاتب. ربما كان كاتبا مغمورا وتخجلين من ذكر اسمه.
مارلين (غاضبة بشدة): ماذا يمثل الحرف »S«؟
ت.ك: »S« ما معنى »S«
مارلين: حرف »S« في اسم William S Paley
ت.ك: آه، هذه الـ »S« لا تمثل شيئا. لقد وضعها هنا للمظهر فقط.
مارلين: إنها حرف أول من اسم لا وجود له؟ يا إلهي.
لا بد أن السيد بالي يشعر بشيء من عدم الأمان.
ت.ك: إنه كثير الاختلاجات. ولكن لنعد إلى كاتبنا المجهول.
مارلين: كفاك. هذا أمر لا تفهمه. سأخسر الكثير.
ت.ك: نادل، زجاجة أخرى، من فضلك.
مارلين: هل تحاول الاستفادة من زلة لساني؟
ت.ك: نعم، سأقول لك شيئا. سنبرم صفقة سأحكي لك حكاية، فإذا كانت ممتعة، يمكن أن نناقش مسألة صديقك الكاتب.
مارلين: عم تتحدث حكايتك؟
ت.ك: إيرول فلين
مارلين: (صمت)
ت.ك : (صمت)
مارلين: (بامتعاض): هيا، تابع.
ت.ك: تتذكرين قولك عن ايرول؟ كم كان سعيدا بنفسه؟ أنا أصدق ذلك. فقد أمضينا أمسية حميمة معا. هل تفهمين ما أعني.
مارلين: هذا من اختلاقك. تريد أن تجرني إلى الكلام.
ت.ك: أتحدث بقصد شريف. (صمت، لكني لمست أنها بدأت تستجيب، وهكذا بعد إشعال سيجارة...) حسنا، حصل هذا حين كنت في الثامنة عشرة من عمري، ربما التاسعة عشرة. كان ذلك خلال الحرب. شتاء عام ???? . في تلك الليلة كانت كارول ماركوس، وربما كان اسمها قد أصبح كارول سارويان، تحيي حفلا على شرف إحدى صديقاتها العزيزات، غلوريا فاندربيلت. أقامت الاحتفال في شقة والدتها في بارك افنيو. كان حفلا كبيرا. حضره حوالي خمسين شخصا. حوالي منتصف الليل دخل ايرول فلين وصاحبه، شخص متعجرف تافه الحديث يدعى فريدي ماكيفوي. كانا حسني المظهر.
على كل حال، بدأ ايرول يترثر معي، كان مبتهجا كنا نتمازح. وفجأة قال إنه يريد الذهاب إلى ال موروكو، وكنت أرغب في الذهاب معه ومع صاحبه ماكيفوي. وافقت، لكن ماكيفوي رفض أن يترك الاحتفال وكل هؤلاء الفتيات، وغادرت أنا وإيرول فقط. لكنا لم نذهب إلى إل موروكو.
ركبنا سيارة أجرة إلى غرامرسي بارك، حيث أمتلك شقة من غرفة واحدة. وبقي هناك حتى ظهر اليوم التالي.
مارلين: وكم ترى نسبة الصدق في هذه القصة على مقياس من واحد إلى عشرة؟
ت.ك: بصراحة، لو لم يكن ايرول فلين موجودا، لما كنت تذكرتها.
مارلين: ليست قصة ذات قيمة. لا تساوي قصتي - هذا إن حكيتها لك.
ت.ك: أيها النادل، أين الشمبانيا؟ اثنان ينتظرانك في حالة عطش هنا.
مارلين: كأنك لم تخبرني شيئا جديدا. كنت دائما أعرف أن ايرول ليس مستقيما في سلوكه. عندي مد لك علاقتي به وثيقة جدا. وكان مدلك تيرون باور أيضا، فأخبرني عن كل شيء كان يجري بين ايرول وتيرون باور.
كان عليك أن تجد قصة أفضل.
ت.ك: تفرضين شروطا صعبة.
مارلين: استمع اليك. اسمعني أفضل ما لديك من هذا القبيل.
ت.ك: الأفضل؟ ما يمكن تذكره أكثر؟ افترضي أنك تجيبين على السؤال أولا.
مارلين: وتقول إني أجيد عقد الصفقات! آه (وهي تبتلع الشمبانيا) جو شخص رائع. إذا استمرت الأحوال كما هي، سنظل زوجين. ماأزال أحبه، مع ذلك. إنه رائع.
ت.ك: الأزواج لا يحسب حسابهم على الأقل في مثل هذه اللعبة مارلين (تقضم ظفهرها وهي تفكر بعمق): حسنا، واجهت رجلا، تربطه صلة ما بغاري كوبر، يعمل سمسارا في سوق الأوراق المالية، ليس فيه ما يلفت الانتباه ـ عمره 65 سنة، ويضع على عينيه نظارتين سميكتين جدا، سميكتان كهلام البحر. لا أستطيع تحديد نوعيتهما، لكن...
ت.ك: يمكن التوقف هنا. عرفت عنه كل شيء من فتيات اخريات. هيا السياف العجوز يدور حولك فعلا.
اسمه بول شيلدز. إنه زوج والدة روكي كوبر. يفترض أن يثير الاهتمام.
مارلين: إنه كذلك، تيس لطيف. دورك الآن.
ت.ك: انسي الأمر. سأقول لك شيئا مهما. فأنا أعرف أن اعجوبتك المقنعة هو: آرثر ميلر (أخذت نظارتيها السوداوين): أيها الولد الشقي: لقد أصبت، ووو!) لقد خمنت اسمه حالما قلت إنه كاتب.
مارلين: (متعلثمة): ولكن كيف؟ أعني، ما من أحد... أعني، بالتأكيد لا أحد...
ت.ك: على الأقل قبل ثلاث، وربما أربع سنوات إرفينغ دروتمان
مارلين: إرفينغ ماذا؟
ت.ك: دروتمان. إنه كاتب في هيرالد تريبيون. أخبرني أنك كنت تضيعين وقتك مع آرثر ميلر. تمسكي به.
كنت على درجة عالية جدا من سمو الأخلاق تمنعني من ذكر ذلك فيما مضى.
مارلين: كنت جنتلمان! يا ابن الحرام (تتعلثم مرة أخرى. ولكن مع إعادة النظارتين إلى عينيها). لا تعرف شيئا. حصل هذا منذ زمن طويل. وانتهى. لكن هذا جديد. كل شيء مختلف الآن، و....
ت.ك: لكن لا تنسي دعوتي إلى حفل الزفاف.
مارلين: إن تحدثت عن هذا، سوف أقتلك.
سأقضي عليك. أعرف شخصين مستعدين لتقديم هذه الخدمة لي.
ت.ك: لا أشك في هذا لحظة واحدة
(وأخيرا أحضر النادل الزجاجة الثانية).
مارلين: قل له أن يعيدها. ما عدت أرغب في الشراب.
أريد الخروج من هذا المكان البائس.
ت.ك: آسف إن كنت تسببت في ازعاجك.
مارلين: لست منزعجة.
(لكنها كانت منزعجة. ذهبت إلى الحمام، فتمنيت لو معي كتاب أقرأه: زياراتها إلى الحمامات تستغرق وقتا أطول من فترة حمل الفيلة.
بتثاقل، ومع مرور الزمن، أخذت أتساءل إن كانت تتناول حبوبا مخدرة أم منشطة. مخدرة بلا شك. كان هناك صحيفة بالقرب مني، أخذتها، كانت باللغة الصينية. بعد مرور عشرين دقيقة، قررت البحث عنها، فربما أخذت جرعة قاتلة، أو جرحت معصمها. وجدت الغرفة الخاصة بالنساء، كانت تقف أمام مرآة خفيفة الإضاءة.
قلت لها (ماذا تفعلين؟) أجابت (أنظر إلى نفسي) والواقع أنها كانت تضع على شفتيها أحمر شفاه بلون الياقوت. وكانت قد خلعت عن رأسها المنديل الأسود وسرحت شعرها اللامع الجميل الناعم كالقطن.
مارلين: أرجو أن يكون بقي لديك ما يكفي من النقود.
ت.ك: ما يكفي لماذا؟ ما معي لا يكفي لشراء لؤلؤ، إن كان هذا ما تريدينه لارضائك.
مارلين: (مقهقهة، وقد استعادت صفاء مزاجها. قررت أن لا أعود إلى ذكر آرثر ميلر): لا. ليس لشراء اللؤلؤ، فقط ما يكفي لأجرة سيارة في مشوار طويل.
ت.ك: أين سنذهب ـ هوليوود؟
مارلين: يا للجحيم، لا. إلى مكان أحبه. وستعرف حين نصل هناك.
(لم يكن هناك حاجة للانتظار طويلا. فحالما جلسنا في سيارة الأجرة، سمعتها تطلب من السائق أن يأخذنا إلى ساوث ستريت بير، وفكرت:
آليس هذا هو المكان الذي ينطلق الناس منه بالعبارة إلى جزيرة ستيتن؟ وكان تخميني التالي: لقد ابتلعت جرعة من الحبوب بعد الشمبانيا فاختل عقلها.
ت.ك: أخشى أن نكون ذاهبين لركوب المركب، فأنا لا أحمل الدواء المضاد لدوار البحر.
مارلين (تقهقه بسعادة): سنصل رصيف الميناء فقط.
ت.ك: ولكن لماذا؟
مارلين: أحب هذا المكان. رائحته غريبة، وأريد أن أطعم النوارس
ت.ك: ماذا تطعمينها. ليس لديك ما تقدمينه لها.
مارلين: نعم، حقيبتي مليئة ببقايا الطعام الطيبة. لقد حملتها من المطعم.
ت.ك: (محاولا إغاظتها): أووه! حين كنت في الحمام فتحتها واستبدلت ما بها بأشياء وسخة.
مارلين: تبا لك. بقايا وسخة؟
ت.ك: أنا متأكد أن النوارس لن تمانع.
(سلكنا طريقنا عبر ضاحية باوري مررنا بمحلات الرهونات ومراكز تبرع الدم وأكواخ صغيرة تؤجر بخمسين فلسا وفنادق بدولار واحد للسرير وبارات للبيض وأخرى للسود.
المتسولون في كل مكان، متسولون شباب وكبار في السن، متسولون يجلسون على الأرصفة، ووسط الزجاج المكسر والنفايات المقرفة، متسولون يتجمعون في مداخل البيوت مثل البطاريق.
حين توقفنا عند إحدى إشارات المرور، اقترب منا ما يشبه الفزاعة بأنف قرمزي اللون وبدأ بمسح زجاج السيارة بخرقة مبللها تمسك بها يد مرتعشة. احتج سائق السيارة صارخا ببعض الكلمات النابية باللغة الايطالية).
مارلين: ما هذا؟ ما الذي يجري؟
ت.ك يريد إكرامية مقابل تنظيف الزجاج
مارلين: (وهي تخفي وجهها بحقيبتها) شيء مرعب! لا أستطيع تحمله. اعطه شيئا ما بسرعة. أرجوك.
(لكن السيارة كانت قد تحركت وهي توشك أن تصدم الرجل! مارلين كانت تبكي) أنا مريضة.
ت.ك: تريدين التوجه إلى البيت؟
مارلين: كل شيء مدمر
ت.ك: سآخذك إلى البيت
مارلين: اصبر علي دقيقة سيكون كل شيء على ما يرام.
(وهكذا انطلقنا إلى ساوث ستريت، وظهرت عبارة من هناك بانت خلفها بروكلين عند خط الأفق خلف الماء، بينما كانت النوارس تتمايل وتنقض بيضاء على أفق بحري ارتسمت عليه بعض الغيوم وكأنها قطع من الصوف المتباعدة - لوحة سرعان ما أعادت لها حيويتها.
حين خرجنا من السيارة رأينا رجلا يجر كلبا صينيا مربوطا يسير متجها نحو العبارة. حين مررنا بهما، توقفت صديقتي لتربت على رأس الكلب).
الرجل (بطريقة صارمة وخالية من الود): لا يجوز أن تلمسي الكلاب الغريبة. وخصوصا الصينية منها. قد تعضك.
مارلين: الكلاب لا تعضني أبدا. البشر فقط يفعلون ذلك.
ما اسمه؟.
الرجل: فو مانشو.
مارلين: (مقهقهة): أوه، تماما كما في الأفلام. شيء ظريف
الرجل: ما اسمك؟
مارلين: اسمي؟ مارلين
الرجل: توقعت ذلك لن تصدقني زوجتي. ممكن أن أحصل على توقيعك.
(وقدم لها بطاقة عمل وقلما، مستخدما حقيبتها كسند تكتب عليه، فكتبت: ليباركك الله - مارلين مونرو).
مارلين: شكرا.
الرجل: شكرا، سأعود إلى المكتب لعرضها هناك.
(تابعنا سيرنا حتى حافة رصيف الميناء حيث أخذنا نسمع ارتطام الماء به).
مارلين: كنت أنا الذي أطلب تواقيع (أوتوغراف) الآخرين.
وبعض الأحيان لا أزال أطلبها السنة الماضية كان كلارك غيبل يجلس إلى جانبي في مطعم تشيزن فطلبت منه أن يوقع على منديل المائدة.
(وهي تتكيء على دعامة لربط المراكب، أبرزت صورة: غالاتي يستعرض مسافات لا حدود لها. نسمات خفيفة داعبت شعرها. أدارت وجهها نحوي وهي في حالة من الرقة البالغة، وكأن النسمات الرقيقة خلقتها).
ت.ك: متى سنطعم الطيور؟ أنا جائع، أيضا. تأخر الوقت ولم نتناول الغداء.
مارلين: تذكر، قلت لك إن سألك أحد ما عن جمالي، كيف كانت مارلين مونرو فعلا - بم ستجيبهم؟ (كانت نبرتها ملحة وساخرة، لكنها جادة أيضا: كانت تريد جوابا صادقا) أراهن أنك ستقول إني كنت غليظة الطباع.
ت.ك: بالطبع. ولكن سأقول أيضا...
(كان النور يتلاشى. بدت وكأنها تغيب معه، تمتزج بالسماء والغيوم، وتتراجع وراءها. أردت أن أرفع صوتي فوق صيحات النوارس كي أقول لها: مارلين! مارلين لماذا كان مقدرا أن تجري الأمور كلها كما جرت؟ ولماذا الحياة عفنة بهذا الشكل البائس؟)
ت.ك: سأقول...
مارلين: لا أسمعك
ت.ك: سأقول إنك طفلة جميلة.



منقول
4
956

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ربي اغفرلي
ربي اغفرلي
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
ديره وفا
ديره وفا
هههههههههههههه حاولت اقراها بس يوم شفت شطولها فشلت ههههههههههههه عجزانه بس سويت لها كوبي بقراها انشاء الله وارجع لج بالرد انتظريني ×
*درة البحر*
*درة البحر*
ديره وفا اذا قريتيها قوليها لى باختصار هههههههه
تسلمين حبيبتى راح اسويها حلقات كل يوم حلقه ماشاء الله طويله بس لى رجعه ....
ديره وفا
ديره وفا
دره بحر ترقبي الحلقه الاولى الاسبوع الجاي ...:)
الاسبوع في حلقتين السبت والاربعا ...