عن الحمل الكاذب

تأخر الحمل

لايزال الدكتور جون راديباخ يتذكر أول توبيخ رسمي له في حياته المهنية. ففي منتصف الستينيات كان لايزال هو طبيب أطفال في مقتبل العمر تطوع للعمل في عيادة طبية لعمال مزرعة للمهاجرين في روشستر، وقد تلقى اتصالا هاتفيا في إحدى الاماسي يخبره وجود امرأة تنتظر المخاض وحينما وصل الى مسرح الحدث رأى إمرأة حاملا تتلوى من الألم والوجع. ومن خلال الوضع التي كانت تبدو عليه كما يقول: (ظننا أنا ومن معي أنها على وشك الولادة).





وقد قرر الدكتور وفريق العمل الذي جاء معه على عدم إضاعة الفرصة باجراء فحص للحوض والذهاب بالمريضة الى مشفى الطوارئ بأقصى سرعة. حيث ساعد هو بنفسه بدفع كرسي المرضى لها الى المشفى حيث بدا واضحا أنها ستطلق العلامة الأولى للولادة. وحينما إتصل بالمشفى في اليوم التالي ليتأكد من حالة المريضة فوجئ بجواب لم يكن يتوقعه إطلاقا. إذ جاء الرد بأنها ليست هنا وقد غادرت المشفى أمس. فتساءل مستغربا هل غادرت أمس كيف يعقل ذلك؟ فأجابه دكتور آخر بانها لم تكن في حالة مخاض والمسألة كلها أنها كانت تعاني من وجود كيس هواء ممتلئ في المثانة وليس كما جاء في تشخيص الدكتور راديباخ. ورغم أنه لم يفلح في التشخيص إلا إنه تفاجأ فعلا بحالة المرأة. هذا مايطلق عليه " الحمل الكاذب" وهو نادر يحصل بين حالة واحدة الى ست حالات تقريبا في كل 22 ألف حالة ولادة. ولايزال العلماء في حيرة كبيرة لما يحصل في مثل هذه الولادات بين البشر وقد سعى العلماء لاجراء دراسات وإختبارات علمية على الحيوانات لحالات مشابهة لاستكشاف دور الهورمونات في هذه الظاهرة. فوجدوا أن الناس الذين يعانون من اختلال في عمل الهورمونات تحصل لهم جملة من اختلال الاعراض التي تربك بشكل تام أصحاب الاختصاص. فتراهم لن يكتفوا بتشخيص الحمل فقط وإنما يستدلون عليه من خلال جملة أعراض منها إنقطاع الطمث وانتفاخ البطن وكبر الصدر والغثيان والقئ المصاحب لإمتناع تناول بعض أنواع الطعام. كما أن هناك فحوصات تجريها الحامل تظهر إيجابية النتائج تؤكد الحمل كما يقول الطبيب في المركز الطبي في نبراسكا الدكتور بول بولمان. حيث يذكر إن كل علامة وعارض للحمل يسجل في سجل المريضة عدا ثلاثة أشياء لايتم ذكرها وهي عدم سماع دقات قلب الجنين أو أخذ السونار أو الوصول الى مرحلة المخاض. ورغم ذلك فان هذا الاضطراب يعد أمرا غير طبيعي، فحالات الحمل الكاذب سجلت في المجتمعات الانسانية منذ العصور القديمة في إشارة الى إن هذه الظاهرة لاترتبط بزمان أو مكان أو ثقافة وليست نتاجا لشيء ما يخص التقدم العلمي أوغيره بل هي حالات حاصلة مرات عديدة. ففي العام 300 ق.م وصف الطبيب هيبوقراط حالة 12 إمرأة كان يعتقد أنهن حوامل ولم يتحقق ذلك، والأمر حصل أيضا مع ملكة بريطانيا ماري تيودور التي عانت من حالة الحمل الكاذب ( ويقول المعلقون أن أفعال العنف التي أعطتها الطابع الدموي كان السبب وراء تسميتها بماري الدموية إذ كان ردود فعل لها حين إكتشفت عدم قدرتها إنجاب وريث للعرش أبدا) . ولقد نتجت نظريات سايكولوجية عديدة لأطباء نفسيين منذ مئات السنين حول أصول هذه الحالة، وحسب ماجاء في مذكرات العالم فرويد حول أشهر مريضاته "آنا واو" حيث إعتقد بأنها كانت حاملا حسب المحلل السابق جوزيف بروير. لكن فرويد عزا حالتها الى مايسمى بالمرحلة التحولية أو الفكرة القوية العامة لطريقة التحليل النفسي التي غيرت فيما بعد حجر الأساس لنظرية فرويد. كما أوحى محللون نفسيون آخرون الى أن بعض حالات الحمل الكاذب يحصل للمريضات اللواتي يردن أن يصبحن حوامل ولمن تأمل أن تكون لها عائلة تنهمك بين أفرادها في الحياة كما لو كانت حاملا فعلا. وقد ورد تقرير نشر في إحدى الصحف المهتمة بالتحليل النفسي والجسدي في مقالة للدكتور بيجو باسيل أختصاصي في الطب النفسي بجامعة دركسيل ذكر فيها أن إمرأة ذهبت لتلد بعد أن شعرت بألم المخاض لحمل كاذب بنفس الوقت الذي ذهبت فيه زوجة إبنها لتلد حقا بعد أن شعرت بما يشبه الغيرة منها. فقد بدأ عنها الشعور بألم المخاض بعد أن كانت تعتقد بأنها حامل وقالت أنها كانت هي وزوجة ولدها تشعران بذات الألم حتى أنها أطلقت الزفرة الأخيرة للولادة كما كانت تشعر بذلك حين ولادتها لأولادها. وقد خمًن الدكتور باسيل أن حالة المرأة هذه نتجت من شعورها العميق ورغبتها في مشاركة زوجة إبنها في ولادة الحفيد الأول. وبسبب عدم تقديرها الأمر حق قدره لم تعد بعدها تهتم بما يزيد من حدة نشاطها في الحياة فلقد أرادت أن تساهم بشيء جديد في هذا العالم فيما لو أنجبت حقا كما يذكر الطبيب. ولازالت النظريات الدائرة حول أصول الحمل الكاذب اللاشعوري كما تذكر الدراسات البايولوجية قد يعود في جزء منها الى الخلل الهورموني ولأن عددا قليلا من الناس يشكون من إضطراب الهورمونات، لذلك لم تقم دراسات على نطاق واسع بكشف جانب من حالات الحمل الكاذب الذي تتعرض له بعض النساء. لكن الدراسات التي قامت بها جامعة مشيغان وجامعات أخرى تشير الى أن مريضات عديدات ترتفع عندهن الهورمونات مثل الأستروجين والبرولاكتين وهو مركب يمكن أن يسبب علامات جسدية مثل الانتفاخ البطني وإفراز الحليب إضافة الى العامل النفسي الذي يسعى اليه الفرد بإمتلاك طفل والارتباط به.
وهذا قد يكون أحد الأسباب الممكنة المتأتية جراء الحمل الكاذب الناتج عن ضعف القدرة العقلية وعقدة إمكانية إسترجاع القابلية الجسدية بالحمل أضافة الى الاقتناع النفسي والعاطفي بإستمرار المرأة على إفراز الهورمونات ما يكون له آثاره البدنية والنفسية عليها. ووفقا للبايولوجية الاختصاصية في جامعة بوسطن الدكتورة ماري إيرسكاين التي درست أثر الجهاز العصبي في نظام التكاثر تعتقد أن الانفعال العاطفي يساعد في ترسيخ فكرة العقدة الاسترجاعية للانسان في عودته للتوالد والتكاثر. حيث تقول إن الاجهاد والضغط يمكن أن يؤثر فعلا في تنظيم دورة المبيض للمرأة.
وترتفع حالات الحمل الكاذب لدى الكلاب أكثر منه بين البشر ، حيث يشكل عدم إنتظام الهورمونات المسؤولة عن التوالد نسبة عالية خاصة في البرولاكتين. وعلى عكس الانسان فالكلاب يتأخر عندهم طور دورة المبيض حيث يستدعي المبيض إنتاج اللوتيوم بأعداد كبيرة لمساعدته في إنتاج البروجيستيرون. فلذا لم يحصل الحمل لدى الكلاب ينتهي اللوتيوم ببطء خلال فترة تتراوح فوق السبعين يوما. وتكون النتيجة الطبيعية في مستويات البروجيستيرون هي المسببة بوجود مستويات عليا من البرولاكتين وزيادة إفرازغدد الحليب وإنتفاخ البطن ويستدعي الشعور بالأمومة. ويقول الطبيب الضليع في متابعة حالات الحمل الكاذب للكلاب في جامعة غليندل بكاليفورنيا الدكتور كريس كاوبل " لدينا كلاب تبدأ بحماية حيوانات أخرى صغيرة غالبا تكون شرهة ولكنها تعاملها كما لو كانت أولادها فعلا فتبدأ بإطعامها وتوفير الرعاية والحماية لها ، لاشك أن الهورمونات لها تأثير مدهش في إثارة غريزة الأمومة لدى هذه الحيوانات. وتكمن الطريقة السريعة في معالجة هذه الحالة عند الكلاب بأعطائهم جرعات من الهورمون مثل جرعة التيستوستيرون والتي تخفض بشكل سريع مستويات البرولاكتين وتوقف الأعراض المصاحبة للحالة الغريزية.
وبسبب قلة ما تم من دراسات بشأن حالات الحمل الكاذب لدى بني البشر، لايزال الدكتور بولمان غير متفائل بإيجاد تفسيرعلمي دقيق، ولكنه يأمل ان تتواصل الدراسات بجدية وإهتمام أكثر مما يستجلي الأمر في النهاية ليصبح واضحا السبب العلمي الحقيقي وراء هذه الحالة. إذ يذكر قائلا " إن الغدة النخامية تقع مباشرة في المخ حيث تأتي الهورمونات منه في حالة حدوث الحمل وهذا هو واحد من النماذج في الطب التي يجب أن تدرس لمعرفة مدى تأثيرها وكيف أن العقل يؤثر في بقية الجسم.
1
607

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نورلوجين
نورلوجين
سبحان الله