السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الدائرةقصة واقعية
لطالما آمنت بأن حياة كل منا عبارة عندائرةمملة تتكرر عبرا
ولادةوصراخ .. طفولة وطلبات .. مراهقة ولف بالشوارع .. دراسة مع بعض التجارب الشقية .. وظيفة وفلوس .. زواج ورزانة .. أطفال ومسئولية .. تقاعد وفراغ .. قبرموحش!؟!
ثم أسلمعصا سباق التتابعلابني ليركض في نفس المضمار!
ويقول التاريخ أن هذه الدائرة بدأت من آدم ... وورّثها لنا واحداً بعد الآخر! وكل من حاول أن يتخطى هذه الدائرة ويرسم خطاًمستقيماً، فالويل لهذا الشاذ المجنون الأرعن المارق عن العادات والتقاليد و .. و .. تعرفون باقي الشتائم!
وكنت أعتقد أني أنا الآخر سأتسكع في هذه الدائرةحتى أسلّم عصا التتابع لمغبون من بعدي.. حتى جاء ذلك اليوم ..
حينما ألحت علي أختي للذهاب إلى العمرة، وأختي – من وجهة نظري – من ذلك النوع المثالي الذي لا يحب الخروج عن الدائرة نهائياً، فذهبت مرغماً ثقيلالنفس لأؤدي دوري كمحرم من العيار الثقيل الظل في هذه الرحلة ذات الثلاثة أيام ..
ولا أنكر ذلك الانشراح النفسي الذي يغمرني في بيت الله الحرام، خصوصاً فيهذا الوقت الهادئ من العام.
بعد صلاة العشاء في الحرم المكي، تلفتّ وإذابشاب أشقر، طويل القامة، عيناه بلون البحر، لا تخطئ عيناك أوروبيته من النظرةالأولى ..
تسربل بذلك الإحرام، ليعطيه شكلاً لم تألفه عيني، إذ نادراً ماترى أوروبياً مسلماً، فبدا مظهره في الإحرام كأنه صورة صغيرة ركب عليها برواز كبيرغليظ لا يناسقها بالحجم ولا بالشكل، ولكن سبحان من استجاب لدعاء إبراهيم : " واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ..."، ابتسم في وجهي فرددتابتسامته بمثلها أو بأحسن منها، وهممت بسؤاله بلغة إنجليزية ذات "راء" أمريكية أعكس فيها فشخرتي واستعراضي بثقافتي الأمريكية،إلا أنه فاجئني بقوله :
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أخي ...
كان يتحدثبعربية فصحى تعرضت حروفها للكسر والعجمة من لسانه ..
- وعليكم السلام يا أخي ...
-من أي بلاد الله أنت ياأخي؟
- أنا من الكويت وهل تعرفها؟ وأنت منأين؟
أحسست بأني في مسلسل مدبلج وأنا أتحدث العربية الفصحى لأول مرةفي حياتي، ففي مشوار حياتي كلها كنت أتحدث بلهجة خليجية، وقد ألجأ من باب المداعبةللتحدث بلهجة عراقية، مصرية، لبنانية .. لكن أن أتحدث العربية الفصحى، فقد كانغريباً بعض الشيء ..
-أنامن هولندا، ولا أعرف عن الكويت غير رسمها على الخريطة وإنكم محظوظون لأنكم بلد عربيومسلم ..
- وأنتم محظوظون في هولندا، لأنكمتتسممون بالأفيون والحشيش في مقاهيكم، وتحت أعين الشرطة!
ابتسم، وهويرد على دعابتي بعربيته الفصحى :
-وأنتم محظوظون لاتصالكم بسر الخلود .. وأفيون السعادة الذي يخرجكم عنالدائرة!
- أي دائرة تعني؟
-الدائرة التي يعيشها الإنسان : ولادة .. دراسة .. عمل .. زواج ثم فناء!!
سبحان الله هذا الأشقر الأحمر، الذيجاء من آخر أقاصي أوروبا يتحدث بنفس لغة تفكيري! ويعرف الدائرة، أطرقت قليلاً وقلتله :
- ما الذي يخرجني عن الدائرة؟ فكلنا محكومونبها!
-سر الخروج عنالدائرة أنتم من يملكه، وخروجك عن الدائرة يجب أن يكون ضمنالدائرة!!
- لم أفهم شيئاً من فلسفتك، كيف أخرجمن الدائرة وأنا أمشي فيها؟
-الفرق بيننا وبينكم بأننا نحتاج إلى أن نبحث ونقرأ ونقارن بينالفلسفات والديانات حتى نصل إلى الحقيقة، أما أنتم فمحظوظون لأنكم ورثتموها جاهزةبكل يسر .. ولعل تلك الوراثة هي التي منعتكم من التفكير فيها ..
- حيرتني معك يا هذا .. لم أفهم شيئاً مما تقول ....
-تخيل أنك فيممر طويل ومظلم، ترى في آخره بابان ... وكل إنسان مجبور بأن يمشي لآخر الممر،وحينما يصل سيفتح له أحد البابين ليدخله ..
- منظر غريب ..
-تخيل أن الناس الماشون في هذا الممر على صنفين، صنف يعلم ما وراء كلباب، وصنف حيران، لا يدري ولا يمكن له أن يتخيل ما وراء البابين، ولكن الجميع يمشينحو البابين، فما هو الفرق في نظرك بين نفسية الصنفين؟
- امممم .. لعل الذي يعلم ما وراء الباب سيحس بطعم مشيه وسببه ... أماالآخرون فلا مذاق لخطواتهم، وستكون نفسياتهم مضطربة قلقة طوال الطريق ..
-هذا مثلناومثلكم ... فالإسلام قد بين لكم نهاية رحلة الدنيا، أما نحن فلا ندري لماذا نقطعهذه الرحلة أو نعيش في هذه الدائرة، وتحار عقولنا وقلوبنا في أن تجد تفسيراً لرحلةالحياة ... لذا نحاول أن نتلذذ بكل المتع التي نراها في الطريق المظلم، ولكن ينقصنامعرفة النهاية ..
- لكن المسيحية قد دلتكم علىطريق النهاية ..
-عذراً لعلي أخطأت في التوضيح .. المعرفة شيء، والإيمان شيء آخر،الكثير منا يعرف النهاية لكن قلة هم الذين يؤمنون بها ويوقنون بما وراء الباب! وهذاالإيمان واليقين لا يعرفه إلا من ذا ق اللذة ...
- وكيف تتذوق اللذة؟
-بالنسبة لي فقد عشت في ظلام لسنوات طويلة، لذا حينما رأيت النور عرفتالفرق .. عرفت اللذة ..
شعرت بأن هذا الأوروبي قد ذاق شيئاً في الدينلم أذقه من قبل .. وأحس بحيرتي، فأكمل من تلقاء نفسه :
-منذ سبعة سنوات، كنت شاباً غضاَ في أولالعشرينات من عمري، وذهبت إلى زيارة للقاهرة، وبالرغم من كل ما يدهش الأوروبي منأهرامات وجمال ومتاحف، إلا أنه أكثر ما سحرني هي تلك الزيارة لأحد المساجدالتاريخية، وكان ذلك وقت صلاة العصر، ووقفت عند باب الجامع لأشاهد منظراً يبدومألوفاً لديكم
شاهدت الناس تخرج من الصلاة،فسحرني منظر تلك الوجوه الناعمة، تعلوها مسحة الإيمان. وتشع ضياءً وراحة نفسية .. رأيت غير الوجوه التي أعرفها في حياتي ..
رأيتهم يبتسمون بطيبة ورقة لم أرها من قبل .. لم أتمالك نفسي فاقتربتمن أحدهم أسأله بالإنجليزية إلا أنه لم يكن يتحدثها فلم يفهم ما بي، ولكنه حتما لمحالتشوق والتلهف في عيني، فقلب في وجوه الناس حتى رأى أحدهم يتحدث الإنجليزيةفناداه، وقلت له أريد أن أفعل مثلكم، أريد أن أصلي! فابتسم الرجل وطلب مني الحضوربعد ساعتين على توقيت صلاة المغرب، وأفهمني بفكرة مواقيت صلاة الجماعة، ووقفتمنتظراً، فأخذني ذلك الرجل البسيط الفقير ودعاني إلى كوب من الشاي المصري الثقيل،وشرح لي بإنجليزيته المكسرة شيئاً عن الصلاة وفكرتها، وظللت أسأله وهو يجيب بصدررحب، إلى أن علا صوت الأذان من تلك القبة القاهرية المزركشة
وشعرت بالأذان ينساب في شرياني ويجري في عصبي ودمي ..
وبالرغم من عدم فهمي لمعانيه .. إلا أني شعرتبأنه نداء خاص يأتيني من فوق الغيوم ومن وراء النجوم .. ثم قمت للوضوء مع الرجل .. وصليت الجماعة ولم أفهم منها سوى كلمة آمين!
- ثم أعلنت إسلامك؟
-لا .. لكن تسربلت روحي براحة داخلية لم أشعر بها من قبل ...
شعرت بأن الكون له خالق ورازق .. وأني اتصلت بهفي تلك اللحظات ..
شعرت بأني معه في تلكالسجيدات والركيعات ..
شعرت لأول مرة أني قريبمنه .. وأني أستطيع أن أطلب منه ما أريد ..
ورحلت عن مصر، ولكن تلك اللحيظات لم تغب عن روحي للحظة، وظلت تراودنيفكرة الصلاة على الطريقة الإسلامية بني الفينة والأخرى ..
- ثم ماذا؟
-بعد عدة سنوات أرسلتني الشركة التي أعمل فيها للعمل في قرية صغيرة فيألمانيا لعدة سنوات، في القرية رأيت منظراً غريباً كان سبباً فيإسلامي!
- منظر غريب في ألمانيا! مثلماذا؟
-رأيت مسجداشفافاً!
- مسجد شفاف؟
-نعم، فحينما أراد بعض المسلمينالمهاجرين في القرية بناء المسجد، سرت موجة من الاعتراضات بين أهالي القرية، فقدتوضع في المسجد أسلحة خفية، أو قد تدار فيه خلايا إرهابية ... وغير ذلك من الكلامالفارغ الموجه للمسلمين!
وكان من بين المسلمين فيالقرية مهندس معماري، فاقترح عليهم بناء مسجد زجاجي شفاف، يرى منه أهل القرية كل مايدار في المسجد ..
وفعلاً حينما مررت بذلكالمسجد الشفاف ورأيت المسلمين مصطفين لصلاة المغرب، تقافزت كريات دمي شوقاً إلى ذلكالشعور الذي زرع فيّ من سنين يوم صليت في القاهرة ..
أوقفت سيارتي وتوضأت وصليت معهم .. وخطوت خارج المسجد سابحاً في تلكاللذة التي تغمرني ...
- ثم أعلنتإسلامك؟
ابتسم وهو يترقب استعجالي فقال بصوت حنون :
-أثناء خروجي من المسجد لمحت ورقة مكتوبعليها أوقات الصلاة، واستقر في ذهني وقت الفجر، فلما غشاني الليل لم أنم وأنا أتفكرفي تلك اللذة التي لم أشعر بها من قبل، وظللت أسمع تلك الهواتف في داخلي تدعوني إلىالله، ولم تنقطع تلك الهواتف حتى رأيت الساعة وقد حان وقت صلاة الفجر، فخرجت منفوري إلى المسجد
.. توضأت .. صليت .. وشعرت بقربي منخالقي .. أحسست بنور يشع في قلبي ويسبح في دمي .. وأثناء سجودي بكيت بنشيج .. ودونأن أعرف سبباً لبكائي .. لكنه كان بكاءً ممتعاً مريحاً ..
وبعد الصلاة أقبل المصلون إليّ .. فأخبرتهم بأني غير مسلم .. فقامالشيخ ومسح على قلبي وقرأ سور طه .. فعدت إلى البكاء .. وبكى من حولي ..
وكانت الحياة علمتني أن البكاء ممنوع على الرجل .. ولكن الإسلام علمني بأن البكاء قمة الرجولة!! فهذاعمر بن الخطابالشديد القوي .. كانيبكي! وهذاهارون الرشيدالذي ملك الأرض .. كان يبكي!
فأعلنت إسلاميوسط تكبير الرجال منحولي!
أحسست بلمح عيني يتساقط أنا الآخر، فسكت من هول قصته وأنا أنظربهاء الكعبة، وأسأل نفسي : هل بكيت مرةً من لذة طاعة أو ذل دعاء؟ لمَ لم أبكي فيحياتي؟
سكت الأوروبي لوهلة، ثم أردف :
-ومنذ أسلمت أحسست بروعة الشعور بالطاعة،والاقتراب من مالك الملك، أحسست بأن تلك القوة الرهيبة التي صنعت هذا الكون بمجراتهونجومه وإنسانه، قد فتحت بابها لي، وأذن لي بالدخول إلى بلاطه في أي وقت أشاء .. وكان شعوراً رهيباً أن يسمح لإنسان مثلي أن يدخل إلى بلاط ملك الملوك متى ما احتاجأن يتخفف من عبء الحياة وأثقالها دون وسيط أو حاجب! ففي الإسلام هناك ارتباط معالله في كل شيء ... فهناك دعاء للاستيقاظ وذكر للنوم والخروج من المنزل وركوبالسيارة ، حتى العطسة لها ذكر خاص!
- كلام جميل .. كأني لأول مرة استشعر هذه الحقائق ..
-هذه مشكلتكم .. ولدتم مع هذه الحقائق! فلم تتدبروا في أسرارها .. ولو تدبرت واستشعرت معنى كل دعاء من هذه الأدعية لمابلغت عمقه وسره.
- مممممم .. إذاً هكذا تسير فيالدائرة ... ولكن تعيش مستمتعاً بها.
-نعم .. لو تدبرت أسرار الأدعية وغصت فيمعاني الآيات .. وأقمت علاقة سرية خاصة بالله .. فستعيش في الدائرة مع الناسظاهرياً .. ولكنك في الحقيقة تعيش مع الله ..
ومنذ ذلك اليومأعيش في هذه الدائرة .. آكل .. أشرب .. أضحك .. وأخرج .. ولكن لي علاقة خاصة معالله، في صلاتي وليلي وفجري تجعلني سعيداً راضياً .. متشوقاً إلى لقاءه
.. إنها الحياة مع لذة الطاعة .. جربها
منقول
قلب منكسر @klb_mnksr
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ريمااان 2011
•
جزاك الله خير
جزاك الله خير ونفع الله بك
وجعله في موازين حسناتك اللهم آآميين
سبحان الله وبحمده ..سبحان الله العظيم
وجعله في موازين حسناتك اللهم آآميين
سبحان الله وبحمده ..سبحان الله العظيم
الصفحة الأخيرة