أحبك يا أماه.......
فقدتك ...تركت أثرا قويا في قلبي ...وفي أحاسيسي...وفي مشاعري..
بعدك تاهت نفسي ..أصابني وجوم..وعدم تصديق..أنني لن أراك مرة أخرى
نظراتي حيرى ..تجول في كل اتجاه ..تنظر إلى الوجوه وإلى تعبيراتها....
صرخاتي .. وصوتي ..وبكائي.. وأنا أذكر الله وأتشهد..أنا أسمعه فقط..
لم يسمعه الآخرون من أول وهلة..ولم يواسوني ولم يهدئوا من روعي...
وإنما قدموا بهدوء..واتجهوا نحوك ..قاسوا نبضك ..تلمسوا أطرافك..وضعوا السماعة على صدرك..لجس نبضك.. فجأة تحركوا وأنا أصرخ افعلوا شيئا..ولا تقولون شيئا يصدمني...سأكذب ما أحسست به وما رأيته قبل قدومهم ......
آه ...آه...آه....... يا أمي ...لم يكلموني لم يقولوا لي شيئا ...أخذوا الملاءة وغطوك بها ...كاملة.......أجل ..غطوا وجهك المنير المضيء..بنور الإيمان...
حاولوا يخرجوني ورفضت رفضا قاطعا....أتى آخرين ومعهم سرير آخر نقلوك إليه...سيذهبون بك إلى أين ...إلى الثلاجة ...أبهذه السرعة ...رفضت
ورفضت....وأقنعوني.......آه يا أمي رحمك الله وأسكنك فسيح جناته...
أستمر بكائي ..وصراخي..وأنا أنتفض...كالطير الذي لا يستطيع الطيران....
اللوعة تقتلني على فقدك وفراقك .....لا أحد هدأ من روعي ولا يوجد أحد
يذكر الله لحمايتي ..من الفجيعة....
أماه ...يامهجة قلبي وروحي...هذا المشهد أول مرة أراه في حياتي.....لم أرى أحد قبل يموت أمامي أو يلفظ أنفاسه وأنا أراه....
وفجأة....أراه لك أنت...وفيك أنت...وبك أنت.......
أماه.........أنا بعدك ...تألمت ...وتعبت .....ومت ...ألف ميتة ...وأتجرع
ألم ماشاهدت.....ولا أحد يعلم عني شيئا.....
أماه ...يا من أحبك الجميع ........وأحترمك وقدرك الجميع.....كنت كل يوم أراك.. وأتحدث معك وخاصة في سنوات مرضك...الذي أقعدك عن الحركة ...أتذكر الآن كل كلمة ..وكل ضحكة وكل ابتسامة صدرت منك
أتذكر تعبك .. ونومك على سرير المرض في المستشفى لفترة طويلة.....كنا يوميا نحوطك بحناننا ورعايتنا لك ....وتبثين فينا الأمل ...بابتسامتك...ودعواتك لنا..لم نتوقع يوما أننا سنفقدك..كنا على أمل التحسن والخروج من هذا المكان
أماه.......قبل فقدك بشهر أو أكثر مرت بي ظروف طارئة جدا ..أصبحت آتي إليك يوما بعد يوم وأحيانا كل يومين...
وقبل فقدك بعشرة أيام انتهت الظروف التي مرت بي وعوضت عن غيابي بالحضور لك يوميا من بعد صلاة الظهر إلى منتصف الليل لأنه كان يراودني شعور بالذنب أنني قصرت في الأيام التي لم أحضر فيها لرؤية محياك والاطمئنان عليك...
وفي ذلك اليوم أصبحت.وأنا أشعر بشيء يكتم على أنفاسي وبقلق ينتابني..لا أدري ما سببه....اتصلت بالمستشفى وسألت عنك: قالوا أنت على وضعك وفجأة وجدت نفسي أسارع للقدوم إليك لرؤيتك...أول مرة آتيك في الصباح وكأن شيئا يسوقني إلى ذلك سبحان الله ..دخلت عليك وأنت نائمة والهدوء يعم المكان وممرضتك الخاصة ومن معها يجلسون بهدوء عندك سألتهم عنك قالوا على وضعها لأنك أصبحت تكثرين من النوم في الفترة الأخيرة
إقتربت منك قبلتك وأيقظتك ...انتبهت لي سألتك..كيف حالك الآن ..قلت الحمد لله..سألتك هل تريدين شيئا أحضره لك ماء أو غيره ...قلت لا تريدين..وأصبعك الأيمن يتحرك ولم أنتبه في البداية لماذا يتحرك...
جلست بجوارك وأنا أرقيك..ثم أخذت المصحف أقرأ القرآن بصوت ..وأنا أشعر بحزن دفين ...ولا يزال القلق يعتريني..ثم أتوقف قليلا وأذكرالله....
لم يعجبني وضعك..اتصلت بالممرضة أسألها عنك ..قالت ليس بها شيء
آه يا أمي ... هم يعرفون وضعك وقتها ويعرفون مابك وأنا لا أعرف
آه يا أمي... لا أود أن أذكر ما رأيت وما شاهدت ...ورؤيتي لعيناك..
إنه الحق ....والساعة أزفت والروح ذهبت إلى خالقها بغمضة عين وانتباهتها..وأنا ضاع صوابي ..وانهرت ..وصلت الساعة الثانية عشر و كل شيء قد انتهى .. أجل انتهى ..
أنا لست صغيرة يا أمي..ولكني جاهلة في هذه المواقف ...وأجهل كيف تكون اللحظة الأخيرة ولم أكن أعرف شيئا.
لا أدري هل رؤيتي لك في هذا الموقف في صالحي وأكسب الأجر من الله
أو أنه غير ذلك
لأنني أتألم كلما ذكرته ..وتصيبني نوبة الحزن والبكاء وأتجرع مرارة الألم
وأساءل نفسي كيف لم أعرف أنها في لحظاتها الأخيرة والفجيعة التي صدمت بها لأنني رأيت أعز الناس في هذا الموقف
الجميع نسوا إلا أنا ولا أحد يعلم بما أعاني ....
رحمك الله يا أمي وغفر لك الله وأسكنك فسيح جناته
وإنا لله وإنا إليه راجعون
كتبته الآن بعد مضي عدة سنوات على وفاتها
ولأفرج عن مكنون نفسي
لعلي أرتاح إذا سطرت ما أعاني
و اساله ان يربط علئ قلبك بالرضئ و الايمان و الصبر