لدينا عادة سيئة نحن المصريين وهي أننا عندما يعرف أحدنا أو يحالفه حظه ويفهم أمرا أو مسألة عويصة الفهم فهو يبدأ في التشدق بمعرفته وبعقليته الفذة الجهنمية الجبارة وإلمامه بكل أمور وأسرار الكون من أول هجرة الطيور وحتى محفزات التفاعلات الكيميائية!
والأغرب من ذلك أن هذا المرض يزداد حدة كلما قصرت مدة إدراكه أو فهمه للأمور بمعنى أنه لو ظل لفترة يعاني مثلك ومثلي ومثل الجميع من عدم فهمه لشيء مستجد فما أن يمن الله عليه بمن يفهمه ويفتح له أبواب عقله المغلقة بالترابيس حتى يجهر بصوته بأن المسألة في منتهى التفاهة ويتعجب كيف لم يتوصل عقلك السقيم إلى فهمها وهي أمر في منتهى السهولة وتبدأ في رؤية شبح ابتسامة الظافر عندما يشعر بأنه أحاط بأمر لم يحط به غيره وترى الشماتة في عينيه ولا يكلف خاطره كي يواريها فتظهر واضحة كضوء الشمس في أغسطس، وهو يرى عجزك عن استيعاب الأمر الذي فهمه لتوه ويبدأ في إمطارك بعبارات من نوعية: "ركز بس شوية.. مش عارف إنت ازاي مش قادر تفهم!".."دي حاجة سهلة ازاي عقلك مش مستوعبها؟!"
وتجده يلتفت حوله باحثا بشغف عن نظرات الإعجاب كي يرضي غروره ويسمع الإطراء على ذكائه وعبقريته كي يكمل الصورة التي يراها عن نفسه وأنه قادم لتوه بطائرة نفاثة من وادي عبقر!
للتوضيح أكثر خد عندك شوية الأمثلة دي.. لو كنت طالبا في كلية أو مدرسة أو حتى كي جي وان وليس تو.. والتففت أنت وزملاؤك حول إحدى المسائل التي عجزت عقلياتكم عن إيجاد حل لها رغم الشرح العبقري –طبعا عبقري!- وبعد أن يعصر كل منكم خلايا عقله ويشحذ آخر طاقة لديه، ثم يستسلم ويدرك عجزه التام، إذ فجأة ينطلق أحدهم الذي حالفه الحظ والتوفيق الإلهي لفك شفرة المسألة العويصة ويبدأ في توضيح الأمر لكم وإزالة غموضه والابتسامة تكاد تلتهم ملامح وجهه مبديا تعجبه من غباء باقي أفراد المجموعة وكيف لم يستوعبوا الأمر مع أنه كان يفهمه منذ البداية، إنما فقط أراد أن يعطيهم الفرصة ولكن غباءهم لم يجعله يستطيع انتظار المزيد!.. ترى حينها الزهو يسيل أنهارا، وهو يبدأ في الشرح وتنتفخ أوداجه -التي لا أعلم موقعها لكنها تنتفخ!- حتى يوشك على التحليق.. وويل لمن يجسر على سؤاله أو يعلن عدم فهمه وطلبه لمزيد من الشرح فستسمع ما لا يسرك وسيوضح لك بدقة مكان غدة الغباء في جسدك.
لو ابتعدنا عن العلم والمدارس -ومن المفضل أن نبتعد عنها- لننتقل للحياة العامة تجد أن هذا المرض يأخذ أعراضا متعددة فتجد أحدا لم يسمع طيلة حياته عن أحد الكتاب أو المطربين المشهورين وعندما يصادف أن يسمع اسمه فقط، وقد تكون أنت من أخبره باسمه، تراه يكاد يهرول في الطرقات ليستوقف الناس ويخبرهم بمعلوماته الفذة عن هذه الشخصية. ولو صادف وسُئل عنه في أحد الاجتماعات ستندهش عندما تراه يمدح ذلك الكاتب وكتبه رغم أنه لا يعرف حتى عناوينها، ويشرح كيف أنه يعرفه منذ عصر بناة الأهرام وتكاد تكون معرفة شخصية! حتى لو كان هذا الكاتب أو المطرب توفاه الله منذ عقود فكلامه كفيل بأن يجعل المجموعة كلها تشك في موته! وبالطبع أنت بجواره تقف مسكينا صامتا كالأسماك وفاغرا فاهك من الصاعقة وأنت تراه يلهث من فرط الحماسة في الكلام عن ذلك الشخص الذي سمع اسمه فقط منك منذ لحظات!
والذي يدهشك أن تلك الأعراض يصاحبها ثقة شديدة بالنفس تجعلك تشك في نفسك شخصيا غير أن صاحب تلك الأعراض يتمتع بشجاعة نادرة تمكنه من الحديث عن أمر لا يعرف عنه سوى القشور، لكن ثرثرته عن هذه القشور تعطي انطباع الدارس المتفهم لمن حوله. وهذا الانطباع يجعله يتيه زهوا وفخرا ويجعله يصدق الكذبة التي اختلقها.
لو أردنا أن نعرف السبب وراء ذلك المرض بعيدا عن الباكتيريا والفيروسات.. فهل هو الرغبة في الظهور مصحوبة بقليل من الادعاء؟ أم هو حب الإطراء والزهو عند رؤية الأيدي تشير إليه ؟ أم هو شعور بالنقص يدعمه الاستزادة من تفخيم الذات عند معرفته شيئا ولو ضئيلا يشعره بأنه أفضل؟ أم أن الأسباب كلها مجتمعة؟!
للأمانة منقووووووول
بل للاسف كل عربي في كل الاراضي العربية يحبوا نسب العلم والمعرفة لانفسهم
ولو اتخذوا من الملائكة قدوة حين سالهم ربنا سبحانه وتعالى
(وعلم ءآدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلآء ان كنتم صادقين *
قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم )
مع ان الله كرم الملائكة على الخلق الا انهم لم يتجرؤا ادعاء العلم والمعرفة
ولكن يهون الامر في المسائل الدنيوية فليدعي بما شاء
اما المسائل الدينية وخاصة الفتاوى وادعاء العلم في الفتوى هنالك تقع المصيبة
نسأل الله العلي القدير ان يجعلنا من اهل الحق ويرزقنا اتباعه
والف شكر على النقل