قصة رائعة لشاب عفيف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على رسول الله وبعد :
هذه قصة أعرف أحداثها وأعيانها ، ورَنَت نفسي أن تحدثكم بها فتسلوَ نفسُ الحزين ، ويرجع قلب العاصي ، وتزيدَ المؤمن إيمانا .
تبدأ من "إبراهيم" فهو بطل القصة وفارسها ..
أعرفه مواظبا على صلاة الفجر يجلس في أحايين كثيرة إلى شروق الشمس لتلاوة القرءان وربما جرى بيني وبينه الحديث يشكو كل منا بلواه .
دخل الجامعة "إبراهيم" وانتهى من السنة الأولى والثانية ، وهو يصارع فتن الجامعة ومصائب الحياة ،
حيث الاختلاط والمعاصي وقلة ذات اليد ..
وقد أعطى الله "إبراهيم" جمال المنظر والمخبَر ، فكان مرمى سهام بعضِ المغرِضات ، وحدّثني أنه ربما وجد في ثنايا كتبه أوراقا وورودا وأشرطة من زميلاته اللاتي نزعن جلباب الحياء عياذا بالله ، ومع هذا فقد ثبّته الله ، فكان يمزق هذه الأمور شرَّ ممزق أمام ناظرِيه .
وهذا الأمر أوجد في نفسه شعورا صلبا وعزيمة قوية ، فأطلق لحيته وراقب نفسه أكثر من ذي قَبْل وصار يُعدُّ في عِداد الملتزمين ، وهذا من العجائب في زمن كثُر فيه الهالكون وتساقطوا شذر مذر مما يكابدون من الفتن تجد نفوسا مطمئنة لذكر الله تزيدها هذه المحن إيمانا وإسلاما ، بل لا تجد ملجئا إلا الله فتفزع إليه .. والله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
أراد "إبراهيم" إعفافَ نفسه وإغلاقَ الباب الذي يأتيه منه الشر والبلاء .. فصار يبحث ذات اليمين والشمال ..
وحتى يعين نفسه وأهله عمل في محالَّ الأحذية فكان لا يذوق طعم الراحة بل ما إن يفرغ من الجامعة حتى يكابد العمل وما إن ينتهي من العمل حتى يكابد نفسه على غَدِه .
وفي صباح أحد الأيام جاء إليه رفيق يدعى الزيات وقال إني رأيت فيك رؤيا عجبا !!
قال "إبراهيم": وما رأيت؟
قال : رأيتك في مكان زاهر خَضِر فيه أنواع الرياحين والورود وعلى يمينك امرأة فسألتك من هذه ؟
فقلت : هذه زوجتي .
فاستبشر "إبراهيم" من رؤيا صاحبه ومنّى نفسه الأماني .
وذات يوم وبينا "إبراهيم" يبتاع ويشتري في عمله ، دخل عليه رجل عليه سِيما الخير وخلفه ثلاث نسوة ، فصعّد "إبراهيم" نظره فيه وصوّبه وكأنه عرفه، وبعد السؤال ظهر له أنه درسه في صِغره وسأله عن نسبه فإذا هو من عائلة الزيات فاستعجب "إبراهيم" واستذكر صاحبه حين رأى فيه رؤياه .. والأعجب من ذلك أنه حينما دخلت إحداهن المَحلَّ همس هامس في أذنه : هذه زوجتك ..
وما كاد يُخرج هذا الرجل قدمه من المَحل حتى اتصل بصديقه وسأله عن هذا الرجل وبعد البحث والتنقيب عرفه ..
فقال "إبراهيم" لصديقه إن مع هذا الرجل نسوة وإني أريد خِطبة إحداهن ..
قال كيف ولم تعرف الرجل ولا أهله ولا شيئا فيه .
قال إني اطمئننت إليه والكتاب من عنوانه .
فهاتف صاحبه هذا الرجل وقال أتعرف المكان الذي اشتريت منه أحذيتك وباعك فيه شخص من صفته كذا وكذا !!
قال : نعم، لعلي لم أدفع ثمن ما اشتريت أو أكلت حقه أو شيئا من ذلك .
قال : كلا ، وما هذا الرجل إلا خاطب يريد ابنتك فكن خير ءاخذ .
قال : كيف ولم يعرفْنا ولم يُفتش عن حالنا ، ومع هذا فإني لست بِرادٍّ هذا الرجل ، فما صفته ؟
فوصف له حاله وشأنه وعمله بل وقلة ماله ،،
فلم يلتف هذا الرجل إلا إلى دينه وأمانته ،،
فأخذ رقم هاتف "إبراهيم" وكلمه وقال له : إن رزتنا فمرحبا بك وسهلا .
فامتلأ قلب إبراهيم فرحا وما كاد يسدل الليل سِتاره حتى كان عنده ...
وفي طريقه إلى والد الفتاة اختلطت الأماني بشيء من الغُصص ، وسأل نفسه كيف اجترأت على هذا الأمر وأنا لا أملك شيئا ، فكيف لو سألني مهرا كبير وأثاثا عظيما فما عسى أن أقول له ، وما زالت وساوس النفس تراوده وتؤذيه حتى طرق بابَ والد الفتاة ..
فابتسم هذا الوالد في وجه "إبراهيم" ابتسامة مشرقة أزالت كثيرا من الضباب الأسود الجاثم على قلبه .
وإني أسائلك أيها القارئ ما تظن أول سؤال طرق سمع "إبراهيم" ؟؟!! ربما الإجابة واحدة عند الجميع : "العمل أو المال أو الشهادة" .. وجوه لعملة واحدة .
إلا أنه أول ما اختبره به أن قال : كيف أنت والصلاة ؟ هل أنت محافظ عليها ؟ وكيف حالك مع والديك وأهلك ؟
فأجاب "إبراهيم" بما يدين الله به .
فقال له الوالد إن لي ابنتا في الجامعة ولا بد من سؤالها وأخذ رأيها فإن هي رغبت فيك أو عنك سأخبرك .
ومضى يوم ويومان وأسبوع وأسبوعان ولم يجئه خبر ولا اتصل به أحد حتى أقنع نفسه بالعزوف عنهم .
ومذ إلتزام "إبراهيم" أبعد نفسه عن مواطن الشبهات والشهوات ..
وفي صباح الأربعاء أخبرته أمه بأن عرس أخيه غدا ولا بد من حضوره .
وفي عرس أخيه ما يكون في أعراس الناس إلا أن فيها الغناء ، فامتنع من الحضور ، ونصح أخاه ووعظه ، وقال له : لا تجعل أول يوم من أيام سَعدك يُغضب الله .. وما زال يذكر حتى أرسل أخاه دمعه من عينه وقال : ما حيلتي والناس لا يعرفون غير هذا وإني مستغفر الله على ذلك .
وجاء يوم الخميس يسعى فأفل الصبح وارتقب الناس المساء و"إبراهيم" في عمله ، وأهله يجهِّزون جَهاز أخيه ليوم زفافه .
وزوَّر "إبراهيم" في نفسه أن لا يرجع إلى أهله فانهالت عليه الاتصالات يرغِّبون ويرهِّبون فأعرض جانبا .. وبينما هو يحادث نفسه وقد اسود َّ ظلام الليل ورقد الناس إلى مضاجعهم ولم يبق أحد في السوق غيره إذ بوالد الفتاة يتصل عليه ..
قال أين أنت ؟ قال "إبراهيم : أنا في العمل .
فتعجب من مكوثه إلى هذا الوقت وقال له ها أنا قادم عليك فجاءه ومعه طبق من الحلوى وكان إبراهيم قد ركض يأتيه بفاكهة فيها ألوان الطيف علَّ هذا الوالد يجد من بين هذه الألوان لونا حسنا يؤنسه .
فسبحان الله ، ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه خيرا منه .
فهذا "إبراهيم" هجر مكان أهله ليقاسي الوحدة فآنسه ربه وملأه سرورا .
كان من دعاء "إبراهيم" أن يرزقه الله زوجة صالحة ، ومن رجاءه أن يرزقه :ءاية.
فكان اسم ابنت هذا الرجل :ءاية ، وهذا من الغرائب .
فقال هذا الوالد : تعال أنت وأهلك ننظر في الأمر ، فإن رأيت ما يعجبك فنعمّا هو .
فأخبر "إبراهيم" أهله بالأمر –ولم يكن عندهم سابق علم- فلم يقبلوا منه ذلك فما كادوا ينتهون من زواج أخيه حتى جاء يطلب ما يثقلهم وهو لا يملك من الدنيا شيئا !!
إلا أنه أصر إلحاحا وامتعض منهم امتعاضا حتى خضعوا له وسلموا بالأمر .
ومن حق الفتاة ان تشرط على زوجها ما تريد ، فقال هذا الوالد إن ابنتي شاعرة وقد أتتك بمطالبها بقصيدة ..
فتلجلج "إبراهيم" واسترجع الشعر كله وقال : قصيدة !! وما عسى أن يكون فيها !!
فدخلت عليه الفتاة وبدأت في إلقائها ، وكان عنوانها :
أحلام مسلمة
تقول فيها :
أريد من الرجال كثير تقوى يُزيِّن قلبَه حبُ الصلاة
إذا نادى الإمام إلى صلاة تراه ملبِّياً كالأفق آتي
يطيع محمد ويحب صحبه ويختار الرفيق من التقات
وبين تواضع يحلو بدين تراه اختار خير المكرمات
وداعيةً له علم وفقه وحُر لا يبالي بالطغات
حَيِيُّ الطرف لا يرضى بعين تورايها جميع المغريات
يحب إلهه حبا عظيما فيعرض عن لذائذَ ناقصات
يزينه جمالٌ واعتدال يزيد بقلبه عزم الثبات
يزينه جمال الروح حتى ينال بقلبه كل الهِبات
تراه بنصف الليل يصحو ويوقظني لكسب الحسنات
ويدعوني إلى حفظ كتاب عظيم شافع يوم الوفاة
ويغرس في عروقي حبَّ ربي ويسلك بي طريقا للنجاة
يساعدني على مرضاة ربي ويعلو بي لأرقى المكرمات
فهذا من به أحلم دوما وفي قلبي كأغلى الأمنيات
فارتج على "إبراهيم" وأراد أن ينشأ معلقة كعمرو بن كلثوم
"ألا هبي بصحنك فاصبحينا "
ولكن الشاي قد حضر فكتمها في نفسه ....
وتم الإيجاب والقبول ، وكان مهر الفتاة رقما سجُل في مهور الصالحات اللاتي قال فيهن النبي صلى الله عليه وسلم : "أيسرهن مهورا أكثرهن بركة "
فما تمّ حول كامل حتى أنشأ إبراهيم بيتا عمل فيه بيده كي يخفف عنه المؤونة ، ثم تزوج بعدها وهو الآن قد رزق ببنتين كالورد جمالا وحلاوة وعمل لنفسه مصلحة يترزق منها، فانظر أخي عاقبة العفاف والاعتماد على الله ولا تسئ الظن به فنعم المولى ونعم النصير هو .
وفي ختام هذه القصة آمل أن تكون فيها عبرة للمعتبر وعظة للمتعظ .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
طموحي لله ولية ،، @tmohy_llh_oly
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزيت خيرا على النقل